بقلم: مصطفى عبدالرحمن أحمد نور القاهرة في ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥
اكتوبر ٢١ يا صحو الشعب الجبار"، هكذا تنادت وهتفت الحناجر و الأصوات في شوارع الخرطوم وأم درمان وكل مدن ال في أكتوبر من عام ١٩٦٤، لترسم بأحرف من نور ونار واحدة من أعظم صفحات النضال في تاريخ السودان الحديث، بل وفي تاريخ ثورات العالم. إنها ثورة ٢١ أكتوبر، التي مثلت انبعاثاً لإرادة شعب رفض أن تُصادر حريته، أو أن تُكبّل كرامته. لقد خرج "الشعب السوداني الطيب المسكين المحتسب"، بحق، إلى الشوارع بعد سنوات من الاستقلال لم يحقق فيها أحلامه في الحرية والعدالة والرفاه. خرج هذا الشعب الذي تحمل المشاق منذ الفجر الأول لاستقلال البلاد، حاملاً في قلبه شعلة الأمل، وفي عقله تصوراً لمستقبل أفضل، فسطر بدماء أبنائه برقية عزل لنظام استبدادي، كانت أولى كلماتها: "اكتب يا تاريخ". وكان "القرشي شهيدنا الأول"، الشهيد أحمد القرشي، الطالب في كلية الهندسة، الذي سقط برصاص الطغمة الحاكمة، ليكون شعلة الثورة الأولى التي أضاءت الطريق، فتحولت جنازته إلى مظاهرة حاشدة، وأصبح دمه الطاهر وقوداً لإسقاط أول حكم عسكري في تاريخ السودان الحديث. لقد أثبت الشعب السوداني، مرة أخرى، أنه صاحب القول الفصل عندما تُغتصب إرادته وتُهدر كرامته. الانتصار والانتكاسة: سؤال لم يُجب عليه بعد لقد نجحت الثورة العظيمة في تحقيق هدفها المباشر؛ أسقطت نظام الفريق إبراهيم عبود، وأعادت الحياة الديمقراطية، وفتحت الأبواب للحريات. ولكن، جات الاحزاب التي مازالت تتصارع في حلقات السياسة". لقد تحولت ساحة الوطن إلى حلبة صراع بين أحزاب تتبارى في الولاءات الضيقة والمصالح الآنية، متناسية الدماء التي سُفكت، والتضحيات التي قُدمت من أجل أن يعيش هذا الشعب في أمن واطمئنان. ها هو السؤال الذي تطرحه بإلحاح: "من المهزوم ومن المنتصر؟" والإجابة المؤلمة التي نعيشها جميعاً هي أن "الخاسر الوحيد هو الشعب السوداني الطيب المسكين المحتسب الذي ضاع ما بين حكم العسكر وحكم الاحزاب". إنها المعادلة المحبطة ذاتها: ثورة تنتصر ثم تضيع ثمارها بين مطرقة العسكر وسندان الأحزاب المتصارعة، فيدور السودان في حلقة مفرغة من الأمل والخيبة. نومه أهل الكهف: أين الطريق؟ والسوال متى نصحو من نوم أهل الكهف؟ إنها الصيحة التي يجب أن تصل إلى كل سوداني غيور. فالدول المتقدمة التي "قطعت شوطاً بعيداً في التقدم والازدهار" لم تصل إلى ما هي عليه الا بفضل الله ثم بالتوحد والتعاون وروح الوئام، وليس بالتفرقة والشتات والفرقة التي –– "جعلت من السودان مسرحاً للعنصرية والبغضاء والحسد". إن صحوة الأمة تبدأ بالاعتبار من الماضي، واستخلاص الدروس من ثورة أكتوبر وغيرها. فالثورة ليست مجرد إسقاط لنظام، بل هي عملية بناء متواصلة لمؤسسات دولة تحقق العدالة والمساواة، وتضمن تداول السلطة سلمياً، وتضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار. إنها ثقافة يجب أن تترسخ، ووعياً يجب أن يعم الجميع. إن روح أكتوبر الخالدة، روح التضحية والتوحيد والتسامي فوق الخلافات، هي البوصلة التي يمكن أن تعيد للسودان مساره. إنها القادرة على أن تجعله ينطلق في ركب الأمم المتقدمة، ليستفيد من موارده الهائلة وطاقات أبنائه المبدعين، بدلاً من أن يبقى أسير الصراعات التي لا تنتهي. في ذكرى أكتوبر، لا نستذكر الماضي لنبكي عليه، بل لنتعلم منه كيف نبني المستقبل. إن الشعب السوداني "الطيب المسكين المحتسب" الذي قدم نموذجاً رائعاً في النضال والثبات، قادر بإذن الله ثم بإرادته وتوحيد صفوفه، على أن يكتب فصلاً جديداً من المجد، يليق بتضحيات أكتوبر، ويحقق أحلام شهدائها الأبرار. "وكان الله في عون الشعب السوداني الطيب المسكين المحتسب".
تحياتي للجميع، أخوكم مصطفى عبدالرحمن أحمد نور القاهرة - ٢١ أكتوبر ٢٠٢٥
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة