|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
بعد أن ترحلنا حول مُدُن وعواصم العالم بحسب طبيعة عمل الوالد، وعشنا حياة إضطلعنا فيها علي كثير من عادات وتقاليد الشعوب، القى الوالد عصى الترحال لنستقر في عاصمة النيلين الخرطوم. وكان والدنا في أيام غربته خارج السودان قد أسس لنا بيتاً يُعد (ماستر بيّس) في السودان، صرف فيه ملايين الدولارآت، وجلب أساسه كله من خارج السودان. إستقر بنا المقام في السودان لكن طبيعة عيشنا كان فيها نوع من الترف ورغد العيش، وحتي إجازاتنا كنا نقضيها في معية الوالد خارج السودان والذي كان يسافر لإلقاء محاضرات في بعض الجامعات خارج السودان. كنا أنا تامر وأخي هيثم وأختي جوان رغم أننا نعيش في السودان بأجسادنا لكن أرواحنا ظلت تعيش في العالم الخارجي، كنا بالواضح نعيش في العالم الثالث بروح العالم الأول. حتي أمي وأبي كان يغلب عليهم طابع العالم الأول. كان في بعض الأحيان يأتي لزيارتنا أهل أبي وأمي من البلد لكنا كنا لا نعبأ لتلك الزيارات ولا نهتم بهم، غير أن والدي كان ينادينا تعالو سلمو علي أهلكم، ونذهب لنلقي عليهم السلام ونذهب في سبيل حالنا غير مكترثين لهم، وهم أعتقد كانوا أكثر زهدا فينا لكن يدفعهم دافع الرحم حيث كنا لا نعبأ لذلك وليس في قاموسنا رحم أو غيرها، أهو هم بيجو بدون سابق إنذار ويختفو علي عجل تميزهم جلاليبهم وعممهم وطواقيهم وغبشتهم التي لا تخطئها العين. حتي أمي وأبي كنت أحس أنهم لا يهتمون بتلك الزيارات ولم أسمعهم يوماً يحدثونا عن البلد، ولم يفكروا يوماً في رد زيارة من تلك الزيارات رغم أن أهلنا كلما سنحت لهم الفرصة لِيأتوا للعاصمة يزورونا لإلقاء التحايا والسلآم ودائماً يغادرون علي عجل !. كانت حياتنا تسير علي هذا المنوال لم نهتم بمن حولنا ولا نشاركهم حياتهم وهم أيضاً في حالهم، حال كل المجتمعات المترفة، والتي يطلقون عليها المجتمعات الرآقية ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
خاطبني والدي عبر الهاتف من جنيف وأنا في سان فرانسيسكو مع أختي جوان، وأخبرني أنه ووالدتي قد وصلآ إلي سويسرا وياسر أخي في الطريق إليهم قادماً من اليابان بعد أن حاز علي شهادة الماجستير في الهندسة المدنية، وأخبرني بأنه والوالدة قد قررا أن نلتقي جميعاً في سويسرا نقضي فيها بعض الوقت ثم نتجه للسودان . أخبرت جوان بعد أن حضرت من الجامعة بالخبر فتعلقت في رقبتي فرحة وقالت، بالجد مفاجأة حلوة يا تيمو فأنا أمنيتي أزور زيورخ . في اليوم المحدد حزمنا حقائبنا وأتجهنا للمطار، وبعد رحلة ممتعة هبطنا في مطار موينترن الدولي حيث وجدنا الوالد والولدة وياسر في إنتظارنا . نزلنا في الجناح الذي حجزه الوالد في فندق رويال مانوتيل .حسب البرنامج المُعد لنا قمنا بزيارة جميع الأماكن السياحية والمدن السويسرية بالإضافة للقيام بعدد من الرحلآت الترفيهية . بعد أن قضينا إجازة ممتعة في سويسرا حزمنا حقائبنا، وأخذنا مقاعدنا في درجة رجال الأعمال في الطائرة المتوجهة إلي مطار الخرطوم الدولي ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: دفع الله ود الأصيل)
|
Quote: ود المدير، آر يو شورٌ؟! يعني جادي أنت ولا بتهظر، وينو هو مطار الهرتوم الهرتموه أوباش الدم الصريع ، بعيدنك شنو اللغة الممفعة بالمشاعر الناعم ةو وطاعمة على لسان "عيال ميكي"دي ،خليتنا نتمطق لامن ريقنا جمَّ و تاني نشف. دايرني أحرش عليك القدرك و لحم سدر، عمو جقود! |
حباب ود الأصيل . يأخِ طولنا منكم عشان كدي قلنا نرقق المشاعر ؤ نسوي النضمي الدُقاق ؤ نهدهد العصافير ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
هبطت بنا الطائرة في مطار الخرطوم الدولي. ما كنا نعبأ لحالة المطار ولم يخطر ببالنا يوماً أن نعقد مقارنة بينه وبين مطارات الدول التي زرناها حيث أنّ مطار الخرطوم بالنسبة لنا بوآبة للخروج والدخول فقط . وصلنا البيت ولم يكن هنالك أحد في إستقبالنا غير الشغالين والشغالآت وقد كانوا رتبوا لنا المنزل وأعدوا لنا سُفرة الطعام .بعد أن تناولنا طعام العشاء توجه كلاً منا إلي غرفته . لم يشعر الجيران بغدونا أو رواحنا، ونحن كذلك لا نهتم بهم شأننا وشأن الأحياء الأروستقراطية. الخرطوم كعادتها تمور بالآف البشر الذين أتو من كل فجِ عميق، لتنطلق العاصمة من عِقالها إثر ذلك فتصبح وادٍ خصب للنفاق والرشوة والسرقة والغِش والخِدآع، وكلّ أنواع الموبقات. صارت البلد بين الترصُد والترقُب والحذر، الجيش يتحرك في كل الإتجاهات والقوى السياسية فاقدة للبوصلة والشعب مهدد بالجوع، وإنفرط عقد الأمن، ونُذُر الحرب بدأت ظاهرة للعيان. إقترحت الوالدة علي الوالد الرحيل، لكنه رفض بحُجة أن هذا هو حال السودان تتجمع الأتربة في سماه ولكن سرعان ما تنقشع. بين الترقُب والحذر كانت الخرطوم في ذلك اليوم علي موعد مع تحريك أُصبع الشر لِيضغط علي الزناد لتنطلق أوّل رصاصة معلنةً الحرب،إستعرت نيران الحرب لتصبح الخرطوم فاقدة للأمن والأمان وبدأ السكان في إخلائها هاربين للمدن داخل الحدود وخارج الحدود سالكين الطرق البريّة بعد أن تمّ ضرب مطار الخرطوم. قرر الوالد الخروج بعد أن إشتّد وقع الحرب، وهذا أمر كان متوقع، لكن الذي لم يكن في حُسباننا ولم يخطر علي بالنا وما توقعناه أبداً أنه قرر هذه المرّة التوجه للبلد !!!، نعم البلد !. وقع علينا الخبر وقعاً أشدّ من الحرب ذآت نفسِها، ولكن !!!...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: mustafa mudathir)
