|
Re: في ذكرى الثورة السودانية (Re: زهير ابو الزهراء)
|
تحية إجلال وإكبار لأرواح شهداء ثورة ديسمبر المجيدة، الذين دفعوا حياتهم ثمناً للحرية والكرامة، وندعو الله أن يعيد المفقودين إلى أهلهم سالمين، ويمنّ على الجرحى بالشفاء العاجل، وينعم بالحرية على المعتقلين ظلماً. كما نسأل الله الرحمة والمغفرة لكل ضحايا الحرب التي مزقت أوصال وطننا الحبيب.
ثورة ديسمبر لم تكن مجرد انتفاضة شعبية ضد حكم استبدادي دام ثلاثين عاماً، بل كانت صحوة وطنية عبّرت عن ضمير أمة أنهكتها عقود من القمع والفساد والتدهور الاقتصادي والاجتماعي. جاء الشباب، وعلى رأسهم الكنداكات، ليقودوا مشهداً سياسياً جديداً، يعيد صياغة العلاقة بين السلطة والشعب، حيث لا مجال بعد اليوم للظلم والاستبداد.
لقد كانت تلك الحقبة مظلمة بكل المقاييس، تجسد فيها حكم الإسلاميين في السودان نموذجاً للسلطة التي احتكرت الدين وسخّرته لمصالحها الضيقة، مما أدى إلى تراجع شامل في كافة مناحي الحياة. قُتل الأمل، وهُجّر الملايين، وقُسم الوطن، واستُنزفت موارد البلاد لصالح فئة محدودة، بينما ظل الشعب يعاني في صمت.
لكن الشعب السوداني، برغم كل المعاناة، لم يفقد البوصلة. جاءت ثورة ديسمبر لتعلن أن إرادة التغيير لا تُكسر، وأن الشعب السوداني، مهما طال الظلم، ينهض ويقاوم. كانت الثورة تعبيراً عن وحدة حقيقية بين مكونات الشعب المختلفة، تلاقى فيها الكل تحت شعار "حرية، سلام، وعدالة".
ومع ذلك، فإن الثورة لم تحقق بعد كل أهدافها. فالصراعات السياسية، والتدخلات الخارجية، والانقسامات الداخلية عرقلت مسيرتها، وأعاقت تحقيق تطلعات الشعب في بناء دولة مدنية ديمقراطية تسودها العدالة والمساواة.
ختاماً، أقول: إن المسؤولية اليوم تقع علينا جميعاً، كشعب وقوى سياسية ومجتمع مدني، للحفاظ على مكتسبات الثورة وتحقيق أحلام الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل سودان جديد. السودان أكبر من الجميع، وأحلام أطفاله وشبابه تستحق منا الصبر والنضال والعمل الجاد.
الحرية والسلام والعدالة، والثورة مستمرة.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: في ذكرى الثورة السودانية (Re: زهير ابو الزهراء)
|
قصة اعتقالي في فبراير 2004 في فبراير 2004، كنت أعمل كصحفي يغطي أخبار السودان في وقت حساس مليء بالتوترات السياسية، خاصة في ظل مفاوضات السلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. جاءت الحادثة التي قلبت حياتي المهنية والشخصية رأسًا على عقب بسبب خبر صحفي قمت بإرساله إلى صحيفة في بيروت، يتناول إقالة غازي صلاح الدين العتباني من قيادة وفد التفاوض مع الحركة.
القصة بدأت عندما... كان غازي صلاح الدين يقف عند مدخل دار الحزب لاستقبال الرئيس عمر البشير. وبعد السلام بينهما، وجّه البشير كلمات مباشرة إليه قائلاً: "يا غازي، الجنوبيين رافضين وجودك كمفاوض. قررت أن يحل علي عثمان محلك."
كان القرار قد صدر بالفعل رسميًا عبر وسائل الإعلام الحكومية، لكنني رأيت في هذه العبارة خبرًا ذا أبعاد أعمق، يعكس صراعاً داخليًا في النظام. نقلت الخبر إلى صحيفة في بيروت بنصه كما ورد، مع الإشارة إلى السياق السياسي الذي حدث فيه.
ما حدث بعدها... لم تمضِ أيام قليلة حتى أصبح الخبر الذي نشرته حديث الأوساط السياسية والإعلامية. لم يكن أثر الخبر هو المفاجأة الوحيدة، بل ما تبعها من رد فعل عنيف من السلطات السودانية. اكتشفت أن السفارة السودانية في بيروت قد أرسلت نص الخبر إلى الأجهزة الأمنية في الخرطوم، مع الإشارة إلى أنني كنت مصدره.
الاعتقال... تم اعتقالي في فبراير 2004، واقتيدت إلى جهة مجهولة. عشت 90 يومًا قاسية بين الاستجوابات والضغوط النفسية والجسدية. كانت التهمة واضحة: "نشر معلومات تُعتبر مسيئة للنظام والإضرار بسمعة الدولة."
بعد إطلاق سراحي، أدركت أنني أصبحت هدفًا دائمًا للأجهزة الأمنية. المراقبة المستمرة، المضايقات، والضغوط زادت حدتها، حتى غادرت السودان في عام 2011 بحثًا عن الأمان وفرصة لاستمرار عملي الصحفي بحرية.
كانت تلك التجربة درسًا قاسيًا لي، لكنها أكدت لي أهمية الصحافة الحرة ودورها في كشف الحقائق مهما كانت التحديات. وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهتها، ما زلت أؤمن بأن نقل الحقيقة هو مسؤولية لا يمكن التراجع عنها.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: في ذكرى الثورة السودانية (Re: زهير ابو الزهراء)
|
رحلة العودة: من الصحافة إلى تأسيس العمل السياسي المنظم بعد مغادرتي السودان في عام 2011 بسبب ضغوط الأجهزة الأمنية واستهدافي نتيجة عملي الصحفي، قضيت سنوات في المنفى أبحث عن طرق لدعم قضايا بلدي من الخارج. في تلك الفترة، كرّست جهودي لبناء علاقات مع منظمات حقوقية وصحفية، مع التركيز على تسليط الضوء على الانتهاكات التي يعاني منها السودانيون، سواء بسبب القمع السياسي أو تداعيات الحرب الأهلية.
العودة في عام 2016... في عام 2016، عدت إلى السودان بقرار واعٍ، مدفوعًا بإحساس عميق بالمسؤولية تجاه وطني، رغم المخاطر. عدت وأنا أدرك تمامًا أن العمل السياسي المنظم هو السبيل الوحيد لإحداث تغيير حقيقي ومستدام.
كانت العودة محفوفة بالتحديات، لكنني حرصت على الحفاظ على نشاطي تحت غطاء من السرية. بدأت بالتواصل مع زملاء ومعارف سابقين ممن يشاركونني ذات الطموحات السياسية، وتوسعت الدائرة تدريجيًا لتضم أفرادًا من خلفيات مهنية مختلفة.
تأسيس جماعة سياسية سرية... في تلك الفترة، عملنا على تأسيس جماعة سياسية سرية تحمل رؤية واضحة: الدفع نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية تستند إلى مبادئ العدالة والمواطنة والمساواة. كانت الاجتماعات تُعقد في أماكن متفرقة لضمان السرية، وكانت القنوات التي استخدمناها للتواصل تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا لتجنب الرقابة المباشرة.
ركزت الجماعة على:
التثقيف السياسي: نشر الوعي بين الشباب حول أهمية المشاركة السياسية وضرورة التغيير. التخطيط الاستراتيجي: إعداد خطط طويلة الأمد لتطوير هيكل تنظيمي قادر على تحمل الضغوط الأمنية. العمل الميداني: التنسيق مع مجموعات المعارضة الأخرى لتوحيد الجهود، مع التركيز على مناطق الأطراف التي تفتقر إلى التمثيل السياسي الفاعل. العمل الصحفي كواجهة... رغم انشغالي بالعمل السياسي، لم أتخلّ عن الصحافة. كنت أستخدم عملي الصحفي كغطاء لتحركاتي، وأواصل نشر مقالات تُسلط الضوء على قضايا تهم الشعب السوداني، مع الحرص على تجنب أي إشارة مباشرة لنشاطي السياسي.
بدايات العمل السياسي المنظم... بحلول عام 2018، كانت الجماعة قد نمت بشكل ملحوظ، وأصبحت لها خلايا صغيرة في مدن مختلفة. عملنا على استقطاب الكفاءات الشابة وتدريبها على العمل السياسي، مع التركيز على تعزيز الروح الوطنية. كما بدأنا في التفاعل مع القوى السياسية الأخرى، بهدف بناء تحالفات استعدادًا لما كنا نراه ثورة قادمة.
الخاتمة... تلك السنوات بين 2016 و2018 كانت مرحلة تأسيسية وحاسمة في مسيرتي. ورغم المخاطر التي تعرضت لها، كنت أشعر بأنني أسهم في وضع لبنة في صرح نضال طويل. لقد كانت تلك التجربة مزيجًا من الصحافة والنضال السياسي، تجسد فيها الإيمان بأن التغيير يبدأ بفكرة صغيرة، لكن إرادة الشعب قادرة على تحويلها إلى واقع ملموس.
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: في ذكرى الثورة السودانية (Re: زهير ابو الزهراء)
|
من منصات البث إلى لجان المقاومة: حكاية التجهيز للعمل السياسي في السودان في السودان، كان الواقع السياسي والاجتماعي مليئًا بالتحديات والانقسامات، ولكنه في الوقت ذاته زاخر بالفرص لمن يسعى إلى التغيير. عايشت تلك المرحلة كجزء من منظومة حراك تستمد طاقتها من الغضب الشعبي والوعي المتزايد بضرورة التحرك نحو نظام سياسي عادل وديمقراطي.
البداية مع نجوم البث المباشر... بدأت القصة في أعقاب موجة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منبرًا جديدًا للتعبير عن السخط وتبادل الأفكار السياسية. كنت من المتابعين المباشرين لنشاط شخصيات مثل عثمان ذنون وآخرين ممن استخدموا تقنية البث المباشر عبر منصة فيسبوك لتسليط الضوء على قضايا الفساد، القمع، وتهميش الشعب السوداني.
رأيت في هذه البثوث المباشرة فرصة استثنائية لإحداث تغيير ملموس. لذلك، بدأت بالتواصل مع هؤلاء الناشطين بهدف تحويل الحراك الرقمي إلى أرض الواقع. كنا نناقش عبر الرسائل المغلقة والتواصل الشخصي كيفية توجيه هذه الطاقات نحو عمل سياسي أكثر تنظيماً.
تحويل الغضب الشعبي إلى لجان المقاومة... كانت الدعوة لتأسيس لجان المقاومة هي الخطوة الطبيعية التالية. أدركنا أن الغضب وحده لا يكفي، وأننا بحاجة إلى هيكل محكم يُمكّننا من تنظيم الحراك الشعبي وإدارته. في تلك الفترة، بدأنا في التواصل مع نشطاء ميدانيين وأشخاص لديهم تأثير مجتمعي في الأحياء الشعبية والقرى.
التجهيز لهذه اللجان لم يكن سهلاً. كانت الخطوات كالتالي:
التثقيف السياسي: بدأنا جلسات توعية سرية في المنازل والمساجد وحتى الأسواق. ناقشنا فيها مفهوم المقاومة الشعبية، أهمية التنظيم، وطرق الحفاظ على سرية العمل. إعداد القادة المحليين: اخترنا أفرادًا من داخل كل مجتمع، كانوا يتمتعون بثقة الناس، ودربناهم على كيفية تكوين لجان محلية وتحديد الأولويات. التواصل الآمن: استخدمنا تطبيقات مشفرة وقنوات اتصال بديلة لضمان تفادي الرقابة الأمنية. إستراتيجية الأرض: ركزنا على جعل لجان المقاومة جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي، بحيث لا يمكن فصلها عن المجتمعات المحلية أو قمعها بسهولة. الواقع المعاش والتحديات اليومية... العمل وسط هذا الواقع كان يتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة. كنا نواجه تحديات مثل القمع الأمني، نقص الموارد، وأحيانًا الخلافات بين الأفراد. لكننا استمررنا في تعزيز وحدة الصف عبر التركيز على هدف مشترك: تحرير السودان من براثن الاستبداد.
كان الأحياء تُصبح تدريجيًا قاعدة للمقاومة. كنا نحفّز الشباب على تنظيم حملات نظافة، إصلاحات محلية، وحتى فعاليات ثقافية، لجعل هذه اللجان تبدو جزءًا طبيعيًا من المجتمع. كل هذا تمهيدًا لتهيئة بيئة قادرة على تحمل الضغط والتحديات الأكبر.
الخاتمة: العمل المشترك يؤتي ثماره... لم تكن هذه التجربة مجرد عمل سياسي، بل كانت درسًا في كيفية تحويل الموارد البسيطة إلى قوة جبارة. من شاشات البث المباشر إلى الأزقة المظلمة، ومن النقاشات عبر الإنترنت إلى صيحات المقاومة في الشوارع، كان الحراك يُعيد تشكيل السودان شيئًا فشيئًا.
رغم أن الطريق كان ولا يزال مليئًا بالتحديات، إلا أن تلك الجهود وضعت اللبنات الأولى لثورة السودان. أظهر السودانيون أن إرادتهم لا يمكن كسرها، وأن التنظيم الشعبي قادر على تغيير الواقع مهما كانت العقبات.
| |
 
|
|
|
|
|
|
|