|
Re: ود مدني من مدينة الجمال إلى مدينة الأشباح (Re: Yasir Elsharif)
|
ود مدني ،من مدينة الجمال إلى مدينة الأشباح
(٢ ٣)
علي أحمد إبراهيم
في مقالي الأول يمكن ملاحظة أربع مفارقات:
*المفارقة الأولى: سعر التذكرة من الدمازين إلى ود مدني حيث تضاعف سعرها (٦)مرات، فكان (١٠)ألف جنيه
فأصبح(٦٠)ألف جنيه
*المفارقة الثانية: زمن الرحلة تضاعف ايضا ٦مرات، فبدلا من٦ساعاتاصبح ٣٣ساعة، ويمكن أن تضيف لهاساعتين أوثلاثة،استغرقتها إجراءات التفتيش و(الجرجرة)قبل انطلاق البص من مخرج المدينة
*المفارقة الثالثة: نفسية،خاصة التفتيش الشخصى، ففيه مهانة وذلة.
المفارقة الرابعة: تتمثل فى الإرهاق البدنى نتيجة لطول زمن الرحلة.
كنت فى المقال الأول قد وقفت عند دخولي حي المدنيين، سيرا على الأقدام، من حي أم سويقو، قبالة حي المدنيين،حتى الحي السوداني، ومنه عدت راجعا لحي المدنيين
ولما قيل أدخلوا البيوت من أبوابها فقد دخلت حي المدنيين من بوابة الشيخ ود مدني (الأحيا السنة)، وابنائه في اضرحتهم (داخل قبة ود مدني) فسلمت عليهم، وبثثتهم شكواي التى تتمثل فى الحرب العبثية، ذلك لأن المقتول فيها لايدر لِمَ قُتِلْ بل والقاتل لِمَ قَتَلَ لاسيما فالطرفان المتقاتلان يتقاتلان فيما لايحق لكليهما، يقتتلان من أجل السلطة وهما يعلمان أن السلطة للمدنيين وليس للعسكريين.
لقد روعت هذه الحرب العبثية،سكان مدينةود مدني، ومن بعدها عموم سكان ولاية الجزيرة، تلك الولاية الآمنة المطمئنة المسالمة، والتى احسب إن العطبراوى كان يعني دولة اليوم،(دولة البرهان-حميدتى) أكثر مما يعنى دولة المستعمرعندما تغنى بنغمة حزينةقائلا :
(وهناك أسراب الضحايا النازحون**
ملئوا الطريق وعيونهم مجروحة الأغوار ذابلة البريق
يتهامسون
الجائعون مشردون
والمعتدون يقهقهون
ويضحكون
جثث وأشلاء فى كل حين
ويكفى أن أقول جازما ان الجزيرة مسالمة فهي خالية تماما من السلاح، قياسا على قريتي، دار السلام، فى محافظة الكاملين ، ريفى المعيلق، والتى لايوجد فيها مسدس واحدا مرخص أو غير مرخص، ولابندقية، بل لا يوجد شخصا ينتمي لأي مؤسسة عسكرية.
أكثر من ذلك، فانا قد بلغت من العمر ٧٥عاما، لم ألمس بأصبعى ، فى حياتى، أي نوع من إنواع الأسلاحة وأحسب انى لست بدعاولانموذجاً شاذا، وإنما مثلى كُثْر.
كل ما نتمناه أن تعود مدينة ود مدني، مدينة الجمال، آمنة، كسيرتها الأولى ـ وكذلك عموم الجزيرة، بل وعموم السودان ويحل السلام في ربوعه وفي الناس المسرة فتشيع المحبة بينهم يقول الحديث القدسى : (الخلق عيال الله احبهم اليه انفعهم لعياله ) وما ذلك على الله بعزيز.
واصلت تطوافي على منازل الأخوان الجمهوريين في حي المدنيين، تلك المنازل التى كان قاطنوها لاينامون إلا قليلا، فصح في حقهم قوله سبحانه وتعالى(قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) مقتفين أثر المزمل، بالنهار معاملة (لاخير فى كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة او معروف أو إصلاح بين الناس ) وباليل قيام (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4)
أول منزل مررت به منزل الأخ أستاذنا جلال الدين الهادي الطيب ادريس، فاستحضرت أخي جلال فى خاطرى ثم منزل الأخ خلف الله قرشي وزوجه مكة الهادي، شقيقى الأستاذ جلال، فاستحضرته ايضا، ولو استقبلت من امرى ما استدبرت لتفقدت اسرتيهما لكن إنه التقصير بعينه فبعد زيارتى بأيام معدودة،انتقل الأخ محمد على خلف الله قرشى' عليه الرحمة' ولآله حسن العزاءنسأل الله ان يكملنا بكل ماهو جميل.
بعدها مررت بمنزل الأخ دشين فطرقته، لكن تبين أن قد غادره ساكنوه،حسب ما أفادنى احد الباعة المتجولين امامه.
نظرت إلى منزل الأخت منى أحمد خالد قوي، شقيقة الهميم، فاستبعدت أن تكون بالمزل ثم دلفت على منزل أستاذ سعيد الطيب شايب فطرقته وطرقته ولكن آآآخ من لكن.
لما لم يُستًجًاب لى ترجمت محزونا بأبيات الشاعر، العارف بالله، لعله السهروردى
قف بالمنازل واندب الأطلالا***وسل الربوع الدارسات سؤالا
أين الأحبة أين سارت عيسهم*** هاتيك تقطع فى اليباب الآلا
غادرته وانا أكثر حسرة اجرجراذيال الخيبة مررت بدار أخى العزيز المغفور له عبد الرحيم محمد احمد صالح وزوجته الفضلى المغفور لها سمية أبو إدريس علي، تلك الدارالتى كنا عندما ندخلها نعيش أبيات النابلسى (نضروا وجهى بطيب السلام ***فالسلام مسجد القلب
فأقيمونى به ما أقام ***فالمقام مهبط الحب
ثم طرقت بعدهإ دار أخى يوسف ابو مشيلح الذى اخطتفته يد المنون فى هذه الأيام الكالحة،فعزيت ابنه محمد وابنته صفية بقول الأعرابي لعبد الله بن عباس معزيا له فى والده العباس(خير من العباس أجرك بعده والله خير منك للعباس) كماارسلت عزائى لزوجته المكلومة أم الحسن، ثم مررت بداري الأخوين سامى حسن محمد الحاج ومحمد حسن محمد الحاج وقد خيمت عليهما الوحشة فتسآءلت (اين قومى نزلوأ؟!) ثم واصلت المسير ألى حي بانت ،لأعزى أسرة عثمان عشيرى ، الأخت إحسان عشيرى، كبيرة الجمهوريين في ود مدني، وإخاها محمد وأخواتهما، أعزيهم فى مصابهم الجلل، حيث فقدوا أختهم
المغفور لها د هدى عثمان عشيري، والتى انتقلت أيضا خلال هذه الأيام التى عزَّ فيها الطبيب و الدواء معا فانتقلت الى بارئها في دقائق نتيجة خطأ طبي.
طرقت الباب حتى كلَّ متني، ومع ذلك لم يكلمني أحد!!
واصلت أجرجر اذيال الأسى والحسرة، راجلا نحو الدرجة عبر المنطقة الصناعية، التى كانت تضج ورشها ومصانعها بالحركة، فأصبحت اليوم صامتة صمت القبور، فلم اسمع غير صفير الرياح بين مبانيها والتى كأنها تحذرنى: اسرع انج بجلدك فالمكان غير آآآآآآآآمن.
هرولت، فدخلت شارع المزاد وواصلت فيه إلى بداية الدرجة من جانبها الشمالي، شعرت بالتعب، فجلست بجانب
طفل وطفلة يبيعان انواعا من الحلويات والداندرما للأطفال امام دكان مغلق ( حرك المكان الذاكرة فرجعت للوراءعشرات السنين فهو ليس بعيدا عن منزل زميلي عبد المنعم في ود مدني الثانوية، حيث كنت ازوره من وقت لآخر أفطر معه فطور الجمعة أو اتناول معه كوبا من الشاي في امسية من الأمسيات الطيبات.
أرتحت قليلا ثم واصلت المسير فاتجهت شرقا، وسرت حتى شارع المزاد الشرقي ، فعلى يساري يقع منزل اأسرة الأخ الأستاذ د. عبد الرحيم الريح محمود أبولكيلك (فعادني الشم)، حيث فتحت (حُقَ ) الذكريات، ففاح عبيرها الزاكي الطيب، فتداعت إلي احداثا عظاما منها جلسات (فى حضرة من نهوى) فالرحمة والمغفرة للوالد الريح محمود ولوالدتهم المبرورة ولبنتيهما أختي بدرية ،وأختي عرفه واسعد أن يكونوا :
(فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ (55)، كما أرجو طول العمر، مصحوبا بعافية الأبدان، وسلامة
القلوب وقوة العقول، للأخوين د عبد الرحيم الريح وأخيه محمد واختهما.
اما من الجانب الغربي فقد قفزت صورة الأخ الراحل سيف الدين إبراهيم محمود، فداره كانت واحة نزورها من حين لآخر بحكم قربها من مدرسة ود مدني الثانوية فنجد فيها اللقمة الهنية، والكلمة الطيبة والأنس تحت طلال الله، كان ذلك فى ستينات القرن الماضي، وإن أنسى لاانسى كنا كل من الأخ سيف الدين ابراهيم محمود، و الأخ جاه النبى يوسف ابراهيم، والأخ حسن عثمان كمشاك فى وفد الأستاذ محمود محمد طه لمدينة الأبيض فى مايو ١٩٦٩م فعندمإ حدث انقلاب
٢٥/مايو قطع الوفد برنامجه ورجع لمدينة ود مدني فدخلناها حوالى الساعة(١)صباحأ
فتم توزيع أعضاء الوفد على منازل اخوان ود مدني، فكان أن استضافنا الأخ سيف الدين فأخذنا تاكسي من محطة السكة حديد إلى حي المزاد فدفع سيف (١٥)قرشأ قيمة المشوارفاحتج السائق قائلا:دا سعر النهارسعر الليل ٢٥قرشا لكن كان هذا كل المبلغ الذى مع الأخ سيف . فاعتذر سيف بأن هذا كل ما معه من نقود، فنظر لنا السائق في عشم، ولكن كنا جميعا لانملك (درهما ولا قطميرا) وأخيرا ندب السائق(حظه وآماله) فرضي بقسمة ضيزى وغادر.
والمرور بتلك المرابع، حياها الله، لا بد أن يذكرنا بأخينا الراحل أحمد علي حمد ومجاهداته، فكم زرع تلك الطرق في بهيم الليل وفي زمهرير الشتاء غاديا رايحا بين منزل الأستاذ سعيد وبيته.
واصلت المسير نحو تقاطع منتزه آلدرجة، فى بداية الدرجة مما يلى حي (١١٤) حيث كنا نذهب مع الأخ حسن عثمان فنزور اخته مسكة وابنها عصام واخوانه وخالتهما زينب فنقيل
كانت لنا ايام** فى قلبى ذكراها**
ياليتنا عدناها**
أو عادت الأيام
عندما وصلت المنتزه دلفت يسارا بالشارع الذى ينحه نحو الإدارة المركزية
ثم يسارا بأول شارع
حيث منزل عديلى الأخ على العوض وكانت الساعة حوالى ١/٣٠م فتفاجأ بمقدمى فرحب بى لاسيما فقد جئته بأخبار طيبة من أسرته ، زوجته وبناته وأبناؤه، وهم معى فى الدمازين
مكثت معه ساعة من الزمن، كلفته ان يبلغ سلامى لأخى العزيز!! جاره ،فضل الزبير..حيث كان الزمن، زمن قيلولة فتحركت منه حوالى الساعة ٢/٣٠م نحو بركات فقدمنى حتى شارع المزاد فودعته وواصلت المسير نحو السوق المركزي
فمارنجان قاصدا بركات سيرا على الأقدام
نواصل
| |
 
|
|
|
|
|
|
|