|
Quote: سلامات معاوية مشتاقين ولعلك بخير واصل، أنا متابعك باهتمام، |
حبابك أُستاذنا مصطفى مدثر. نحمد الله بخير، واريتك إنت طيّب . يأخ متابع مِنّك تشرفني ؤ تفرحني، كمان تديها بإهتمام !. تفرحني متابعتك فرحة تلميذ بأستاذه، وهذا أعتبره تحفيذ لي لأكتب معتمداً علي الموهبة إن وُجدت، وليس كتابة زول مُحترف، فرفقاً بشخصي الضعيف ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
لم يكن هنالك وقت للتفكير في خيارات ولم يكن هنالك حتي زمن لمناقشة الموضوع، كلّ الذي طُرح أمامنا أمر واقع ويجب التنفيذ فوراً . حملنا ما خفّ حمله وأرتفع سعره، ثم سريعاً جهزنا السيارة الهمر لوعورة الطريق وتركنا باقي السيارات بالبيت، قمنا بتقفيل أبواب البيت ثمّ وصينا الشغالين والشغالآت وأنطلقنا . لأوّل مرّة في تاريخ أسفارنا نشعر بأننا نرتحل عبر الزمن إلي المجهول، نعم كانت رحلة للمجهول بحق وحقيقة، كلّ المُدُن والعواصم التي زرناها أو سكنا فيها كانت عندنا خلفية عنها قبل أن نتوجه إليها إلآ هذه القرية التي هي مسقط رأس والدي ووالدتي . بدأت السيارة تشق بنا طرق الخرطوم تحت صخب الرصاص ودوي المدافع وإنتشار العسكر في الشوارع . الكل صامت والكل حزين، الجو داخل السيارة يتجول فيه الصمت الممزوج بالرعب والخوف .
بليل : سلآم هوي، آنآس إنتو ما عندكم شغلة غير عتبة الدكان دِي والنضمي في الحرب ؟. المرضي : عاجبنا إنت الغالبك تحُك رأسك من الشغلة . بليل : القالك مِنو، حرّم تراها دي حمارتي موديها لحمار وِلآد بلول يعشِرا . ود النفاري : هههههههه لكن والله يا بليل زيّن خَدَم . بليل : عِلآ قول لي يا الكارِس، بالصُح محجوب ود التوم جايب وِلآدو ؤ جاي من الخرتوم ؟. الكارِس : شِن خبرني بيهو؟، أنا السِمعتو قالوا ضرب لحسن أخوهو قال جاي . بليل : ؤ بَوليداتو !. الكارس : أيِّ . بليل : ههههههههههه، أمانة ما ظقّو ظق . المرضي : كيفِن يا بليل الكلام دا ؟. بليل : ها زول باقِيّلك الخواجات ديّل بيقدروا علي بلدنا دي !، حرّم قعدة وآحدة في الكنيف ترجِعُن بي درِبن . ود النفاري : ههههههههه، الله يصُرفك يا المقبوح، أمِش ودي حمارتك دي اليسجموها ؤ يرمِدوّها ليك . الطيب : فُوّت أمش في صايبك، أوّل أكان جو واللآ ما جو شِن طعمُن ؟. الكارس : يا الطيب كلامك دا أعوج الدنيا حرِب والناس ديّل عليكم الله لا تكاجرُوُهُن . المرضي : الكارس دا كلامو في محلّو، الناس ديّل وكِت أصِلن سجمانين كمان إنتو دايرين تبقو زيهُن، أفووو . الطيب : حرّم الحسن ود التوم راجل كلس عِلآ أخوهو دا من ضرب البندر خِرِب في تولآتو ؤ خرب بنتنا معاهو . بليل : يا ناس إستهدوا بِالله ؤ ما تتلومو الدنيا دي حبلآ قِصيّر. عررر فتكم عافية ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
بصعوبة تجاوزنا منطقة بحري وبدأنا ندخل في مناطق ليس لنا عهد بها، غير أننا نسمع أسماءها تطرق أذانا من حين إلي حين كالكدرو والجيلي ؤ شندي . الشارع مُزدحم بالسيارات المغادرة لمحيط الحرب وقد بدأت مصفاة الجيلي للبترول تلوح لنا، في هذه اللحظة طافت برأسي أسئلة كثيرة حالت بيني وبين أن أسألها غمامة الصمت والحزن السابحة في أجواء السيارة . إنطلقنا في فضاء وآسع وصحراء مترامية بها العديد من الصخور والجبال المتفرقة، والأشجار الصحراوية، ومع وهج الشمس رأيت ما يبدو وكأنة بحر وسط الصحراء فتعجبت لذلك !، فجأة وكأنما شريط سينمائي تمّ جرّه بسرعة إنتقلت إلي منزلنا الذي تركناه خلفنا .عجبتُ لِأُناس يتجولون في هذه الصحراء، كيف يحصلون علي الماء والغذاء والدواء !، يبدؤ أنهم كانوا مُهمشين من كلّ الحكومات التي تعاقبت علي السودان وإلآ لما كان هذا حالهم !. كان كل شي حولنا يجذبني للتفكير والسرحان إلي أن نطق والدي فجأة، فأحسست بصوتهِ آتٍ من فجٍ عميق . قال والدي مشيراً بيده ناحية الشرق تلك الإهرامات هي إهرامات البجرآوية، ونحن الآن في منطقة تاريخيّة مهمة . شعرتُ أنّ الوالد قد دآس علي مشاعره وغالب أحزانه وصارع الكلمات حتي لا تفوتنا هذه اللحظة التاريخية، فواصل حديثه، هذه الإهرامات أقدم من الإهرامات المصرية، ويقال أن الحضارة بدأت من هنا وأنّ السودانيين هم أوّل من صهر الحديد وتوجد في هذه المنطقة أفران تدل علي ذلك. ويقال أن هذه الصحراء كانت مجموعة غابات تصحرت بسبب قطع الأشجار للقيام بعملية الصهر . إنزوى والدي في زاوية صمته مرّةً أُخرى فقلت ليته واصل، وتمنيت أن تُتاح لي الفرصة لِأزور هذه البقعة المباركة . دخلنا مدينة تبدو كبيرة بعض الشي فقال والدي هذه مدينة عطبرة وسنرتاح فيها ثم نواصل إن شاء الله ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
