والله يا فردة، البلد دي وصلت مرحلة تخلي الحيطة تنطق الحيطة الواقفة صامدة ساكت، من كترة الفقر والعطش والحسرة، بقت تتشقق والشقوق دي ما تعب… دي دموع ناشفة لو قربت منها تسمعها تقول: «والله تعبت من السكات» الغلبان قميصو مشرط ،وببكي بكاء السواد الناس تسألو – مالك؟ فقدت زول عزيز؟ يقول لينا – لا… أنا بس ببكي لأني ما عندي حساب بنكك أفتحو وألقاه صفر… أنا حتى الصفر ما لاقيه! الخرطوم… ست المدائن الما بتعرف تنوم الخرطوم يا زول، كانت الونسة الكبيرة نحن كنا عايشين في جنازة بحر من الجمال وما عارفين زمان كانت العاصمة بتصحى على صوت البوري المستفز في كبري النيل الأزرق وريحة القهوة من ستات الشاي التحت الشجر الزحمة كانت محنة، لكن الناس في الحافلات يناقشوا السياسة والكورة كأنهم قاعدين في برلمان… بس الفرق إنو البرلمان ده عندو ضحك أكتر وفطور أقل شوارعها الحنينة شارع النيل ده كان رئة الغلابة تقعد هناك، الهبباي يضرب في وشك تنسى إنك مفلس، وتنسى إنو حسابك في البنك مجرد إشاعة سياسية السوق العربي ده كان قلب العالم لو ضاعت منك إبرة تلقاها هناك، ولو ضاع منك مستقبلك، تلقى زول يبيع ليك أمل جديد في شكل ساعة سيكو نضارة شمسية أو وعد صادق بـ«بكرة أحسن» الخرطوم بعدين بقت مغامرة هسة الخرطوم بقت ذكرى نص كيلو لحمة كان بيتشال في كيس أسود بكل فخر وذكرى البيوت الفاتحة أبوابها،والجيران البعرفوا ملاحك شنو من ريحة التكشينة بقت زي الحيطة المشققة… واقفة، لكن الوجع هايشا من جوّ. نشتاق لشوارعها حتى وهي محفّرة ونشتاق لقطعة الكهرباء لأنها كانت بتلمنا قدام البيوت نونس ونحل السياسة لحدي ما نختلف ونضحك ونرجع نتفق الجوع… زول ود ناس الجوع ده بقى زول عشرة قديمة نسلم عليهو الصباح،نضيفو الغداء،وننوم في حضنو بالليل بقى حاجة عادية زي المطر في الخريف… بيجي،يمشي،ويخلّي الطين النوم في الشوارع؟ دي حرية يا زول! النوم في الشارع ما تشرد،ده تحرر كامل الدسم تنوم والنجوم فوقك لا فاتورة كهرباء تقطع قلبك لا مروحة تزن وتفصل لا شاحن موبايل يختفي فجأة إنت حر… الريح تجيبك، والواطة تشيلك السياسة؟ أبعد منها ساكت! الكلام في السياسة ده جنون رسمي بقي لو فتحت خشمك، الناس تعاين ليك كأنك طلّعت قرون أحسن تتكلم مع الحيطة المشققة… على الأقل بتسمعك وهي ساكتة قمة المغامرة وأنت تهبش في كراكيب الزمن القديم، فجأة تلقى نص كيلو لحمة! ما تسأل جات من وين،ولا كانت مدسوسة لشنو، ولا ليه لسه عايشة. حتى لو ما في رغيف طازة… ولو الرغيف من قبل الحرب، ناشف زي الحجر، بتبله بموية الصبر،وتاكلو… وتحس إنك ملكت الدنيا القروش؟ قصة حزينة القروش دايمًا قديمة دايمًا ناقصة دايمًا جاية مشرطة كأنها طالعة زاتها من جبهة قتال في النهاية يا أخوي، الحكاية دي ما حياة بالمعنى المفهوم… دي مغامرة كبرى. نحن عايشين في فيلم أكشن، لكن البطل بياكل نص كيلو لحمة بايت بنوم في الشارع ومقتنع تمامًا إنو متحرر والخرطوم؟ ما حطام ولا بيوت فاضية الخرطوم نفس في صدرنا شايلين مفاتيح بيوتنا في قلوبنا، مستنيين اليوم نرجع نلقى الرغيف سخن اللحمة طازة والسياسة مجرد ونسة في بيت بكاء في الحلة الله يرد الغربة… ونرجع بلدنا تاني ويرد الخرطوم تضحك، بدل ما الحيطة تبكي معها ومعنا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة