دراسة نقدية ارواية "ميثاق النساء" – بين الحرية الفردية وتفكيك منظومة القهر مدخل إلى النص رواية "ميثاق النساء" تدخل المشهد الروائي العربي المعاصر من أوسع أبوابه عبر معالجة قضايا الحرية والأمومة والهوية في سياق اجتماعي وديني شديد التعقيد. الكاتبة حنين الصايغ لا تكتفي برواية حكاية فتاة درزية في جبل لبنان بل تستخدم القصة كمنصة لكشف البنية العميقة للسلطة الأبوية وأشكال الإقصاء التي تتعرض لها النساء في بيئات مغلقة البنية السردية ورحلة "أمل" اختيار شخصية أمل بونمر كبؤرة للسرد يتيح للكاتبة بناء خط درامي متدرج من الخضوع إلى المواجهة. في البداية يسيطر والدها، شيخ القرية، على كل مفاصل حياتها مستخدمًا الدين والعزلة كأدوات ضبط اجتماعي. منعها من الالتحاق بالجامعة يمثل لحظة الانكسار الأولى حيث يتبلور الوعي بضرورة البحث عن مخرج. الزواج من سالم يظهر كحل مؤقت لكنه سرعان ما يتحول إلى معضلة جديدة تكشف أن الهروب من قيد لا يعني التحرر من القيد ذاته بأشكال أخرى. هذا المسار السردي يتقاطع مع تقنيات الرواية التكوينية حيث تتحول رحلة الشخصية إلى رحلة نضج فكري ونفسي المحاور الفكرية الحرية كجوهر وجودي الرواية تفكك فكرة التحرر من قيود المجتمع لتصل إلى مفهوم أعمق وهو التحرر من القيود الذهنية والنفسية. أمل لا تبحث فقط عن جغرافيا جديدة بل عن ذات قادرة على التفكير والاختيار بحرية الأمومة من الدور النمطي إلى الفعل التحرري حنين الصايغ تعيد تعريف الأمومة من كونها إلزامًا بيولوجيًا إلى مساحة إعادة تشكل الذات. الأمومة في النص ليست نهاية الحلم بل قد تكون نقطة انطلاق جديدة رغم كونها أيضًا عبئًا يفرض تحديات مضاعفة الحب العابر للحدود الحب في "ميثاق النساء" ليس عاطفة رومانسية محضة بل مساحة مقاومة للحدود الطائفية والثقافية. الكاتبة تضعه في مواجهة الأعراف كإمكانية لكسر الجدران الموروثة مع إدراك ثمن هذا الكسر البعد النقدي الاجتماعي النص لا يكتفي بإدانة السلطة الأبوية التقليدية بل يطرح أسئلة عن تواطؤ البنى الاجتماعية والدينية في تكريس التبعية. الكاتبة تكشف كيف تتحول القيم الدينية في يد السلطة الذكورية إلى أداة لتثبيت الهيمنة بدل أن تكون مصدرًا للعدل والرحمة الأسلوب ولغة الرواية اللغة السردية لحنين الصايغ تتميز بالجمع بين الإيحاء الشعري والواقعية النقدية. المشاهد القروية وصف الانعزال ولحظات المواجهة الداخلية كلها تُبنى بلغة مكثفة تسمح بتعدد مستويات القراءة قراءة اجتماعية نفسية وفلسفية القيمة الأدبية والفكرية "ميثاق النساء" تطرح نفسها كنص جريء في مشهد الرواية العربية لأنها لا تسعى إلى تقديم بطلة مثالية أو قصة تحرر مكتملة بل تقدم مسارًا مفتوحًا على الاحتمالات يعكس تعقيد التجربة النسائية في مجتمعات الشرق الأوسط التحليل المقارن مع أعمال روائيات عربيات هدى بركات – الذات في مواجهة العزلة والاغتراب في روايات هدى بركات مثل "حارث المياه" و"ملكوت هذه الأرض" نجد حضورًا قويًا لثيمات العزلة والخوف من الانكسار أمام قسوة الواقع مع استخدام لغة عالية التكثيف الشعوري. مثل بركات تشتغل حنين الصايغ على العزلة القسرية للشخصيات لكن بينما تتخذ العزلة في نصوص بركات بعدًا وجوديًا ميتافيزيقيًا فإن الصايغ تمنحها بعدًا اجتماعيًا ملموسًا مرتبطًا بالبنى الأبوية والقيود الطائفية. أمل بطلة "ميثاق النساء" تشترك مع بطلات بركات في الوعي المؤلم بالقيود لكنها أكثر نزوعًا للفعل والمواجهة لا الاكتفاء بالتأمل أو الانكفاء سحر خليفة – مواجهة السلطة الأبوية في سياق سياسي سحر خليفة في أعمال مثل "لم نعد جواري لكم" و"عباد الشمس" تربط تحرر المرأة بالنضال السياسي والاجتماعي وتجعل من مقاومة السلطة الأبوية جزءًا من مقاومة الاحتلال أو القمع السياسي. حنين الصايغ تشترك معها في فضح السلطة الذكورية وتفكيك أذرعها الاجتماعية والدينية لكن نصها يبقى داخل دائرة الصراع الاجتماعي الداخلي دون أن يندمج في سياق سياسي وطني أوسع كما عند خليفة. في كلتا الحالتين البطلات يتحركن في فضاءات خانقة لكن أمل تواجه "الاحتلال الداخلي" للأسرة والمجتمع بينما شخصيات خليفة تواجه قمعًا مزدوجًا الاحتلال الخارجي والسلطة الداخلية أنا الصافي – الجسد كمساحة تحرر وإعادة تعريف الهوية أنا الصافي في أعمالها خاصة "حليب التين" و"ذات العيون السوداء" تمنح الجسد موقعًا مركزيًا في خطاب التحرر وتعتبره مساحة لاستعادة الذات ورفض القيود. حنين الصايغ مثل الصافي تدرك أن تحرر المرأة لا يكتمل من دون تحرر الجسد من التابوهات لكنها تتناول هذا الجانب بحذر نسبي من خلال الأمومة والحب العابر للحدود دون الانزلاق إلى صراحة جسدية مباشرة كتلك التي تعتمدها الصافي. الفارق الجوهري أن الصافي تجعل الجسد نقطة الانطلاق بينما الصايغ تنطلق من الفكر والاختيار ليأتي الجسد لاحقًا كامتداد لحرية القرار الخلاصة النقدية حنين الصايغ عبر رواية "ميثاق النساء" لا تكتب عن امرأة واحدة بل عن جيل كامل من النساء العالقات بين إرث ثقيل ورغبة جامحة في تقرير المصير. الرواية تقدم درسًا في أن الحرية ليست حدثًا نهائيًا بل عملية مستمرة من التفاوض مع الذات والمجتمع وتثبت أن الأدب النسوي العربي قادر على الابتكار في طرح قضايا المرأة المعاصرة من خلال دمج التجربة الفردية مع نقد البنية الاجتماعية والثقافية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
زهير ابو الزهراء
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست