وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوصها

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-20-2024, 06:47 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-30-2022, 08:58 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوصها

    ;بسبب الأقتصاد، أعلنت هيئة الأذاعة البريطانية عن أغلاق الأذاعة العربية كانت لنا معها صحبة نرجو الله أن يعيننا على حفظ حقها.يحمد لأديبنا الطيب صالح أن قد أرّخ لبعض تاريخها الإجتماعي بتأرخته لبعض شخوصها ولولاه لما عرفناهم ولا أحببناهم

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 09-30-2022, 08:59 AM)







                  

09-30-2022, 09:02 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    الطيب صالح يكتب



    أكرم صالح
    يا ليت لي بالشام أدني معيشة
    أصاحب قومي فاقد السمع والبصر
    يا ليتني أرعي المخاض بقفرة
    وكنت أسيرآ في ربيعة أم مضر

    جبلة بن الأهيم


    أخر عهدي بأكرم صالح كان في تونس قبل شهر من وفاته في ردهة نزل المشتل إذا صوت يناديني (طيب مش معقول) لم أكن قد لاقيته منذ عام هكذا ظللنا نلتقي صدفة منذ تفرقت بنا السبل (ماذا جاء بك الي هنا) دعاني إتحاد إذاعات الدول العربية لإلقاء محاضرة عن النقد الرياضي سوف أذكر الرأي الذي قلته لي إن الناقد يجب أن يركذ علي المحاسن وليس علي المساوئ..النقد الرياضي مثل النقد الأدبي..كانت هذه عادته تجيش أفكاره عفو الخاطر بلا مقدمات وبلا نظام
    (متي قلت لك ذلك )
    (أسمع نتغدي معا ضروري ولا ترتبط علي العشاء)
    طيب طيب ولكن أي ندوة هذه
    كيف عبد (بكسر الباء) كيف أحمد
    كويسين
    أسمع طيب أنا فكرت إذا حصل أي شئ لعبد أو أحمد أترك كل شئ وأكون بجوارهم
    يا أخي ماذا يمكن أن يحدث ؟ أحوالهم عال وصحتهم زي البمب عبد الرحيم ترك التدخين بيتمشي مدة ساعة كل مساء في حقول بيرن وأحمد ساب التدخين من زمان وبيعمل (جوقنج) أي يمارس رياضة العدو
    طيب لازم ننفذ الفكرة نجتمع كلنا في بيرن عند عبد الرحيم أو في لندن خسارة ماإجتمعنا في باريس لما كنت إنت هناك كيف الدوحةمعاك ؟ ما تجي تسمع محاضرتي سوف أذكرك فيها
    لازم أحضر إجتماع وزراء الثقافة
    بالله عملوك وزير ثقافة؟
    الله يجازيك ما إنت عارف أنا بشتغل في اليونسكوهل أنا بتاع وزارات ؟ نحضر المؤتمرات مراقبين
    لازم يا طيب ترجع السودان بعدما نميري راح.. يا الله شو هادا الشعب ؟ كانت ثورة مش هيك ؟ مش إنقلاب
    كانت ثورة بحق وحقيقة
    بالله عبد صحته منيحة وأحمد ؟
    أحمد مش صحته منيحة عاوز يتجوز ثاني يرجع بني سويف ويبقي عمدة ويتجوز واحدة شرط سنها ما يذيد علي ستاشر وعبد الرحيم مبسوط الفلوس مش عارف وين يوديهابس زهقان
    الجماعة في الإتحاد ممكن يدبرو لي شغلة في تونس.. تونس حلوة مش هيك ؟ يا ريت إنت كمان تجي تونس
    خلاص إذا إنت جيت تونس كلنا نتجمع في تونس أصله اليونسكو أفلست ويمكن يقفلوها
    طيب إنت ضعفان أنا وزني نزل مش هيك ؟ بحياتك أنا باين علي الكبر؟ أبدآ شباب.. زي قبل عشرين سنة.. لا تنس إننا من نفس السن
    تشبث أحدنا بالأخر طيلة ذلك الأسبوع إسترجعنا ذكريات الماضي الذي يمتد أكثر من ربع قرن بمسراته وأحزانه. إستحضرنا شخوص أخوننا من ذلك العهد, منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر. ولا بد أن الحديث عن الأحياء والأموات قد إخطلت بعضه ببعض ولم يجئ هكذا إنما هذا الأن لأن أكرم صالح قد مات كنا نتحدث ونضحك في الغالب,عن الأحياء والأموات . وكان قد بقي له نحو شهر فقط من رصيد العمر. قلت له إن موسي البشوتي كان أقومنا سلوكا لا يدخن ولا يشرب و لايقامر ولا..من البيت للمكتب ومن المكتب للبيت يتريض ويعيش في الهواء الطلق.مات بالسكتة القلبية. فلسطيني من الناصرة له ولدان من زوجته الإنجليزية لا بد أن ولديه قد كبرا وتخرجا من الجامعة نصراني إبن عرب قلبه مثل اللبن الحليب. كنت أقول له مازحا أن جسمه جسم فيل وعقله عقل عصفور لراجل طويل عريض زيك جاري ورا الكورة كان يحب كرة القدم وهو الذي شجع أكرم علي أن يكون معلقا رياضيا حاول أن يفهمني عدة مرات لعبة الكريكت ولكنني لم أفهم كان معجب بدمقراطية الإنجليز في بلادهم أحيانا يكرههم وأحيانا يحبهم
    ايه بس موسي كان عصبي
    صحيح كان حين يدخل ستديو الإذاعة يتحول الي كتلة من الأعصاب إذا فتح أحد عليه الباب يهب كالثور الهائج ويمسك بخناقه
    مرة كاد يقتل مستر.. فتح عليه باب الإستديو وهو يسجل برنامجا
    حسني العبوشي مسكين وجدوه ميتا في الحمام
    فلسطيني أخر لا أذكر الأن من أين القدس أم جنين كان متدينا جدا حتي في لندن في تلك الأيام يقبض علي دينه كالقابض علي الجمر.جاءنا من كراتشي مع عياله وزوجته الباكستانية قال له أبو جرجس وهما في المصعد وحسني يخالس النظر,فتاة مفرطة الجمال صعدت معهم (والله يا أبو..إذا طلعت الحكاية مش زي ما بتقولوا يكون خازوق) أبو جرجس سعيد العيسي نصراني إبن عرب من فلسطين شاعر معروف تشرب روح الإسلام ككل النصاري العرب المخلصين له قصائد جميلة في مدح الرسول صلي الله عليه وسلم . ذكرني بأميل بستاني إذ سألته في برنامج كنت أقدمه تلك الأيام إسمه (الواحة) ما هما الكتابان الذان يحملهما معه دائما في سفراته أجابني (القرآن الكريم وديوان المتنبئ) كان حسني رحمه الله يصلي الفجر حاضرا ويذهب الي سوق اللحم في سمثفيلد يشتري ما يلزمه وأحيانا يجئ به الي المكتب في قفة أعارني مرة نسخة لم أكن أعام إنها نادرة من كتيب شهير لهنري فورد عن اليهود لا بد أن حسني قد تركها في قاع المقطف ووضع عليها اللحم.وجدتها مبقعة بالدم فرميتها في سلة الزبالة.ظل يلاحقني الي أن تركت لندن .كان يوبخني إنني فرطت في الصلاة .نعم ذلك العالم المفتوح وفي الوجه ما يكفي من النضارة وفي الجيب ما يكفي من المال,واللسان طلق,والدنيا كأنها خلقت لساعتها.غفر الله لي فقد كان إسلامي رقيقا عهد ذاك

    ذهبت جدتي بطاعة نفسي
    وتذكرت طاعة الله نضواء
    كما قال الحسن بن هاني سامحه الله
                  

09-30-2022, 09:05 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    الطيب صالح في دافنة قيس كردي
    (2)

    ألخطأ والصواب

    حين ذهبنا لندفن أخانا قيس كردي إحترنا برهة من يصلي بنا صلاة الجنازة.ما من أحد منا صلي بالناس صلاة الجنازة من قبل.وقفنا علي حافة القبر مسلمون ونصارة وأخ لنا عربي يهودي من البصرة شيعناه بعد ذلك بأعوام قليلة في مدافن اليهود (السفرديم) في جولدرزجرين. أذكر إنني قلت لنفسي,المقبر يغطيها عشب ندي شديد الإخضرار,وكل قبر عليه باقة من الزهور, والربوة التي فيها المقبرة تتحدر الي أودية من هنا وهناك , وضوء الشمس في ذلك الضحي ناعم ذو ألوان شتي كجناح فراشة, الموتي كأنهم أحياء.وقفنا في تلك المقبرة الجميلة ندفن رجلا مسلما ولا ندري كيف نصلي عليه. كان أكرم صالح وأنا أقرب الناس لقيس كردي,من القدس إذا لم تخوني الذاكرة,مرحا مهذارا جاء للعلم والعمل,كان يعمل طابعا في القسم العربي لهيئة الأذاعة البريطانية,تزوج إنجليزية من عائلة ثرية وكان حفيا فرح بها, حين رأيتهما معا قلت لأكرم أو لعبد الرحيم الرفاعي (هاذان علاقتهما هشة كفرخ الحمام,أدني شئ قد يكسرها) أنجب منها ولدين ثم تركها صدمته بسيارتها خطأ كما حكمت المحكمة فيما بعد
    وقفنا علي حافة القبر وفجأ خرج من بيننا شاب طويل وقور السمت مطمئن النفس, إسمه محمود السوقي , صلي بنا أحسن ما تكون الصلاة, ودعا أحسن ما يكون الدعاءْْ, بكينا كلنا علي أخينا مسلمون ونصاري وأخونا اليهودي البصري ونظرنا الي الشاب الذي صلي بنا لم يكن أرسخنا قدما ولا أطولنا باعا ولا أعلانا رتبة ولا أرجحنا عقلآ , نظرنا إليه فكبر في أعيننا وكأننا نراه لأول مرة.
    إنها قصة محزنة في مجموعها ولكن أكرم صالح كان مرحا حاضر النكتة,سريع البديهة,تقضي الوقت معه وأنت في ضحك متواصل.فلسطين كانت تؤلمه دون شك,مثل شوكة غاصت في باطن القدم,ليس أقل مما ألمت معين بسيسو صديقه القديم الذي ذكرناه أيضا في تونس,لكنه حمل ذلك العبء بخفة,حتي ليظن من لا يعرفه إنه لم يكن يبالي,كان توفيق صايغ مثله في ذلك ,لا تكاد تجد في شعره ظاهريا ذكرا لفلسطين, لكنها كانت تحيط به من كل النواحي, العبء الذي أنقض ظهر أكرم صالح كان عبئا أخر.وكنا نعجب لم ألقاه علي ظهره ولم ظل يحمله ما يقرب من عشرين عاما
    (يعقوب مسلم كان عنده القلب من زمان)
    يا ساتر يعقوب كان عصبيا جدا أكثر من موسي بشوتي يثور لأتفه سبب
    تذكر حين طارد مستر.. في ممر الإذاعة ؟
    جري وراءه وهو يحمل حذاءه في يده ويصرخ (والله لاكسر رأسك بها الكندرة ياإبن ... (كان متغطرسا ذلك الخوجة) كان عنده دكتوراه من إكسفورد , نشأ في روديسيا أو جنوب أفريقيا إختفي بعد تلك الحادثة هل تذكر ماذا فعلوا مع يعقوب ؟
    لا شيئ ناداه مستر هوايتهد وقال له هذا السلوك لا يليق بناس محترمين(مستر هوايتهد الله يذكره بالخير كان رجلا فاضلا أظنه ما يزال حيا )
    سمعت أنه يعيش في سمرست حين كنا معا في مكتب بيروت,ومرضت كان يزورني كل صباح في السادسة تماما طياة ثلاثة أشهر,كان يمشي علي قدميه من بيروت الي مصيف عالية كل صباح وفي طريقه يمر علّ في المستشفي ,وجهه الأحمر يتوهج بالصحة وهو فوق الستين. لابد أنه الأن في التسعين من العمر
    (كان معجبا بك)
    وأنا كنت معجبا به إختلفت معه مرة فقال لي (مشكلتك يا مستر صالح إنك ليس عندك ولاء للهيئة) قلت له تعرف يا مستر هوايتهد أنا ما عندي ولاء حتي لوطني بالطريقة التي تطلبها زاد وجهه إحمرارا وخرج جاءني بعد نصف ساعة وهو يبتسم .قال لي أنا آسف لم يكن يحق لي أن أقول لك ذلك
    (لو كنت في السودان أيام نميري كان دخلوك السجن )
    أو أحالوني علي المعاش علي أحسن الفروض
    (أظن نميري لم يكن يحبك )
    الحمد لله لم يكن يعرفني ولا أعرفه لاكن صديقا حكي لي أنه قال له صاحبك هذا طلبنا من يجي يشتغل معانا قال لا يمكن أترك لندن شوية سمعنا أنه طار راح إشتغل في قطر
    (الإنجليز كانوا متسامحين معنا جدا في تلك الأيام كنا كأننا نملك الإذاعة) أنت بالذات أتعبت مستر هوايتهد صبر عليك لأنه كان يعلم إنك إذاعي موهوب تذكر يوم زواج الأميرة مارجريت ؟
    (ايه اخدتني نومة الدنيا انقلبت أدخلوني بصعوبة , حرس ورجال أمن ودنيا ) أنت كنت تصف الحفل عند قصر بكنجهام وأنا عند تشرش وستمنستر بدعنا يومها
    رجعنا تعبانين وحالتنا بالويل, الخواجة دخل علينا كن نظن أنه سوف يهنئنا قال كنتو تقولو سيداتي وسادتي كتيرأنت قلت له علي طريقة عبد الرحيم يا خواجة ما تسيبنا في حالنا نحنا في ايه وانت في ايه
    (عبد وهو رئيس قسم كان كل ما تجيه مذكرة ينظر إليها بقرف ويقول يا أخي ما يسيبونا في حالنا ) أظن مستر هوايتهد أرسل لكل واحد منا خطاب تهنئة بعد ذلك
    (بالله عبد حالته منيحة )
    إنت عارف أصبح مدير إذاعة في سويسرا ترك كل شئ, المراهنة علي الخيل والتدخين, والجري ورا .. كلنا جرينا ورا(..) المال والفراغ والجدة ربنا يغفر لنا
    كنا أثرياء بمقاييس تلك الأيام عبد الرحيم وأنا كنا نسكن شقة في نواحي كامدن تاون, تذكر ندفع فيها عشرين جنيه في الشهر وباقي راتبنا نضيع أغلبه في الكلام الفارغ
    عدنان كان أشطر واحد فينا أول ما وصل لندن إشتري بيت في كرويدن
    عبد الرحيم الآن يذكرني بواحد في بلدنا كان كثير الزواج والطلاق عبد الرحيم الأن كل كم شهلر يبدل سيارته يشتري سيارات فاخرة سكند هاند بأثمان بخسة
    (ايه عبد كان مرزق ,كان دايما يجد فلوس وأشياء ثمينة ملقاة علي الأرض) أنا علي العكس تماما عمري ما وجدت شئ واقع
    ايه بس إنت كنت مرزق فيهن
    يا راجل كما يقول عبد الرحيم يا أخي في واحد عمل عمايلك إنت وعبد الرحيم
    عبد الرحيم كان مجرم
    وانت كل إمرأة تقابلها كانت تريد ان تتبناك هل كنت تفعل ذلك عن عمد
    أبدا والله سعود هو اللي كان يقول للبنت أنا فلسطيني مسكين ما عندي وطن يتيم أمي وأبوي ماتوا في الحرب
    سعود ألحق أضرارا كثيرة بهذه الطريقة
    وأحمد كمان ما قصر
    في ذلك السوق العامر كان كل واحد يجد رزقه ,محمود مرسي كان طويل وأشقر وعيونه خضر, كان ملفت للنظر لكنه كان خجول. نحن كنا مدبرين حالنا بالقليل الذي عندنا كان يقول لي ولعبد الرحيم فهموني بس إنتو بتعملوا سحر لهن ولا ايه بتكلموهم إزاي؟ بتقولولهم ايه؟

    يتبع
                  

09-30-2022, 09:07 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    الطيب صالح يكتب
    يعقوب كان من الناصرة

    (3)

    عبد كان لازم يتجوز (أبو اللوز) كما كان يسميها أبوها كان جنرال أو ماذا ؟
    وإنت لماذا لم تتزوج البنت التي كانت تجيئك من كمبردج ؟ ايه كانت عظيمة بس الرائعة فعلا كانت الكندية المتدينة بتاعة الكرستيان سينس كانت إمرأة فارهة كما يقول صديقنا عثمان محمد الحسن
    (وأنت ألم تحبك البنت اللي أهلها بيصنعوا المربي الشهيرة )
    كل مرة أشتري هذا النوع من المربي اتذكرها كانت رسامة ومتقلبة الأطوار, تحبك اليوم وتكرهك غدا
    يا باي أهلها كانوا مليونيرات..كان عندهم أكبر محل لبيع لعب الأطفال في لندن
    أرسلوها في رحلة بحرية طويلة إلي جنوب أفريقيا لتنسي

    (يعقوب كان من الناصرة)
    لا من بيت لحم
    رحمه الله كنا نتصرف وكأننا جنود في جيش غازي في مدينة مفتوحة, المضحك المحزن ان المدينة كانت لندن عاصمة الإمبراطورية البريطانية الناس الذين أعطو وعد بلفور وأنشأوا دولة إسرائيل كنا كما يقول الشاعر الإنجليزي نعيش زمنا رغدا علي حافة الجحيم لعل هذا ما عنيته حين قلت علي لسان مصطفي سعيد في موسم الهجرة الي الشمال (إنني جئتكم غازيا في عقر داركم قطرة من السم الذي حقنتم به شريان الشعوب
    طيب إنت لخصتنا جميعا في شخصية مصطفس سعيد
    أخذت روح تلك الفترة من جيلنا والجيل الذي سبقنا..بعض الناس يظنون ان مصطفي سعيد شخص بعينه, بعضهم يقول أنه انا..واضح إن الأمر ليس كذلك, هذه شخصية خيالية فيها ملامح من مئات الناس
    إنت علي أي حال عوضت بالكتابة
    الكتابة فيها بعض العزاء لكنها لا تعوض الزمن الضائع لا شئ يعوض عن الزمن الذي ضاع هدرا. تعرف يا أكرم أنا أؤمن الأن أن إبن العرب يجب أن يعيش في بلد عربي مهما كان الثمن, والمسلم يجب أن يعيش في بلد مسلم , لايمكن أن تكون مسلما في بلد كافر صدق عبد الرحمن الأبنودي : في الفجر قال الآذان
    زي في كل يوم بيقول
    بلاد الكافرين ما تسع غير الكافرين
    مهما الزمن يقصر ومهما يطول


    أسماء وأوصاف

    هل تظن في العمر بقية نعوض فيها عما فات ؟ كان أكرم متحمسا لتعويض ما فات
    أواخر المسينات وأوائل الستينات في لندن كنا صباح الوجوه بدرجات متفاوتة والذي حرم الوسامة كساه الشباب حلة تفي بالغرض وكنا حسني الأصوات بدرجات متفاوتة
    عبد الحيم الرفاعي , صوته مثل شخصيته مهذب عميق أنيق رائق واضح النبرات
    وأكرم صالح صوته مفعم بإحتمالات الأفراح والأحزان كأن أحد يريد أن يضحك ويبكي في الوقت نفسه
    وصلاح أحمد كأنك مزجت أصوات نات كنج كولول ولوي أرمسترونج وجلال معوض
    ومنير شمة كان حين يقول هنا لندن تحس كأن الأسير بحرا تلاطمت أمواجه
    وصلاح عز الدين , مزيج من طه حسين وبيرم التونسي يتحدث الفرنسية والإنجليزية بطلاقة أصله ثابت في أحياء القاهرة القديمة وفرعه في فنشلي رود والبوليفار سان ميشيل وصوته يوحي بكل ذلك
    وكان حسن الكرمي قبل ذلك قد قطع شوطا بعيدا في ميدان التعليم في فلسطين, من علماء اللغة العربية عميق المعرفة باللغة الإنجليزية موسوعي صاحب قواميس صوته وقولر متحفظ يقرأ نشرات الأخبار ولسان حاله يقول : فيا برق ليس الكوخ داري وانما
    رماني اليه الدهر منذ ليالي
                  

09-30-2022, 09:16 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    الطيب صالح يكتب

    وعبدالرحمن بشناق

    (4)

    وعبد الرحمن بشناق,كان قبل أستاذا في الكلية العربية العتيدة ودرس في كمبردج,صوته كريم وسيم مثل شخصيته
    ونديم صوالحة جاء الي لندن من بادية الأردن ولما يبلغ العشرين,حسن الوجه,حسن الصوت صوتوه بدوي لم تطمس بداوته دروس الدراما التي كان يتلقاها في كلية روزبوفرد
    وعلي ابو سن,طويل وسيم متوقد الذهن,من أرومة سامقة في السودان يقرأ نشرات الأخبار كالمتفضل علي الإنجليز,صوته يوحي بأنه لا ينوي أن يمكث طويلا في تلك المحطة, وأنه يرنو الي قمم أعلي وآفاق أرحب
    محمد البيبي,دمث موطأ الأكناف,يؤدي عمله بإخلاص,يأتي وينصرف في الوقت تماما.كالسجين تحسبه قد إستمرأ حياة السجن حين تستمع الي صوته الحي الحذر , لا يمكنك أن تتصور ما يعتمل في صدره من حنين للبلاد وأحزان علي مصائر العباد,ذلك الحنين وتلك الأحزان أنقضت ظهره فيما بعد.
    وأبراهيم رزق إداري كفء وإذاعي قدير, أخذ نفسه بالشدة مثل حبل قد يقطع في أي لحظة,من بيت جاله, فيما أظن ومن الكلية العربية يقينا , في صوته شئ من هذا وذاك
    و محمود مرسي الذي اصبح فيما بعد نجما سنمائيا لامعا , شكله إسكندراني وصوته صعيدي
    وفؤاد جميعي , شكله إسكندراني وصوته إسكندراني, صوته ليس عزبا ولا جميلآ ولكنه جذاب, تسمعه فيبقي في ذاكرتك وتسأل نفسك ما الذي أعجبك فيه
    وفؤاد علم , يعرف ما ينفعه ويحدد الهدف فلا يخطئه, يعمل لدنياه وآخرته كأنه يعيش أبدا , يذيع علي عجل لأنه يفكر دائما في شئ آخر
    وحسين أحمد أمين , صوته مصري إبن ذوات فيه نبرات من دار العلوم
    وليلي طنوس, مسيحية كالمسلمين , عربية كالأروبيين, أرستقراطية كبنات البلد , تشربت حب اللغة العربية في الجامعة العربية في بيروت , ومن البستاني والعلايلي ومارون عبود فيها من رومانسية جبران وجاذبية لبنان تتلمس الكلمات العربية وهي تنطقها كأنها قطعة من عملة أثرية نادرة
    وداؤد الذبيدي فيه أريحية العراق والأغوار البعيدة في وجدان الشيعة صوته خليط من قراءات عاشوراء ومقامات ناظم الغزالي
    وجمال الكناني ,جاء علي كبر , وقد رأي أياما أفضل , عمل في الدبلوماسية المصرية في عهد الملك ولما قامت الثورة أحالوه علي التقاعد , كان يحتقر الإنجليز سرا وعبد الناصر علنا , إبن شيخ أزهري وقد درس في جامعات بريطانيةوأميركا ,لم تكن الإذاعة من شأنه ولكنه تعلمها بالصبر وقوة الإرادة , رجل واضح المقدرة , كان ينفع سفيرا أو وزيرا لو أنهم لم يظلموه ولم يظلم نفسه , يذيع مثل شخص يعمل رئيسا للخدم في القصر الذي كان يملكه أبوه , والمالك الجديد إبن رئيس الخدم
    وصباح محي الدين , هل من دمشق أو حلب , جائنا يحمل درجة الدكتوراة من السربون وزوجه فرنسية كان حجة في نوادر الرفث عند العرب يحفظ منها قدرا هائلا شعرا ونثرا , تعود العيش مع الفرنسيين فما راقته الحياة في لندن كان يكره الإذاعة ويحتقر الأوربيين عموما كل الجهود لتعليمه الإذاعة باءت بالفشل , مات بعد ذلك في حادث سير في الكويت
    وموسي السعودي من القدس , لعله كان أحسن قارئ للأخبار في تلك الأيام , كريم متلاف صريع غواني له مطلب واحد يحصل عليه دون مشقة , كان مذيجا عجيبا من الفارس وال####################, قابلناه في جنيف عام 1973 عبد الرحيم الرفاعي وأنا , وكان قد طلق زوجته الإنجليزية وتزوج هولندية وحصل علي درجة الدكتورة وأصبح أستاذا في جامعة لايدن , نظرنا إليه ولم نعرفه أول وهلة فقد فعل فيه الزمن فعله , إلا أطلال من وسامته القديمة الملفتة للنظر وأصداء بعيدة من صوته الجميل الفريد

    أمة داخل أذاعة

    بوش هاوس ذلك الصرح الفكتوري المهيب ضم حشدا من القدرات العربية والمواهب العربية تقيم أمة , لو كان قومنا يعلمون , ولو لا أننا ظلمنا أنفسنا واستسلمنا للوهم الأوروبي الفتاك ,فضلت بنا السبل وتشعبت بنا الطرق بين السفارة الهندية والسفارة الأسترالية , تصله من شارع كنجز رود من ناحية من ناحية هولبورن في الشمال. والي الجنوب كنيستان شهيرتان بناهما سير كرستفرن ثم جسر واترلو علي نهر التيمز الي الغرب شارع ستراند الذي يؤدي الي ميدان الطرف الأغر والي الشرق شارع فليت الشهير شارع الصحافة هناك كانت الحياة تبدأ وتنتهي بين المكاتب والإستديوهات والكافتريا والنادي وقد إختلطنا بعضنا ببعض مع مرور السنين مكونين بناء واحد متنوع الأجزاء يشد بعضه بعضا عالم مستقل ولاؤه ليس للإنجليز ولا للعرب ولكن اذاته , وللعمل في حد ذاته كان وضعا شاذا مثل مستعمرة تحول فيها المحكومون الي حكام او سجن تحول فيه السجناء الي حراس كنا مثل كافور كما زعم المتنبئ نأكل من زاد الإنجليز ونطعمهم وقد جئنا الي ذلك المكان لأسباب شتي بعضنا جاء بغرض الدراسة وبعضنا جاء في طلب الرزق وبعضنا جاء فرارا من أذي يتهدده , هذا ثم ذلك السراب الأوروبي الخادع
                  

09-30-2022, 10:24 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    سلام يا عزيزي عبد الله عثمان

    أحببت أن أضيف هذه الكتابة للطيب صالح لهذا البوست.

    worldofculture2020.com/؟p=82977

    Quote: الطيب صالح يكتب: بين الأكبريين في أوكسفورد!

    عالم الثقافة أغسطس 20, 2022 أدب الرحلات اضف تعليق 43 زيارة
    Facebook
    Twitter
    Email
    WhatsApp
    Print
    Teilen

    الطيب صالح

    (1)

    عجبت كيف أن شيئا يقود إلى شىء وطريق يؤدى إلى طريق. لقيت في باريس صديقي الرسام السوداني المعروف الدكتور راشد دياب وهو شاب واضح الموهبة تخرج من كلية الفنون في الخرطوم وحصل على شهادة الدكتوراه في الفن من جامعة مدريد حيث صارا أستاذا وهو الأجنبي الوحيد الأستاذ في جامعة مدريد. عرفني بشاب إسباني اسمه (بابلو بنيتو) وهو ايضا أستاذ في جامعة مدريد.

    جلست معه ذات صباح في مقهى على ساحة (بلاس شارل ميشيل) في الحي الخامس عشر وغير بعيد من نهر الـ (سين) اكتشفت انه مسلم ويتحدث اللغة العربية بفصاحة غير عادية. كان وجهه مضيئا بحبور وعيناه الفاحمتا السواد، يبتسم كثيرا ويضحك. من اين ايستمد كل تلك السعادة؟ أهدى إلى ترجمته إلى اللغة الاسبانية لكتابين للشيخ محى الدين ابن عربى هما كتاب ( مشاهد الاسرار القدسية ومطالع الانوار الإلهية) وكتاب كشف المعنى عن سر اسماء الله الحسنى) مضينا نتحدث بالغة العربية فعلمت منه انه أصلا من مدينة (مرسيا) حيث ولد الشيخ محي الدين عام 1165م فعهد الخليفة المستنجد بالله وكانت المدينة في ذلك العام محاصرة من قبل الموحدين الذين فتحوها فيما بعد واخضعوها لحكمهم. سألت (بابلو بنيتو) كيف اعتنق الإسلام فأخبرني ان تعمقه في دراسة اللغة العربية والفكر الإسلامي وخاصة فكر الشيخ محيي الدين بن عربي هو الذي هداه إلى الإسلام وقال: (كثيرون في العالم شرقا وغربا.. في اسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وبلاد إسكندنافيا وأمريكا واليابان وغيرها اهتدوا إلى الإسلام بواسطة الشيخ محيي الدين) أخبرني انه ينتمي إلى جمعية من العلماء والباحثين تسمى (جمعية ابن عربي) مقرها
    جامعة أكسفورد وأنها تعقد اجتماعها السنوي في الاسبوع التالي للقائنا في كلية (سانت هيوز) وقال: إذا جئت إلى أكسفورد فسوف تجد عددا من الأكبريين). قلت له ( ما الأكبريون) فأجاب: ( تلاميذ الشيخ الأكبر ابن عربي ومريدوه) .

    (2)

    شدت الرحال إلى (أكسفورد) وذلك هو التعبير المجازي الذي يقتضيه واقع الحال إذ إننى أعود القهقري إلى ديار الأندلس في القرون الوسطى. ولم يغيب عنى وجه الطرافة، بل الغرابة في تلك الرحلة، كون ذلك المفكر المسلم المحير، الذي لم يزل وضعه قلقا في بلاد الإسلام وقد أقتحم هذا الحصن العلمي العتيد الذي نهض في القرون الوسطى أصلا ليكون قلعة من قلاع اللاهوت المسيحي. حتى المكان كلية (سانت هيوز) يحمل اسم قديس نصراني. إنما لعل ذلك شأن الشيخ الحاتمي الطائي ـ كما يصف نفسه ـ منذ أن قال قولته الشهيرة، التي أزعجت كثيرين، وأسعدت كثيرين: لقد صار قلبيا بلا كل (صورة) سوف أشد رواحل الخيال مرارا خلال اليومين الذين أقضيهما مع (مريديه) أنزل وأرحل مع الشيخ محيالدين بن عربيفي اسفاره الطويلة العجيبة في أقطار الدنيا، وهو إنما يسافر في أقطار نفسه. من مرسية إلى (إشبيلية) ومن محي أشبيلية إلى قرطبة حيث لقى فلته زمانه أبا لوليد ابن رشد. تم اللقاء بطلب من ابن رشد بما سمع عن ابن عربي وكان صديقا لوالده كان ذلك في نحو عام1180 وكان الشيخ محي الدين حينئذ لم يتجاوز خمسة عشر. دخل الصبي على الشيخ الجليل، قاضى قرطبة ومستشار السلطان أبى يعقوب يوسف وطبيبه ـ الرجل الذي وصف بأن أرض الأندلس لم تعرف أحدا مثله في ذكائه وعلمه وحسن خلقه وانه كان الفلسفة والطب، ومثله في الفقه وعلوم اللغة والأدب بحرا عميقا واسعا.

    (3)

    وجدت قوما تحيتهم (سلام)مسلمون كلهم أوجلهم إنجليز وأمريكان وإسبان وفرنسيون وألمان وسويسريون إسكندنافيون وما شئت من أجناس. أبدا لم التقى من قبل مسلمين اربيين بهذه الكثرة في صعيد واحد. استقبلوني بترحاب عظيم ملئ بالدفء وخال من التكلف وقد لفت انتباهي من أول وهلة، بساطتهم وسماحتهم، رجالا ونساء. وكان (بابلو) الذي كأنما عرفته من زمن يعرفني بهم. ألحوا أن أنزل ضيفا عليهم في كلية (سانت هيوز) لكنني أبيت، اذ إنني لم أكن عضوا في معيتهم. ولعل أيضا، بحذري السني المالكي، لم أشان ألقى بنفسي ضربة لازب في غمارة جاذبية شيخهم العتيد كأنني أردت أن أجعل مسافة بيني وبينهم. سرعان ما أدركت أن ذلك الحذر لم يك له ما يبرره. أدركت أن (التبشير) وإغراء الآخرين إلى وجهة نظرهم ليس من همتهم وليس في طبعهم. ليس فيهم أي شيء من ( روح القطيع) كلهم علماء، كل واحد منهم وصل إلى حمى (الشيخ) بمحض إرادته. وقد عجبت أيضا، انهم خالون بالمرة من احساس التوتر الذي تجده لدى المتحولين حديثا
    إلى دين ومذهب، بل حتى بعض الذين ولدوا في ذلك الدين كأنهم يخافون ان يرتدوا على أعقابهم في اية لحظة. هؤلاء بدوا لى ساكنين مطمئنين، كان الإسلام هو دينهم الطبيعي منذ البدء، وكأن طريق (الشيخ) هو طريقهم الطبيعي. ولا أنكر أنى آنست إليهم ـ رغم التي اخذتها عن أشياخى المالكيين ـ فقد ذكروني ببعض عباد الله الذين عبرت بهم من (الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) يبدؤون محاضراتهم بالحمد ويختموها بالصلاة علي الكريم. وكان موضوع اجتماعهم كله ( مفهوم الحمد عند ابن عربي) كنت احضر معهم عشاءهم بعد المحاضرات في المساء فقد ابو أن يعفوني من ذلك كان طعامهم بسيطا، وحديثهم خليطا من العلم والدعابة. جلست في اليوم الأول بجانب (برفسور أرل كلر) وهو سويسري كان إلى عهد قريب أستاذا لتاريخ الأديان في جامعة (لوزان) وقد أمضى ردحا من عمره في دراسة أعمال ابن عربي. كان من القلائل غير المسلمين في ذلك الجمع ورغم ذلك في سمته ما يدل على انه لم يخل من نفحات (الشيخ) .

