تحليل دلالات فوز زهران ممداني بعمودية نيويورك: ما الذي يعنيه هذا التحول؟
لم يكن فوز زهران كوامي ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك حدثًا انتخابيًا عابرًا، بل لحظة سياسية كبرى يمكن اعتبارها مؤشرًا لمرحلة جديدة في تاريخ الحياة الحضرية والسياسة الأمريكية المعاصرة. فمدينة مثل نيويورك ليست مجرد مساحة جغرافية، بل مركز ثقافي ومالي وإعلامي يُعاد عبره تشكيل المخيال السياسي للعالم. ومن هنا، فإن وصول رجلٍ مسلم، تقدمي، من أصول أفريقية وآسيوية إلى قمة سلطتها التنفيذية، يحمل عدة رسائل تتجاوز حدود المدينة. أولًا: تحوّل في معايير السلطة هذا الفوز يعني انهيار جزء مهم من عقد الهيمنة التقليدية داخل المدن الأمريكية الكبرى. تاريخيًا، كانت نيويورك تُدار من قبل تحالف واضح بين: النخب المالية اللوبيات السياسية الأذرع الإعلامية الشرطة والنقابات المتحالفة معها أما اليوم، فقد صعد رجل لا يستمد شرعيته من الشركات الكبرى أو ممولي الحملات التقليديين، بل من: الأحياء الشعبية المهاجرين العمال المتضررين من سياسات الإسكان الشباب الذين يعيشون في زمن اقتصادي خانق إنه انتقال حقيقي من “سياسة فوق” إلى “سياسة من تحت”. ثانيًا: نهاية خطاب الخوف وبداية خطاب القيمة إن أهم ما ميز حملة ممداني أنه لم يخفِ مواقفه الأخلاقية والسياسية، خصوصًا تجاه القضية الفلسطينية. لم يقبل بالمواءمات التي فرضت لعقود على السياسيين الأمريكيين، بل واجه سؤال “إسرائيل وفلسطين” من زاوية العدالة والمساواة. قوله: “لا يمكن أن أدعم العدالة هنا وأصمت عن الظلم هناك.” كان إعلانًا لتحول جديد: القضية الفلسطينية أصبحت معيارًا أخلاقيًا داخل السياسة المحلية الأمريكية، لا قضية خارجية. هذا التحول من شأنه أن يصنع توازنًا جديدًا في النقاشات السياسية الأمريكية، ويفتح الباب أمام جيل سياسي لا يخشى مواجهة اللوبيات. ثالثًا: تحالفات طبقية جديدة داخل المدينة فوز ممداني لم يكن انتصارًا لـ “الأقليات” بوصفها هويات، بل تحالفًا طبقيًا واسعًا بين: فقراء البيض في البرونكس السود في هارلم العرب والجنوب آسيويين في كوينز اللاتينيين في بروكلين اليهود التقدميين الذين رفضوا تسييس العرق والدين لقد انهار الخط الفاصل بين “الهامش” و”المركز”، وصعد بديل يقوم على فكرة أن المدينة يجب أن تكون صالحة للعيش، لا مجرد منصة لأسواق العقار والاستثمار المالي. رابعًا: السياسة الرقمية الجديدة ممداني لم يستخدم الحملات التلفزيونية المكلفة، بل اعتمد على: المتطوعين الشباب التنظيم الإلكتروني إنتاج محتوى بصري عبر TikTok وReels مجموعات النقاش المفتوحة على Zoom لقد تحولت الحملة الانتخابية إلى حركة اجتماعية، لا إلى عرض انتخابي. وهذا النموذج قابل للاستنساخ في مدن أخرى، ومن ثم قابل للاتساع على مستوى الولايات المتحدة نفسها. خامسًا: رسالة إلى مستقبل أمريكا الفوز لا يُقرأ فقط باعتباره حدثًا محليًا، بل هو جزء من معركة أكبر: ترامب وتمثيل اليمين الشعبوي ممداني وتمثيل اليسار التقدمي الخوف الكرامة التفوق القومي المساواة العالمية السلاح والحدود السكن والنقل والصحة أمريكا لـ “الأقوياء” أمريكا لـ “الناس”
هذا يعني أن الولايات المتحدة تدخل الآن سباقًا ممتدًا بين نموذجين مختلفين للدولة والهوية والمجتمع. خلاصة فوز زهران ممداني ليس مجرد صعود عمدة جديد، بل: انتقال مركز الشرعية السياسية من الشركات إلى الشارع. تحوّل فلسطين من “قضية حساسة” إلى “اختبار أخلاقي”. ولادة تحالف طبقي جديد يقود المدن بدل النخب القديمة. بداية زمن سياسي يُصنع من الأحياء الشعبية لا من غرف مجالس الإدارة. إعلان أن أمريكا المستقبلية ستُكتب بلهجات لم تكن مسموحًا لها بالتحدث من قبل. إنها لحظة تقول: إن ما كان يُنظر إليه كهامش، أصبح الآن قلبًا نابضًا للمدينة. وأن من لم يكن يُرى، أصبح الآن مسؤولًا عما يُرى.
وبذلك، فإن السؤال لم يعد “كيف فاز؟” بل:كيف سيتغير وجه أمريكا بعد هذا الفوز؟
11-05-2025, 09:22 PM
السر عبدالله السر عبدالله
تاريخ التسجيل: 11-09-2006
مجموع المشاركات: 2434
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة