حزب المؤتمر السوداني: أزمة فكرية وتنظيمية في مشهد سياسي معقد
هشام عثمان 29 November, 2024 دكتور هشام عثمان يتسم المشهد السياسي السوداني بتعقيداته المتشابكة، ما يجعل تقييم الأحزاب السياسية أمرًا ضروريًا لفهم طبيعة الأزمة الوطنية والمضي نحو حلول مستدامة. حزب المؤتمر السوداني، على الرغم من بروزه كأحد القوى السياسية المعارضة لنظام الإنقاذ، عانى وما زال يعاني من إشكاليات فكرية وسياسية وبرامجية عميقة. تكشف هذه الدراسة عن جذور أزمة الحزب الفكرية والتنظيمية، وتتناول ضعفه في قراءة مسار الثورة، وانضمامه المتأخر للحراك الشعبي، فضلًا عن افتقاره لرؤية سياسية واضحة وأداء متماسك. كما تسلط الضوء على القاعدة الشعبية للحزب ومدى محدوديتها، وتستعرض الآثار المترتبة على تبنيه مواقف سياسية متذبذبة في مرحلة ما بعد الإنقاذ.
الجذور التاريخية للأزمة
1. التأسيس والنشأة
تأسس حزب المؤتمر السوداني في سياق اتسم بالاستبداد السياسي، حيث سعى للتمركز كقوة معارضة جديدة دون أن يرتكز على أيديولوجيا واضحة أو رؤية نظرية عميقة. السياق السياسي للتأسيس: نشأ الحزب كامتداد لحركة طلابية، مما أدى إلى افتقاره للتقاليد السياسية العريقة التي تمتلكها أحزاب تاريخية مثل الأمة والاتحادي الديمقراطي.
الاعتماد على البراغماتية: عوضًا عن تشكيل هوية سياسية واضحة، تبنى الحزب خطابًا يركز على مقاومة النظام القائم، متجنبًا الاشتباك مع الأسئلة الفكرية الكبرى.
2. معارضة نظام الإنقاذ
استفاد الحزب من الدور الذي لعبه كمعارض لنظام البشير فاكتسب زخمه السياسي و الشعبي من فكرة المعارضة لا من قوة افكاره السياسية ،حيث شكل ذلك نقطة قوته الأساسية. لكن هذا الدور لم يكن مبنيًا على استراتيجية طويلة المدى:
الاعتماد على رمزية المعارضة: اكتسب الحزب شعبيته من موقفه ضد الإنقاذ بدلًا من طرحه لرؤية شاملة لمستقبل السودان.
غياب البدائل: لم يقدم الحزب تصورًا تفصيليًا لكيفية الخروج من الأزمة الوطنية، ما حد من قدرته على الاستمرار كقوة جذب بعد سقوط النظام.
---
الأزمة الفكرية والتناقضات الداخلية
1. غياب المنصة الفكرية
يفتقر حزب المؤتمر السوداني إلى منصة فكرية متماسكة، مما يفسر حالة الارتباك التي يعاني منها:
التذبذب الأيديولوجي: يظهر الحزب أحيانًا بوجه ليبرالي يدعو للسوق المفتوح وحقوق الأفراد، وأحيانًا أخرى كحزب يساري يدعو للعدالة الاجتماعية.
التأثير بالمناهج المستعارة: تأثر الحزب بمنهج التحليل الثقافي الذي تتبناه الحركة الشعبية لتحرير السودان، ما جعله ينحاز إلى قضايا الهامش على حساب القضايا الوطنية الجامعة.
2. الصراع بين التيارات الداخلية
يتصارع داخل الحزب تياران رئيسيان:
التيار الليبرالي: يدعم الحلول الفردانية، ويجد جذوره في الطبقة الوسطى والنخب المثقفة.
التيار الاشتراكي الاجتماعي: يركز على قضايا الفقر والتهميش، لكنه يعاني من غياب وضوح الرؤية.
الحركة البندولية: تتنقل مواقف الحزب بشكل متكرر بين هذين التيارين، مما يفقده التماسك اللازم لاتخاذ قرارات استراتيجية.
3. الفشل في ملء فراغ الحركة الاتحادية
رغم انهيار الحركة الاتحادية التقليدية، لم يتمكن المؤتمر السوداني من تقديم نفسه كبديل حقيقي:
الافتقار للإرث السياسي: يفتقر الحزب إلى العمق التاريخي الذي تمتلكه الأحزاب الاتحادية.
الرهان على الطبقة الوسطى: حاول الحزب كسب قواعد اتحادية، لكنه فشل في تقديم خطاب شامل يتناسب مع تطلعات هذه القواعد.
