لم تكن الهجمات الشرسة التي شنها الإسلاميون والمروّجون التابعون للميليشيات ضد "مذكرة الانتقال المدني" مفاجئة. فهذه الوثيقة—الموجهة إلى الضمير العالمي وإلى أنصار الديمقراطية في كل مكان لم تكن تهدف أبدًا إلى استرضاء أي فصيل مسلح أو تقديم طريق مختصر للسلطة. بل كان هدفها أعمق بكثير: إعادة فتح المحادثة الدولية حول السودان عبر صوت المدنيين، لا صدى البنادق. لعقود من الزمان، احتكرت القوى التي تهاجم المذكرة الآن السردية الخاصة بالسودان—سياسيًا، أيديولوجيًا، وأخلاقيًا. وأي صوت مدني يرتفع خارج نطاق فلكهم يُعامَل على أنه تهديد وجودي. ولذلك، فإن ما أغضبهم لم يكن محتوى المذكرة، بل شجاعتها: شجاعة التحدث مباشرة إلى العالم. شجاعة تسمية الحرب على حقيقتها. شجاعة استرداد قصة السودان من أولئك الذين يستفيدون من الصراع الذي لا ينتهي. لماذا يخشون وثيقة موجهة إلى الضمير العالمي؟ لأن المذكرة تكسر ثلاث احتكارات قديمة ومستمرة:
1. احتكار تفسير السودان للمجتمع الدولي يريد الإسلاميون أن يشكلوا رؤية العالم للسودان: إما كساحة معركة لصراع إلهي أو كضحية لمؤامرة عالمية. لكن المذكرة تعيد تقديم السودان على حقيقته: مجتمع دمرته حرب لا يستفيد منها سوى أولئك الذين يتوقون إلى العودة إلى الحكم الاستبدادي.
2. احتكار تمثيل الشعب السوداني تم دفع المدنيين السودانيين إلى الهامش. المذكرة تعيدهم إلى مركز السرد، وتُصر على أن السودان ليس ساحة للميليشيات، بل هو أمة من الناس تسعى للكرامة والأمان والحكم الديمقراطي.
3. احتكار الترهيب والإسكات تدعو المذكرة العالم إلى إدراك مسؤوليته الأخلاقية تجاه السودان—ليس عبر التدخل، بل عبر إنهاء الدعم العسكري الخارجي للأطراف المتحاربة. وهذا يهدد أولئك الذين يعتمد بقاؤهم السياسي على إبقاء الحرب مشتعلة بدعم أجنبي.
المذكرة ليست خطة لتقاسم السلطة—إنها نداء للإنسانية لا تقترح الوثيقة ترتيبات جديدة لتقاسم السلطة، ولا تسعى لتفضيل فصيل على آخر. بدلاً من ذلك، تدعو إلى فهم دولي أوسع وأكثر شمولاً لمأساة السودان من خلال الحث على:
الإنهاء الفوري للمساعدات العسكرية الأجنبية لكلا الطرفين المتحاربين.
حماية المدنيين في جميع أنحاء البلاد.
الاعتراف بالأغلبية المدنية التي ترفض الحرب.
إعادة بناء المشاركة الدبلوماسية مع المجتمع المدني السوداني—وليس فقط مع الجماعات المسلحة.
هذا هو صوت أمة أنهكها العنف والتخلي.
من يهاجمون المذكرة يخشون المستقبل رد فعلهم يكشف حقيقتين:
يرى الإسلاميون أي رؤية بقيادة مدنية على أنها تهديد لاستراتيجيتهم طويلة الأمد المتمثلة في العودة عبر الفوضى.
يخشى المروّجون التابعون للميليشيات أي مبادرة تعيد تسليط الضوء على المدنيين وتبعِده عن منطق البنادق والإكراه.
إن رفضهم الصارخ يؤكد فقط أن المذكرة لمست العصب الحساس الذي يسعون لإخفائه: أن مستقبل السودان لا يمكن أن يظل عسكريًا إلى الأبد.
نداء إلى العالم: توقفوا عن تغذية الحرب—ابدأوا بالاستماع إلى المدنيين لا يحتاج السودانيون إلى المزيد من الأسلحة، ولا إلى المزيد من الألعاب الجيوسياسية التي تُلعب على حساب معاناتهم. إنهم يحتاجون إلى:
إنهاء الدعم العسكري الإقليمي والدولي.
انخراط سياسي جاد مع الفاعلين السلميين.
إطار عمل يعيد حقوق الإنسان والكرامة والعدالة.
يمكن للحركات الديمقراطية الأفريقية، والمجتمعات المدنية، والبرلمانات، ووسائل الإعلام أن تلعب دورًا حاسمًا. الصمت تواطؤ؛ والتواطؤ يطيل أمد الموت. لن يتم إسكات المذكرة الهجمات ضدها تثبت ضرورتها. إنها ليست وثيقة نهائية—بل هي الفصل الافتتاحي لنضال أوسع لاسترداد سردية السودان والمطالبة بمستقبل مدني.
تقف المذكرة كتذكير بأن: السلام يصنعه المدنيون، لا الميليشيات؛ الكرامة تُستعاد بالحقيقة، لا بالدعاية؛ ومستقبل السودان يجب أن يكتبه شعبه، لا بنادقه.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة