البرهان… حين يميل الميزان نحو الكيزان ويُترك الشعب خارج الحساب منذ اللحظة الأولى التي أمسك فيها البرهان بمقود السلطة، ظلّ الخطاب الرسمي مُحمّلاً بوعود «تصحيح المسار» و«تحقيق الاستقرار» و«الوقوف على مسافة واحدة». لكن الواقع — كما يعيشه السودانيون اليوم — يقدّم صورة مختلفة تماماً: ميزان الدولة يميل بوضوح نحو الكيزان، بينما يُترك الشعب في الكفة الفارغة، يتلقى نصيبه من الحرب والجوع والتهجير وغلاء المعيشة وانهيار الخدمات. إنّ ترجيح كفة الكيزان ليس مجرد خيار سياسي، بل إعادة تدوير لمنظومة الخراب التي صنعها الإسلاميون على مدى ثلاثة عقود، ودفعت البلاد ثمنها انهياراً اقتصادياً، ودماراً مؤسسياً، وحروباً تمددت حتى وصلت إلى قلب العاصمة. ومع ذلك، يصرّ البرهان على استدعاء ذات الوجوه، وذات الذهنية، وذات أدوات الهيمنة، وكأنما كل ما حدث منذ ديسمبر 2018 لم يتجاوز كونه «فاصل» يمكن إغلاقه بمجرد ضغطة زر. الشعب الذي قدّم الشهداء وحرس الشوارع بصدوره العارية يجد نفسه اليوم مستبعَداً من القرار، بينما يجلس الكيزان في الظلال المكيفة، يعيدون ترتيب مكاسبهم، ويكتبون خطابهم القديم على ورق جديد. يتحدثون عن «السيادة» و«هيبة الدولة» ثم يلهثون خلف عواصم خارجية، ويعيدون إنتاج ذات التكتيكات: المماطلة، صناعة الأعداء الوهميين، ونشر الأكاذيب كعلفٍ فكريّ لمناصريهم. البرهان — بإصراره على التحالف مع بقايا النظام السابق — لا يخطئ قراءة الشارع فحسب، بل يُعمّق الشرخ الوطني ويمنح الكيزان فرصة ذهبية للعودة عبر بوابة الفوضى. وبينما يتساقط المواطنون ضحايا الحرب والتشريد، لا نرى في معادلة السلطة سوى وجوهٍ اعتادت أن تقتات من أزمات البلاد. لقد ظنّ البعض أن القطيعة مع الكيزان أصبحت حقيقة، وأن التاريخ أغلق باباً لن يُفتح مرة أخرى. لكن البرهان، بسياساته وانتقاءاته وقراراته، يفتح ذلك الباب على مصراعيه، ويُعيدنا إلى نقطة الصفر: دولة تدار من خلف الستار، وشعب يُطلب منه أن يصبر على المجهول، وميزان لا يميل إلا لمن يملك السلاح والإعلام والمال السياسي. إنّ ترجيح كفة الكيزان ليس قدراً، بل خياراً سياسياً خاطئاً يجر البلاد إلى مزيد من الكوارث. والشعب الذي واجه الدبابة في ديسمبر لن يقف متفرجاً حين يراه التاريخ يُعاد أمامه بصورة أكثر وقاحة. السودان لا يحتاج إلى إعادة تدوير الكيزان، بل يحتاج إلى دولة تُبنى على الحق، والعدالة، واحترام الإرادة الشعبية — لا على تحالفات قصيرة النفس تعيش على حساب بؤس الناس. والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم هو: إلى متى سيظل البرهان يُرجّح الكفة نفسها، بينما يميل الوطن كله نحو الهاوية؟ #SaveSudan
11-28-2025, 09:27 AM
Hassan Farah Hassan Farah
تاريخ التسجيل: 08-29-2016
مجموع المشاركات: 13198
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة