قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الإنتقالي بعد خروجه من مقر قيادة القوات المسلحة بعد خمسة أشهر من الحرب بزيارات للعديد من الدول، بعضها كانت حليفةً له مثل مصر والسعودية وجنوب السودان وقطر وتركيا، وبعضها كانت تختلف معه في نظرتها للحرب مثل كينيا وإثيوبيا. كما أنه أجرى العديد من الإتصالات مع الجهات المؤثرة في الساحة الدولية والإفريقية، والتي توجت بإلقائة كلمة بلاده أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة وبلقائه لقادة الإيقاد ورؤساء الدول المؤثرة في هذه المنظمة. فلماذا تخلى البرهان عن قيادة العمليات العسكرية بخروجه من مقر القيادة؟ ولماذا لم يولِ بعد خروجه الجبهة الداخلية أدنى إهتمام منشغلاً لحد كبير بالجبهة الخارجية؟لقد راهن البرهان في بداية الحرب على حسمها ميدانياً والتخلص نهائياً من قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي. لكن بعد مضي نصف عام على الحرب بدأ يدرك استحالة هذا المسعى، خاصةً بعد التقدم الميداني الذي أحرزته قوات الدعم السريع مؤخراً. وبدأت الهوة تتباعد بينه وبين الإسلاميين وفلول الإنقاذ والحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا بعدما تأكد له عدم جدوى إسترتيجية القتل والسحل وتدمير المباني والمنشئات التي انتهجها الإسلاميون بعد تغلغلهم في الجيش وإمتلاك زمام الأمور فيه عبر مليشياتهم. كما تأكد له أنه لا يمكنه التعويل على الحركات المسلحة الموقعة على إتفاق جوبا لضعفها وانقساماتها وضبابية مواقفها. وأيقن البرهان أن إطالة أمد الحرب سيقلل من الثقة والتفويض الشعبي له بهزيمة قوات الدعم السريع ميدانياً. إذ بدأت الأصوات التي تطالب بوقف الحرب تعلوعلى تلك التي تطالب بالبل والحسم وإخراج قوات الدعم السريع عنوةً من البيوت والمقار التي احتلتها.وربما خشي البرهان أن فقده لهذه الثقة الجماهيرية سيطيح به في نهاية الأمر، إما من قبل قحت وتحالفاتها الجديدة المطالبة بوقف الحرب ووقوف المجتمع الدولي معها، أو من قبل المليشيات الإسلامية والتي صار صوتها يعلو في الآونة الأخيرة على صوت الجيش. وفي كلا الحالتين سيتبدد حلم والده وحلمه بحكم البلاد. ولذا فقد إختار التوصل لإتفاق مع قوات الدعم السريع عن طريق المعاهدات الدولية على حساب التحالفات الوطنية لكي يضمن بقائه في السلطة. فكيف عمل البرهان على تحقيق هذا المسعى؟لنجاح مسعاه الجديد كان لزاماً عليه أن يرضخ لشروط المجتمع الدولي والتي تتمثل في توقيعه لإتفاق سياسي مع قوات الدعم السريع، ومنح منظمة الإيقاد دوراً أكبر في مفاوضات السلام، وتسليم الحكم لسلطة مدنية مع خروج القوات المسلحة نهائيا من العمل السياسي. ولذا فقد وجد نفسه مضطراً للتصالح مع رؤساء كينيا وأثيوبيا والقبول بشروط الإيقاد التي رفضها سابقاً. ففي تراجع لافت عن مواقفه السابقة، أنهى البرهان أشهراً من القطيعة مع كينيا وإثيوبيا ومنظمتي الوحدة الأفريقية والإيقاد بزيارته ولقاءاته الأخيرة. إذ شكلت هذه الزيارات واللقاءات تراجعاً ملحوظاً عن مواقفه السابقة الرافضة لرئاسة كينيا للجنة الرباعية التي كونتها الإيقاد لاحتواء الأزمة السودانية ورفضه لمخرجات القمة التي من بينها النظر في إرسال قوات شرق أفريقيا إيساف لحماية المدنيين. ويبين ذلك تراجعاً عن إعتراضه السابق على توصيف كينيا وأثيوبيا للحرب في السودان بأنها صراع بين جنرالين. وفي تطور لافت وافق البرهان على عقد قمة طارئة لرؤساء دول الإيقاد، لبحث سبل وقف الحرب عبر حوار سياسي وعلى إنضمام الإيقاد لعملية تفاوضية تقودها المنظمة، ربما عبر منبر مختلف عن منبر جده. أما زيارته لجيبوتي فتكمن رمزيتها في أنها ترأس الدورة الحالية لمنظمة الإيقاد. كما أن لقاءه مع السكرتير التنفيذي للإيقاد أثناء زيارته لجيبوتي ينصب في رمزية تصالحه مع المنظمة. ولكي يؤكد على قبوله بدور الإيقاد في العملية السياسية قال البرهان في جيبوتي بصريح العبارة: "نحن مع إيقاف الحرب والاقتتال وعودة الحياة الطبيعية للشعب السوداني". فما السر وراء توجه البرهان الجديد؟يدل هذا التوجه الجديد للبرهان على طموحاته في أن يظل على رأس الدولة أثناء فترة إنتقالية تبدأ بعد توقيع صلح مع قوات الدعم السريع تنتهي بموجبه الحرب. ففي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تعهد بنقل السلطة إلى الشعب السوداني بتوافق وطني عريض، تخرج بموجبه القوات المسلحة نهائيا من العمل السياسي ويتم بعدها تداول السلطة بالطرق الشرعية والسلمية المتمثلة في الإنتخابات بعد مرحلة إنتقالية قصيرة تدار فيها الدولة من قبل حكومة مدنية من المستقلين تتم خلالها معالجة الأوضاع الأمنية والإنسانية والاقتصادية الراهنة وإعادة الإعمار. ما تعمد البرهان عدم ذكره في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه يطمح أن يكون على رأس الدولة ومسيطراً على الحكومة المدنية التي اقترحها والمالك الفعلي لزمام الأمور فيها، كما كان الحال أثناء الفترة الإنتقالية السابقة قبل إنقلاب أكتوبر. فإن نجح في إقناع المجتمع الدولي من خلال تحركاته الأخيرة في أن يكون على رأس الدولة أثناء الفترة الإنتفالية فسيمهد بذلك الطريق لوصوله فيما بعد للسلطة عبر إجراء إنتخابات مزورة، أسوةً بالسناريو الذي طبقه الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعودة للحكم في مصر بالزي المدني. وسيمكنه ذلك من إستعادة تمكين الجيش سياسياً واقتصاديا ليكون حامياً له ولطموحاته المستقبلية. لكن هل سيتحقق هذا الحلم في ظل وضع الجيش الميداني المهزوز وفي ظل معارضة الإسلاميين لهذا المسار؟سوف يبرر البرهان مساره التفاوضي الجديد متعللاً بالحفاظ على وحدة البلاد خاصة في ظل الإنتصارات التي حققتها قوات الدعم السريع مؤخراً في دارفور وبعض أجزاء كردفان. ونسبةً لضعف موقف البرهان التفاوضي فسوف يتحول مسار التفاوض بينه وبين قوات الدعم السريع من خروج هذه القوات من المنازل والمقار التي إحتلتها إلى التأسيس لحكم إقليمي يضمن سيطرة هذه القوات على إقليم دارفور بالإضافة إلى مشاركتها في حكم بقية أجزاء السودان وانضمام قواتها للجيش. لكن سوف يتسبب هذا المسار التصالحي في وأد مشروع الإسلاميين وفلول نظام الإنقاذ في العودة للحكم من خلال مواصلة الحرب ووقف المفاوضات. ولكي يتمكن البرهان من المضي قدماً في هذا المسارعليه أن يتحلل من القيود التي فرضتها عليه القيادات الإسلامية والمحسوبون على نظام الإنقاذ داخل الجيش، وهو ما سيتسبب في مواجهة بين الطرفين وانقساماً حاداً بين الإسلاميين. وربما تتمرد كتائبهم على البرهان وتحدث شبه إنقلاب داخل الجيش تسعى من خلاله إلى تحرير العاصمة حتى لو كان ذلك على حساب تدمير أكبر عدد من المنازل والمقار الحكومية والتجارية والخدمية. وقد لا تعنى هذه الكتائب بتحرير المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع أو أي قوى متمردة أخرى في غرب البلاد أو شرقها أو جنوبها. فقد تخلى الإسلاميون من قبل من جنوب السودان من أجل تنفيذ مشروعهم الحضاري. ولعلهم اليوم أقرب إلى التخلي عن أجزاء عزيزة من البلاد وربما الخنوع بحكم مثلث عبد الرحيم حمدي الذي يتألف من دنقلا وسنَّار والأبيض.فهل تتحقق وحدة السودان من خلال توجه البرهان التصالحي هذا؟ وإن تم توقيع معاهدة صلح بين الجانبين، هل ستخرج قوات الدعم السريع من المنازل والمقار التي احتلتها؟ وهل سيتم تعويض المتضررين من الحرب؟ وماذا سيكون مصير دولة آل دقلو؟ وماذا سيكون مصير الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا بعد سقوط مناطق سيطرتها لقوات الدعم السريع؟ وماذا سيكون مصير كتائب الظل التي تقاتل الآن مع الجيش؟ وماذا سيكون مصير الإسلاميين أنفسهم؟ ربما ستبدي لنا الأيام في المستقبل القريب ما كان خافياً وتجيب على هذه الأسئلة وعلى الكثير من الأسئلة التي تدور بخلد العديد من السودانيين.عبد الوهاب السنارينيروبي، 30 نوفمبر 2023
اللهم أضرب الظالمين بالظالمين ، التاريخ لن ينسى ما فعل البرهان وحميدتي في فض الاعتصام الناس دييل أخروا السودان هكتارات من السنين الله لا كسبهم هم والحركات المسلحة اللي مشوا وراء مكاسبهم الشخصية بعد ما الثورة جابتهم من الغابات والصحاري،
11-30-2023, 06:37 AM
Abureesh Abureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عبد الوهاب السناري
ترهاقا
Abureesh
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست