المؤتمر الفيدرالي": محاولة جديدة أم إعادة تدوير؟ بقلم: [اسمك]
في مشهد سياسي ممزق كالمشهد السوداني، لا تمر التكوينات الجديدة مرور الكرام. فمع إعلان ما يُعرف بـ"المؤتمر السوداني الفيدرالي" عن نفسه ككيان سياسي جديد من رحم الأزمة، تتجدد الأسئلة القديمة حول المشروعية، التمثيل، والمآلات.
هل هو انشقاق حقيقي عن الحزب الأم (المؤتمر السوداني)؟ أم مشروع موازٍ لإعادة إنتاج مركز نفوذ إقليمي؟ وهل يمكن لقوة سياسية تنشأ في ظل الحرب والانهيار أن تطرح نفسها بديلاً مدنياً يعوّل عليه؟ هذه الأسئلة تصبح أكثر إلحاحًا حين نُمعن النظر في الشخصيات، الخطاب، والتوقيت.
خلفية التكوين: من صُلب المركز إلى تخوم الهامش أُعلن عن "المؤتمر السوداني الفيدرالي" بوصفه تنظيمًا يعبّر عن "رؤية الهامش"، ويطالب بإعادة هيكلة الدولة السودانية على أسس فيدرالية تُنصف الأقاليم. في الظاهر، يبدو الطرح منطقيًا في ظل التهميش التاريخي، لكنه يأتي في لحظة مُربكة، حيث تنشط قوى عديدة لتوظيف خطاب الهامش كأداة ضغط لا كمشروع إصلاح فعلي.
الأكثر إثارة للتأمل، أن التكوين يضم أسماءً ثبتت عضويتها في حزب المؤتمر السوداني المركزي، وأغلبهم من أبناء دارفور، وعلى رأسهم:
حامد علي عبده جابوره
هاشم بحر
الضيف الزين عيسى النور
ورغم ما تردد من مزاعم سابقة حول ارتباط بعضهم بهياكل الإنقاذ، إلا أنه لا توجد أدلة موثقة تربطهم بمواقع تنفيذية في النظام السابق أو انتماءات راديكالية. بل على العكس، يُحسب لهم نشاط محلي في دوائر العمل المدني والسياسي، وإن لم يكن بارزًا في مسار الثورة المركزية منذ 2018.
الرؤية السياسية: هل هي بديل أم مناورة؟ يرفع الكيان شعار "فيدرالية الإنقاذ" كمبدأ، لكنه لم يطرح بعد برنامجًا تفصيليًا يُبيّن كيف ستُترجم هذه الفيدرالية في واقع الحرب والانهيار المؤسسي. وفي ظل الغياب الكامل لموقف حاسم تجاه الحرب الدائرة، وقضايا مثل المسؤولية الجنائية والانتهاكات، يزداد الشك في أن هذا المشروع قد يكون أقرب إلى إعادة تموضع أكثر من كونه تعبيرًا عن تيار شعبي جديد.
الأخطر أن توقيت الإعلان – وسط محاولات متعثرة لإحياء العملية السياسية في جدة، ومبادرات الإقليم المرهقة – قد يُفسّر كمحاولة لشق وحدة القوى المدنية، أو اللعب بورقة الجغرافيا في لحظة يُفترض فيها التركيز على وحدة الجبهة المدنية لا تذررها.
هل يمثل المؤتمر الفيدرالي دارفور؟ الكيان يقدّم نفسه ممثلًا لـ"الهامش الدارفوري"، لكن هذا الادعاء يصطدم بواقع اجتماعي وسياسي أكثر تعقيدًا. فدارفور، كما يعلم الجميع، ليست كيانًا موحدًا، بل ساحة لتقاطعات قبلية، إثنية، وسياسية متشابكة، تمزقها الحرب اليوم بأكثر من جهة.
وفي ظل وجود كيانات إقليمية فعليًا (مثل حركة العدل والمساواة، تحرير السودان، وعدد من التحالفات الأهلية)، فإن الحديث عن تمثيل شامل لأبناء دارفور يبدو مبالغًا فيه ما لم يُستند إلى شرعية انتخابية أو قاعدة اجتماعية راسخة.
ما الذي يُخيف الناس من هذا الكيان؟ ليس الاسم، ولا الأشخاص، بل تجارب الذاكرة السودانية مع مشاريع مشابهة:
تخوين الأحزاب المدنية باسم تمثيل الأقاليم.
توظيف خطاب الهامش في الصفقات لا الإصلاح.
تمدد كيانات جديدة لتفتيت المعسكر المدني، خدمة لأجندات غير معلنة.
إذا لم يُبدد "المؤتمر الفيدرالي" هذه المخاوف بتصرفات سياسية واضحة، فإنه سيلحق بركب "المؤتمرات" التي لم تُحدث فرقًا، بل زادت من التشويش.
الخاتمة: فرصة أم فخ؟ إذا أراد المؤتمر الفيدرالي أن يُصدّق الناس دعواه، فعليه أن يُثبت:
استقلاله التام عن أي جهات عسكرية أو أمنية.
انحيازه لقضايا الثورة، لا مراكز النفوذ.
تبنيه لخط واضح ضد الحرب والانتهاكات.
سعيه لتمثيل حقيقي للهامش عبر آليات ديمقراطية.
وإلا، فسيظل مجرد ورقة محروقة في لعبة سياسية فقدت معنى المشروع الوطني، واستبدلته بتحالفات اللحظة وتكتيكات "البروز السريع".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة