|
Re: عندما كانت الدولة المصرية تمجِّد جريمة ال (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: شفيقة ومتولّي – عندما طردت الثورة النساء (2/ 1) / تامر مصالحة

“يا جرجاوي يا جرجاوي يا متولي
جاي تايه أدور على ميت ولي وشعوري للعيل متولي وأديني هتكلم على متولي”
هي إحدى أجمل الأغاني الشعبية وأقبحها في التراث الشعبي المصري، بل أكاد أقول إنّها من أجمل الأغاني الشعبية الحديثة في التراث العربي ككلّ وأقبحها على الإطلاق! أنا أقصد بهذا أغنية “شفيقة ومتولي” للمطرب الشعبي الفذ حفني أحمد حسن الذي ألّف سيرةً أو قصةً شعبيه تحاكي السير الملحمية الشعبية الدارجة في الغناء الشعبي المصري والعربي، كسيرة بني هلال والزير سالم وعنترة بن شداد، وغيرها من الملاحم التي برع الفنّ الشعبي في التغنّي بها وأدائها. لكنّ سيرة شفيقة ومتولي ليست بالسيرة الملحمية بمفهومها الكلاسيكي أو البطولي كما قد نظنّ ونتوقّع! بل هي أقرب إلى مذبحة أو قل جريمة قتل بشعة تمّ تبنيها وتعظيمها على يد ثورة يونيو التي حاولت بواسطة تلك القصيدة التي تختصر -بسطورها القليلة محكمة القول والرمزية- ذاك التزاوج الثمين بين أهدافها وشرعيتها كسلطة، وبين التقاليد الذكورية المتخيلة والواقعية المنوطة بالمجتمع العربي المصري عامةً والصعيدي خاصةً، والتي أرادت الثورة التقرب منه وإخضاعه لسيطرتها ولشرعيتها كما فعلت مع باقي فئات المجتمع المصري. وقد كان المطرب حفني احمد حسن خير المطربين الشعبين لتأدية هذه الملحمة الغريبة، فهو بحد ذاته مطربٌ شعبيّ خارجٌ عن القاعدة، كونه مطرباً شعبياً مسيساً كان قد تغنّى بكثير من مفاهيم الثورة وتجلياتها كما تغنى بجمال عبد الناصر ـ “بطل العروبة يا جمال” … ، وبقرية بني مر (قرية الزعيم جمال عبد الناصر)، وبقضية فلسطين والوحدة العربية، فلم يقتصر غناؤه من حيث المضمون على المواضيع المطروحة في السِيَر التقليدية التي اقتصرت بتغنيها بأمور تتعلق بالبطولات والحبّ والأخلاقيات العامة كما درج عند أقرانه من المغنين الشعبيين، بل تعدّاه إلى الفنّ السياسي الهادف إلى إحداث تغير سياسي اجتماعي، ثقافي، قيمي لم يجاره في هذا سوى المطرب الشعبي الفذّ محمد طه الذي غنّى الموّال الشعبيّ ارتجالاً وتغنّى هو الآخر بالثورة، والعدالة الاجتماعية والاشتراكية والوحدة العربية كما احتفى بالعمال ومصر جمال وبالوحدة العربية، وغنى في المناسبات الرسمية للدولة كعيد العمال…; ، إلا إننا قد نعتبر محمد طه مغنياً (هذا من باب مزاوجة الفنّ بالسياسة) أقلّ شأناً من حفني أحمد حسن، رغم نبوغ محمد طه وامتيازه في الارتجال الذي كان رائداً فيه وسباقاً ولم يجاره أحد من أقرانه في هذا الضرب من الغناء الشعبي، إلا أنه كان فناناً مباشراً من حيث طريقة إيصاله للمضمون، فقد ركّز في فنه على مقدرته الربانية في الارتجال والتي كان قد طغى عليها أسلوب المفاخرة والمديح والحديث السياسي المباشر.
“ودي حادثة في العهد الماضي”
شفيقة ومتولي هي قصة حقيقية لشابّ من جرجا الواقعة في محافظة سوهاج، تمّ تجنيده في الجيش في مطلع القرن العشرين ليكتشف بعد سنتين من تغيّبه عن قريته أنّ أخته شفيقة قد هربت من البيت وأصبحت مومساً ذات شهره واسعة، هنا يقرّر متولي أخذ أجازة من الجيش والبحث عن أخته التي يعثر عليها في مدينة أسيوط، فيقوم بذبحها مستعيناً بثلاثة من أصدقائه يساعدونه على التخلص من عارها. بعد عملية القتل يتمّ القبض على متولي وتقديمه لمحاكمه سريعة وصوريه تحكم عليه بالسجن ستة أشهر على ذبح أخته كما “يليق” بقضايا الشرف! أضف إلى ذلك، انه يقضي فترة محكوميته لا في السجن كما هو الحال مع المحكومين أصحاب الجنح الجنائية لاسيما القتلة منهم، إنما في ثكنته العسكرية كما يليق برجالات الجيش.
الغريب في الأمر أن هذه القصة لم تلق شهرةً واسعة إلا في بداية الخمسينات، أي بعد انجلاء الاستعمار وقيام ثورة الضباط الأحرار، وحين تمّت معالجتها على يد المطرب الشعبي حفني احمد حسن وبثها بشكل شبه يومي عبر أثير الإذاعة المصرية، لتتغلغل في مفاهيم الناس عبر بعدها الفني والجمالي الذي لا إنكار فيه.
من الجدير ذكره أن هذه الأغنية لم تلق في البداية استحساناً من قبل الفئات التقليدية التي أرادة الثورة مخاطبتها ـ فمن حيث الموضوع كان هنالك بعدٌ فاضحٌ وجارحٌ في عملية التغني والإشهار بعار فتاةٍ ميتة، وبعائلةٍ أصابها ما أصابها من جراء ما حصل، فالتقاليد في هذه الحالة تقتضي “السترة” بعد “غسل العار”، فحتى لو كان القتل مشروعاً بمفاهيم هذه الفئة (وللأسف هو مشروع عند العديد من الفئات في مجتمعنا العربي حتى يومنا هذا!) إلا أنّ الإشهار لحادثة حقيقية ولأشخاص حقيقيين كان فيه من خدش المشاعر ما جعل الكثير من المستمعين غير مرتاحين للترويج لهذه القصة كأغنية ترفيهية يتم بثها بشكل مكثف عبر إذاعة الدولة الرسمية. لكن وكما هو الحال مع إعلام الدولة الموجه، كثرة التكرار تُغلِظُ القُلوب وَتُخَدر الأحاسيس والعُقول، وتضعف قُدرة المرء على التفكير الفردي والناقد لما يجتره من قيم ثقافية وأخلاقية موجّهة.
“متولي يقول مبيديش والوحدة عالية متعديش جالو الطلب وخدوه الجيش
متولي يا جرجاوي يا جرجاوي يا متولي”
السؤال إذا ما هي القيم التي كانت الثورة أو “الحكومة” معنيّة بزرعها في أذهان المستمعين وأفئدتهم؟ هل كانت معنيّة بالدرجة الأولى بالدفاع عن مفهوم “الشرف الشرقي” بوجه الغرب الليبرالي ومفهوم “الحرية الغربية”؟ هل كانت معنية بالحفاظ على العادات والتقاليد الشرقية كما تراها؟ الجواب طبعاً لا! فالثورة لم تهتمّ بقضية الشرف المتمثّل بجرجاوي الفرد، ولا بضحية الشرف المغيّبة المتمثّلة في أخته شفيقة، إنما كانت معنيّة باستغلال الشرف مدخلاً لشرعنة النظام السياسي المتمخّض عن الثورة! والأهمّ منه هو شرعنة الجيش أو المؤسسة العسكرية التي هي العماد الأساس للمجتمع ومصدر الشرعية ومحرك التغيير السياسي والاجتماعي الأساسي في المجتمع! القصة إذاً تبدأ بتجنيد متولي للجيش، ومن الجدير ملاحظته أننا نتحدث عن فتره كانت فيها المؤسسة العسكرية المصرية خاضعة لإمرة سلطات الاستعمار البريطاني، أي أن الجيش لم يكن يمثل مؤسسة عسكريه وطنيه صرفة، ومع ذلك وبسبب ثورة الضباط، فإنّ الجيش يصوّر ماضيه أو يصوّر نفسه على أنّه جسم أو مؤسسة ذات استمرارية سياسية وعقائدية واحدة! أي أنه كان دائماً يحمل ذات القيم الوطنية، الإنسانية والأخلاقية التي حملتها المؤسسة العسكرية بعد ثورة الضباط الأحرار.
فيستفيض المغنّي في وصف تقدم متولي من مجند أُعجب منه “الكومندان ـ الكوماندير” وأخذه معه على “البولوك ـ ثكنة التجنيد”. فليس مهماً في نظر الثورة المتمثلة بالجيش إن كان متولي فلاحاً أو ملاكاً، من مدينة أو من الصعيد، الجيش هو مكان يتساوى داخله الجميع، والفرصة متاحة أمام جميع المواطنين لكي يتسلقوا السلم الاجتماعي بذات الأسلوب الذي تسلقه قائد الثورة ذو الأصول الصعيدية الشبيهة بجذور متولي الجرجاوي. ويشدّد المغني على أهمّية العلم الذي يكفله أيضاً الجيش بقوله: ” متولي عجب عسكري/ وآخر النهار خدوه عل البولك/ يا ما على البولك قابلوا وأتوا عالم/ شوف الفرد لما يآتي عَلَم/ وخد ست تشهور يِتعَلَم”. وتستمر الأغنية في وصف تقدم متولي بالجيش، فمتولي يجيد ضرب النار، وقلد شريطا ثم شريطين بعد أن كان مجرد فلاح لا يقوى إلا على أن يشتري طينا في واقعه السابق، أما الآن فقد ترقّى وأصبح ضابطا برتبة ” باش جاويش” (هي رتبه توازي رتبة الرقيب في الجيش المصري الحديث SERGEANT وتعني بالتركية رأس الجاويشية ويكون تحت إمرته جاويشان وهو الضابط المسؤول عن 200 مجنّد، في موقع آخر من الأغنية يقول حفني أحمد على لسان متولي أن متولي ريس ” كلَ متين” وهذا رمز آخر للمصداقية التي يريد المغني إعطاءها لمتولي العسكري عبر خبرته بالرتب ومفهومها واستعماله لشخصيته العسكرية حتى وهو خارج الجيش).
الوصف المطول للسيرة العسكرية لمتولي جاء ليقنع المستمع أن متولي ترقى السلّم الاجتماعي رغم جذوره المتواضعة، فالثورة تصور العدالة الاجتماعية بواسطة صورتين: الأولى، التجنيد والتعلم والارتقاء لرتبة “باش جاويش” قوله في هذا أن رتب الجيش الرفيعة هي بمتناول كل شخص أراد إليها سبيلاً، وهي بالذات بمتناول يد الفئات الفقيرة، المغيبة والمهمشة اجتماعياً واقتصادياً كأهل الصعيد؛ الصورة الثانية، التي يعطيها حفني احمد حسن هي لسعي الثورة في تحقيق العدالة الاجتماعية المتمثلة بمشهد ضرب ابن الذوات الذي تحت إمرة متولي لعدم انضباطه للتعليمات: “فى القرطه عسكري ماشي بكيفو/ بالمال اهلو بيكفوه/ متولي ضربو بكفو” هنالك بعد آخر لهذه الصورة الأخيرة، كونها لا تحتوي فقط على تصوير لما هي العدالة الاجتماعية وما يعنيه تمكين الفئات المهمشة والضعيفة في المجتمع! بل هي تحتوي أيضاً على ترغيب ووعيد لمن يريد أن يختار ولاءه! فالتماثل مع المؤسسة العسكرية، التي هي بمثابة السلطة الشرعية الحقيقية، يعطي القوة في صفع أيّ من المأمورين من الجنود، حتى ولو كانوا أعلى منه مرتبةً اجتماعيا واقتصاديا. هذا معناه أيضا أنّ ذات “الحق” في الصفع يكون أقوى وأشد تجاه المواطنين الذين هم كمدنيين دون مرتبة العسكريين مهما كانت رتبة هؤلاء، كما تعلن هنا السلطة باستخدامها التلميح المبطن أو القوة الناعمة (soft power) بأنها قادرة، ولها الحق في “صفع” أي شخص “ماشي بكيفو” وليس خاضعاً لسلطانها وإرادتها.
هنالك أمر مهمّ آخر في هذه الصورة أو في هذا التلازم بين ثنائية “ماشي بكيفو/بالمال أهلو بيكافو”، لأنها تصبغ الحرية الشخصية بصبغة سلبية تستحقّ الذم والمعاقبة، فالحرية مقرونة هنا بالغبن الاجتماعي وبواقع ما قبل الثورة والتحرر من ظلم اجتماعي واستغلال. وعليه فإنّ الذي “يمشي بكيفو” هو حتماً تابع لطبقة مترفة مستغلة كانت وما زالت عدوة للثورة وللعدالة الاجتماعية، أي أن هنالك محاولة عبر هذه الصورة لتثبيت التناقض والشقاق بين العدالة الاجتماعية والحرية الفردية او الفردوية بشكل عام، التي يلمح حفني أحمد حسن إلى أنها قرينة الإقطاع والطبقية والامبريالية.
“قالو: إزاي بتضربنى يا جبان! روح ادفن نفسك جوه جبانة أدي صورت أختك جوه جيبي أنا”
لو انتهت الأغنية قبل هذا البيت، لقلنا إنّ الثورة تخاطب الصعيد خطاباً عقلانياً حول فوائد الثورة كمدخل لشرعيتها، دليلنا على ذلك أنها تسعى في إقناع الجمهور المخاطب بأهمية تحقيق العدل الاجتماعي، وضمان الحراك والتطور عبر العلم والجيش والفرص المتساوية لجميع المواطنين تماهياً مع رؤية نظام ثورة يوليو لنفسه كنظام وطني اشتراكي تقدمي قام على أنقاض الاستعمار والطبقية والرجعية التي كانت متجذرة في مصر عبر الاحتلال والإقطاعية التي استعبدت وهمشت فئات واسعة من الطبقات المستضعفة للمجتمع المصري. وللمقارنة فقط، فإن هنالك معالجة سينمائية لقصة شفيقة ومتولي قام بها الكاتب صلاح جاهين والمخرج علي بدرخان في نهاية السبعينات حاولت أن تتخطى خطاب الشرف الذكوري واللعب العاطفي على وتر الكرامة والعار من أجل تسويق أهداف الثورة المتمثلة بالتحرر السياسي والعدل الاجتماعي عبر هذه القصة الدموية، ومن أجل أن يحقق فيلم علي بدرخان هدفه بنشر أهداف الثورة ومشروعيتها دون أن يمجد مفهوم العار والكرامة، كان على هذه المعالجة أن تجد مبرراً منطقياً لِوِزر النهاية التراجيدية والدموية التي اشتهرت في أغنية حفني أحمد حسن والتي تمجد فيها شخص متولي العسكري، هذا المبرر أو هذا المخرج تم إيجاده عبر تصوير كل من شفيقة ومتولي كضحيتين لفترة الاستعمار والإقطاع، فالقاتل والمقتول هما ضحيتا هذا الواقع الذي كانت الثورة سبباً في تغيره. وعلى عكس ما كان عند حفني احمد، ففي هذه المعالجة السينمائية نستطيع أن نرى أن الجيش هو ذراع لسلطة الاستعمار، إذ تم التخلي عن صورة الجيش المثالي التي قدمها حفني أحمد! فجيش فيلم علي بدرخان هو جيشٌ جاثم تحت الطبقية والسخرة والاستعمار، هو ليس بالجيش الوطني الصرف مع انه سيتحول في نهاية المطاف إلى جيش وطني بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إلا أن هذا سيحدث فقط بعد قيام ثورة الضباط الأحرار، أما جيش حفني أحمد فهو فوق التاريخ وغير تابع لنظام تشوبه شوائب الاستعمار والإقطاعية، إذ انه لا يُمَثِل ولم يُمَثِل أبداً إلا تلك القيم الوطنية والاجتماعية التي غلبت في النهاية على النظام السياسي الذي أنشأه الاستعمار والإقطاع. أما عند علي بدرخان فإن جيش نهاية السبعينات لا يتمتع بذات الاستمرارية العقائدية التي أعطاها إياه حفني احمد! هدفه في تغليب هذا الصورة الواقعية هو التغلب على النظرة البطولية التي قدمها حفني احمد للقتل على خلفية شرف العائلة، ذلك أنه لم يعد ملزماً على تصوير الجيش عبر شخص متولي بالبطولة، وهو بهذا يتيح لمتولي أن يكون ضحيةً أخرى من ضحايا الوضع السياسي الاجتماعي لفترة ما قبل الثورة، ومن جهة أخرى أراد كل من علي بدرخان وصلاح جاهين على ما يبدو إعطاء مصداقية للمؤسسة العسكرية التي لم يعد بالإمكان النظر إليها بشكل طوباوي. وعليه فإن إعطاء المصداقية لا يتم إلا عبر تحليل تاريخي صادق لما كان عليه الجيش في زمن الاستعمار، وتحليل أخلاقي اجتماعي “كاذب” لجريمة القتل، إذ أنه سوّق للمشاهد العربي ما نستطيع تسميه بـ”الجريمة الفاقدة للضحية”، لأنّ الحل الذي طرحه كل من علي بدرخان وصلاح جاهين هو حلّ يهدف إلى المساواة من الناحية الأخلاقية بين القاتل والمقتول! إذ أنّه يصوّر كليهما كضحيتين. هذا الوصف أو السرد الذي يؤدي بنا إلى أن ننسى من هي الضحية الحقيقية كما أننا ننسى أن ننصفها بواسطة ذمّ الفاعل وتجريمه، وهذا بالتالي يغيّب الضحية من حقوقها وآدميتها التي عادةً ما يستردّها لها المجتمع عبر تجريم الفاعل وذمّه. فدور البطولة في فيلم علي بدرخان يُقَسم لثلاثية الأبطال التراجيدية شفيقة، متولي، والشعب المصري ضحية المجرم الهلامي أو الاعتباري المتمثل بالاستعمار والإقطاع، مع ما يحملانه من قيم اجتماعية تتجلى من خلال المحيط البشري والاجتماعي لأبطال الفيلم. ما أعنيه هنا، أنه حتى في المعالجة المتأخرة لجريمة قتل شفيقة عند علي بدرخان لم يكن هنالك إنصافٌ حقيقيٌّ للضحية، إنصاف يجرم فيه الفعل والفاعل والمنطلق الفكري لفعلته. بل هي محاولة للالتفاف على وصف الجريمة كجريمة وتناول منطلقاتها وتبعاتها، لكي يُخاطب الجمهور خطاباً عقلانياً بما يختص بأسباب الثورة وشرعية النظام السياسي الذي تمخض عنه. ذلك النظام الذي سيمنع الاستغلال ويمنع شفيقة ومتولي من الوصول إلى ذلك المفترق الذي أوصلتهما إليه الحالة الاجتماعية والسياسية، لكنه يتفهم بالمقابل شخص متولي، فعلته وتبريراته حال وصوله لهذا المفترق الذي “يحتم” عليه قتل أخته. فرغم إقباله على مثل هذه الجريمة إلا انه غير حَمال من الناحية الأخلاقية لأي مسؤولية أو لوم أخلاقي أو قضائي يحاسب فيها على فعلته.
في المقابل، فإن النظام عند حفني أحمد يغير من تكتيك خطابه العقلاني عبر محاولته شرعنة سلطته باستخدام ما يراه كقيمه لها أثر عاطفي وغيبوي في المجتمع، فهو يتخلى ههنا عن، أو قل يضيف إلى، الخطاب العقلاني، خطاباً عاطفياً يستخدم العار والشرف ويلعب على وتر خدش مشاعر لحياء وتهديد القيم الذكورية والعائلية! فالثورة المتمثلة بالحكومة المتمثلة بالجيش، متعاطفة، ومتماهية، وحامية للقيم المتمثلة في شخص متولي العسكري الذي واجه انتكاسة الشرف كما يقول المغني: متولي لما شاف الصورة/ بقى ذليل ونفسو مكسورة / وقام سريع راح للكومندان”.
العجيب هنا أنه حتى في خِضمّ التصوير والوصف العاطفي لثورة الغضب الذكوري، لصعيدي قد طُعِنَ بشرفه، فإنّ هذا البطل النمطي لما نتصوره وتتصوره السلطة لا يتصرف كالـ”صعيدي” الذي “كنا نتوقع منه أن يكون”! فمتولي لا يضرب المجنّد ثانية، أو يحاول قتله أو يهرب من الجيش ليقتل أخته في حمّى ثورة غضبه “وشرفه الملطخ بالعار”، بل يذهب للـ”كومندان” لاستئذانه بأخذ إجازة! وهي مفارقة مضحكة وحزينة بعض الشيء! لا لأنّ تصرّفا كهذا هو غير ممكن، إنما لأننا نتأكد ها هنا أنّ ما يهم السلطة إيصاله، هو ليس اهتمامها بمتولي الفرد، معتقداته ونفسيته، ولا بالمأساة الآخذة بالتطور نحو نهايتها الدموية، ولا “باحترامها” لمفهوم “الشرف والكرامة”؛ بل هي مهتمة بالدرجة الأولى بشرعية المؤسسة العسكرية التي ستتفهم القتل على خلفية “شرف العائلة” مقابل الانصياع للأوامر ولوائح الانضباط. فجريمة القتل أهون من الخروج دون إذن من الخدمة العسكرية!.
هنا يستفيض حفني أحمد في وصف مساعي متولي بأخذ إجازة من الجيش، هذه المساعي التي أخذت أسبوعاً كاملاً من الاستجداء ضاربةً بعرض الحائط المصداقية السيكولوجية لشخص مقبل على جريمة قتل قد تودي بحياته! فالشرف، كالفرد على عواطفه ونفسيته وحتى المنطق بحد ذاته، موجود تحت طائلة السلطة ومطالب بواجب الطاعة للمؤسسة العسكرية ولوائح انضباطها! فمن دون هذا الانضباط المثالي يفقد متولي آدميته وبطولته المتمثلة بشخصه كجندي مطيع للأوامر ومتناغم مع الثورة. ولهذا نرى متولي مستعدّا للاستجداء المهين بعض الشيء، واضعاً الشرف جانباً حتى لا يُفقد هذا التناغم ولا تتزعزع هذه القيمة العليا التي تفرض واجب طاعة السلطة والاعتراف بشرعيتها: أنا مش باخد العذر والجازة؟/ انا لو عملت غلط أتجازى؟ / أمانه يا بيه إديني أجازة! / الدنيا دي غرورة لما تولى/ لو كان على قطب وميت ولي / قالو مالك بيها يا متولي؟ / قالو يا بيه أبويا في خطر / متولي كان وجيه والصورة حلوة/ اللي عليه بيوصى راحلو / بأسبوع مضالو وسرحلو!
وبعد أن أخذ متولي العسكري الإجازة من ذات الكومندان الذي أعجب بمتولي في بداية الأمر وكان سبباً لترقيه وصعوده في السلم الاجتماعي والمؤسساتي للثورة، تبدأ الآن قصة تناغم الثورة مع الصعيد أو مع ما تتخيّله السلطة قيما للصعيد، فلقد حان الوقت للثورة لتتبنى أفكار الصعيد بعد أن اعترف هو بشرعية الثورة المتمثلة بالانضباط المطلق للجيش، فمتولي العسكري الذي بدأ كجرجاوي “شاري الطين” ثم جاويشا بشريطين وباش جاويش بثلاثة أشرطة، يصبح الآن ممثلاً للصعيد ككل! الصعيد أو جرجاوي العسكري هو الجيش والثورة! والثورة هي الصعيد على ما تتصور وتسلم به على أنها ثوابت شعبية يجب التعامل معها على هذا الأساس.
“طلع تايه يقول جرحي صعيدي ومليانه أفكاري السعادي ركب في القطر الصعيدي”
وها هي السلطة الوطنية تعترف بالجرح الصعيدي وبثقل وزر أفكار متولي، وحتى القطار الذي كان من المفروض أن يكون مصرياً أو وطنياً أو حتى عربياً يوصف بأنه “القطر الصعيدي”.
متولي يصل قريته متعباً ويدق على باب بيته ذي “الأصول الكريمة” : له عائلة كريمة /يقدمو علبتهم /ومربطلهم عل بيتهم /رَوَح وخَبَط على بيتهم/ويقول دا أنا جسمي استوى واتبرى /كمان اتهموني وغيري اتبرى/أبوه يقول: مين أتى بره؟ /قالو: افتح يابا دا أنا متولي! /فتحلو الباب يقولو سَلامات /عظامي على بعض سَلَمَت /ليه تركني وتنسى اللَمات يا متولي؟ بواسطة هذه الأبيات الجميلة والرقيقة بحميميتها العائلية يريد حفني احمد حسن أن يشدد على أمرين: أولاً، أن هذه الحادثة حصلت لعائلة “كريمة اجتماعياً” وفيها من الرقة والمحبة ما نتوقع أن يكون في أي عائلة شرقية، وبالتالي فإن هذا المصاب الذي أصابهم قد يحصل لأي عائلة أخرى، الأمر الذي يهدف إلى زيادة التعاطف مع متولي وعائلته؛ ثانياً، انه ورغم الشح المادي والاجتماعي الذي نستطيع أن نشتمّه من وصف البيت والأب العجوز، إلا أن حفني أحمد حسن يشدد أن عائلة متولي هي عائلة كريمة عندها ما يسدّ رمقها ويحافظ على مكانتها الاجتماعية، وكأن حفني أحمد لا يودّ خدش هذه العائلة بوصف حالتها الاجتماعية والاقتصادية الحقيقية، لكنه بوصف هذا الكرم والرقة العائلية “عظامي على بعضها سلمت”هو يمنع عملياً أي محاولة لتفهم أسباب هروب شفيقة وتلطيخ سمعة وشرف عائلتها، فالسبب الوحيد المتاح للمستمع حتى ولو لم يقل ذلك بشكل مباشر، هو كون شفيقة امرأة لم تجد رجلاً يضبطها ويحكمها تماما كما تحكم السلطة الشعب ويضرب الباش جاويش بكفه العسكري الذي يمشي “بكيفه”، كذلك يجب أن تلقى المرأة ذات المعاملة لأنها بطبيعتها الأنثوية الماكرة ميالة إلى ذلك الانحلال، فهي تساق لا بعقلها وأخلاقياتها بل بأهوائها الشخصية ورغباتها المتأصلة بالنظرة المتخيلة إليها كجسد معدّ للشهوة والجنس، وعيه فهي لا تكون أبداً أهلاً للثقة وللحرية المطلقة. وهي بشهوتها ورغبتها وطبعها عدوة للسلطة، عدوة للثورة على ما تحمله من عقلانية وانضباط وروح جماعية وهي عدوّة للقيم لذكورية التي يؤسس عليها المجتمع والنظام الرمزي القيمي والسياسي:
“قالو: يابا مش عايز سَلامات عايز اعرف فين أختي شفيقة؟ قالو: بعدك من تاني ليليه يا بني أختك صبحت عليلة وماتت والدوام لله
قال: يابا بنتك لو انته ربتها مترفتش وتاخدت طربتها طيب قوم ورينى تربتها قال: يا ابني أختك من يومك مشت وسابتني ولا إختشت وأبوك عجز وعقلو شت”
شفيقة إذاً رمز لكل النساء! فلا توجد أي محاولة للوقوف وراء دوافعها الفردية، هذا الوقوف معناه بنظر الشاعر التبرير المرفوض لعمل قبيح، فبحسب حفني أحمد حسن لا سبب لشفيقة لهجر والدها وعائلتها الكريمة، غير كونها دون حياء كأيّ امرأة يعجز الذكر المسئول عن ضبطها بالقوة، وكما يقول والد متولي ليبرر ويقص لمتولي ما حصل مع شفيقة: “يا ابني اختك من يومك مشت/ وسابتني ولا اختشت/ وأبوك عجز وعقلو شت” شفيقة إذاً هي كل امرأة! وأيّ امرأة! وفعل شفيقة هو ذنب كل النساء اللواتي لن يحافظن على شرفهن إذا لم يكن موجوداً ذلك التهديد العلني والملموس بالعنف تجاههن من قبل المجتمع الذكوري ومن قبل السلطة التي تتماهى مع هذا المجتمع.
“طلع تايه من المنزل، ويقول العقل مني زل قطع ورقة لأسيوط ونزل ”
بعد أن تأكد متولي من صحة الاتهام الذي وجهه له المجند، وبعد أن اعترف له والده بقلة حياء أخته شفيقة وبعد تثبيت وتعميم هذه النظرة بشكل مبطن على جميع النساء، وبالتالي تبنيها كحقيقة عامة من قبل الثورة أو قل كحقيقة بديهية تتعلق بطبع النساء وبلزوم تفعيل العنف للحفاظ على القيم المشتركة للصعيد وللثورة، كالكرامة والشرف والتكافل الأسري. يقطع متولي ورقة لأسيوط، طبعاً هذه المرة هذا القطار ليس أسيوطياً، لأن حفني احمد يريد أن يبقي على الاغتراب بين ابن جرجا ومدينة أسيوط برمزيتها المتعلق برمزية المدينة، التي تتيح لشخص مثل شفيقة على خلع قيمها التقليدية وممارسة الرذيلة في المدينة التي كانت دائماً مكاناً يستوعب مثل هذه الرذائل ويجتذبها إليه. نكاد نقول ها هنا أن حفني احمد حسن يقدم لنا نظرة نمطية لصراع القرية المدينة التي درجت في الشعر والأدب العربي الحديث عامة والأدب والشعر المصري الاجتماعي خاصة. لكن حفني أحمد لا يستمر في تطوير هذا الشعور بالاغتراب لمتولي، فهو سرعان ما يلقى ثلاثة من أصدقائه يحبونه ويهمهم أمره، يطلب منهم أخذه إلى مقام سيدي جلال السيوطي، وهو ركيزة أخرى يستند عليها متولي وحفني أحمد حسن لكي يخفف من حدة الاغتراب وصراع القرية المدينة، هذا لأنه في نهاية المطاف تبقى ركيزة الثورة الحقيقي هي المدينة، كونها مركز جماهيرها وسلطانها الذي تريد منه أن تبسط سلطاتها على الصعيد وأطراف مصر المترامية والنائية. فهي من ناحية، تريد أن تلمح للصعيد أنها صعيدية بروحها وتستغل التوتر بين الريف والمدينة؛ ومن ناحية ثانية، هي مدركة بأنها لا تستطيع توتير العلاقة بين هذين الطرفين أكثر من اللزوم، فهي في نهاية المطاف تريد إخضاع الريف والأطراف للمدينة وللمركز، وهي تفعل ذلك بواسطة هذا التناقض بين تصوير الثورة والسلطة كتابعة للصعيد وللريف والإعلاء من شانهما، لا لسبب إلا كي تحكم سيطرتها عليهما.
هنالك أهمية أخرى نستطيع رصدها لذكر النزول عند مزار سيدي جلال، إذ أننا نرى تصميم متولي على زيارة سيدي جلال قبل أن يفاتح أصدقائه بمصابه:
” أسأل لي لما يروق بالي أديكم هتبكو والدمع يبل أيدكم وأزور سيدي جلال في بلاديكم زَوَروه سيدى جلال ونَزَل على الحِته بيهم، يقول دا عمي ودا خالي”
وأهمية سيدي جلال إذاً، تكمن في تجنيد آخر، وتزاوج آخر يريد حفني أحمد حسن أن يعقده بين الثورة، والعادات، وهو تزاوج أو ثلاثية السلطة الدين والعادات والتقاليد. الأمر الذي من الجدير التنبه له هو أن متولي لا يذهب إلى المسجد سيدي جلال أو إلى الصلاة “كصلاة”، إنما يذهب لسيدي جلال المزار أو المقام الذي يطوف حوله ويتعبده بصفته هذه، أي أن الثورة تتبنى الدين بمفهومه الشعبي، الغيبي البسيط، المتعلق بزيارة القبور وأولياء الله الصالحين والتشفع ببركتهم. فهي تتبنى بذلك المفهوم الديني الشعبي الدارج في الصعيد المصري وعند الفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، تاركةً الدين بتجليه السياسي الذي تطور في المدن وعند الطبقة البرجوازية الوسطى من الشعب المصري. فدين السلطة، او الدين المجند لصالح الثورة هو دين المزارات والغيبيات، لا دين الإسلام السياسي ذو المطالب السياسية والاجتماعية الذي يصارع السلطة على الحيز العام. دين الثورة هو دين العادات والتقاليد، العائلة والشرف، دين الصعيد الذي تطالب الثورة باحتكاره كجزء من قيمها ومن شرعيتها الرمزية والعاطفية. ثُم إن نزول المزار وإعلان متولي العلني وفي حضرة سيدي جلال أن أصدقائه أصبحوا أعمامه وأخواله هو بمثابة عقد “عهد ذكوري مقدس” يسهل لمتولي، ويسانده على، تفعيل العنف ضد شفيقة. هذا العهد يوسع أيضاً مفهوم العائلة، وبالتالي يوسع دائرة “المستحقين” بتفعيل العنف ضد شفيقة المرأة، حتى ولو لم يكونوا جزءاً من عائلتها ولم تربطهم بها أي صلة دم. بل أكاد أقول بأن متولي أجبر أصدقائه والمستمعين لهذا الإعلان على أن يتوقعوا أن هنالك “واجبا” يحتم عليهم مساعدته على “غسل العار”. فالحق باستخدام العنف، يولد الواجب بمساعدة ودعم طالب تطبيق الحق إن كان محقاً في طلبه هذا، أو على الأقل إن صاغ مسعاه بتفعيل العنف بمنطلقات الشرف والعار.
إذاً، وبشكل رمزيّ، يؤسس حفني احمد حسن لواجب مساندة أيّ رجل يريد تفعيل العنف ضدّ نساء عائلته بدعوى شرف العائلة. ومع إشهار هذا التعاهد وقبوله وإظهاره كقيمه مقبولة في عين السلطة التي تبثّ هذه الأغنية عبر أثير إذاعتها الرسمية، يتحول عنده هذا التهديد وإمكانية استخدام العنف، واقعاً شبه حتميّ وقانونا عامّا، له تجلّ قانونيّ وقيميّ وجماليّ عامّ وظاهر.
“يقول دا عم ودا خَل دا جانا اللي نسى الود خال، على قهوة العطيني ودخل”
بعد زيارة سيدي جلال يدخل متولي بأصدقائه إلى قهوة العطيني (وهي فعلاً قهوة كانت موجودة ولعبت دوراً حقيقيا في الحادثة الواقعية لشفيقة ومتولي) ويحاول متولي تقصى آثر شفيقة دون أن يعرف احد بأن شفيقة التي يبحث عنها هي أخته خوفاً منه بأن لا يساعدوه على ذلك، فصاحب القهوة مثلاً يرتاب فيه ويريد أن يتأكد قبل أن يدله على مكانها، انه ليس بقريبٍ لها، فهو يحاول حمايتها رغم أنه ليس راضياً على ما تفعله وأنه رافض لقيمة شفيقة المتمثلة بكونها بائعة هوى. فصاحب القهوة هو الرجل الوحيد في كل هذه القصة الذي حاول حماية شفيقة، وبهذا يمكننا أن نلاحظ كيف يتسلل عبر شخصه صورة أخرى للقيمة التي يعطيها المجتمع لجرائم الشرف، فصاحب القهوة يمثل ذلك الصوت والذي حتى وإن همّش سريعاً فانه يظل الصوت الذي لا يريد أن يكون جزءاً من العنف الذكوري رغم كونه “معلم” (أي انه من ذات الفئة الشعبية التي ينتمي إليها متولي وتحاول الثورة مخاطبتها، وهو صاحب شهامة لأنه أراد مساعدة متولي عندما رآه واجماً، وهو على ما يبدو شخص مؤمن بدليل سؤاله الاعتراضي لمتولي هل هو رجل مؤمن عندما طلب رؤية شفيقة).
نستطيع أن نرى إذاً من خلال شخص المعلم أو “صاحب المطرح” كما يسميه الشاعر، أن القيمة الاجتماعية التي أعلنها حفني احمد حسن أو ما اعتقدت السلطة أنه قيمة شعبية مطلقة ليست كذلك، فلكل قيمة ثقافية اجتماعية أخلاقية، تكون هنالك قيم أو قيمة مضادة أو مناهضة، تتواجد داخل المجتمع الواحد والثقافة الواحدة! السؤال المهم ههنا هو ليس ذلك المتعلق بوجود القيمة من عدمه، بل ذلك الذي يسأل بصوت صريح وواضح، أي من هذه القيم علينا أن نختار ونُغَلِب، أي من هذه الصور الاجتماعية الموجودة نريد أن نصور ونُسَوِقَ على أنها الصورة النمطية لماهية الصعيد! تماماً كما فعلت السلطة بأغنية حفني أحمد حسن اعتقاداً أنها بذلك تصف الصورة النمطية التي قد تدغدغ بواسطتها مشاعر العامة؟ الصعوبة هي طبعاً تكمن بالحل الذي يطالبنا بالتنصل من هذه القيمة حتى ولو كانت رائجة! فهذا الحل الأصعب وان كان الحل الصحيح، لكن السلطة اختارت هنا الطريقة الأسهل، مقابل معلم القهوة الذي اختار الإمكانية الثانية! لكنه كما الحال مع شفيقة غُيِبَ سريعاً وأسدل الستار عنه سريعاً لكي لا يزعزع تلك الصورة التي تريد الثورة تسويقها: سمعو المعلم ورحلو /المعلم راح لمتولي /قالو: يا أخينا داير بكى مالك؟ ما كنت قاعد بكمالك/ياك خدو من البك(المحفظة) مالك؟/قالو يا ريت راح مالي! /قالو يا ريت راح مالى، انا الموت بقى سترى ورحمالي /وزماني عكسني وراح مالي /علشان وحدة اسمها شفيقة /قالو: أنت مؤمن تقي رب ليك؟/لو في الجواب ده تقرا قبليك/”اهو ده كلام صاحب المطرح”/قالو: مؤمن تقي رب لك؟/لو فى الجواب دة تقرا بلاك/انتا زبُنها ولا تقربلك؟/قالو: أنا راجل ريس كلَ مأتين /والحب بهدل كل متين /عايز أقابلها فِ كلمتين/أو في العزاب قلبي بربيه/علشان يآمن بربيه./خدو من ايدو وطلع بره بيه /قالو شفيقة على البلكونه دِي.
وهكذا خدع متولي المعلم الذي رق لحاله رغم انه كان رافضا لفكرة تعلقه بشفيقة التي تعمل مومساً، فشخصية المعلم كما سبق وذكرنا هي الشخصية الوحيدة في هذه لقصة التي تتمتع برأفة حقيقية ومحاولة إصلاح ترى الفرد أولاً وتحاول تفهمه وقبوله وتغيره إن استطاعت، لكنها لا تضرب الماشين على كيفهم بالكف كما فعل متولي باسم السلطة وفعلت السلطة باسم الشرعية والثورة.
“شاف اختو والعقل منو زل
حياتي العليه العيل م نزل وبعت صحابو طلعو المنزل”
لما رأى متولي أخته على “البلكونات” جن جنونه أو هذا ما يريد حفني أحمد حسن أن يصوره لنا، وهدفه في هذا ليس الوصف الموضوعي أو البلاغي أو وصف عاطفي لحالته النفسية التي من المؤكد أنها كانت مستعرة. لكن حفني احمد حسن يستخدم مصطلح “العقل زل” كمصطلح “تبريري” شبه قانوني ليدافع بواسطته عن مرتكب جريمة القتل التي ستحصل لاحقاً. فمع أنها كما نرى متعمدة وفيها برودة أعصاب وتدبير وهي جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد من الناحية القانونية؛ فان حفني أحمد حسن يصور فعل متولي كعمل قسري لشخص يكاد يصاب بالجنون لا مسؤولية قانونية على فعلته. القتل أو مبرر القتل الذي يُسَوَق له ها هنا على انه عمل قسري لا إمكانية أو طاقة لأي إنسان على أن يمتنع عنه إذا وجد نفسه في ذات الوضعية وهو بمثابة خط دفاع قانوني، علاوةً عن كونه دفاعاً أخلاقياً وقصصياً لعمل متولي وشخصه. فلقد كان حفني أحمد حسن يريد بمثل هذا الوصف المكرر لحالة متولي النفسية، أن يبني لمتولي خط الدفاع القانوني الذي سيمثل به أمام المحكمة وهو الجنون المؤقت. لكننا وكما سنرى لوصف عملية القتل فلقد كانت هذه عملية طويلة أظهر فيها متولي انضباطاً تاماً في كل مراحل القصة لا تتلاءم مع القتل دون سبق الإصرار والترصد أو نوبات الجنون التي تفقد المرء قدرته على تقيم أفعاله:
“وبعت صحابو طلعو المنزل… شفيقة افتكرتهم زباين “تجعل أصحاب أخوها زباين!” وقابلتهم على السلمات وقالت: يا زباين سلامات “عايزه تعمل للمسا لمات!”
متولي لم يجري بثورة غضب وجنون نحو أخته ليقتلها، بل بعث بأصحابه وانتظر هو اللحظة الملائمة، كما نلاحظ أن حفني أحمد حسن ينقل لنا الحوار الذي حصل بين شفيقة وأصدقاء أخيها، ولكنه يزيد على ذلك بمحاولته التعليق على انحطاط شفيقة الأخلاقي، فلقد فهمنا بحكم المشهد أن شفيقة اعتقدت أن أصدقاء أخيها زبائن، لكن حفني أحمد حسن أراد التشديد على أنها تريد أن: “تجعل من أصحاب أخوها زبائن” وكأن حفني أحمد يقول إنها لا تتمتع بأي وازع خلقي فهي ليست آدمية ولا تحترم صلات الدم وتقف عندها، لكن الحقيقة أن هذا الاستنتاج ليس صحيحاً، لأن شفيقة لم تدرك بأن هؤلاء أصدقاء أخيها كما جاء على لسان حفني أحمد حسن، ومع ذلك فلقد أراد ذمها وإضافة عمل غير أخلاقي آخر لتبرير دموية الجريمة التي ستقع بعد قليل. فشفيقة متهمة الآن ليس فقط بأنها مومس بل بأنها مستعدة أن تبيع جسدها حتى لأصحاب أخيها دون إقامة أي اعتبار آدمي لعائلتها، وهذا مدى الانحطاط الذي أراد الشاعر أن يصور به شفيقة. ذات المحاولة نراها في البيت “عايزه تعمل للمسالمات” وكأننا نحتاج للتذكير بعمل شفيقة وبما تعنيه حين تقول “يا زباين سلامات”. فحفني احمد حسن يريد أن يذكرنا طوال الوقت وبعدة أساليب بذنب شفيقة التي استحقت أن تقتل من أجله.
بعد أن بدأت شفيقة بالتحدث إلى أصدقاء أخيها أراد أحدهم أن يتأكد من شخص شفيقة، ومن أجل هذا أخذ يغازلها طالباً منها أن تقول من أي بلد هي: “واحد من صحاب أخوها سألها وقاللها/ قال أنت جميل وشغلت البال، لأديك/ لو تطلب ورق بال اديك/ بس قوليلنا منين بالَديك؟/ قالت: أنا مسكينة ودمعي بليني/وسنتين سكنه الفيلا دي/ وفى الأصل جرجا بلدي”. الشيء الذي يجب أن يستوقفنا هو أمران: أولاً؛ أن صديق الأخ يظهر لنا مدى النفاق المجتمعي بواسطة “موهبته” فهو ذكر يعرف مغازلة أمثال شفيقة من النساء بسهولة وتمرس، وهذا ليس بعجيب على مجتمعنا ذي القيم المزدوجة بالنسبة للرجال والنساء في كل ما يختص بالجنس والشرف والحرية الشخصية. الأمر الآخر؛ هو أننا نسمع للمرة الأولى قصة شفيقة أو بدايتها حين تقول أنها مسكينة وأنها ساكنه منذ سنتين في هذه الفيلا وأن أصلها من جرجا. لكن حفني أحمد غير مهتم هنا بقصة شفيقة أو حتى بمحاولتها إثارة تعاطف الزبائن والمستمعين بقولها: “أنا مسكينة ودمعي بليني” فهو سرعان ما يقطع حديث شفيقة ليصف حالة صديق الأخ بقوله أن: “صاحب أخوها عرفها وطار / بقى يبكى ويقول: يا ستار!” فتصوير شفيقة لنفسها على أنها مسكينة وعلى أنها ضحية، يُجهَض بوصف حالة صديق الأخ الذي لم يتمالك نفسه من الهلع لهذا المشهد القبيح والمأساوي المتمثل بشفيقة وأخذ يبكي ويستغيث بالله الستار للمصائب والبلاء، وهو وصف مقنع للمستمع أكثر من ما تقوله شفيقة على لسانها، الهدف في هذا هو تكذيب شفيقة وتصوير “تمسكنها” هنا كمحاولة وضيعة أخرى لاجتذاب الزبائن، فهي لا توصف بمصداقية صديق الأخ المهلوع من هذا المشهد المأساوي. وبعد الدعاء لله الستار تأتي “الوسكي والأوتار” ووصف دقيق لكيف تم التآمر على شفيقة وتخديرها بالكحول لتلاقي متولي وموتها الدموي المحتوم:
“وجاب على الوسكي أوتار البت كان غايب وليفها دي ناس دايره الدنيا ولفاها” صب أول كاس ولافاها شربتو وطلبت مزة، جابولها مزة كان فى الشارع بياع تين بيدور ومشي للي تانى دور صب وناولها تاني دور والكاس التالت صبلها مرضيتش تشرب سب لها ترفع العيون وتسبلها صحابو سكروها ونزلولو قالولو: قوم أقف على قدمك الحظ اتعدل قدامك والسكة فضية قدامك”
دخل الأصدقاء إلى منزل شفيقة كزبائن جلبوا الموسيقى وبدؤوا بسقي شفيقة “وسكي” وقد شربت الكأس الأول، لكنها طلبت أن تأكل “مزّة” فذهب أحدهم وجلب لشفيقة مزّة، ويقص حفني أحمد حسن القصة هنا كأنه كان شاهداً عليها! فهو يذكر بائع التين المتجول الذي انتقل من الدور الأول للثاني عندما صبوا لشفيقة الكأس الثاني وشربته، ورفضها لشرب الكأس الثالث، فهي لم تكن راغبةً بأن تسكر بل كانت تريد مجاملة الزبائن، وهو الأمر المنطقي إن فكرنا في الأمر جلياً، فهي لم تشأ أن تقع ضحية اعتداء أو سرقة وهي بمفردها بالبيت مع من تظنهم زبائن، مما يترتب على مثل هذه “الصنعة” من مخاطر متعلقة بهذا النوع من العمل والعنف الذي تواجه أولئك النساء في مثل هذا الواقع. وبالفعل سريعاً ستعرف شفيقة حين ترفض الكأس الثالث أن المغازل أو الزبون سيتحول لشخص عنيف يَسُبُها لكي تشرب الكأس الثالث، فما كان منها إلا أن تسبل بعيونها وتشرب حتى أصبحت غير قادرة على فتح عيونها من أثر الخمرة. وتسبيل العيون هو علامة للنعاس وعلامة لضعف شفيقة التي أصبحت بلا قوة كما هي علامة أنوثة شفيقة التي حاولت من خلالها استرضاء وامتصاص غضب صديق الأخ الذي شتمها. وسكرت شفيقة ونزل الأصدقاء سريعاً لجلب متولي الذي ابتسم له القدر. |
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عندما كانت الدولة المصرية تمجِّد جريمة ال (Re: Yasir Elsharif)
|
أدناه منقول برغم الأخطاء في بعض الكلمات: akhbarnaqada.blogspot.com/2016/04/blog-post_55.html
Quote: 09/04/2016 كلمات موال شفيقة ومتولى حصريًا أخبار نقادة
كلمات موال شفيقه ومتولى مع شرح بعض الكلمات ---------------------------- يا جرجاوي يا متولي يا جرجاوي جاى تاية ادور على متولي وشعورى للعم .. تولى وادينى هتكلم على متولى كلام يشبة سلاح ماضى من مؤلف على الورق ماضى ودى حادثة في العهد الماضى متولى يقول مبيديش والوحدة عليا متعديش جاه الطلب وخدوه الجيش يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
متولى عجب عسكرى واخر النهارخدوه على البلوك يا مه على البلوك أتو عالم شوف الفرد لما يآتي ع اللم وخد ست أشهر يتعلم يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
يابو زينة عندك فدار بالنار وشبيبك فى الدار بالنار دا خد شريطة فى ضرب النار يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
ناس على رجوليتة شاريطين وكان فى بلده شاري طين واترقى وعلق شاريطين اصل الراجل الخالى مبيتشويش وفيه طواريء بتشويش غايته بلغ بيتشاويش يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
متولى بالغ بيت شويش وجاتو أورطة من منقابات تبع اسيوط فى الأرطة عسكرى ماشو بكيفو بالمال اهلو بيكفو متولى ضربو بكفو قالو ازاى بتضربنى يا جبان روح ادفن نفسك جوة جبانا ادى صورت اختك جوة جيبى انا يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى متولى لما شاف الصورة بقى ذليل ونفسو مكسورة وقام سريع راح للكومندان يقول انا مش باخد العشر والجزا انا إن عملت غلط اتجازى امانة يا بية ادينى اجازة دنيا دى غرورة لما تولى لو كان على قطب وميت ولى قالو مالك بيا يا متولى قالو يا بية ابويا فى خطر متولى كان وجية والصورة حلوة اللى علية بيوصى راح له باسبوع مضاله وصرح له طلع تاية يقول جرحى سعيدى ومليانة افكارى السعيدى ركب فى القطر السعيدى يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
ركب فى القطر الصعيدى والساعة اربعه وصل بلده له عائلة كريمة يقدمو علبتهم مربطلهم علبتهم روح وخبط علبتهم ويقول دا انا جسمى استوا واتبرا كما تهمونى وجريت برا ابوة قالب ع الباب مين اتى برا قال له افتح دا انا متولى فتحلو الباب يقول له سلامات عظامى على بعض سلمت لية تاركنى وتنسى اللمات يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
قالو يابا مش عايز سلامات عايز اعرف فين اختى شفيقة قالو يابنى اختك من تانى ليلة يا ابنىاختك صبحت عليلة وماتت والدوام لله يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى قالو شفيقة اختك ماتت قال يابا بنتك لو انت ربيتها ما ترفقش وتاخد الطور بيتها طيب قوم ورينى طربتها قال يابنى اختك من يومك مشت وسابتنى ولا اختشت وابوك عجز وعقلو شت يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
طلع متولى من البيت زعلان طلع تاية من المنزل ويقول العقل مني زل قطع ورقة لاسيوط ونزل يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى فى اسيوط قابلوة تلاته أصحابه قالولو رايح فين يا متولى قال إسألي لما يروق بالى اديكو هتبكو والدمع يبل ايدكو وازور سيدى جلال فى بلاديكو زوروه سيد جلال ونزل على الحتة بيهم يقول دا عمى ودا خالى زقاني اللي ناس وداخل على قهوة العطيني وداخل يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
وقال يا معلم هات كراسى وطلب طلبات لصحابه وهوة مرضاش يشرب جاه الجرسون يقول وحش فى جبالك وياكل كلامه يجيبو لك انت تشرب ايه اجيبو لك قالو هاتلى شاى الغلب مر سمعو المعلم وراح له المعلم راح لمتولى قالو يا اخينا داير بكا مالك ؟ ما كنت قاعد بكمالك يكنش خدو من البك مالك؟
قال له يا ريت راح مالى
أنا الموت بقى ستر ورحمة لي وجملي عاكسني وراح مالي علشان وحدة اسمها شفيقة قالو انت مؤمن تلاقي رب ليك لو فى الجواب دة تقرا قبليك اهو ده كلام صاحب المطرح قالو انتة مؤمن تقى رب ليك لو فى الجواب دة تقرا قبليك انتا زبنها ولا تقربلك قالو انا راجل ريس كلا متين والحب بهدل كل متين عايز اقابلها فى كلمتين وفى العذاب قلبى بربيه علشان يأمن بربيه خدو من ايدو وطلع برة بيه قالو شفيقة على البلكونات شاف اخته والعقل منو زل وبعت صحابو طلعو المنزل يا مــــــتولـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي
يا جرجاوى يا متولي يا جرجاوى
شفيقة اقتكرتهم زباين تجعل اصحاب اخوها زباين وقابلتهم على السلمات وقالت يا زباين سلامات عايزة تعمل للمسا لمات واحد من صحاب اخوها سألها قال انتة جميل وشغلت البال اديك لو تطلب مال بالى اديك بس قوليلنا منين اراضيك قالت انا مسكينة ودمعى بل ايدى وسنتين سكنة البيلا دى وفى الاصل جرجا بلدى صاحب اخوها عرفها وطار بقى يبكى ويقول يا ستار وجاب على الوسكى اوتار البت كان غايب وليفها دى ناس دايرة الدنيا ولفاها صب اول كاس ولافاها شربتو وطلبت مزة جابولها مزة كان فى الشارع بياع تين بيدور ومشى للى تانى دور صب وناولها تانى دور والكاس التالت صبلها مرضيتش تشرب سبلها ترفع العيون وتسبلها صحابو سكروها ونزلولو قالولو قوم اقف على قدمك الحظ اتعدل قدمك والسكة فضيت ادامك يا متولى يا جرجاوى يا جرجاوى يا متولى بسرعة متولى طلع فوق يقول ولا حد معايا متفوق شوف السكرانة لما تفوق وشافتو وفاقت من الخمرة قالتلو خدنى واتوب على ايدك قاللها سا شفيقة بعد اية تتوبى وتتمحكى وتقولى مكتوبى دى رقعة ماتطلعش من توبى متولى دا راجل تقيل وساكن وراة بيبان البيت سكين اتى بالغضب وفى ايدو السكين وقال دى لو كان عليلة مين يزورها وجة سريع تلف منظرها وعزل الجتة من ظورها يا متولى يا جرجاوى يا جرجاوى يا متولى وطلع البلكونة بسكنتو يقول جرحى فى قلبى سكنتو يا ناس وسعولى سكة انتو لاقى الحكومة تحت البيت يقلولو انزل وتعالى قال انتو حكومة البر طاب ليكم وانا من فوق ما اطب ليكم الله اما جانى طبليكم هاودوة وجابولو الطبل ونزل بعد ماتلف المنزل شال العار وكلام العزال متولى يا جرجاوى يا جرجاوى يا متولى بسرعة حددولو جلستو ندة القاضى وقف قدامو قالو بتموت شفيقة لية يا متولى قالو يا بية انا دمى فار زى العمال ومع اسود عمل الفار عمل وحدانا شجرة وفيها فرع مال مفيش غيرى لاعم ولا خال لية اشرب المرار دة والخل لية اقطعو يا بية ولا اخلية كان القاضى اسمو حسن راجل عندو فضل واحسان قالو صراحة قطعو احسن يا متولى يا جرجاوى يا جرجاوى يا متولى اصل انتة شريف وعملك شئ يعليك ابدا مفيش شئ عليك غير 6 شهور اشاعة ليك وخدهم سجنو رد للجيش بعد ما كان دمعو يبل ايدو قالو دا اللى شغل البال ادوة صراحة شرف بلدو يا جرجاوى يا جرجاوى يا متولى يا جرجاوى شرح بعض كلمات اللهجه الصعيدى 1البلوك ---- دا مكان تجميع العساكر التمن اوبلغتنا الان القسم 2قرطة ---- دى معناها كتيبة جديدة 3يقدمو علبتهم ---- يعنى يقدمو اغلى ما عندهم دليل الكرم 4قطع ورقة ---- يعنى حجز تزكرة 5داير بكا ---- عمال يعيط 6ريس كلل متين ---- يعنى المتنى اللى هوة الدراع يعنى تعب كلل 7الويسكى اوتار ---- يعنى جاب مزيكا اوتار نغم يعنى 8تتمحكى ---- تتمسكنى 9عزل الجتة من ظورها ---- يعنى دبحها من الخلف 10اطب ليكم ---- يعنى انزل لكم 11 زى العمال ---- اي دمي يغلي كغليان الماء في القطار البخاري
|
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عندما كانت الدولة المصرية تمجِّد جريمة ال (Re: Yasir Elsharif)
|
من فيسبوك
Quote: شفيقة ومتولى ..... صلاح جاهين قال الراوى يا سادة يا كرام
متولى سحبوه مكتف بالحبال يارجــال
من قلب داره على حر الجبال يا رجـال
فى يوم تمانية أربعة والقمح لسة أخضر
الغـز جم على البلد يا دى النهار الاغــبر
أختـه شفيقـــة تقـــول أهرب يا متـولــى
يقول ده مش فعل من شيم الرجال ومحال
* * *
سابــها وحيدة تلقط رزقهــــا بالكـــــــاد
حبايـة حبايـة من قلب الشقـوق يا ولاد
تنازعها فيهم فيران الأرض و العصافير
وتشق سكتــها فى الدنيــادى بالأضافير
وهمــها كبير وحالــها يفتت الأكبــــــاد
* * *
بركة اللى فيه لسة نار فى الدار يا غلبانه
يا وردة مايلــة فى وش الصهد دبلانــــه
الحبـة الغلــة تخـبزهم يــادوب رغيفــين
لجـدها رغيف وليها رغيف يا ننى العين
والصبر طيب صحيح .. لكن تجيبه منين
آدى ألله وادى حكمته و الكفر بيهم عيب
ودا علم غيب وانكتب ولا هيه دريانـــه
* * *
أنا أخت متولـى كله يخلى هـنا بالـــــه
نظراته فى عينيا رايحة وجاية وخياله
كأنه لسه لا غاب ولا جرجروه الغـــــز
وجاية سوق التلات لجلــن أبيـع الــوز
لجلـن أبيع واشترى بمهابته وبمالــــه
وكل شئ زى ما هو لسه على حالــــــه
لأ يا شفيقــة الحقيقـــة مش كـده فوقـى
دياب آهه جاى متـلفع بتـوب العـــــــــز
ســــــوق المهـابـــــه جـــــــــــــبـــــر
اكفــى ماجــــــــور ع الخــــــــــــــبـــــر
و الجرح مهما صبر حيـيجى يوم وينــز
وكلــــــــــــــــــــــه بيـــــولــــــــــــــــى
فينــــــــــــــــــك يا متــــولـــــــــــــــى
متولى لما شافوه ولقوه عيونه ســــلام
فرزوه مجند وهوه كأنه طيف فى منام
عقله فى بلدهم وداره وجده وشفيقــــه
ويقول ترى وهل ترى ويجيب ورا وقدام
* * *
العسكريه شــرف يستعـظمــه الشجعـــان
وفلاحين مصر عسكر مشهورين جدعان
متولــــــــــى منهم و أحسنهم و أرجلهم
فى الظبـــط و الربط رغم الهم والأحزان
* * *
عملوا طابور ضرب نار قدام كومندانه
وحصل مسابقه ما بين متولى و أخوانه
أسرع نفر هوه يملا البندقيـــة بـــــارود
ونشانجى يغلب جيوش الأفرنج بنشانه
* * *
قال الكومندان : عفارم النفر ده منيـــن
قالوا له : من جرجا قال جرجا دى والله زين
وقام نادهله وعاطيه فى التو أومباشــــى
وشبك على دراعه قدام الجميع شريطين
* * *
أومباشى متولى جرجاوى وقف ددبان
على خلق تحفر وخلق تعبى بالغلقان
الوفات و الوفات كمثل النمل شغاله
بيشقوا بحر الكنال و الشمس قياله
بيشقوا بحر الكنال و الشمس تلفحهم
ما يرتاحوش إلا لما الموت يريحهم
أو النفر م العطش يحصل فى عقله جنان
* * *
أضرب ولد .. قال له لأ متولى ..ماضربشى
الشاب داخ م التعب .. الشاب ماهربشى
سحب الأفندى الطبنجة وطخ فى المليان
مات الجدع واستريح بس كان عطشان
{ عطشان ياظالم يموت فى بلاده بلديا }
متولى قالها بغضب وهجم بوحشيه
ناسى بأنه كمان ع السخره كان ددبان
* * *
آدى جزاة اللى ينسى مركزه ونمرود
ولكل واحد مقام ولكل حى حدود
متولى عصيان لابد تفوقه القمشه
لاسيما الجلد ميرى والحكيم موجود
وربنا موجود واحنا عليكو شهود
وكل جلده على ضهرك يا متولى
ترسم قناة السويس أم الجراير سود
* * *
نزل الوباء ع الكنال ... الغز قالوا: آمان
وهمه أكبر وباء صابك يادى الأوطان
متولى هوه وحسن شافوا الحكيم غضبان
جوله فى عز الليل
والشوطة ويلها ويل
ولما فاض به الكيل
قالوا له خد دول ويمكن تنقلب فرحان
راحوا الكرانتينه ..دخلوا ودمعهم مخنوق
قال الحكيم : مصر زى المنصابين دوله
اكتر كتير م الدوا وحتى الدوا مسروق
سخره ومجاعه ووباء..طول عمرها تعانى
وكل حاكم غريب يحدفها للتانى
والدنيا مستغربه على مصر عايشه ازاى
لحد دلوقتى لما الغلب أصلانى
* * *
وادى الدوا ما روى ولا نص عشر الناس
وادى نفر م الغلابه بيلفظ الأنفاس
وادى تلاته شباب عاجزين أمام الموت
وادى رحايه القضا دايره بلا إحساس
* * *
شفيقة شافت بعينها يا قبح ما شافت
دياب حبيب قلبهااللى عليه لافت
قادر يبيع جتته بالقرش مش خجلان
غضبت ...وبعدين أصابها نوع من التوهان
نوع من الخوف وهيه ماعمرهاش خافت
ونوع من الشؤم جاى يرمح كما الرهوان
* * *
قال الراوى يا سادة يا كرام :-
شفيقة وصلت مع الطرابيشى بيه لندن
مبعوث من الغز يرشى الخلق فى لندن
ويسد حلق الصحافة ومسئولين لندن
وشفيقة مبهورة بالبهرج تبع لندن
بعتر دهب ع اللى بيسوى و اللى ما بيسواش
وخد عليهم عهود حلفوا له ما يخونوهاش
سيرة تجارة العبيد والسخرة ما يجيبوهاش
والدفع كان كاش على قولة ولاد لندن
* * *
وعدى بيها وفسحها فى مدينة النور
وشفيقة هايمه فى حب باريس مدينة النور
وجاب لها من هناك فساتين كتير تهوس
لحد ما أصبحت كتلة فرح و سرور
* * *
رجعت على سيوط وجايبة هدايا أغلى طراز
وراحت على البيت أبو تراسينا حلوة قزاز
* * *
سمعت بأستغراب ..من فتحة فى الباب
لقيت البيه طرابيشى ..زيه زى دياب
* * *
رجعت شفيقة البلد مقهوره يا ولداه
سألت على جدها قالوا الدوام لله
راحت تزور تربته وأبو زيد يواسيها
ويقول لها الماضى يا بنت الأصول ننساه
تقول له : شهم وأمير يا ابوزيد لكن هيهات
أنا ما أنفعكش النهارده يا كريم الذات
انا واحده ظنيت بأن القيمة هيه المال
وبأن من عنده مال له قيمه وأبن حلال
ذنب وجنيته وخدت جزاه ندم ودموع
وعار ما يمحيهشى غير دمى على العتبات
* * *
آدى طريق دارها وادى الحيطة وادى الباب
وادى البلد م الوباء والسخرة شبه خراب
تقول هنادى : تع نرجع ..تقوللها : لأ
حاستنى متولى ييجى, أصل بينا حساب
* * *
متولى يرمح وعقله من الغضب طايح
النار ولا العار ولا أستهتار وفضايح
قعد فى أسيوط على القهوه وسأل عنها
قالوا له : راحت بلدها دوغرى قام رايح
* * *
متولى شال جتة المقتولة بين دراعيه
ضربوها قدام عينيه بالنار ما يعرف ليه
وناس يقولوا دا هوه طعنها بالخنجر
بس احنا شفناه رماه وشفيقة جايه عليه
سوا كده أو كده شالها فى أحضانه
ودموعه تجرى كبحر النيل وفيضانه
يبكى عليها وعليه وعلى بنات الناس
و اللى تبيع عرضها فى القحط و زمانه
* * *
القصد لما بلد تنعرض للبيع بجملتها
تنباع رعيتها قطاعى و بالملاليم
صلاح جاهين
|
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عندما كانت الدولة المصرية تمجِّد جريمة ال (Re: Yasir Elsharif)
|
فيلم شفيقة ومتولي 1978 من ويكيبيديا:
Quote: شفيقة ومتولي هو فيلم مصري عرض عام 1978، بطولة سعاد حسني وأحمد زكي وأحمد مظهر ومحمود عبد العزيز وجميل راتب، تأليف شوقي عبد الحكيم وسيناريو وحوار صلاح جاهين ومن إخراج علي بدرخان، الفيلم مستوحي من حكاية شفيقة ومتولي وهي حكاية شعبية شهيرة متداولة في كافة مدن الوجه القبلي المصري، وتستند في الوقت ذاته إلى واقعة حقيقية.
قصة الفيلم تستدعى السلطة عشرات الألاف من الشباب للعمل سخرة في قناة السويس ، يترك متولى شفيقة شقيقته وحدها مع الجد العجوز، حيث تضطرها الظروف القاسية نحو إغراءات ابن شيخ البلد دياب . وتكتشف البلدة العلاقة الأثمة بينهما، يضطرها الجد إلى الرحيل برفقة القوادة هنادى إلى أسيوط . في أسيوط يعجب الطرابيشى الذي يقوم بتوريد عبيد إلى شركة قناة السويس بشفيقة، وتصبح عشيقته، وتبدأ في كشف طبيعة عمله، وعندما تتضايق شفيقة من إيقاع حياتها تقرر العودة إلى بلدتها، وتنكشف فضيحة الطرابيشى في تجارة العبيد . يعود متولى إلى قريته، ويعرف العلاقة الأثمة بين أخته ودياب فيقرر قتلها، ولكن قبل ذلك كله تسبقه رصاصات افندينا الذي يعد الشريك الأول مع الطرابيشى في تجارة العبيد، فقد قرر أفندينا التخلص من شفيقة حتى لا تفشى سره، وسر الطرابيشى، وتموت شفيقة برصاصات أفندينا.
طاقم التمثيل سعاد حسني أحمد زكي أحمد مظهر محمود عبد العزيز جميل راتب ملك الجمل يونس شلبي محمود الجندي عبد الوارث عسر شفيق جلال نعيمة الصغير حسن حسين حمزة الشيمي أحمد بدير أحمد حجازي أحمد أباظة مرسي الحطاب محمد الشويحي أحمد عقل نادية شمس الدين علي قاعود صبري عبد المنعم ليزا ماي نصر سيف وحيد سيف سميحة محمد فريق العمل إخراج: علي بدرخان قصة: شوقي عبد الحكيم سيناريو وحوار: صلاح جاهين إنتاج: أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) توزيع: أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) مونتاج: سعيد الشيخ مدير التصوير: عبد الحليم نصر، محسن نصر موسيقى تصويرية: فؤاد الظاهري تاريخ الإصدار: 27 نوفمبر 1978 عن الفيلم يعتبر فيلم شفيقة ومتولي هو أضخم إنتاج سينمائي في موسم 1978. كان يوسف شاهين في البداية هو مخرج الفيلم، ولكن بسبب ظروفه الصحية لم يستطع أن يواصل التصوير بعد أسبوع من العمل، فأوكل المهمة إلى علي بدرخان الذي قام بإعادة صياغة السيناريو مع صلاح جاهين، واكتفى شاهين بانتاج الفيلم. الفيلم مستوحى من حكاية شعبية شهيرة متداولة في كافة مدن الوجه القبلي، وتستند في الوقت ذاته إلى واقعة حقيقية. كان هذا الفيلم هو الوفاء بالوعد الذي قطعه صلاح جاهين على نفسه لأحمد زكي عام 1975، بعدما تم استبعاد الأخير من بطولة فيلم الكرنك أمام سعاد حسني، وتسبب ذلك في أزمة نفسية عنيفة للنجم الأسمر، فوعده جاهين بدور البطولة أمام سعاد حسني بفيلم جديد، وهو ما تحقق بعدها بثلاثة سنوات عام 1978 بفيلم شفيقة ومتولي، الذي كتب له جاهين السيناريو والحوار والأغاني والأشعار. حصل فيلم «شفيقة ومتولى 1978» على جائزة الطانيت البرونزى في مهرجان قرطاج السينمائى الدولى السابع في نوفمبر 1978. |
| |
 
|
|
|
|
|
|
Re: عندما كانت الدولة المصرية تمجِّد جريمة ال (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: شفيقة ومتولّي – عندما طردت الثورة النساء (2/ 2) / تامر مصالحة
مفهوم المرأة الذكوري في مجتمعنا يجعل من تصوّرنا لآدمية المرأة على أنها تتمحور حول مفهومي الجنس والجمال، لذلك فالعقاب لا يكتفي بمجرد القتل كقتل بل بالتشويه وكأنّ القتل وحده ليس قصاصا كافيا. ” بسرعة متولي طلع فوق يقول ولا حد معايا م تفوق متولي يطلب من أصدقائه أن لا يصعدوا معه ربما إعلاناً منه أن القتل يجب أن يتم عبر أقرب الناس لشفيقة، وهذا كي لا يكون من يشكّك في أنه الذي قتل أخته تثميناً لشرفه، وربما لأنّ حفني أحمد حسن أراد أن ينهي دور الأصدقاء ليبرّءهم دون الحاجة للوقوف في المحكمة كمن اشتركوا في جريمة قتل، وسنرى لاحقاً أنه لا أحد يتفطن إلى دور الأصدقاء الذين لن يمثلوا في ذهن القاضي أو في ذهن المستمعين كأشخاص يجب على الأقل البتّ في مسؤوليتهم الجنائية لما سيحصل لشفيقة. شوف السكرانة لما تفوق وشافتو وفاقت من الخمرة قالتلو: خدني وأتوب على إيدك” حتى بعد أن قص لنا حفني أحمد كيف تم إجبار شفيقة على أن تسكر، يذمها أمامنا حفني أحمد حسن على لسان متولي بنعته إياها “بالسكرانة”، مع إننا نعرف القصة كما يعرفها هو، إلا إننا لا نتوقف عادةً على هذا النعت وهذا الاتهام، نحن تماماً كمتولي قد فقدنا أي إمكانية لإنصاف شفيقة، ونحن على استعداد تام أن نتقبل وندين شفيقة بأي اتهام يوجه لها حتى خالف الحقائق الواضحة أمامنا. السبب في هذا هو أنها مذنبة في عين متولي كما أنها مذنبة بعيوننا كمجتمع ومستمعين، بجريمة الشرف، التي تحوي داخلها كل الجرائم والانحطاط الخلقي الممكن نسبه لامرأة فاقدة للشرف. بل أنه يكفينا الاتهام بالشرف لكي ندين المرأة بهذا الاتهام دون الحاجة لإثباته، والإدانة تكفي للحط من آدمية شفيقة وأي امرأة بشكل عامّ، حال وصمها بمثل هذا الاتهام، لكي تصبح المرأة التي لطخت شرفها حَمالة لأي انحطاط أخلاقي ومدانةً بأي فعل غير أخلاقي آخر. هذا السبب ذاته هو الذي يجعل طلبها للتوبة والرحمة لا يتعدّى كونه محاولة بائسة لا فرصة لها فيها! فالتوبة للآدمي إن أخطأ! ليس للمرأة الفاقدة لشرفها، فهي منقوصة الآدمية قبل أن تلطخ شرفها لكونها امرأة، وهي إن لطخت شرفها تقطع ذلك الحبل الذي يصلها بالآدمية، والسبب في ذلك هو كونها تابعة كالمتاع لعائلة ما، لأخ أو لزوج، الخ …حقها في الحياة وبسلامة جسدها ليس أكثر من امتداد لحقّ الرجل في كرامته، فكرامة الرجل هي التي تؤسس الحقّ في احترام المرأة كتابعة له، وإذا مُسّت هذه الكرامة انقطعت الصلة بين آدمية الرجل والمرأة. الأنكى من هذا هو أن يصبح هذا “الحقّ” بالمعاقبة المعطى للذكر “واجباً” يتم من خلاله إثبات وإشهار أنّ قطع الصلة ما هو إلا فعل له بعد جماعيّ تقنينيّ يؤسّس ويؤكّد عبر الممارسة أنّ آدمية المرأة هي آدمية مشروطة، وبالتالي منقوصة. المرأة التي تتهم بقضية الشرف لا تتهم فقط بالإضرار بحيزها الخاص أو بعائلتها القريبة بل هي متهمة بالإضرار بالحيز العام المتعلّق بمبنى المجتمع ككلّ. فمن تحاول هدم الصلة بين الكرامة والتبعية عبر تلطيخ شرفها، وبالتالي كرامة الذكور المعنيّين بشرفها لأنّها تابعه لهم، إنما هي تهدم ما يؤسّس لآدميتها، وجزء من هذه الآدمية هو إمكانية الصفح والتوبة وهي ليست أهلاً لها. نستطيع أن نستشفّ مثل هذا المنطق في مصطلحات دارجة في ثقافتنا سمعناها مراراً كالقول بأن: “العار ما بغسله إلا الدم”، أو كما يقوله بقناعة تامة متولي لشفيقة: “قاللها: يا شفيقة بعد ايه إتوبى وتتمحكي وتقولي مكتوبي دي رقعة ما تطلعش من توبي!” ومجدداً نستطيع أن نرى كيف يحكم حفني أحمد على الواقع وتقييمه بشكل يفقد من شفيقة آدميتها أو أيّ إمكانية للتعاطف معها، وهو بذلك مستعد لمناقضة الواقع الذي وصفه هو شخصياً، وهذا يظهر هنا جلياً بتقييمه لما قالته شفيقة، فقد استجدت شفيقة الرحمة والتوبة من متولّي، لكن حفني أحمد يجاوب شفيقة على لسان متولي “بعد ايه اتوبي وتتمحكي وتقولي مكتوبي”.. فلنقف قليلاً عند اختياره لكلمة “المماحكة” وهي تعني في اللغة العربية الجدال الشديد والعنيف أو اللجاجة والمنازعة في الكلام عند شدة الغضب أمام خصم لك، لكنّ السؤال الذي يعلو للأذهان هو: هل يلائم هذا الوصف ما كان من شفيقة في حديثها مع أخيها؟ الجواب طبعاً لا! فهي لم “تماحك” بل حاولت أن تستجدي الرحمة وطرق باب التوبة. فلم يصلنا على لسانها أيّ مماحكة بل ذلك الرعب الممزوج باستجداء الرحمة الخائبة وشبه الاستسلام. فلم يأت حفني أحمد حسن على لسان شفيقة بأيّ ردّ مماحك أو عنيف أو مجادل! مرّةً أخرى نستطيع أن نرى أنّ هذا ليس وصفاً موضوعياً لما قامت به شفيقة بل طعن يهدف إلى الحط من آدميتها. فبما أنها فاقدة للشرف، فهي لا تستجدي، بل “تماحك” كما يليق ونتوقع من مومس. ما نتوقعه هو المهم لا الأفعال أو الأقوال التي حصلت في الواقع! فهي ليست ذات أهمية، وهذه رمزية أخرى لتبعات الشرف وتجلياته، اذ يكفي الإعلان أو الاتهام لامرأة ما بأنها فاقدة له، حتى نفقد كأفراد كلّ حسّ بالرأفة، لا بل بالموضوعية تجاه هذه المرأة. وهذا ما يثبته لنا حفني أحمد حسن لأننا إجمالا لا ننتبه لهذا التناقض بين وصفه لحيثيات الحدث وتقييمه بكل ما يتعلق بشفيقة. اذاً، وبعد أن أعلن متولي بأن شفيقة فاقدة للآدمية لأنها فاقدة للرحمة، وثانيةً واحدة قبل أن تقتل شفيقة بالسكين، يسأل حفني أحمد حسن على لسان متولي السؤال التالي الذي يتراود في ذهنه، وهو يأتي بحسب وصف الشاعر للسكين وبما يرمز له حفني احمد حسن بأنه العنف الشديد بكلمة “الغضب”: “متولي دا راجل تقيل وساكن متولي دا راجل تقيل وساكين وراه بيبان البيت سكين! أتى بالغضب وفِ إيدو السكين وقال دي لو كان عليلة مين يزورها؟!” “متولي الرجل الثقيل والساكن” لم يفجّر العنف بشكل عشوائيّ، بل هو “أتى بالغضب” أي بالعنف الممنهج لا العنف العبثي النابع من فقدان العقل، كما أتى بالسكين المخبّأ وراء أبواب البيت، ولاحظوا أنّ هنالك رمزية في القول أن وراء أبواب البيت، كل بيت وأي بيت بالعموم كبيت العائلة وبيت الزوجية، تكون هنالك سكين! ففي كل بيت كحيز خاص، هنالك سكين مخبأ! أي أنّ هنالك تهديدا مبطنا بالعنف تُهَدَد به النساء من قِبَل من يستطيع أن يفعله من الذكور، فكل ذكر يستطيع إن أراد أن يأتي بالسكين الرمزي الموجود “وراء بيبان البيت”، وكل ما بقي له هو أن يأتي بالغضب ومسبباته، لكن السكين موجود عودا على بدء وراء كل باب بيت، وفي كل علاقة بين الرجل والمرأة، هذه رمزية قوية لا أتصوّر أن حفني أحمد حسن قصدها، لكنها مع ذلك تفرض نفسها وبعدها الرمزي على النص. العنف أو الغضب هو عنف مبيّت، لأنه قصاص مقنّن لذنب متوقع، وعليه فهو عنف منظّم. والسكين ما هو إلا تهديد ووعيد يلبس لباس العادات والتقاليد وازدواجية الشرف والكرامة، أو الثأر والعار. هنالك تناقض آخر بين الفعل ووصفه يدعونا إلى التوقف عنده في هذه الأبيات، هو وصف متولي بأنه رجل “ثقيل وساكن”: فهو ينوّه بشجاعة متولي وبرودة أعصابه، وأثبت لنا قوّته وثقته بنفسه باعتباره إنسانا منطقيا ومتعقلا، فهذه ليست جريمة عاطفة لأن جرائم الشرف في المطلق ليس جرائم تحكمها العاطفة بل العقلانية التي تفهم جيداً ما يجب فعله. وصف الفعل المتوقّع، أو بالأحرى وصف الفاعل متولي، بالشجاعة والثقة بالنفس قبل الإقدام على العمل هو تقييم سابق للفعل، تمّ تقديمه على الفعل لأنّ حفني حسن أحمد طلب بذلك ضمان ولائنا وتقديرنا لمتولي حتى في أكثر لحظاته دمويةً، ولأنه يدرك أنّ هذا الفعل يقلب الميزان أو المقياس القيمي المتعلق بما يفهمه المجتمع كشجاعة، فهو يريد الالتفاف على قيم ذكورية بديلة قد ترى الاعتداء على امرأة لا تملك من أسباب المقاومة والدفاع عن نفسها شيئا، عملا جبانا. هذا الجبن قد نستشفّه مثلاً من عدم اهتمام متولي بمعرفة من هو وليف شفيقة الذي قد يكون السبب في ما آلت إليه! أو معرفة إن كان هنالك سبب له علاقة بالعائلة التي تسببت في إخراجها من البيت. حفني أحمد حسن توقع مثل هذه الشكوك، وعدم الارتياح الذي تفرضه صورة رجل مسلح بسكين يذبح وينكل بامرأة، لذلك استبق صورة الفعل بتقييم الفاعل وكأنه يريد أن يمنعنا من التفكير والتقييم الذاتي لصورة متولي وفعلته، ولذلك يصفه لنا بالشجاعة والثقة بالنفس، وبأن عمله هو عمل نابع من منطلق أخلاقيّ، فهو دليل على أن متولي هو شخص سويّ وطيّب من الممكن أن نزوّجه ابنتنا أو اختنا دون أن نخاف من مستوى العنف الذي يستطيع أن يصل له. ويضيف حفني أحمد حسن تبريراً أخيراً يسجّله لنا عبر قراءة سيكولوجية او نفسية لما يدور في ذهن متولي الذي يسأل نفسه مبرراً لم هو مقدم على فعله: “دي لو كانت عليله مين يزره؟ا”، وكأنه يريد أن يقول بهذا: أن هذا الموت هو رحمة لشفيقة وحلٌ فيه رأفة لا قسوة، شجاعة لا جبن! قد تكون شفيقة الآن امرأة جميلة وعندها مريدون وهنالك قيمة ما لحياتها، لكن حين تمرض أو تكبر أو تفقد جمالها وهو الشيء الوحيد الباقي لها في نظر متولي، فمن سيرأف لحالها عندها؟ لا أحد طبعاً! لأنها ليست إنسانا بنظر متولي، بل مجرد جسم أو مادة تفقد قيمتها إن ترهلت! بواسطة هذه الالتفافات على الواقع والتبريرات المبطنة، يضمن حفني أحمد حسن ولاءنا وتقييمنا لمتولي وفعله الذي كان من المفروض أن يثير اشمئزازنا وسخطنا على جبنه في استهدافه امرأة، واستهدافه اضعف حلقة لغسل شرفه من العار مفسحين بذلك المجال لحفني أحمد حسن، للسلطة ومتولي ليأتي الأخير بالغضب وبرعب السكين متلهفين لرؤية تجلي الفضيحة الملطخ بالأشلاء الممزقة والدم: “أتى بالغضب وفِ إيدو السكين وقال دي لو كان عليلة مين يزورها؟! “وجاه سريع تلف منظرها” متولي لا يقتل شفيقة رأساً، بل يثبت أولاً نقطته وسؤاله الاستنكاري “دي لو كانت عليلة مين يزرها؟” بواسطة تشويه شفيقة وإفقادها لجمالها، ولهذا العمل عدة دلالات ومفاهيم: أولاً ـ هو أن متولي كممثل للمجتمع ألذكوري يهاجم ويعطب- في شخص أخته شفيقة- ما يراه كل المجتمع عامل قوّة وتهديد عند المرأة على المجتمع الذكوري، فهو يهاجم جمالها لأن هذا الجمال من ناحية هو الشيء الذي يربطها بآدميتها، ومن ناحية أخرى هو السلاح الذي تهدّد به المجتمع والمبنى المجتمعي المبنيّ على السلطة الذكورية؛ ثانياً ـ هو يتلف فكرة أنها مخلوق جنسي! كأن القتل لم يكن كافياً لكي يغيّب شقيقة، فقد كان على متولي تغييب أو هدم فكرة كونها مخلوقاً جنسياً؛ ثالثاً ـ متولي يتلف عامل القوة الذي هو نفسه يخافه، وهو جمال شفيقة وجاذبيتها الجنسية! وهذا رغم كون متولّي أخاها، ونكاد نقول أنه بعمله هذا، هو يريد أن يحصن نفسه ويغسل أفكاره التي قد تحتوي على انجذاب جنسي لأخته أو نظرة جنسية لها من قبله أو من قبل أفراد عائلته، وهذا التفسير ليس بالشيء الغريب إذا ما نظرنا لهذه الظاهر المنتشرة في مجتمعاتنا الشرقية وهي ظاهرة طريقة معالجة سِفاح الأقارب، فالمجتمع عادةً ما يعالج هذه الظاهرة بذبح ضحية السِفاح التي تكون في الغالب المطلق المرأة التي يغتصبها أحد من أقربائها، فيكون الحل السهل المتاح للعائلة هو قتل ضحية السفاح والاعتداء، وكأنّ جاذبيتها وتأثيرها الجنسيّ المتأصل في خَلقها وخُلقها هو الذي يغوي أفراد المجتمع للرذيلة حتى الأقارب منهم كالآباء والإخوء الخ. فالسِفاح هو ذنب المرأة وكونها مخلوقاً جنسياً لا يعرف كبح جموحه. ومتولي يعلن بفعله هذا إذاً، انه عبر هذا الفعل لا يوجد لهذه القوة الجنسية لشفيقة أيّ تأثير عليه، ومن الناحية الأخرى هو يريد أن يحصن نفسه وعائلته بإعطاب هذه القدرة ويعطي نوعا من الإثبات العلني الذي يتحقق بمثل هذا العنف والدموية الشديدة، أن ما حمل شفيقة على الهرب لم يكن سفاح الأقارب او خللا أخلاقيّا داخل العائلة فشفيقة ليست الضحية، بل العائلة هي التي كانت ضحية رغبتها الجنسية الجامحة التي لم تقدر أن تلقى مبتغاها غير الشريف في كنف أسرتها والتي سبق أن قال عنها حفني أحمد أنها عائلة كريمة لا شائبة تشوبها. رابعاً؛ مفهوم المرأة الذكوري في مجتمعنا يجعل من تصوّرنا لآدمية المرأة على أنها تتمحور حول مفهومي الجنس والجمال، لذلك فالعقاب لا يكتفي بمجرد القتل كقتل بل بالتشويه وكأنّ القتل وحده ليس قصاصا كافيا، إذ أن على هذا القصاص أن يتضمن سلب ما يتصوره المجتمع عاملا أساسا يُعرّف ماهية المرأة وآدميتها ويلخصهما! وعليه يكون إتلاف المنظر بندا أساسيا من بنود القصاص الذي ينتهي بالقتل، القتل بهذا المفهوم هو ثانوي للتشويه، فهدف التشويه هو الضرب العلني لما يراه المجتمع ماهية المرأة وعامل القوة عندها، فالتشويه هو ذلك العنف بعلانيته المسرحية، وهو ما يغسل العار.. أما الموت فهو ما يدفن ويواري ضحيته وذاكرة المرأة التي كانت مسؤولة عن العار، هو بمثابة الحلّ الذي يعيد الأمور لنصابها، ويرجع السكين وراء باب البيت لكي نعود ونتحدث عن الحميمة العائلية والشرف والكرم والأمومة والزواج وحتى الحب الشريف متجاهلين السكين إلى حين. “وعزل الجثة من زورها” طبعاً يغالي متولي في القتل والتنكيل بشفيقة حتى بعد موتها، وهو بذلك يريد أن يظهر مدى اعتراضه على فعلها بموازاة الإهانة التي سببتها له ولعائلته بمدى دموية المشهد. ثم أن القتل يجب أن يكون دموياً ومسرحياً بما يوازي البعد الدرامي للبطل ولملحمية القصة، ولكن الأهم من هذا كله أن البعد الدموي المسرحي في القتل جاء ليثبت القانون، عبر التعسف في القصاص والمغالاة فيه، فمتولي لا يعاقب شفيقة بتقطيعها فحسب والتنكيل بجسدها الذي يريد محوه أو تشويهه ليفقد آدميته، وقدرتنا على النظر عليه كجسد كان تابعاً لامرأة، إنما هو يريد معاقبة النساء أو إخافتهن ليثبت السلم الاجتماعي والسلطة الذكورية التي كانت قبل فضيحة العار. متولي يريد أن يفحص عبر التجربة وأخذ القوانين والمبنى الاجتماعي إلى أقصى حدوده إذا كنا كمجتمع متفهمين لما فعل. والأهم من ذلك إذا كانت الثورة وسلطتها حديثة الإنشاء متفهمة للعمل. فهذا هو امتحان الولاء والتماهي الكبير المطلوب من الثورة وهي الصفقة المطلوب عقدها بين السلطة وبين الصعيد أو ما يتخيل حفني أحمد أنه يمثل ماهية الصعيد! وعلى هذه الصفقة وعلى هذا التنازل من قبل الحكومة، عليه أن يكون علنياً وفوق أشلاء شفيقة الممزقة على الحكومة أن تؤيد وتتفهم أشد تجليات العنف الأُسري وجرائم الشرف لكي لا يكون هنالك مجال للشك في تناغم المجتمع والسلطة. “وطلع البلكونه بسكنتو يقول: جرحي في قلبي سكنتو يا ناس وسعوا لي سكه انتو” كما هو جلي من هذه الأبيات فإنّ إشهار العنف وشدة دمويته هو أحد أهم مفاهيم جرائم الشرف، متولي لا يقتل شفيقة سراً بل هو فخور بفعلته هذه ويريد نشرها ويطالب المجتمع باحترامه وهو حامل سكينه التي تقطر دماً. وعلى الرغم من وجود الضحية ملقاة تحت قدميه إلا انه غير قادر إلا على تصوير نفسه كضحية جرحت في قلبها فما كان منها إلا أن طلبت أن تداوي جرح قلبها. متولي يشرح للعامة أن ما فعله هو دفاع عن النفس وليس اعتداء، حتى لو ظهر المشهد على أنه دموي وفيه اعتداء وتعسف! إلا أن الواقع بحسب متولي هو أن هذا العمل كان متناسباً مع “جرح القلب” الذي طلب متولي الضحية مداواته. وها نحن نشاهد تغييباً آخر لآدمية الضحية بسحب صفة الضحية منها، وبمنازعة القاتل الضحية بمطالبة المجتمع باعتباره ضحية استعادت حقها من الذي اعتدى عليها وآذاها. هذا العنف الذي تغنى به حفني أحمد حسن في الخمسينات وبثته السلطة عبر أثير إذاعتها لم يؤسس فقط لشرعية جرائم العائلة، بل أسس لخصوصية العنف المُفَعل في هذه الجرائم، اذ يكفينا أن نلقي نظرةًً سريعة على تقارير الطب الشرعي لضحايا هذه الجرائم من النساء في أي بلد عربي، لنرى الفرق الواضح بين جرائم الشرف وباقي أنواع جرائم العنف والقتل! فجرائم الشرف أو جرائم العنف الأسري تمتاز بدموية خاصة تظهر معالمها على جسد الضحايا من النساء وكأن القصد لم يكن القتل فحسب بل التشويه، والإعطاب والإعاقة للجسد ولشكل الضحية، فغالباً ما درجت العادة الإجرامية أن يكون القتل في هذه الجرائم محتوياً على بعد مسرحي بدمويته لا يضاهيه بذلك سوى الجرائم التي تقترف على خلفية سياسية أو أمنية تقترفها الدولة بحقّ معارضيها، فكأن القتل وحده لا يكفي لإثبات موقف القاتل من المرأة التي وقعت ضحيةً لمثل هذه الجرائم بل لتثبيتها الرمزي والعلني في الأذهان. ولكي نفهم مدى تغلغل هذه الصورة التي سوقها حفني أحمد حسن داخل عقلية المجتمع يكفي المرء أن يتفطن أن هذه الجرائم بعنفها الشديد وبشاعتها لا ترتكب عادةً من قبل أشخاص لهم سوابق إجرامية أو ماض دموي، فأغلبية هؤلاء لم يقتلوا أحداً من قبل ولو يتورطوا بجرائم جنائية من قبل، الا انّهم قادرون على إظهار عنف شديد، وجسارة في التعسف والدموية يقف أمامها المرء مذهولاً، لأن ذات الشخص لم يكن باستطاعته أن ينفذ مثل هذا المشهد الدموي بحق ضحايا آخرين على خلفياتٍ أخرى، الفرق هو أن هذا الأسلوب وطريقة القتل هذه للمرأة بما يختص جرائم الشرف تنبع من أربعة أسباب أساسية: السبب الأول، أن المستهدف بالدرجة الأولى هو جسد المرأة كجسد؛ ثانياً، أن الأشخاص المرتكبين لهذه الجريمة كالآباء والأخوة والأعمام يستطيعون فعل مثل هذا الجرم ضد امرأة تابعة للعائلة كونهم لا يرونها إنسانا مستقلا بحد ذاته بل هي تابعه لهم، فهي امتداد لشخصهم ولرغباتهم! لذلك يكون العنف الموجه تجاههن أشد لأن مقترفه لا ينظر إلى هذا العنف على أنه عنف موجه ضد من هو مساوي لهم في آدميته؛ التفسير الثالث، هو أن لمثل هذه الأغنية كان “الفضل الكبير!” في “تسويق وتثقيف!” المجتمع على مثل هذا العنف، وعلى الدموية التي يجب أن تُمَيز مثل هذه الجرائم. لذلك نرى أن الأشخاص الذين لم يكونوا يمارسون أو يعرفون العنف في حياتهم قادرون على إعادة إنتاج هذا العنف الدموي مراراً وتكراراً. السبب الرابع، سنراه فيما يحصل بعد القتل أي في تعامل السلطة مع جرائم الشرف الذي له الأثر الكبير في تغلغل هذا العنف كظاهرة واضحة المعالم في مجتمعنا: “لاقى الحكومة تحت البيت يقلولو: انزل وتعالَ قال: انتو حكومة البر طاب ليكم! وأنا من فوق ما أطب ليكم الله الي جاني طبليكم على ما بلغنا في الحادث” بعد قتل متولي لشفيقة، خرج إلى الحيز العام ليصيح في المارة أنه أخذ بثأره مطالباً المارة والجمهور الذين هم رمز للمجتمع أن “توسع له السكة”، إذ أنه يطالب باحترام المجتمع له وبإعلانه الرضا عن فعلته هذه. الإعلان الذي كان متوقعا أن يحصل عليه، لكن ليس هذا هو التأييد محك الامتحان الذي نحن ومتولي بصدده! فمحك الامتحان الحقيقي هو موقف الحكومة أو الثورة من عمل متولي: هل ستستمر هذه بتأييدها لمتولي ولجريمته؟ أم أنها ستقف موقف المغترب عن المجتمع؟ وبما أننا نتحدث عن سلطة لا تريد بماهيتها أن تأخذ الشرعية عبر صناديق الاقتراع إنما بصفقات المبادلة وإعلان البيعة والمعاهدة، فإن شرعيتها مبنية على تسويق ذاتها على أساس أنها منبثقة من المجتمع وتمثله كحقيقة بديهية لا لزوم لإثباتها ووضعها في امتحان صناديق الاقتراع التي قد تؤدي إلى تَبَدُل السلطة وزعزعتها، فما تبقى للسلطة إذاً لكي تُثَبِتَ شَرعِيَتها هو ضخّ هذه الثقافة السياسية والاجتماعية التي تسوّق لفكرة الولاء وتَناظُر السلطة والشعب على أساس أنهما انعكاس وتماثل أحدهما للآخر. السؤال الذي فرضه متولي هو: ما هو موقف السلطة “الحكومة” من شخص متولي الذي يمثل عند حفني أحمد الصعيد والفئات الشعبية من المجتمع المصري والعرب بمعتقداتهم وقيمهم؟ ومن الناحية الثانية ما هي الحدود التي ترسمها أو تتيحها السلطة للعنف الموجه من قبل المواطنين؟ هذا لأن المشهد الدموي الذي قام به متولي كان قد اغتصب من السلطة أهم مقوماتها وماهياتها كسلطة، وهو الحق باحتكار وتفعيل العنف كأداة اجتماعية وسياسية، لذلك متولي يعرض على السلطة الصفقة التالية : جيئوا بطبل ومزمار كي أحتفل بفعلتي، عندها أنزل لكم وأسلمكم نفسي. معنى هذا انه يطالب السلطة بالتفهم، بل بالانحياز لفعلته مقابل اعترافه السلميّ بشرعيتها واحتكارها للعنف، وببيعة الصعيد وولائه لسلطتها. المفارقة هنا هي أن هذا هو المكان الوحيد في الأغنية الذي يتنصل فيه حفني احمد حسن مما قاله متولي ومن شهادته المباشرة لأحداث الرواية بقوله: “على ما بلغنا بالحادث”، وهو الذي قبل سطور قليلة قد ظهر لنا كأنه كان شاهداً على الحادثة بل وكأنه هو نفسه متولي، هدفه في هذا التنصل هو أنه يريد أن يجعل مسافة بينه وبين متولي الذي يبتزّ الحكومة ويضع لها شروطا. المفارقة هي أن هذا الحادث كان قد حصل كما ذكرنا قبل الثورة بكثير وهو محسوب على حكومة أو سلطة كانت تمثل النقيض للحكومة التي تمخضت عن الثورة، ومع هذا فان حفني أحمد حسن غير مرتاح أو متوجس من زعزعة صورة الحكومة، حتى وان كانت تلك التي قام على أنقاضها النظام الحالي، سببه في هذا أنه يدافع عن السلطة كسلطة أو كفكرة تحتم واجب الطاعة، الخضوع والانضباط، هذه الفكرة هي أكثر الأفكار التي عملت السلطة على بتسويقها وهي تتلخص بواجب إطاعة وليّ الأمر مهما كان، فليس كون السلطة وطنية أو اشتراكية هو في نهاية المطاف ما يدعو حفني أحمد إلى الدفاع عنها ومدحها، بل كونها سلطة قادرة على المكافئة والمعاقبة، الإعطاء والمنع، التكريم والتجريم، بالتالي فتصوير السلطة على أنها قد تخضع للشرط الذي يمليه عليها متولي هو شيء خطير يتوجب على حفني أحمد حسن الفصل بين ذكره، من باب سرد الواقعة التاريخية لمتولي، وبين التغني بالواقعة لما تحمله من أفكار فيها زعزعة لفكرة السلطة وهيبتها. “هاودوه وجابولو الطبل ونزل بعد ما تَلَف المنزل شال العار وكلام العزل” وخضعت السلطة وأعلنت الرضا عن فعلة وقيم متولي الذي اعترف بشرعيتها سلطتها على الحيز العام المتمثل بالبر، لكنه طلب من السلطة أن تعترف له بقيمه وبسلطته الذكورية داخل البيت وبعالم القيم الذي يطبق بالحيز الخاص، لكنه يُشهر ويُقَنَن في الحيز العام بالتطبيل والتزمير وإشهار القتل والمفاخرة فيه. بمعنى آخر- متولي يعلن أنه لا زحام مع السلطة في السياسة والحكم، وبالمقابل فعلى السلطة واجب احترام ما يراه حفني أحمد حسن ومتولي تقاليد راسخة وثوابت لا تقدر حتى السلطة الشرعية والثورية على تبديلها. في هذه اللحظة نفهم جلياً وبشكل مباشر معالم الصفقة التي تحدث عنها حفني أحمد حسن بشكل غير مباشر عبر ربط شخص متولي بالجيش والحكومة، والآن هو يكشف أمامنا مسببات هذا التناغم، فلا يكفي أن تكون السلطة وطنية أو معنية بالعدالة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية، بل يتوجب عليها ضمان استمرارية المجتمع الذكوري الذي يُسَوَق ههنا على أنه أهم عوامل هذه الصفقة، بل أهمها على الإطلاق. الاعتراف بما وراء سلطة “البر”، الاعتراف بسلطة الـ”شرف” ومنظومتها كما تتصوره السلطة ويتصوره حفني أحمد حسن، وكما هو الحال في كل مساومة سياسية. ولا توجد كما نكتشف عند السلطة أي مشكلة في “مهاودة” متولي في جريمة القتل وابتزازه لها، هي لم تكن مستعدة بمهاودته بأن يخرج من الجيش دون إذن، أو بمهاودة الجندي الذي كان يمشي في “البلوك بكيفه”، لكنها مستعدة أن تهاود وأن تتسامح في قتل النساء وفي الانتقاص من حقوقهم الآدمية والمدنية، وهي بذلك أعلنت عن طرد المرأة المصرية والعربية التي كانت عماد الثورة، خارج معادلات التحرر، الكرامة والعدالة الاجتماعية التي ناشدت إليها الثورة وقامت من أجلها. حتى أنها ناقضت ما كانت قد سعت إليه من محاولات لتقديم نماذج متقدمة في كل ما يختص بمساواة المرأة بكل ما يتعلق بالعمل، التعليم وقوانين الأحوال الشخصية فها نحن نراها تقوض كل مساعيها وكل ما حاولت تحقيقه للمرأة العربية في حقبة ثورة الضباط الأحرار، هذا لأنها فشلت في ضمان أهم عامل من عوامل ومقومات المساواة، وهو عامل الآدمية والمواطنة، و ضمان حرية وسلامة جسد المرأة وسيادتها عليه. هذه الصفقة التي تعقدها الحكومة مع الصعيد المصري هي اعتراف لهم بالشرف كبديل لاعترافها لهم بحقهم بالمشاركة السياسية التي قد تسلب من السلطة شرعيتها، وهو اعتراف لهم بحقهم بتفعيل العنف والحد من الحرية السياسية والفردية وحتى الحياة، مقابل الحفاظ على العنف الممنهج في المجتمع الذكري. يلقى متولي استجابة من الحكومة “المُهاوِدة” التي تأتي له بالطبل والمزمار إلا أنه مع ذلك لا ينزل أو “يَطُب لحكومة البر” قبل أن “يتلف المنزل”. هذا الإتلاف هو بمثابة عنف رمزي ضد ملكية شفيقة أو ما حسبه متولي أنه ملكيتها وجزء من شخصها وجسدها (فالملكية المادية هي امتداد للجسد وللآدمية) وقد كان مهماً أن يقول حفني أحمد حسن، أن متولي قد أتلف المنزل بعد المهاودة أي بعد عقد الصفقة بينه وبين الحكومة، كأنه يريد أن يؤكد لنا على موافقة السلطة التام لعمله، فهي بسماحها له بإتلاف المنزل بعد المهاودة، تصادق على الفعل حين حصوله على عكس مصادقتها بأثر رجعي لقتل متولي لشفيقة الذي كان قد اقترفه متولي بدون مصادقة أو إذن مسبق من الحكومة. السماح لمثل هذا العمل بالحصول هو موافقة بل شراكة أكبر في الجريمة من مجرد المشاركة أو الموافقة النابعة من المصادقة بأثر رجعي على الفعل. بعد أن أخذ الإذن والتفهم والمراعاة لفعلته، يمكن لمتولي أن يستمر بعنفه الذي أصبح بمثابة قانون دولة أو قانون عام، وكأن حفني أحمد حسن يقول أن إتلاف المنزل هو عمل تقوم به السلطة ذاتها أو على الأقل يقوم به وكيل عنها. ثم أن حفني أحمد حسن يريد أن يشرح لنا ما هي تجليات الاعتراف بجرائم الشرف وبمنظومة السلطة الذكورية، أي ما هي تجليات الإقرار السلطوي بحق الرجل على جسد المرأة. فهذه التجليات تظهر على شاكلة حقوق وامتيازات أخرى يتمتع بها الرجل على المرأة، مثل حقه في إتلاف ملكيتها والتحكم بها وحقه العام في تحديد هامش الحرية التي يريد إعطاءها للمرأة، لأن حقه هذا هو ناتج عن حقه في سلب الحياة وإعطاب الجسد. الإقرار بالشرف هو الإقرار بالسيادة المطلقة للرجل على المرأة والإقرار انه هو منبع السيادة والسلطة، وأنها امتداد لشخصه وجسده ورغبته تماماً كتبعية المتاع والملكية المادية التي تعدّ امتداداً لشخص المرء، حريته وآدميته التي ليس لأحد سلطان عليها كونها تقع في حيز الفصل بين المجالين الخاص والعام. وعليه فإنّ المعنى العميق لجرائم الشرف وتجلياتها هو تأسيس لنظام حكم مبني على العنصرية والطبقية الموجهة ضد النساء كفئة داخل الدولة. هذا طبعاً الفرز القانوني والسياسي الذي أفرزته مهاودة السلطة لمتولي، لكن حفني أحمد حسن يريد تسويق فكرة الشرف أيضاً للعامة، فمن ناحية هو يقول إن هذه قيم وثوابت راسخة وبديهية في المجتمع، ومن ناحية أخرى يريد أن يفسر للجمهور الذي يخاطب باسمه، ما هي هذه القيم، وما هي الفائدة المرجوة من وراء الحفاظ عليها والسعي لتطبيقها ومعاقبة من يحاول المساس بها، كما فعل كل من متولي والسلطة. الفائدة التي يراها حفني أحمد حسن من فعلة متولي هي أنه “شال العار وكلام العزال” بمعنى ان فائدة جريمة الشرف هي لا لشيء إلا للتخلص من الضغط الاجتماعي الحقيقي أو المتخيل الذي يراه المؤلف أو يسوّق لوجوده. فالقَتل هو محاولة لدرء المرء من إرهاصات “ثقافة العيب”، وكأن حفني أحمد حسن يحاول أن يسوق هذه القيم بواسطة تعميم “ثقافة الخوف” من عدم القبول الاجتماعي متناسياً أن “الفائدة” الوحيدة الحقيقية لمثل هذا الفعل هو تثبيت النظام ألذكوري والنظرة الدونية للمرأة، لكنه لا يقول هذا صراحةً، بل يحاول الالتفاف عن هذا التفسير أو التحليل الواضح لمسببات هذا الفعل بترويج ثقافة العيب المنوطة بثقافة الخوف. هذا ما يعزونا أيضاً للاعتقاد أن حفني أحمد حسن غير مقتنع بقبول الجمهور لأهداف جرائم الشرف الحقيقية، في فترة زمنية كان غالباً فيه خطاب التحرر والثورة على العادات والتقاليد البائدة وعن تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والتمكين الاقتصادي والاجتماعي للفئات المجتمعية المهمشة من ضمنها النساء. فنرى أن حفني أحمد حسن لم يكتف بالقول بأن – تثبيت جرائم الشرف هو تثبيت لقوامة الرجل المطلقة على المرأة، بل حاول تخطي هذا باستغلاله للخوف المترسخ في “ثقافة العيب” لكي يبرر لنا العمل بكل معانيه وأبعاده الاجتماعية. “بسرعة حددولو جلستو نده القاضي وقف قدامو قالو: بتموت شفيقة ليه يا متولي؟ قالو يا بيه أنا دمي فار! زى العَمَال ومَع الإسود عَمل الفار عَمل، وِحِدانا شجرة وفيها فَرع مال، مفيش غيري لا عم ولا خال لي! اشرب المرار ده والخل ليه؟ اقطعو يا بيه ولا اخليه؟” وبدأت المحكمة رغم أن موقف الحكومة أصبح واضحاً من فعلة متولي، والسؤال لماذا نحتاج للمحكمة؟ الجواب هو أنه بما أننا نتحدث على محاولة لنزع الاعتراف بشرعية السلطة فلا يمكن أن يمرّ هذا الفعل دون مساءلة، هذا لا يعني أن السلطة تشكك في القيم الأخلاقية، إنما هي تقول للمستمع إن هذه القيم يجب أن تتم المصادقة عليها بشكل مؤسساتي لأن الدولة هي مؤسسة وليست فرداً، وعليه يجب صبغ العمل بالصبغة القانونية أو الشرعية فَتَوَجَبَ مَأسَسَتُه! ومأسسته هذه تتمّ إما بالقانون أو بتفعيل القانون كما حصل مع الشرطة أو تكون بتفسيره والبت فيه كما سيحدث الآن في المحكمة التي ستنظر مجدداً في عمل متولي. ثم أنها فرصه ليثبت حفني أحمد ما يراه متولي كحق وما تراه السلطة كقانون، هذا التماهي حول جريمة الشرف، يقرب المسافة بين القانون والحق الطبيعي، يصبح من خلالها قانون الدولة حقا طبيعيا وفطريا يتماهى مع أخلاقيات المجتمع، عاداته وتقاليده التي يراها راسخة وبديهية. هي اذاً وسيلة لجعل قوانين وقرارات الدولة بجميع أذرعها خارج نطاق المسائلة والمحاججة والمناكفة القانونية والأخلاقية، فهي تعبر بهذا التمازج عن ذلك الحق الطبيعي الفطري، لا عن قانون دولة يكون فيما يكون، حصيلة عدة اعتبارات، وان لم تخل من الاعتبارات الأخلاقية فهي مليئة أيضاً بالاعتبارات السياسية والمصالح العامة والضيقة للفئات التي لها القدرة على التأثير في عملية التقنين بشكلها التشريعي والقضائي. تنادي المحكمة متولي، وتسأله عن مبررات جريمته، فلا جدال بأنه القاتل. مما يبقي للمحكمة السؤال فقط عن المركب المعنوي لجريمته. الجميل هنا هو الرمزية المتمثلة باختيار حفني أحمد حسن لصيغة المضارع لسؤال القاضي فهو لا يسأل متولي: “مَوِتِ شفيقة ليه؟” بل هو يسأله “بِتمَوِت شفيقة ليه؟” وكأن عملية القتل ما زالت مستمرة لشفيقة والحقيقة أن حفني أحمد لم يخطئ البتة! فعملية القتل لم تنته بعد! هي مستمرة في المحكمة! فمتولي وإن قتل جسد شفيقة لم يقتل شخصها وآدميتها وصفتها المعنوية كضحية، وبهذا فهو يريد الاستمرار مع السلطة بعملية الإماتة التي لم تنته بعد. وها هو متولي يستمر رأساً في عملية الإماتة بواسطة إعطاء القاضي التبريرات التي تُحَقِر من شفيقة وتُبَجِل من مكانته. فهو يصف ثورة غضبه كثورة الدم عند الثور القوي والأصيل على هذه الفعلة القبيحة التي يصفها كأنها تشبه بعمل الفأر (شفيقة) القبيح والجبان مع الأسد(متولي أو الكرامة الذكورية) الذي ما كان منه إلا أن يسحق الفأر من أجل أن يحافظ على كرامته. ثم يستمر متولي ويصف شفيقة بجذع لشجرة المائل الذي يهدد الشجرة كلها، ويصف القتل “بقطع الجذع” وكأنه يصف مشهداً برمزية خالية من الدموية ومن أي اعتبار إنساني أو آدمي لشفيقة، هذه الرمزية تَسلُب حتى المجتمع أو الأفراد فيه من صفته الإنسانية فهم بنظر متولي جزء من، أو جذوع داخل الشجرة التي هي العائلة أو البلد أو المنطقة أو المجتمع أو الدولة. ومعنى هذا أنه يضع الجميع تحت كنف القاسم المشترك أو كنف السلطة التي تلغي إنسانيتهم وفردانيتهم للصالح الأسمى، وهي نظرة تتماشى مع رؤية السلطة لنفسها! اذ أنها ترى مصر لا المصريين، والعروبة لا العرب، والعائلة لا الأفراد.. وبالتالي فشفيقة هي مجرد جذع، والقتل هو مجرد قطع لجذع، فالجذوع لا تدمى حتى ولو كانت نساء ممزقة الأشلاء والأوصال! يستمر متولي بوصفه نفسه على أنه كان الضحية التي كانت مجبرة على ارتكاب جرمها، فهو لا يريد أن يشرب لوحده “الخل والمر” الذي جلبته شفيقة لعائلته وللعادات والتقاليد، هو الذكر الوحيد بلا أعمام أو أخوال يقومون بغسل العار مكانه، لأن لهؤلاء مكانة أبوية، والأب بالمجتمع الذكوري يستطيع أن يعاقب ويثأر، لكن لا أعمام لمتولي ولا أخوال! ووالده وإن كان حياً فقد عجز وقصرت عصاه، أو قل قصرت سكينه على أن تطال جسد شفيقة، فلم يبق من حلقات الآخذين بالثأر إلا متولي. المفهوم الآخر لسؤال متولي الاستنكاري الذي فيه من تظلم الضحية، هو انه ليس هنالك من يتقاسم معه العار كونه الذكر الوحيد القادر على غسله، لذلك تقع كُلفة الأخذ بالثأر على كاهله، فإن قام بواجبه نال الاستحسان، وإذا تقاعس ناله كل الذم والتقبيح الذي سيوجه إليه، لذلك يسأل متولي القاضي متظلما:ً هل من العدل أن أطالب بشرب كأس العلقم هذه لوحدي وأستمر في كوني ضحية لكي أحافظ على “ميلان” هذا الجذع الذي يهدد مجمل الشجرة!؟ وهو بهذا يسأل القاضي: هل ابقي على الفرع أو الشجرة أم اقطع الجذع المائل؟ متولي إذاً يصور نفسه على انه ضحية، طارداً بذلك الضحية المذبوحة شفيقة، ليس فقط كضحية أخلاقية بل وكضحية قانونية، فهو يسلبها آدميتها جاعلاً منها مجرد جذع شجرةٍ لا إنسانية لها لنطالب بها معاقبة متولي على قتلها. “كان القاضي اسمو حسن راجل عندو فضل وإحسان قالو: صراحة قطعو أحسن!” قبل أن يسرد لنا حفني أحمد حسن حكم القاضي لما سمعه، وجوابه على سؤال متولي وتظلمه، يذكر حفني أحمد للمستمع أن القاضي الذي سمع قضية متولي “كان اسمه حسن، رجل عنده فضل وإحسان” وهدفه بهذا هو: اولاً، أن يقول أن القاضي كان مصرياً يشارك متولي وحفني أحمد حسن ذات القيم والمعايير الأخلاقية؛ ثانياً، أنه حتى وإن كان قاضياً في فترة الاستعمار، فإنه قاض مصري أصيل يتبع من الناحية المعنوية للنظام الحالي وللثورة، وليس لنظام ما قبل الثورة، حتى وإن كان معيناً من قبله، فهو قاض مصري وطني ونظام الثورة هو نظام مصري وطني صرف، لذلك أتى حكمه على متولي استمرارا، بل قل نتيجة للنظام الذي أفرزته الثورة (وإن لم تكن معقولة من الناحية الزمنية لكنها بنظر حفني أحمد حسن نتيجة حتمية من الناحية الفكرية للثورة وثوابتها)؛ ثالثاً، ذكر قومية القاضي عبر اسمه تلعب هنا دوراً هاماً في الترتيب الهرمي الذي يُسَوَق له هنا داخل السلطة، فحفني أحمد حسن لم يهتم باسم أو بقومية الكومندان بالجيش، فالجيش هو مصدر الشرعية وهو ليس محلاً للشك والسؤال، وله هوية وطنية وقومية واضحة وثابتة من ناحية استمراريتها. وهنالك واجب إطاعتها في كل حين. أما القضاة أو المحكمة ففيها من هو وطني وفيها من هو غير وطني، فلو كان القاضي شخصا آخر اسمه ليس “حسن” بل اسم آخر دلّ على انه تابع للغرب، أو من الأقليات التي قد ينظر إليها الناس بعين الريبة والعنصرية، كان من الممكن أن تكون النتيجة معاكسة لقيم الثورة والصعيد، فولاء المحكمة في تلك الفترة هو بحسب شخص القاضي. أما الآن وقد أفرزت الثورة قضاة وطنيين بامتياز فقد انعدم هذا الخوف، ولكن مع هذا، فإن تاريخ هذه المؤسسة يضعها في مرتبة أقل من مرتبة الجيش، فهي مؤسسة تابعة للجيش وليست فوقه، هذا لأن الجيش كان ومازال متماهياً مع قيم الثورة والسلطة. هذه القيم هي قيم ثابتة في هذه المؤسسة لم تتغير عبر الحقب، ولذلك فالجيش كمؤسسة أهم من المحكمة ومن أي مؤسسة أخرى أو أي ورمز آخر من رموز السلطة، كونها خارج مجال الشبهة والمسائلة والشك، فهي الممثل التام لماهية القومية العربية والمصرية ولماهية السيادة في الدولة. لا يعطي القاضي حسن في جوابه لسؤال متولي المذبوح مجالاً للشك، ويتبع جوابه تقييماً وتفسيراً لعمل متولي، فهو يجيب على سؤال وتظلم متولي بذات المفردات التي تلغي إنسانية شفيقة، يتبنى بذلك نظرة متولي لشفيقة على أنها “شيء أو مادة” كجذع الشجرة، فهو حتى لا يتكلم عن جذع الشجرة بل يصفها بضمير الغائب بقوله “قطعه أحسن” أي قطع الجذع المائل أفضل من أن يكون متولي ضحية العار ويشرب كأس المر والخل لوحده. بهذا الجواب يقنن القاضي عملياً القيم، العادات، التقاليد واللغة أو الأدبيات التي طرحها متولي، بالقول والعمل. تماماً كما تفهمتها الحكومة بالمهاودة وجلب الطبل والمزمار، اذ أن القاضي تناغم من على جثة شفيقة التي اختفت ولم يعد يذكر اسمها البتة مع متولي وما يمثله، وبهذا تحول الحكم في رمزيتها الأخلاقية، اللغوية والأدبية من حكم على حالة خاصة لحكم عام ولقانون عام تخضع له كل النساء كفئة مجتمعية. “اصل انته شريف وعملك شئ يعليك ابدا مفي شيئ عليك غير ست تشهور أشاعه ليك. وخدهم سجنو رد للجيش” وينهي القاضي جوابه وتقنينه للقانون الذي سنه بتقييم أخلاقي للقانون عبر تقيم لمتولي ورد اعتباره، فمتولي الآن بحكم القاضي هو “شريف” وعمله يزيده شرفاً ومرتبة، وحتى علاج حفني أحمد حسن للحكم القاضي تبدأ بقول القاضي إنه “أبداً ما في شيء عليك غير ست شهور”، وكأنه يبرأه أولاً ثم يعاقبه بالستة شهور سجن، وكان من المفروض أن يدينه بالجريمة ومن ثمة يعطيه الحكم المخفف، إلا أن حفني أحمد حسن أراد أن يقول أن القاضي لم يدنه لأن في الإدانة انتقاصا من عمل متولي. لكن لو نظرنا للموضوع دون نفاق أو مجاملة للواقع تماماً كما يراه حفني أحمد حسن، فإن إدانة متولي والحكم عليه ستة شهور على جريمة قتل هي من الناحية الفعلية والأخلاقية تبرئة لمتولي على جريمته، لأنه عندما لا يلائم القصاص الفعل بهذا الشكل الفاضح، فإن هذا القرار مثله مثل التبرئة، فهو لا يعطي ولا يرد للضحية والمجتمع حقّه، ولا يحاسب فعلاً الفاعل على ما فعل، بل هو يثبت دونية الضحية وعدم مساواة حقها في الحياة بحقّ الرجل. وبهذا فإن حفني أحمد حسن يفهم النفاق الموجود “بقوانين الشرف”، تلك القوانين الموجودة في الكثير من قوانيننا الجنائية في العالم العربي، والتي تدين القتل لا لشيء إلا لكي تطلق سراح القاتل بعد هذه الإدانة. فهي بهذا تتفهم المجرم وتحميه. وعليه فإن هذه السياسة القضائية هي أقرب للتبرئة منها للإدانة، وفيها حفاظ وتشجيع على استمرار الممارسة وتجذّرها كعمل مشروع و”شريف” داخل المجتمع، أكثر من محاولة مكافحتها والتصدي لها. وينتهي الحكم على متولّي بردّه للجيش، ذلك الحضن الوطني الذي رعاه منذ البداية وكان سبباً في ارتقائه الاجتماعي دون أن يجعله يساوم على القيم التي رسمتها له السلطة على أساس أنها ثوابت لا جدال فيها وفي الحاجة لرعايتها “بعد ما كان دمعو يبل إيدو قالو دا اللي شغل البال إدوه صراحة شرف بلدو” وهكذا يرعى الجيش وترعى السلطة متولي الذي كانت دموعه تبلّل يديه من شدة ظلم أخته وإهانتها له ولقيمه، لكن الآن وبعد أن غسل عاره توجّب على الجيش والمجتمع وبحسب حفني أحمد حسن، إفساح السكة له وتكريمه في الجيش وخارجه لأنه بصراحة شرف الصعيد وبلده جرجا، بل قل مصر والعروبة كلها، فهو رمز قوميّ يفتخر به وننشد فعلته على أشلاء أخته شفيقة التي لا صوت ولا حجّة لها، فالموتى والضحايا كما الجذوع خرساء لا تتكلم قبل القطع أو بعده. لكي لا نظلم حفني أحمد حسن، يتوجب علينا أن نقول إنه كتب أغنية أخرى عن هذه الحادثة تحت عنوان “نظلم شفيقة ليه” كان قد حاول فيها تفهم شفيقة وإعطاءها صفة إنسانية وآدمية، لكنه لم يجرّم الفعل بل حاول إظهار شفيقة كضحية لامرأة أخرى هي زوجة أبيها التي أدت إلى طردها من البيت، وكانت السبب الأول والرئيسي الذي أدى بها إلى هذه النتيجة الحتمية. وبهذا فإن حفني أحمد يتفهم الفعل رغم أنّه يرى بشفيقة كضحية وهو بذلك لا يرتقي للعنوان الذي أعطاه لأغنيته هذه. لم تلق هذه الأغنية تجاوباً كبيراً، وكانت قد اندثرت مع العديد من أعماله الأخرى لنبقى مع “متولي وشفيقة” الأصلية، وليس عجباً أن لا تلقي الأغنية الثانية ذات الرواج الذي لاقته الأغنية الأولى، والسبب في ذلك أن السلطة لم تر فيها أي منفعة سياسية، فالأغنية الأولى هي مثال رائع على تسييس الفن بشكل جمالي دون أن يحسّ المتلقي بأنه يخضع لعملية تجنيد فجّة أو تلقين مباشر، فقد امتازت هذه الأغنية بذكاء سياسي وجمالي استطاع أن يمزج الدعاية السياسية بقصة يومية نقرؤها في صحفنا اليومية في العالم العربي، غير منتبهين أن جرائم ما يسمّى بالشرف ليست أحداثا فردية لا صلة للواحدة بالأخرى، بل هي نتاج فكر وسياسة وأدبيات وجماليات تمّت رعايتها والترويج لها في كل منحى من مناحي الحياة لكي نضمن قبوع المرأة العربية خارج العقد الاجتماعي، وخارج المواطنة والآدمية والحيز العام والذي هو مدخل السياسة وبوابتها الرئيسة. لقد فهم حفني أحمد حسن بسليقته أنه يشارك بعملية القتل هذه كما أنه فهم مشاركة السلطة والثورة لهذه العملية حين تبنت وبثت هذه الأغنية عبر أثير اذاعتها لتصبح إرثاً ثقافياً وجمالياً نتفهمه ونتبعه، وسكيناً خطابية، لغوية، ثقافية وجمالية، نضمن بها خوف المرأة وخضوعها الدائم. لهذا كتب حفني أحمد حسن في بداية قصيدته بيتاً يصف فيه ماهية قصيدته هذه، فالشعر الذي يغنيه حفني أحمد حسن هو: “كلام يشبه سلاح ماضي من مؤلف على الورق ماضي” لقد فهم حفني أحمد حسن أن كلامه هذا هو بمثابة سلاح يهدد به المجتمع نساءه، وتهدد به السلطة شعبها. فتقايض النساء المجتمع بالخنوع والقبوع في الحيز الخاص. مغيبات عن السياسة والمواطنة والمحاصصة، ويقايض المجتمع السلطة فتتيح لهم مجتمعاً ذكورياً وتعطيهم أن يكونوا أشباه أسياد على الحيز الخاص مقابل أن يكونوا تابعين ذوي مواطنة منقوصة، مغيبين عن المشاركة السياسية وعن أي فعل عام هو خارج أطر رضا السلطة وقبولها له. فعندما طردت الثورة النساء كانت قد طردت في ما طردت روحها، عنفوانها وآدميتها وكل قيمها الحقيقة التي قامت من أجلها. لم يبق لنا اليوم بعد مرور عشرات السنين على الحدث إلا أن نترحم على شفيقة وعلى جسدها الممزق الذي ما زال “ُيمَوَت”، آملين في أن تنشئ الثورة الجديدة في عالمنا العربي نظاماً يعيد لنا المرأة كمواطن وكسيد على واقعه الخاص والعام، ويفرز عن مجتمع وعن نظام يقوم بالاعتذار والإقرار بأننا كمجتمع وكثقافة ظلمنا شفيقة وظلمنا نساءنا فترةً طويلةً من الزمن، حان لها أن تنتهي، هذا إن أردنا فعلاً أن نكون أسياداً وأحرارا وإن أردنا حقاً عودة الروح لشعوبنا. |
| |
 
|
|
|
|
|
|
|