---
الأداء السياسي والقصور البرامجي
1. الأداء السياسي: تناقضات ومواقف متأخرة
كان حزب المؤتمر السوداني من الأحزاب التي تأخرت في الانضمام إلى الثورة السودانية، ما أثار انتقادات واسعة:
دعم انتخابات 2020: دعا الحزب إلى المشاركة في الانتخابات التي خطط نظام الإنقاذ لإجرائها، مما اعتُبر تواطؤًا مع النظام بدعوى صعوبة إسقاطه وعد ذلك ضربا من قصر النفس الثوري و سوء الخيال السياسي ..
الانضمام المتأخر للثورة: تأخر الحزب في دعم الحراك الشعبي، وظهر وكأنه يركب الموجة بعد نجاحها.
الخطاب المتناقض: تنقل الحزب بين مواقف متباينة دون تقديم تبرير واضح لتحولاته، مما أثر على مصداقيته.
2. القصور البرامجي
يفتقر حزب المؤتمر السوداني إلى برامج واضحة لإدارة الأزمات الوطنية:
الرؤية الاقتصادية: لم يطرح الحزب خططًا عملية لمعالجة القضايا الاقتصادية كالبطالة والتضخم والفقر.
القضايا الاجتماعية: فشل في تقديم مبادرات تعالج قضايا مثل التنمية الريفية وتمكين الشباب.
3. ضعف قراءة المشهد السياسي
عدم إدراك ديناميكية الثورة: بدت مواقف الحزب بعيدة عن نبض الشارع، مما جعله يفقد تعاطف قطاعات واسعة من الثوار.
الانحياز للحلول الوسطية: أبدى الحزب ميولًا للحوار مع النظام بدلًا من دعمه لإسقاطه، مما أفقده الشرعية الثورية.
---
القاعدة الشعبية وأزمتها
1. الاعتماد على الطبقة الوسطى
يعتمد حزب المؤتمر السوداني بشكل رئيسي على دعم الطبقة الوسطى، لكنه لم ينجح في توسيع قاعدته لتشمل الشرائح المهمشة:
النخب الحضرية: يتركز دعم الحزب في المدن الكبرى وبين المتعلمين، مع غياب واضح في الأقاليم الريفية.
الغياب عن الهامش: لم ينجح الحزب في تقديم خطاب يلبي احتياجات سكان المناطق المهمشة.
2. القواعد الجماهيرية المستعارة
استفاد الحزب من انهيار الحركة الاتحادية، لكنه لم يستطع بناء قاعدة مستقلة خاصة به:
التبعية المؤقتة: اعتمد على استقطاب قواعد اتحادية بديلة بدلًا من بناء رؤية خاصة.
ضعف التماسك الداخلي: افتقرت هذه القواعد إلى الولاء الحقيقي، مما يجعل الحزب عرضة للتصدع.
---
قراءة مستقبل الحزب
1. تحديات الانتقال نحو المدنية
مع التحول نحو نظام مدني ديمقراطي، سيواجه حزب المؤتمر السوداني تحديات كبيرة:
غياب الكوادر المؤهلة: يفتقر الحزب إلى كوادر قادرة على إدارة الدولة في المرحلة المقبلة.
التآكل الجماهيري: فقدان الثقة نتيجة التذبذب السياسي سيحد من شعبيته.
2. احتمالات التراجع
إذا لم يقم الحزب بإصلاح جذري، فإنه مهدد بالتراجع إلى الهامش السياسي:
الضعف في الهيكل التنظيمي: قد يؤدي غياب التماسك الداخلي إلى انقسامات وصراعات.
تزايد الانتقادات الشعبية: إذا استمر الحزب في عدم تقديم برامج ملموسة، سيتحول إلى كيان هامشي.
---
توصيات لإصلاح الحزب
1. بناء منصة فكرية متماسكة
اختيار هوية واضحة: ضرورة الالتزام بخط أيديولوجي واضح سواء ليبرالي أو اشتراكي.
صياغة رؤية وطنية شاملة: تقديم مشروع وطني يعالج القضايا الرئيسية في السودان.
2. تحسين الأداء السياسي
التواصل مع الشارع: تعزيز المشاركة الشعبية عبر خطط وبرامج ملموسة.
إعادة صياغة الخطاب: تبني خطاب سياسي واضح بعيد عن التناقضات.
3. توسيع القاعدة الشعبية
الوصول إلى الأقاليم والهامش: ضرورة فتح قنوات تواصل مع المناطق المهمشة.
تعزيز الشراكات: التعاون مع منظمات المجتمع المدني والقوى الثورية.
---
يعاني حزب المؤتمر السوداني من أزمة هيكلية وفكرية عميقة تجعل مستقبله محفوفًا بالتحديات. ما لم يقم الحزب بمراجعة جذرية لأدائه، وتبني رؤية وطنية شاملة، فإنه معرض لفقدان مكانته كفاعل سياسي رئيسي. الإصلاح ليس خيارًا، بل ضرورة وجودية للحزب إذا أراد أن يكون جزءًا من مستقبل السودان الديمقراطي.