الجاز : كِدي يا مدينة أدُدخلآكِ علي بت الخير دي النطايبا ؤ نأخد خبرأ . مدينة : سلآم هوّي يا الجوّة . بت الخير : حبابكن، أدخلن أشربلكن فُنجان جبنة . كُؤبِيلِن يا جودلية . الجاز : لا لا، أنا بدور لي كباية شاهي، الجبنة بتوّر فوقي النحّار . الجودلية : عآد الشاي دا عِلآ بانجقلي، الحرب دي نشفت الوآطة . مدينة : كِدي يا دي وكِت جبت سيرة الحرب بالصُح المحجوب ود التوم جآيِب وِلآدو ؤ جايّ ؟. الجودلية : أيِّ . مدينة : إن شاء الله ربنا يكتِب سلآمتُن يا فاطنة ؤ تشوفي نعمات ؤ وِليداتا طيبين . فاطنة : شاحدة الله النِعامة ترفِسا الكُعوّبيّة الغلفا، يقططططع قلُبا نعمنها من ماتت أُمها تاني ما طرتنا. الليلة بس التصلني . !. بت الخير : عآد خسمتك بالرسول يا فاطنة أكان تكسِرِ بخاترا، مسكينة الحرب دي قهرتا . فاطنة : الرسول عزيز ؤ غالي، عليك الله يا بت الخير خليني اللفِش مغستي . مدينة : هوي يا فاطنة إنت كمان لا تبقي كعبة، نعمات إنت خالتا وِاياها بنتك بعد أُمها ماتت . فاطنة : خُلآل السِدِر، عليكن الله السِيّرة دي أدمسنها . الجاز : نحن النقوّم يا مدينة . بت الخير : يا ديّل ما تونِسن . الجاز : لا لا، بندور نغشي نفيسة بت الغفاري باقي ولداً ليها وقع من تمرة الدابي فكّ إيدو . بت الخير : الله يعدل ختوتكن ؤ يكتب سلآمتو ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
قضينا يوم كامل في مدينة عطبرة، حدثنا والدي أن هذه المدينة أُنشِأت في العام 1906 عندما نقل المستعمر رئاسة السكة الحديد من حلفا القديمة لأتبرا كما يحلو للبعض نطقها هكذا . في سوق المدينة حاولت أن أعقد مقارنة بين سوق عطبرة والأسواق العالمية لكنني وجدت البون شاسع، حيث في الأسواق العالمية الناس تهتم بشراء حاجياتها فقط، لكن سوق أتبرا مؤتمر جامع لجميع سكان المدينة فيه إحتكاك مباشر ومعرفة بين الكل، لذلك تجد فيه حميمية وهو عبارة عن منتدى ثقافي وإجتماعي، عكس الأسواق العالمية فهي محدودة الغرض . تحركن من عطبرة متجهين نحو الشمال . البيوت علي جانبي الشارع تخبرك أنّ هذه المناطق طالتها يد التهميش وتجاهلتها الحكومات . أحياناً ينعطف الطريق نحو النيل فتظهر أشجار النخيل وأشجار أخبرنا الوالد أنها أشجار الدوم، أما الجانب الشرقي الصحراوي فتظهر فيه أشجار صحراوية قصيرة وشوكية، إلي أن دخلنا في صحراء ممتدة حد البصر وبعد أن سرنا فيها ساعات إنعطف السائق مرةً أُخرى في إتجاة الغرب وبعد ساعة تقريباً ظهر لنا النيل، وعلي ضفته مجموعة من الناس جالسين تحت عريشة وبعضهم خارج العريشة !. قال لنا والدي هذا هو مرسى المعدية التي سوف تنقلنا للضفة الغربية حيث ديار الأهل . أحسست بوالدتي أصابها شي من الإرتباك والتوتر، حاولت أن أهدي من روعها فقلت لها هذه أوّل مرةّ نقطع فيها النيل من غير كبري، فأومأت برأسها أن نعم ثم رجعت لحالتها التي كانت عليها . أخي ياسر والذي تحب الوالدة أن تطلق عليه إسم هيثم كان صامتاً طوال الرحلة وكأنه قد فقد روحه المرحة ونفسه المُحِبة للمغامرة، بينما أختي جوآن كانت ملتصقة بالوالدة وكأنما هنالك مخلوقات فضائية تحلق حولها لتخططفها !. فتح والدي باب السيارة ونزل فتبعته، ثمّ فجأة أقبل الناس نحوه مهرولين فأخذوه بالأحضان ودخلوا في حالة سلآم طويلة، الأخبار، الأحوال، الأولآد رغم إننا كنا معه، البيت، الحرب، وووووو إلخ !. وأنا مشدوه أقبلوا عليّ وأخذوني بالأحضان في عناق حار وسلآم تحس فيه الحِنيّة واللهفة والشوق وهُم يسألون الوالد بلهجة لم أتعود عليها، دا الجنا الكبير ؟ؤ وينُن العقاب، فأشار لهم والدي علي السيارة فهروالوا نحوها بنفس الطيّبة والحنية يسلمون علي الوالدة وهيثم وجوآن !. إتجه بعض من الرجال نحو النساء اللآئي في العريشة وخاطبهن، فهبّن فوراً نحو السيارة وهنا وصل العناق ذروته وتخللته الدموع . كِدت أفقد صوابي من هذا الإحتفاء والذي لم أجد ما يبرره غير أن هاؤلاء الناس من عالم آخر !. الكل إلتفّ حول الوالد وراحو يحادثونه وأنا أنصِت إليهم فأفهم شي وتخفى عني أشياءُ، لكنني إستشعرت في نبرة كلامهم شي من العِتاب وإحياناً ترتفع أصواتهم حتي أخاف أن يصيبوا الوالد بأذى !، والوالد يحاول أن يطيّب من خاطرهم، ثمّ فجأة يرجعون بعد هياجهم للنبرة المليئة عاطفة وحنان !، ويصل بهم الحنين والإحساس النبيل لدرجة البكاء وكذلك حال النساء مع الوالدة !!!. هدأ الجو وراحو يغسلون وجوههم من النيل ومن بعض أوأني الفخار التي كانت في العريشة، ثمّ رجعوا لِنقاش هادييْ، يقطعونه أحياناً بسؤال الوالد عن الأحوال والأخبار !، إلي أن ظهرت المعدية وركب فيها الجميع فدارت بنا صوب ديار الأهل التي لم تطأها أقدامنا من قبل ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
كانت المعدية تمخُر بنا عُباب النهر قاصدةً الضفة الغربية فبدت لنا القرية كأنها لوحة جعل الرسام اللون الأخضر طاغٍ عليها . لآحظت كلما إقتربنا من الشاطئ زادت الوالدة إرتباك !، إلي أن رست المعدية بالضفة الغربية، وخرجت السيارة لليابِسة . فكانت المفاجأة !، جمهرة من الناس أحاطو بنا !. إعتراني شي من الخوف، فإذا بِهِم يفتحو أبواب السيارة ويحتفلون بنا علي طريقتهم الخاصة، عِناق طويل وشوق عميق، يسلمون ويعيدون السلام والسؤال عن الحال والأحوال كأنّ بينك وبينهم بُعد المشرقين ! . كان أطولهم بكاءً وعناقاً عمي حسن الذي عانقنا عِناق شديّد وبكى، نعم بكى إلي أن جلس علي الأرض فأحتضنه أبي وعانقه عِناق حار إلي أن حجز الناس بينهما !. كانت لحظات أصابتني فيها الدهشة !، كل شيئ كان يبدو لِي غريب، العِناق الحار، والروح الإنسانية التي تقمصت هاؤلاء البشر، والمعاملة التي كانت غاية في الإنسانية والتحضُر والرُقي !، حِنيّة جعلتني أشعُر بأنّ المكان كُله قد لفه السلام والمودة الوِئام . سألتُ نفسي كيف ينبُت الشر في هذا الوطن الأمين ؟، وكيف تستعر الحرب في وجود هذا الجمال ؟ زهرة وكِلآش !، يا سُبحان الله! . همس أخي هيثم في أُذني، وكانت أوّل مرّة أسمع فيها صوته طِوآل الرحلة قائِلاً، هاؤلاء الناس هُم من يستحقون العيش علي هذا الكوكب . ظلّت السيارة تسير بِنا في طريق متعرج وسط البساتين والمُرُوّج الخضراء، وحُقول البرسيم والزُرة وبيوت الطين الصامدة صُمُود أهلها إلي أن وصلنا بيت قالوا هو بيت جدنا والذي يسكنه عمي حسن . أنزلونا في غرفة كبيرة يقال لها الديوان . تنقلت بنظري في الديوان، هنالك علي الحائط صورة لرجل شلوخه ظاهرة يرتدي جلباب وعلي كتفيه ملفحة، سألت الوالد هامساً، هل هذا جدي ؟، فأجابني لا، دا السيد علي . تركت التعرف عليه لِسانحة أُخرى ووأصلت تنقل بصري في الديوان، علي الحائط الآخر هناك كِيّس أخضر يبدو أنّ بداخله سلاح قديم وصورة لرجل معه طفلآن، بينما علي الحائط الذي أوليته ظهري سيف عتيق . أساس الصالون يتكون من كراسي خيزران قديمة وسجاد تركي يتوسط الصالون علِق عليه الغبار، وبعض السرائر البلدية عليها مراتب وملايات نظيفة . في الديوان تشعر بالأريحية والرآحة ويعطيك إحساس بأنّ هاؤلاء الناس قد جعلوا أساسهم الكرم والأريحية والتبسم في وجه من يقصدهم والإحتفاء بمن يطرق ديارهم . الطمئنينة والترحاب تلمسه في كل شي حولك، تحسه في بيوت الطين وفي غناء العصافير، وفي النسيم الذي يأتيك من حقول القمح و الزُرة، وفي تراقص وتمايل أشجار النخيل، وقبل كل هذا في نفوس هاؤلاء الناس الطيبين ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
Quote: خسمتك بي الله يا ود المدير أكان ما أتاررتَ لي أخرب ليك رصة المسرد الخرافي المحنكشة بي حاجة من ضل الدليب أررريح سكن. |
ههههههه، حبابك يا ود الأصيل . أنا براي دآير أمرُق من الوكرة دي ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
بت الخير : أدُخلي يا بِنتي، أدخُلي علي خالتك دي . فاطنة : لا لا ما تجيني، أصِلآ ما بتدخل علي ولآني دآيرة أشوف خِلقتا دي . مدينة : هو دا إشنو دا البتسوي فيهو يا فاطنة إنت كمان !!!. الجاز : أمانة الليلة ما أتلومتِ يا فاطنة، كيفِن عآد بتأبِي جناك ؟!. فاطنة : ماها جناياً لي، أكان جناياً لي أكانت بتفقِدني . بت الخير : هوّي يا فاطنة هوّي، الزول بيدفِن جناهو ؤ ينسى، دحين الفات أنسيهو ؤ بنتِك جاتِك في ظروف حرب، خسمتِك بالرسول ما تكِسرِي خاتِرا . بت الخير : أدخلي يا نِعمات يا بِنتي علي أُمك دي أقعِيلآ فوق راسا . تدخل نعمات في حذر وخجل وتتقدم نحو فاطنة، وفاطنة قد إمتلأت غضب وحنق، وتحتضنها نعمات وتقبل رأسها فتدخل فاطنة في نوبة بكاء عميق وتحتضن نعمات وتشمها لينفجر جميع من في الغرفة في بكاء عميق . فاطنة : إستغفرتك يا مالك روحي . يا بِت سويلك شاي للنسوان ديّل ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
Quote: ونفوس السودانيين واضحة واسعة وضوح الصحراء وسعتها، وخلقهم لين صاف لين ماء النيل وصفائه، وفيهم رجولة تكاد تقرب من درجة الوحشية، وهم في ساعات الذكرى والعاطفة يجيش الشعور على نبرات كلماتهم وسيماء وجوههم حتى تحسبهم النساء والأطفال؛ وتلك ميزات لا مكان لها في حساب العصر الحاضر، وإن كان لها أكبر الحساب في نفوس الأفراد الشاعرين وفي تقدير الفن والشعر والحضارة. |
قبل أن أواصل إقتبست هذا الجزء من مقال للأديب المرحوم معاوية محمد نور حتي نعرف من نحنُ ولا نترك مجال لِقلة سقطت في ظرف الحرب نسأل الله أن يردها لِسودانيتها رداً جميلا أن تؤثر علي الناس فينغسوا في نقد ذاتي في غير محله، فالسودانيون ما زالوا بخير ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
أشرقت شمس الصباح وألقت بأشعتها علي البساتين والحقول التي توشحت بقطرات الندى، وغردت العصافير فرحة، ؤ قوقت القماري علي أهداب النخيل، وفي هذه اللحظة وقد إنتشرت رائحة المُراح مخلوطة بريحة البرم، كانت فاطنة قد حلبت غِنيماتا ؤ شدّت الشاهِي في ضل البيت الكبير وإجتمع الكل حولها . ياسر : حبوبة أفتحي خِشيمِك لحبة الزلآبية دي من إيدِي . فاطنة : يا ولد فوّت شوّف شغلك الدِنيِي صباح . ياسر : خسمتِك بالرسول يا حبوبة، لِقيمة فرِد وحِيدي واللآ ما بمشي الحواشة . فاطنة : الرسول بعزو . أصلك يا نعمات بنتي وِلِتيلِك جناياً كدي طيرة . ياسر : يا حبوبة أنا ما بدورِك تختبي لي فِطين بت عباس ود الماحي . فاطنة : يا جنا تحاحي في كدباس، هاك اللطبقلك الشاهي، وأسحف من جنبي . سعاد : يا خالتي ياسر دا عشمان فيكِ . فاطنة : ترآهُن ديّل أبوهو ؤ عمو سامعين ورجغتو اليمشولو لود الماحي . محجوب : أنا كلمتو عِشان نمشي لود الماحي، قال لي عِلآ حبوبتي تمشي تدورا لي في اللوَل . ياسر : غايتو ناس زيتنا في بيتنا ديّل زيّن مرتاحين . الحسن : ناس زيتنا في بيتنا ديّل مِنون كمان ؟. ياسر : يا عمو عامل فيا أطرش، مُوش !، ما ولدك ؤ بنتك، الزين ؤ عازة . نعمات : يا ولد إنقهِر . ياسر : من أوّل نظرة السلوك شربكت، تامر توووش خشّ في عازة والزين خلط روان، أوآت جات عِندي تقولولِي إنقهر !، أها أنا الليلِي تب ماني ماشي الحواشة إلآ أسلّم لحبوبا فوق راسا . فاطنة : يا ولد أسحف مِني . ياسر : أحلى بوسة لأحلى حبوبة . فاطنة : الليلة أكان ظقيت ما بمشي معاك . ياسر : عررر، بعدين نتفاوض يا حاجة فاطنة . فاطنة : وحات الله يا محجوب وِلتلك خِلآقة . الجميع : ههههههه...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
رقدة زي دِي ويّن تتلقي في البندر ؟، سبحان الذي كتبَ علينا القتال وهو يعلم أننا نكررهُ وطمأننا بقوله وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم . ها أنا الآن في حوش جدي، رآقد فوق عنقريب ؤ بتأمّل في النجوم في نص الليل ولو لآ الحرب ما كان لقيت لي طاقة نفر دي أطُل من خلالها علي هذا العالم البديع، فأنوار البندر المُزيفة لا تتيح لنا الفرصة للتأمُّل والتفكُر . قال المجذوب أيكون الخير في الشر إنطوى !، هذه النخيل الباسقة جزورها ضاربة في أعماق الأرض، ُمرتبطة بهذه الأرض، لا تعرف الرحيل، لكننا نرحل إلي عالم الزيف والخِدآع لأننا لم نرتبط بالأرض إرتباط هذه الأشجار، ولا نفيق إلآ بعد أن نتعرض لهزات عنيفة . آه لو كُنا بصلآبة شُدر الحراز الزرعوهو أجدادنا وتعلموا منه الصلآبة كما تعلموا من النخيل الشموخ لكنا رجعنا لجزورنا وأفنينا عمرنا في هذا المكان الذي ننتمي إليهِ، لو كُلنا حضرنا بعلمنا وخبراتنا لموطننا الأصل لما طالتنا يد التهميش ولما أحتجنا لأن نسمع أكاذيب الساسة وخداعهم، ووعودهم الممطولة ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
الاخ الغالى معاويه المدير تحيه طيبه وانت تاخذنى فى عالم جميل وفى لوحه رائعه والله قرت ماخط بنانك حتى اغروقت عيناى بالدموع وجعلتنى اعيش فى حاله نفسيه ونزاع نفسى كبير مابين الحياه الطيبه والحياه التى على سجيه اهلنا فى القرى والارياف ومابين الحياه فى تلك العاصمه المغلوب الان على امرها حزنت كل الحزن على ماضاع من عمرى فى عواصم العالم من امريكا والصين وكندا والامارات والكويت ولبييا ومصر وتاهت مراكبى قرابه ال 46 عام فى تلك البلاد والعواصم وعندما قرات البوست الرائع بتاعك ده والله بكيت مثل الاطفال لاننى تذكرت ايام الطفوله حيث كنا نذهب من امدرمان حى الملزمين الى ديار جدى فى رفاعه فى عطلات المدرسه ونستمتتع بكل ماذكرت انت فى البوست شاى اللبن المقنن والزلابيه وكل انواع الالعاب من شدت وشليل وينو وام الصلص وكره الشراب وركوب الحمير والذهاب الى النيل وكنا نتظر عطله المدراس بفارغ الصبر والله اخى معاويه المدير اقسم بالله البوست جعلنى افكر جاد عندما تنجلى الحرب قريبت ان شاء الله بان اعود الى ديارى والى مسقط راسى امى رفاعه واسكن فى مدينه العزيبه وابنى لى قطاطي على البحر مباشره وشويه خضار واشحار وابقار ودجاج واقضى باقى عمرى هناك والله كرهت السفر والمدن وعواصم العالم والحضاره وياريت تواصل البوست الرائع الذى كم افرحنى واحزننى فى نفس الوقت
مع تحياتى اخوك مصطفى نور
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: مصطفى نور)
|
Quote: اقسم بالله البوست جعلنى افكر جاد عندما تنجلى الحرب قريبت ان شاء الله بان اعود الى ديارى والى مسقط راسى امى رفاعه واسكن فى مدينه العزيبه وابنى لى قطاطي على البحر مباشره وشويه خضار واشحار وابقار ودجاج واقضى باقى عمرى هناك والله كرهت السفر والمدن وعواصم العالم والحضاره وياريت تواصل البوست الرائع الذى كم افرحنى واحزننى فى نفس الوقت |
مرحبتين حبابك أخي مصطفى .
نسأل الله أن يوقف الحرب في بلادنا وكل البلاد وأن يكفي الناس شرها، وأن يصرفها عن بوادينا وأريافنا وأن يردنا إلي قُرانا رداً جميلا ولا يحيجنا لمن يهمشنا أو يخرجنا من دائرة الإهتمام . أتمنى لك التوفيق في مسعاك ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
الليل ساجٍ والرمال كأنما الحرير والديباج تحتنا والقمر ينشر نوره علي أشجار النخيل والمنقة وأصوات الضفادع والحشرات الليلية تخترق الصمت في بعض الأحيان، وقد جمعتنا ليلة سمر مع سِلكاية الربابة التي أجِدتُ عزفها وعرفتُ كيف أداعب سِلكايتها منذ أن حضرنا لموطن الأهل والأجداد . العوض : عليك الله يا تامر تعزف لنا ما دآم طار جنا الوزين، خلِي اللِعيسِر يدخلبنا لعالم النعام آدم . ثمّ غنا اللِعيسِر في تلك الليلة القمرا وأطرب كل ما حولنا من نخيل ورمال وجناين . الزين : يا تامر أختملنا بوكت السمحة في هيباتا تتجلى تراني حلفتَ بالله . وختمنا ليلتنا برايعة محمد كرم الله وكت السمحة، وقبل أن نقوم شقّ الصمت صوت كصوت طاغور . ليل الغربة قسماً ما بيعادِل ليلِك ؤ يا أرض الجدود حالفين نقوّم ميلِك بعزيّمة ؤ ثبات نخدِم نشِد لحيلك ؤ بنخوّض الرِماح وِكتيّن تجقلِب خيلك
يا بِت العُزاز الريدا يوّت مالكني دُغُس خديك ؤ فاطرِك بالبرِق هالكني بأحلِف بالإله المِن عدم خالِقني يا أمونة طيفِك ضُمّة ما بفارِقني
تامر : الله، الله، دا منو البغرِّد دا !. الزين : هههههه، دا ياسر أخوك . تامر : عجيب والله !. اللِعيسر : لآقاني مِندلي قتلو تعال أسهر معانا قالي مقرِنلو موية فجراوي بغرِب . إنفض السامر وبدلاً من أن أتوجه لعنقريبي في حوش صالون جدي، مشيت قنبّت فوق حيّر نخلة جدي وجال بخاطري بيتنا الفي الخرتوم وتخيلت حالنا لو كنا فيه حتي اليوم، كنا سنكون حبيسي جدرانه نعيش في ضيق أفقه ليست هنالك براحات ننقرش فيها الطنبوّر، ولا أفق ممتد يتيح الفرصة لهيثم كي يرفع عقيرته بروائع الدوبيت وجميل الغنا تُرى مَن الأولى بمجهودنا بعد أن تعلمنا ونجحنا، دياراً لم تمنحنا غير التقوقُع والإنكماش أم هذه القرية الوادعة التي وهبتنا كل شي، وهبتنا الأهل ووهبتنا البراح ووهبتنا سعة الأفق، والناس الطيبين، ؤ ريحة التراب، ؤ هدوء النيل وصخبه زمن التساب، ؤ حبوبتنا فاطنة ؤ غنيماتا . إننا والله لسنا بمغبونين لا أنا ولا أختي روان ولا أخي ياسر، ولا بقية شباب القرية إذ أقسمنا يومها أن ننكس راية التهميش ونرفع رآية إعمار ريفنا الحبيب، ولتذهب أيادي التهميش والخراب إلي الجحيم، ولتتبعها حناجر الساسة ومدافع العسكر . ها نحنُ قد فقدنا بيتنا في الخرطوم، ولم نعُد نحلّق في تلك الفضاءات التي سبحنا فيها مسافرين عبر القارات، ولم نعُد نتسكع في تلك المُدُن البعيدة التي تنوم ؤ تصحى علي مخدات الطرب، لكننا هنا نتنسم أريج البلد وعبير الأهل، تسعنا نفوسهم الطيّبة، وتضُمنا بُيوت الطين، وتعطرنا ريحة النوار، ويضمنا بحنان البوخ الطالع من الجروف ؤ حيضان البرسيم فيغنينا عن أي ساونا . إستلقيت فوق عنقريب جدي في الحوش فشعرت ببرودة المرتبة ولم يوقظني إلآ صوت القماري وهي تقوقي فوق أهداب النخيل ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ... (Re: معاوية المدير)
|
فاطنة : يا بِت، دِي مِنِي البتتبِن في التُكُل دي . روان : دِي أنا روان يا حبوبتي . فاطنة : يا بِت بتقرصي في الضُلُمّة دي، أمُرقي . روان : سمِح مارقة ......... أحييييي يا حبوبة ألحقيني قِرِص . نعمات : سجمي بِنتِي ,,,,,. فاطنة : أربطنها ليها، يا بِت العازة ناوليني توبي ؤ جيبي البطارية النمشي لحاج أبشر يحويها . نعمات : أمُرقاكَن أها . بليل : بسسسسسم الله، حاجة فاطنة !!!، إن شاء الله خير، تابنات في الليل دا ما شات وين ؟. فاطنة : بِنيت محجوب دِي قِرصت ؤ ماشين لحاج أبشر يحويها . بليل : والجَنُوّن وين . فاطنة : الجَنُوّن من البارح في الجزيرة . بليل : أكان كدي اللمشي معاكن . نعمات : أمش إرتاح يا عم بليل نحن بنمشي برانا . بليل : إنت قايلاني سكران !، أنا شارب ساكت ؤ حرّم ما بخليكن تمشن برآكن . الظلآم يحيط المكان ؤ حاج أبشر منكب علي قرأة كتاب الخليل فوق تقروقة وبجانبه ليحان الحيران . فاطنة : شيخ أبشر سلآم . شيخ أبشر : مرحب حبابكم نعال ما عندكُم عوجة ؟. فاطة : أنا فاطنة. بِنيتة المحجوب دي قِرصت ؤ بندورك تحويها . شيخ أبشر : أدني جاي يا بِنيتي . مسك شيخ أبشر رجل روان راح يقرأ عليها، بدأت روان تشعر بالرآحة، بعد أن إنصبّ منها العرق ثم قام شيخ أبشر بسحب السم، ولفظه .ثم أداها ليمونات قرشتِن مع كباية شاي أحمر مسيخ ؤ تقيل، ثم إلتفت ناحية بليل . شيخ أبشر : دا منو المعاكن دا ؟. بليل : أنا بليل يا شيخنا . شيخ أبشر : ؤ قاعد بعيد كدي مالك ؟. بليل : أنا هِني كويس . شيخ أبشر : مِياك مسجم ؤ مرمد . بليل : عارف يا شيخنا الدِفيفيق دي قبيل أكان خلوها علي، أُكُنت أديتا كتحة والكمدة بالرمدة لا قرايا لا محاية . شيخ أبشر : هههههه، الله يصرفك يا المطموص، قوموا أمشوا إن شاء الله خير بعد دا . بليل : عليك الله يا شيخنا تدعي لي . رفع شيخ أبشر يديه متضرعاً وداعياً لبليل والجميع ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ...فكرة ال (Re: معاوية المدير)
|
بليل : سلآم يا ناس هووي . محجوب : مرحبابك، أبقى دآخِل . بليل : قلتَ أجي أشوّف الدِفيفِيّق كيّف سوّت مع أم نِووِّيرة . روان : أهلاً، الحمد لله يا عمو بليل بقيت كويسة . بليل : يا الدِفيفِيّق أنا مِن يوم شفتك موركة فوق حمارة بت الخير ؤ مِندليه عرفتك بيسحروك . الحسن : الدفيفِيّق يا بليل بقت زولة بلد تب . روان : ؤ كمان يا عمي البلد تب ما بختاها تاني . الطيب : بلدنا دي بتقدري عليها . ياسر : يا خال الدِفيفِيّق خلاس بعد يتخرجن هي والعازة جايات يمسكن اللِسبِتالية . الطيب : ها زوّل ها !. فاطنة : تراهِن بيقُوّلن . الحسن : يا تامر مشاريعكم إن شاء ماشة كويس ؟. تامر : الحمد لله، عملنا صفحة في (الفيس بُُك) ؤ قدرنا نجمع شباب وشابات القرية، ؤ كمان عملنا صفحة تانية لجميع أبناء وبنات الريف . طرحنا لهم فكرة الإهتمام بالريف والرجوع للإستثمار فيه، والفكرة عجبتُم وإتحمسوا للرجوع . بليل : يعني هسّع يا جنا دمستو البندر ؤ جايين تقعدوا معانا هِنِ في الوكر دا؟!. ياسر : يا عمو بليل بعد دا تاني مافِ وكر، نحن خلآس كلنا قررنا نقعد معاكم ؤ نعمّر البلد ؤ نغيرلك حمارتك ببوكسي لنج . بليل : أمانة ماك هرآط ؤ مطموس، وأنا حمارتي ما ببقى بلآها . أها يا فاطنة الجنوّن عِرِسُن ما قرّب ؟. فاطنة : حددنا الشهر الجاي إن شاء الله . بليل : والسجمان دا معاهُم ؟. ياسر : أنا يا عمي بليل فِطين بِت الماحي زيّن بريدا ؤ دايِرا ؤ هي دايراني، لكين حبوبتي دي مابية تمشي تدورا لي !. بليل : خاتية طب، كيفِن مابية تمشي . فاطنة : الخُوّخة التقوملكُن في روسينكُن إنت ؤ هُو، أمش أختبا ليهو إنت إياكُن شبه بعض . بليل : أنا والله ما بِتورّط مع جناكِ المطموس دا . ياسر : أنا غايتو أكان حبوبة دي ما مشت دارتا لي هادي طرفي منها، عِشان حبوبة عارفاني بريدا ؤ عارفاها بتريدني . فاطنة : يقطططع سجمك يا أب خشماً طالق أنا ما جازمتك من نفر كلآمك دا !. ياسر : غايتو أنا أكان ما عرستها بموّت . فِطين : السلام عليكم، أصبحت كيف يا روان ؟ روان : الحمد لله كويسة، تعالي أقعدي بجاي . بليل : هلآ هلآ، أمانة ما وِرِط زول . ياسر : قصدك حبوبة يا عمو ؟. بليل : الليلة أمانة ما ظقيت، حبوبتك قاعدة وأبوك قاعد شوّف جكتك . المحجوب : غايتو أنا موافق . الحسن : وأنا موافق . فاطنة : سمِح راجيين شِنو ما تقوموا علي أبوها . ياسر : كِدي أسعليها يبقى ما دايراني . فاطنة : يِنقطِع لسانك قوّم طيّر قبال ألفحك بالمنقد دا . نعمات : يا خالتي أجُبري بخاترو . فاطنة : أحيّ مِنِّك إنت ؤ وِليداتِك باقي البنادِر خربنكُن علينا . ياسر : فطين أكُبلِك جبنة يا فطين ؟. فاطنة : يا جنا إنقهِر . فطين : لا شكراً . ياسر : عليكِ الله يا فطين من إيدي أنا، ؤ عشان خاتري . فطين : بخجل، سمِح . فاطنة : أسحف غادي أنا بكُبلآ الجبنة، طييير من هنا . هرب ياسر من المكان وإستغرق الجميع في الضحك بعد أن فكّت فيهو حبوبة فاطنة فنجان الجبنة ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ...فكرة ال (Re: معاوية المدير)
|
أطلقت نعمات زغروتة شّقت صمت الليل وأيقظت أشجار الليمون والبُرتُكان، ورقصن شِتيلآت الحسن ؤ معاهِن أشجار النخيل عندما دقّت الدلوكة وغرّد الفنان : الليل بابي ليل العوبة يا نديما الليلة اللسد جاي من جبال الفيل يتشمشم يكوس يسأل من العِنتيّل يا رحل الكُحُل الفي موازنو تقيل يا جدري السمومة الزول تشقو عديّل العوبة يا نديما ؤ قاموا الحسن ؤ محجوب هزوا فوق حاجة فاطنة ؤ قامت هيِ تبشر ؤ تهز معاهم فوق العِرسان تامر والزين، ؤ عرضو الطيب ؤ بليل، ؤ رقصت فطين بِت الماحي، ؤ ياسر إتحزّم عراقيهو مع وِلآد المرضي ؤ وِلآد الكاسر، ؤ ضرب السوّط والركزة ساعتها بيفرق الناس الهيجتُن فاتتت الحد . تعانقت في تلك الأُمسية الأجيال، وبلغ الطرب ذِروته وطال الفرح حتي أشجار الحراز التي أزهرت في زمن التساب إحتفالاً وإحتفاءً بعِرِس العازة ؤ روان . كانت ليلة عرضو فيها بليل ؤ ود النفاري والمرضي والكارس والطيب، ؤ رقصت فيها فطين وِإنجلد فيها هيثم، وضمخ عبير الجرتق القرية وعبق في حيطان بيوتها، ثم توسدت وِسادات الأمن والأمان ونامت، لتشرق شمسها مفعمة بالأمال والأُمنيات الجميلة ومبشرة بمستقبل باهر وأجيال سوف تقدس وتعرف قيمة الطين وتتنفس رائحة الأرض وطيّب الجروف . قال تعالى (﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ ، وقال شيخنا محمد المهدي المجذوب : أيكون الخير في الشر انطوى والقوى خرجت من ذرة هي حبلى بالعدم؟! أتراها تقتل الحرب وتنجو بالسلم ويكون الضعف كالقوة حقا وذماما سوف ترعاه الامم وتعود الأرض حبا وابتساماً ما الحرب إلآ هي إلتفاتة للريف ورصاصة في قلب التهميش، ودروس وعِبر يجب أن نستفيد منها ونحاول أن نستخلص منها الخير الذي هو كامن في شرها . هاهي الطيور تعود إلي أعشاشها ووكناتها، فالحياة لا تقف رغم الدمار وسنظل نغرس الفسيلة رغم أنّ زلزلة الساعة شئ عظيمـ ...
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ...فكرة ال (Re: معاوية المدير)
|
Quote: لو كُلنا حضرنا بعلمنا وخبراتنا لموطننا الأصل لما طالتنا يد التهميش ولما أحتجنا لأن نسمع أكاذيب الساسة وخداعهم، ووعودهم الممطولة |
سلام معاويه, كلامك ده يا هو مربط العجيل زاتو. زى ما كان بقول عمنا البرت اثناء رحلتهم الاولى من القاهرة الى تورنتو و كان كل الناس متشوقين الحضور الي كندا الا هو كان يقول لهم الدنيا دى كلها "واطة مبنية طوب" كان ناطحات سحاب او قطية مشكلة شعوب السودان المتعلمين فيهم كلهم كان همهم الاول و الاخير هو الاغتراب و العودة لبناء غابة اسمنت في العاصمة و ليس اى مكان اخر, و لا يساهمون في بناء مناطقهم او العودة اليها الا للزيارات الخفيفة و الكل يقول ليك لو رجعت هناك علاج ما بتلقاه و مدرسة محترمة لاطفالك ما بتلقاه. طيب مش يا هو ده دور الاستاذ و الطبيب فى العودة و اعمار المناطق حتى في مدارس محترمة و عيادات محترمة. طبعا ده ب اختصار لانو النقاش حولو يطول. فى مقارنة عن حالة كارتر كونه رئيس لامريكا من قرية صغيرة في جورجيا و هو او اسرته مزارعين فول. عندما اكمل فترته الرئاسية لم يقل سوف ارحل الي نيويورك او ابقى في واشنطن, بل ستف حاجاته و رجع الى قريته حتى الان. هذه الحرب ربما تفتح ابواب للتفكير بعقل متفتح قليلا و عودة الجميع الى ضهاريهم و ترك الخرطوم كمدينة للاشباح او اهلها الاصليين.
| |

|
|
|
|
|
|
Re: نورٌ في ظلمات الحرب ...فكرة ال (Re: Mahjob Abdalla)
|
Quote: سلام معاويه, كلامك ده يا هو مربط العجيل زاتو. زى ما كان بقول عمنا البرت اثناء رحلتهم الاولى من القاهرة الى تورنتو و كان كل الناس متشوقين الحضور الي كندا الا هو كان يقول لهم الدنيا دى كلها "واطة مبنية طوب" كان ناطحات سحاب او قطية مشكلة شعوب السودان المتعلمين فيهم كلهم كان همهم الاول و الاخير هو الاغتراب و العودة لبناء غابة اسمنت في العاصمة و ليس اى مكان اخر, و لا يساهمون في بناء مناطقهم او العودة اليها الا للزيارات الخفيفة و الكل يقول ليك لو رجعت هناك علاج ما بتلقاه و مدرسة محترمة لاطفالك ما بتلقاه. طيب مش يا هو ده دور الاستاذ و الطبيب فى العودة و اعمار المناطق حتى في مدارس محترمة و عيادات محترمة. طبعا ده ب اختصار لانو النقاش حولو يطول. فى مقارنة عن حالة كارتر كونه رئيس لامريكا من قرية صغيرة في جورجيا و هو او اسرته مزارعين فول. عندما اكمل فترته الرئاسية لم يقل سوف ارحل الي نيويورك او ابقى في واشنطن, بل ستف حاجاته و رجع الى قريته حتى الان. هذه الحرب ربما تفتح ابواب للتفكير بعقل متفتح قليلا و عودة الجميع الى ضهاريهم و ترك الخرطوم كمدينة للاشباح او اهلها الاصليين. |
الحبيب محجوب سلآمات، نعلّك والوِليدات طيبين ؟.
يا محجوب منذ أن عرفنا كسودانين الإغتراب كان هم المغترب أن يملك بيت في الخرتوم !، والغريب في الأمر العودة لهذا البيت والعيش فيه تكون من المستحيلات، فياما بيوت تهدمت ولم ينعم أصحابها بالسكن فيها ولم تتاح لهم الفرصة للعودة والإستقرار في الوطن، علماً أنه لو إستُثمرت هذه الأموال في مناطقهم الأصلية لكانت أثمرت وإنتفع بها الجميع . من الأول الخرتوم دي لو تركناها لتوفيق مكي كُنا عبرنا، علي كل حال أرجو أن تكون هذه الحرب اللعينة بادرة خير وجرس إنذار يوقظ العقول ويجعلها تدرك الحقيقة وتتعامل معها بدلاً من العيش في الوهم . الظرف الحالي قصراً جعل الناس يرجعون إلي أصلهم ومواطنهم، فياتُرى ماذا يكِنُ لنا المستقبل ؟...
| |

|
|
|
|
|
|
|