|
|
Re: مغالطة رجل القش عند ع ع إ : بين وهم المقارن� (Re: محمد حيدر المشرف)
|
*مغالطة رجل القش في خطاب عبد الله علي إبراهيم: بين وهم المقارنة وحقيقة التمليش في السودان* ✍️ محمد حيدر المشرف الجزء الثاني
*هل بدّل التقنين الجوهر المليشياوي للدعم السريع؟*
يؤكد عبد الله في مقالة (الجيش والمليشيات) أن “الدعم السريع” لم يعد ميليشيا منذ قانون 2017 الذي جعله قوةً مستقلةً بولايةٍ خاصة، ثم استُكمل استقلاله بتعديلات لاحقة.
ذلك في سبيل خلاصة النجعة البعيدة التي يراها ع ع إ في المقارنة بين اولاد قمري و الدعم السريع باعتبارها مقارنة بين نوعين مختلفين على طريقة أطول الزرافة أم اسرع الفهد؟!!
غير أن التكييف القانوني لا يعادل التحوّل المؤسسي كما تم تجاهل هذه الحقيقة .. والمقارنة قائمة كما هي سليمة بين كيانين من ذات النوع [مليشيا] واختلاف المقدار مجرد ظرف زمني متغير
إن اعادة التعريف القانوني لا يعادل التحول المؤسسي الا عند البحث عن مجرد انتصار خطابي على مستوى منخفض بالالتفاف والالتواء والمغالطات الهزيلة.
بل وأن مثال الدعم السريع شاهد على نفسه بنفسه. فبالرغم من منح قوات الدعم السريع إطارًا قانونيًا مستقل, فلا زلنا أمام كيان موازٍ تمتع ببشرعية شكلية واحتفظ في ذات الوقت بطبيعته المليشياوية من جهة (راجع سند ملكية هذه القوات), وكرّس ولا زال ازدواجية السيادة عمليًا على الأرض من جهة أخرى، وفي أوضح تجلي لذلك على الاطلاق.
والشاهد هنا, لا يغيّر القانون (الشكلي) الطبيعة المليشياوية
فإذا ظلّ الولاء شخصيًا/جهويًا (ولقد ظل)
وإذا ظل التمويل الذاتي قائما (ولقد ظل كذلك)
و إذا كان القرار العسكري مستقلا (ولقد كان).
والحال كذلك، ستظل هذه المليشيا, من مفهوم الدولة الحديثة ميليشيا كما هي ومهما تدثرت بالخرق القانونية المهترأة.
هذا التفريق ضروري لفهم أن المشكلة ليست في ورقة القانون، بل في اندماج بنيوي هيكلي وظيفي داخل اطر دستورية وتشريعية و قانونية صحيحة الجوهر تضمن وحدة العنف الشرعي داخل مؤسسات الدولة، وهو ما لم يتحقق حين تُمنح مليشيا حزبية او عقائدية او جهوية او قبلية وضعًا خاصًا خارج مؤسسة الجيش
ولقد شهد ع ع ا بقلمه في ذات المقال حين مُنحت تشكيلات مثل “أولاد قمري” أرقامًا عسكرية ورواتب خلال الحرب، لم يمنع ذلك تمردها عند أول لحظة للاحتكاك؛ لأن الاندماج الشكلي بلا تحويل مؤسسي مدروس ومنهجي يُبقي الولاء والقرار خارج بنية الجيش المهنية. لذا، يصبح “الضبط” إدارة أزمة مؤجلة لا حلًّا لها، ويكبر معها خطر التحوّل إلى قوى موازية أكثر تمكينًا كلما طال أمد التفويض.
في نظرية الدولة الحديثة، احتكار العنف الشرعي ليس ترفًا مفاهيميًا؛ إنه شرط وجود الدولة بوصفها كيانًا مُحكما بمؤسسات خاضعة للدستور والقانون والرقابة والمساءلة في اطار حوكمي متقن ودقيق ومنضبط لخدمة فلسفة وجودها و وظيفتها في المجال الحيوي الاجتماعي المحدد
أي ازدواج في أدوات العنف, حتى لو سُمِّي “قواتًا مساندة” أو “جيشًا ثانيًا بتكييفات قانونية تفتقر لادنى معايير الفلسفة القانونية , يقود إلى اعادة إنتاج الخطأ الأكثر كارثية في تأريخنا الحديث. لا يمكن لعاقل يمتلك أدنى درجات الوعي والمعرفة ويحوز على أدوات التفكير النقدي أن يقبل دعوة من قبيل الاستفادة من توالد المليشيات في ظل الحاجة إلى ذلك بشرط "الضبط".
والصحيح والقويم بذاته أن للدولة البدائل المتعارف عليها داخل الضبط المفاهيمي والمؤسسي والتشريعي والقانوني الحقيقي لمفهوم الدولة.
فضمن اطار سردية حرب "الكرامة" بنسختها المعتمدة ببورتسودان, وضمن اطار الادعاءات بتمثيل الدولة والمؤسسات الشرعية الدستورية بالامر الواقع, لا شيء يمنع القوات المسلحة السودانية من فتح معسكرات التجنيد تحت لافتة المقاومة الشعبية بصورة مؤسساتية منضبطة غير مفارقة لجوهر الدولة. الدولة, حين تقبل ازدواج العنف الشرعي, تفارق جوهرها وتدخل في إدارة علاقات ملتبسة مع المليشيات المتكاثرة بدلا عن الاستعصام بمبدأ احتكار العنف القويم بذاته المقوم لغيره المقيم لمفهوم الدولة.
و القانون الشكلي وحده لا يحوّل طبيعة المليشيا، و“الضبط والتحكم” ليس بديلًا عن إصلاحٍ بنيوي يعيد توحيد القيادة والعقيدة والتمويل والمساءلة (جيش وطني قومي مهني واحد يمارس ادواره الوظيفية المقدسة في حماية الوطن والمواطن.
احتكار الدولة لأدوات العنف, و وحدانية هذه الاحتكار ليس خيارًا سياسيًا بين خيارات، بل شرطًا فلسفيا ومعرفيا ملزما لقيام الدولة، وسلامة المجتمع، ومستقبل الوطن.
نلتقي في الجزء الثالث
| |
 
|
|
|
|