طرح د. هشام عثمان حول حزب المؤتمر السوداني يكشف عن تحليل عميق للأزمة الفكرية والتنظيمية التي يعاني منها الحزب، مع تسليط الضوء على قصوره السياسي وتحدياته المستقبلية. ومع ذلك، هناك بعض النقاط التي يمكن توسيعها أو إضافة بُعد نقدي لها لتطوير هذا التحليل.
ما أغفله الطرح وكيف يمكن تطويره؟ 1. جذور الأزمة الفكرية: غياب السياق التاريخي الأعمق ما أغفله الطرح: ركز د. هشام على السياق المباشر لتأسيس الحزب كنقطة انطلاق لأزماته، لكنه أغفل النظر إلى تأثير تاريخية القوى السياسية السودانية وبيئة ما بعد الاستقلال، التي رسخت نزعة الاتكالية على رمزية المعارضة بدلًا من تطوير رؤى مؤسساتية. التطوير الممكن: ربط أزمة الحزب بموروث الفشل التنظيمي في السودان، حيث ظل معظم الفاعلين السياسيين أسرى لشعارات فضفاضة دون وضع برامج تفصيلية أو خطط مستدامة. 2. ديناميات التحول السياسي وتحديات ما بعد الثورة ما أغفله الطرح: لم يتناول هشام بشكل كافٍ كيف أثرت التحولات السريعة في المشهد السياسي بعد الثورة على أداء الحزب، خاصة في ظل الانقسامات بين القوى المدنية والعسكرية. التطوير الممكن: استعراض تأثير الخلافات داخل قوى الحرية والتغيير، والتي كان المؤتمر السوداني جزءًا منها، وكيف ساهم ذلك في تعميق أزمة الحزب وفقدانه للشرعية الثورية. 3. أزمة القيادة وضعف الكوادر السياسية ما أغفله الطرح: ركز هشام على ضعف البرامج السياسية للحزب، لكنه لم يُبرز كفاية دور القيادة في خلق هذه الأزمات. غياب الزعامة الكاريزمية القادرة على توحيد التيارات المختلفة داخل الحزب، وصياغة خطاب وطني جامع، يُعد من أبرز نقاط الضعف. التطوير الممكن: تحليل كيفيات تطوير كوادر الحزب عبر برامج تدريبية وسياسات جديدة تركز على الاستدامة التنظيمية. 4. العلاقة مع القوى المجتمعية والإقليمية ما أغفله الطرح: لم يتم التطرق بشكل مفصل إلى علاقة الحزب بالمجتمعات المحلية وخاصة سكان الهامش. كما غابت الإشارة إلى دور الحزب في بناء تحالفات إقليمية تخدم قضاياه. التطوير الممكن: اقتراح فتح قنوات تواصل جديدة مع المجتمعات المهمشة عبر مبادرات اقتصادية واجتماعية تعزز الثقة، والاستفادة من التجارب الإقليمية لبناء التحالفات. التوقعات المستقبلية أ) احتمالية التفكك أو الانقسام الداخلي هشام أشار إلى الانقسام بين التيارات الليبرالية والاشتراكية داخل الحزب، لكن لم يُعط وزنًا كافيًا لاحتمالية تصاعد هذا الانقسام، خاصة في ظل ضعف القيادة وتأثير التحولات السياسية. ب) فرصة الإصلاح وإعادة التموضع إذا نجح الحزب في صياغة منصة فكرية وطنية تُركز على القضايا المركزية، مثل العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، فقد يتمكن من جذب قاعدة أوسع. رؤية محدثة للإصلاح إعادة الهيكلة الفكرية والتنظيمية
تطوير رؤية تجمع بين الليبرالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لتعبر عن تطلعات الطبقة الوسطى والهامش معًا. بناء تحالف استراتيجي مع قوى المجتمع المدني لتحقيق إصلاح مستدام. التركيز على المناطق المهمشة
توجيه برامج سياسية واقتصادية لخدمة سكان الريف والهامش، مع إشراكهم في عمليات اتخاذ القرار. القيادة الشابة والتواصل مع القواعد تمكين الشباب من القيادة داخل الحزب، وتطوير خطاب شعبي جديد يواكب التحولات المجتمعية. فيما قدم د. هشام عثمان تحليلًا شاملًا لأزمات حزب المؤتمر السوداني، إلا أن إضافة بُعد تاريخي أعمق، ومناقشة ديناميات التحول السياسي، وأزمة القيادة، قد تعطي رؤية أكثر شمولية. التحدي الأكبر للحزب يكمن في قدرته على تجاوز أزماته الفكرية والتنظيمية، وتطوير خطط إصلاح واقعية تجعله لاعبًا رئيسيًا في المشهد السوداني المعقد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة