ادوارد كورنييلو أحسن من كتب عن المتنبئ

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 12-31-2025, 11:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
المنبر العام
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
12-31-2025, 05:33 PM

Nasr
<aNasr
تاريخ التسجيل: 08-18-2003
مجموع المشاركات: 11476

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ادوارد كورنييلو أحسن من كتب عن المتنبئ

    05:33 PM December, 31 2025

    سودانيز اون لاين
    Nasr-Los Angeles
    مكتبتى
    رابط مختصر



    المتنبئ كتب عنه عبد الله الطيب وطه حسين وعلي الجارم والطيب صالح وكثيرون
    لكن ما كتبه أدوارد هنا كتابة ماجدة فاحضة وصادقة ومبدعة

    العنوان
    المتنبي: سيرة ذات تتسلّق المجد بالكلمات

    Quote: المتنبي: سيرة ذات تتسلّق المجد بالكلمات

    بقلم: إدوارد كورنيليو
    في زمنٍ تتقاطع فيه السلطة بالشعر، وتتماهى فيه الكلمة مع السيف، يبرز المتنبي لا كشاعر فحسب، بل كظاهرة ثقافية واجتماعية معقدة، تتجاوز حدود البلاغة إلى تخوم الصراع، والهوية، والطموح. إن قراءة شعر المتنبي ليست تمرينًا في التذوق الجمالي فحسب، بل هي رحلة في وعي فردي متوتر، يتأرجح بين الانتماء والاغتراب، بين التمجيد والاحتجاج، بين الحلم بالسلطة والخذلان منها. لم يكن المتنبي شاعر مدح تقليديًا، بل كان مشروعًا ذاتيًا للارتقاء، مشروعًا لغويًا لصناعة الذات، مشروعًا رمزيًا للهيمنة، مشروعًا فرديًا للانعتاق من شروط الولادة والطبقة والمكان.

    ولد المتنبي في بيئة فقيرة، لكنه لم يرضَ أبدًا بموقعه الهامشي. منذ بداياته، كان وعيه بذاته أكبر من محيطه، وأشد من أن يُروّض. لم يكن الشعر عنده وسيلة للتعبير فحسب، بل كان سلاحًا، وسيلة صعود، أداة لبناء مجد شخصي لا يعترف بالحدود. في قصائده، لا نرى شاعرًا يمدح أميرًا، بل نرى ذاتًا تتضخم حتى تكاد تبتلع الأمير نفسه. قوله “أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي” ليس بيت فخر عابر، بل إعلان عن مشروع وجودي، عن رغبة في أن تكون الكلمة مساوية للسيف، بل متفوقة عليه. إن المتنبي لا يمدح سيف الدولة، بل يمدح نفسه من خلاله، يتخذ من الأمير مرآة ليعكس فيها صورته، لا ليذوب فيها.


    لكن هذا الطموح لم يكن بلا ثمن. فالمتنبي، رغم قربه من السلطة، ظل غريبًا عنها. لم يُمنح ما كان يطمح إليه، لا منصبًا، ولا ولاية، ولا اعترافًا كاملاً بمقامه الذي كان يراه أعلى من مقام الشعراء. هذا التوتر بين الطموح والخذلان، بين القرب والنبذ، هو ما يغذي شعره بطاقة احتجاجية خفية، لا تُعلن العصيان صراحة، لكنها تهمس به في ثنايا الفخر، وفي طيات الهجاء، وفي مرارة الحنين. لم يكن شاعر سلطة، بل شاعرًا يحلم بأن يكون هو السلطة، أو على الأقل أن يُعترف به كندٍ لها، لا كأداة من أدواتها.

    في هذا السياق، يصبح الفخر في شعره أكثر من مجرد تقليد بلاغي. إنه بناء متعمد لذات متعالية، ذات لا تقبل أن تُختزل في وظيفة، أو تُختصر في لقب. هو لا يفتخر بنسب، بل بصناعة الذات، بالعبور من الهامش إلى المركز، من الفقر إلى المجد، من التبعية إلى السيادة. حين يقول: “إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ، فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ”، فإن الشعر هنا ليس وصفًا لحالة، بل دعوة لفعل، لتمرد ناعم، لثورة فردية ضد السقف الذي يحدّ الطموح.


    لكن هذه الذات المتعالية لا تخلو من هشاشة. فالمتنبي، رغم صلابته الظاهرة، كان شاعرًا ممزقًا بين الحلم والواقع، بين المجد والخذلان، بين السيف والقلم. هجاؤه اللاذع ليس فقط سلاحًا ضد الخصوم، بل أيضًا تنفيس عن خيبة، عن شعور بالخذلان، عن إدراك بأن الكلمة، مهما بلغت من القوة، تظل عاجزة أمام منطق القوة العارية. في هجائه، نلمس مرارة المثقف الذي لم يُمنح مكانته، الذي يرى نفسه أعلى من الجميع، لكنه يُعامل كأجير، كمنشد في بلاط لا يعترف إلا بالدم والنسب.

    شعره، في جوهره، هو سيرة ذاتية مشفّرة، سيرة رجل أراد أن يصنع مجده بالكلمات، في زمن لا يعترف إلا بالسيوف. لم يكتب عن الحب، ولا عن الطبيعة، بل كتب عن ذاته، عن صراعه مع العالم، عن رغبته في أن يكون شيئًا يتجاوز الشعر، يتجاوز الزمان والمكان. حتى حين يمدح، فإنه يمدح ذاته، حتى حين يهجو، فإنه يعلن عن جرحه، عن غربته، عن رفضه للامتثال.


    اللغة في شعره ليست محايدة. إنها مشحونة بالقوة، بالتحدي، بالتماهي مع البطولة. تراكيبه معقدة، صوره متعالية، مفرداته نادرة. هذه ليست مجرد بلاغة، بل استراتيجية رمزية لفرض الهيمنة، لتمييز الذات عن الآخرين، لإعادة إنتاج موقعه كـ”نخبة لغوية” في مجتمع لا يمنح الاعتراف إلا لمن يملك القوة أو النسب. بهذا المعنى، يستخدم الشعر كأداة للهيمنة الرمزية، كوسيلة لفرض الذات على العالم، لا كمرآة له.

    لكن هذه الهيمنة الرمزية لا تُخفي التوترات. فالمتنبي، رغم كل فخره، يظل شاعرًا مأزومًا، شاعرًا يشعر بالخذلان، بالاغتراب، باللاانتماء. لا ينتمي إلى العامة، ولا يُقبل تمامًا في صفوف النخبة. هو بين بين، في منطقة رمادية، يحاول أن يصنع لنفسه مقامًا خاصًا، مقامًا لا يُمنح، بل يُنتزع بالكلمة، بالقصيدة، بالبطولة المتخيلة. هذا التوتر هو ما يمنح شعره طاقته، ما يجعله حيًا، متجددًا، قابلًا للتأويل.

    ولعل المقارنة بينه وبين شعراء عصره تكشف عن فرادته. فبينما انشغل كثيرون بالمديح التقليدي أو الوصف الحسي، كان المتنبي يكتب ذاته، يكتب مشروعه، يكتب صراعه مع العالم. لم يكن تابعًا لذوق السوق، ولا خاضعًا لمزاج الأمير. كان يكتب كما يشاء، لا كما يُطلب منه. وهذا ما جعله عرضة للخذلان، لكنه أيضًا ما جعله خالدًا. لقد اختار أن يكون صوته أعلى من التصفيق، وأن تكون قصيدته مرآة لذاته، لا لمرآة السلطان.


    وإذا تأملنا بعض أبياته، وجدنا أن كل بيت فيها يحمل شحنة من التوتر، من التحدي، من الرغبة في تجاوز القيد. حين يقول: “أنا صخرة الوادي إذا ما زوحمت”، فهو لا يصف فقط صلابته، بل يعلن عن موقعه في العالم: ثابت، لا يُزاح، لا يُدفع، لا يُزحزح. وحين يقول: “الخيل والليل والبيداء تعرفني”، فهو لا يطلب شهادة من الناس، بل من الطبيعة، من الفروسية، من الليل نفسه. إنه شاعر لا يطلب الاعتراف، بل يفرضه.

    ولعل ما يضاعف من أثره هو أن مشروعه لم يكن نخبويًا مغلقًا، بل كان إنسانيًا في جوهره. صحيح أنه لم يكن صوت الجماعة، لكنه كان صوت الفرد الذي يرفض أن يُختزل، الذي يطالب بحقه في أن يكون شيئًا، في أن يُسمع، في أن يُرى. وهذا ما يجعل شعره حيًا حتى اليوم، لأنه لا يتحدث عن لحظة عابرة، بل عن سؤال دائم: من أنا؟ وما حقي؟ وما موقعي في هذا العالم؟

    لقد أثّر المتنبي في أجيال من الشعراء، لا لأنهم قلّدوه، بل لأنهم وجدوا فيه نموذجًا للذات التي تكتب نفسها، التي لا تنتظر إذنًا لتتكلم، التي ترى في الشعر وسيلة للوجود، لا للزينة. لقد فتح بابًا جديدًا للقصيدة، بابًا لا يؤدي إلى البلاط، بل إلى الداخل، إلى الذات، إلى المجد الذي يُصنع بالكلمات لا بالأنساب.


    في نهاية المطاف، لم يكن المتنبي مجرد شاعر، بل كان مشروعًا ذاتيًا للانعتاق، مشروعًا لغويًا للتمرد، مشروعًا رمزيًا للهيمنة. هو ابن بيئته، لكنه يتمرد عليها. هو ابن السلطة، لكنه لا يذوب فيها. هو ابن اللغة، لكنه يجعلها سيفًا، درعًا، تاجًا. في شعره، نرى كيف يمكن للكلمة أن تكون سلاحًا، كيف يمكن للذات أن تُعيد تشكيل العالم من خلال القصيدة، كيف يمكن للمثقف أن يكون فاعلًا، لا تابعًا، حتى وإن لم يُمنح الاعتراف الذي يستحقه.

    وفي هذا كله، لا يمكننا أن نفصل شعره عن طبقته، عن طموحه، عن خيبته. لا يمكننا أن نقرأه كجماليات لغوية فحسب، بل كوثيقة اجتماعية، كصرخة فردية في وجه نظام لا يعترف إلا بالقوة. هو شاعر المجد، نعم، لكنه أيضًا شاعر الخيبة. هو شاعر البطولة، لكنه أيضًا شاعر الاغتراب. هو شاعر الذات، لكنه أيضًا شاعر الصراع. وفي هذا التوتر، في هذا التناقض، تكمن عظمته، وتكمن راهنيته.

    لقد كتب المتنبي قصيدته كما يُشهر المحارب سيفه، لا ليُطرب، بل ليُثبت وجوده. لم يكن الشعر عنده زينة، بل معركة. لم يكن بيت القصيد خاتمة، بل بداية. وفي كل بيت، كان يضع حجرًا جديدًا في صرح الذات التي لا ترضى أن تُنسى، ولا أن تُختصر، ولا أن تُروّض. وهكذا، ظل المتنبي حيًا، لا لأننا نحفظ أبياته، بل لأننا نرى فيها أنفسنا حين نرفض أن نُختزل، حين نطالب بأن نُرى، حين نكتب، نحن أيضًا، مجدنا بالكلمات.

    مقطع ختامي من ديوانه:

    إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ
    فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ

    فطَعنُ الفتى في عِزّةٍ خيرٌ لهُ
    من أن يَغْذوَ غِرًّا من لُؤمِ

    [email protected]






                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de