    (4)

    عجبت لقول الدكتور (جرالد إلمور Gerald Elmore) انه لا يقرأ بتاتاً لأي أحد غير الشيخ محيي الدين بن عربي. وله رأي مكتوب، يقول فيه: ((في كل التراث الفكري للإنسانية.. قليلون جداً، ربما خمسة على الاكثر، من حيث عمق الفكر وجمال اللغة، يكمن أن يوضعوا في مرتبة واحدة مع ابن عربي …. منهم أفلاطون وشيكسبير)). لعل من بعض ما يجذب هؤلاء العلماء الى (الشيخ)، انه كان غزير الانتاج غزارة تدعو الى الدهشة. وهو انتاج ربما ليس له نظير من حيث الكم في تاريخ التراث الانساني. ويقدر بعضهم انه ألف زهاء خمسمائة كتاب. وقد أخذ منه كتاب (الفتوحات المكية) وحده قرابة أربعين عاماً قبل أن يفرغ منه نهائياً. انه عبارة عن غابة من الرؤى والافكار، واسعة كثيفة متشابكة، يدخل الواحد منهم، فلا يخرج منها. وكل صاحب علم منهم، يجد عند ابن عربي ما يوافق علمه وذوقه وهواه. الفلاسفة وعلماء النفس والانثروبولوجيا وعلوم الاجتماع والتاريخ والاديان. هذا بالإضافة الى أن كل واحد من هؤلاء العلماء، له ( ^رحلة روحانية وجودية)، خاصة به. يجد كأن ابن عربي يصفها له، ويحثه عليها. يطوح به من درب الى درب، ويطرح عليه الاسئلة، ويعطيه الاجوبة، ثم يعمي عليه الطرق، وينصب له حبائل من الرموز والالغاز، فهو معه في (سفر) متواصل، و(بحث) لا ينتهي. هذا عينه هو الذي أزعج اهل السنة من ابن عربي، وهو عينه الذي يجذب اليه هؤلاء العلماء الأوروبيين، هذا العالم الامريكي (جرالد إلمور) محاضر في جامعة ((ييل – Yale)) حيث حصل على شهادة الدكتوراه عن بحثه حول كتاب الشيخ محيي الدين بن عربي (عنقاء مغرب). وقد قضى ثماني سنوات في القاهرة من عام 1979 حتى عام 1987. وهنالك بدأت صلته بابن عربي. كان موضوع محاضرته في ذلك الاجتماع (( التناقض الظاهري لمعنى الحمد عند ابن عربي مع مذهبه في التوحيد)). وهو بحث فلسفي عويص – كما بدا لي – لا يقل صعوبة عن كتابات (الشيخ) نفسه. ولعل الفقرة التالية أقل غموضاً، وهي تلخص رأي الدكتور (إلمور): ((…… الجانب الذي أسميه جانب النفي في المذهب الاكبري، هو أن المخلوقات أن «تحمد» الله سبحانه وتعالى … الانسان، ليس فقط انه ليس أهلاً للحمد، ولكنه ايضاً ليس مؤهلاً لان يحمد الله سبحانه وتعالى …… ولا يستطيع (المحدث – المقيد) أن يحمد أو يعرف أو يحب (القديم – المطلق) بأي حال من الاحوال.

    ومن ناحية أخرى – وهو الجانب الاثباتي – فإن ابن عربي يقر إقراراً كاملاً، أن الكون كله، بالفعل، يسبح بحمد الله سبحانه وتعالى مستحق الحمد، ولكنه أيضاً (حامد) بألسنة الحامدين جميعاً، سواء كان الحمد لله سبحانه وتعالى، أو للناس بعضهم لبعض، انه هو (المحمود)، حتى إذا توجه أي انسان بالحمد لأنه انسان، فهو في كل الاحوال، الحامد والمحمود والحميد، واليه سبحانه وتعالى يرجع الحمد كله ……)). حين عدت الى نص المحاضرة مطبوعة ….. محاولاً *استيضاح تلك المعميات، وجدت أن المحاضر يشير الى قرابة ستين مرجعاً. فبالإضافة الى آيات القرآن الكريم والأحاديث القدسية والأحاديث النبوية، توجد اشارات الى ابن ماجه (السنن) والسيوطي والجرجاني والقنوي (إعجاز البيان في تأويل القرآن) وصحيح مسلم والبخاري والترمذي وأبو داود وابن حنبل (المسند) وابن العارف (مجلس المجالس)، هذا بالإضافة الى كتب ابن عربي ومراجع بلغات شتى. الا توجد ثمة مفارقة؟ هذا العلم كله وهذه (العقلانية) لفهم مفكر قام مذهبه برمته نقيضاً للعقلانية؟ تجربته (الروحانية الوجودية) – كما يصفونها – ريمكن قبولها بــ (العقل)، ولكن على طريقة (الشيخ) بــ (الذوق) و (الكشف)، فكيف يتأتى ذلك؟ وقد سألتهم: بما أن تجربة ابن عربي الروحانية من الخصوصية بحيث لا يمكن وصفها بالكلمات، فلماذا لم يلزم الصمت كما فعل بعض (العارفين)؟ أجابني أحدهم – وهو أستاذ في جامعة أكسفورد – بجدية كاملة:
    ((لان الشيخ الاكبر (أمر) أن يتكلم ويكتب)). هؤلاء العلماء يقبلون بسهولة هذه ( التجليات)، التي نجد نحن صعوبة في تقبلها. وقد زادني الدكتور (جرالد إلمور) حيرة حين قال في محاضرته: (( رغم أن الشيخ الاكبر كان أستاذاً في البيان العربي، ولكنه أحياناً يلجأ الى أسلوب معقد ينفر القارئ غير المتعاطف معه ويثير سخطه . وأنا أظن أن القارئ من كلا المعسكرين – المؤيدين والخصوم – قد يخطئ قصد ابن عربي، ويظن أن المطلوب هو الاقناع بالحجة والمنطق … القصد هو خلخلة الترابط المتعثر، وزعزعة ثوابت الفكر بحيث يطغى عامل الطمس والكشف، ويبتعد العقل عن أنماطه التي اعتاد عليها، ويقبل على القراءة (بين السطور).

    (5)

    من بين الفوائد الكثيرة التي خرجت بها من ذلك الاجتماع، كتاب أعانني إعانة عظيمة على الاقتراب مجرد الاقتراب ـ من العالم المحير للشيخ محيي الدين ابن عربي الذي وصفه برفسور (رالف أوستن) من جامعة (درم) في إنجلترا أنه (يقف في مجال الفكر الصوفي شامخا مثل الجبل الأعصم) وقال عنه برفسور (هنري كوربان) من جامعة باريس ( انه من أعظم مفكري التصوف، ليس فقط في التاريخ الإسلامي إنما أيضا في تاريخ العالم إطلاقا) هو إذا ـ مهما كان موقفنا من محاذيرنا تجاه ـ ظاهرة عالمية تتضخم أكثر فأكثر يوما بعد يوم، ولن يجدينا نحن ـ أهله ومنطلقه ـ أن نكتفي بتجاهله واعتباره أمر طارئا لا يؤبه له. كانت حياته مزجا من النصر والهزيمة. النصر على المستوى الفردي. عمر طويلا وانجز مشروع حياته ـ مهما كان رأينا فيه: طوف بالعالم الإسلامي شرقه وغربه، واتصل بملوك زمانه ومفكريه وفقهاه ومتصوفته. أنتج إنتاجا ربما لم يتيسر مثله لأحد غيره في غزارته وتنوعه. حدق بجرأة عجيبة في أقاليم نفسه وفي أرجاء الملكوت من حوله. حلم أحلاما لا مثيل لغرابتها، فقد رأى انه عانق الكواكب وامتزج بحرف الهجاء، وكانت الأحلام لديه هي الحقائق، والحقائق محض خيال.

    تزوج وأنجب وعشق، وأقام (مدرسة) فكرية لم تزل تؤجج الجدل منذ زمانه إلى اليوم، بعد نحو ثمانية قرون، يتفجر مثل نهر جوفي، في أماكن لم تخطر له على بال. أما على الصعيد العام، فقد كان زمانه محاصرا بالهزائم. بعد خروجه من الأندلس (عام1200م) لم يمض وقت طويل حتى هزم الفرنجة الإسبان جيوش المسلمين هزيمة ماحقة عام 1213، في معركة (لاس نافاس دي تولوسا) وفي عام 1236 سقطت قرطبة. ولم يكن حال المسلمين أفضل في المشرق. انفرط عقد الخلافة العباسية، وانقلبت الدولة الأيوبية إلى دويلات هزيلة، واشتد ضغط الصليبيين على بلاد الشام. وفي عام1250ـ أي بع عشر سنوات فقط من وفاة ابن ـ سلم الملك الأيوبي الكامل، بيت المقدس للملك الصليبي (فردريك الثاني) فدخلها دون قتال. وهكذا نجد أن حياة ابن عربي كانت مليئة بعناصر الدراما والإثارة. هذا ما يقصه كتاب الباحثة الفرنسية (كلود أداس) وعنوانه ( *البحث عن الكبريت الأحمر) تقول في المقدمة: (كان إنتاج ابن عربي كله من بعض وجوهه، سجلا لتجربته الذاتية ـ مجموعة هواتف ورؤى وحوارات مع الموتى ومعارج ولقاءات غامضة فيما أسماه (عالم الخيال) ورحلات بين الكواكب في اقطار السماوات. وسواء كان ذلك هلوسات إنسان مصاب بالفصام العقلي، كما يرى (أسين بلاسيوس) أو تجارب روحية صادقة كما يرى (هنري كوربان) فانه.. يجب علينا أن نذكر أن تلك التجارب كانت لدى ابن عربى حقيقة واقعية مثل الأرض التي يمشى عليها). هذا والد كتورة (كلود أداس) من عائلة كل أفرادها من (مريدي) ابن عربي هي وأخوتها وزوجها وابناؤهما وابوها برفسور (ميشيل شد كيتفتش) من أكابر الأكابريين، وقد حضر معنا الاجتماع في أكسفورد. كان لسنوات طويلة أستاذا في معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية في باريس. وله دراسات عديدة عن ابن عربي، تعد كلها مساهمات مرجعية عن فكر الشيخ محيي الدين. تقول الدكتورة (كلود أداس) (حاولت قدر طاقتي، أن أسير وراء ابن عربي في دروب ومجاهل لا يجدي فيها الاستعانة بالبوصلة. كثيرا ما يحس الإنسان خلال الرحلة أنه أضاع الطريق، وأحيانا يحس كأنه أسير في متاهة لا سبيل له إلى الخروج منها إنما بعزيه أن الشيخ الأكبر يقول ( *كل الطرق دائرية) وهو قول من بعض معانيه أن الرحلة تعود بالإنسان في نهاية الأمر إلى ذات نفسه).

    (6)

    الامام أبو حامد الغزالي رحمه الله، قال في متنه الجامع « إحياء علوم الدين « ما معناه ان الحلاج لم يكفر ولكنه أساء الادب. والشيخ محيي الدين بن عربي أيضاً، لام الحلاج لأنه (عربد) وأساء الأدب. كانوا يقولون « لا تصفع الوجه» – وهو قول مأخوذ من نصيحة الرسول (ص) في معاملة المرأة. يقصدون بذلك وجه الشريعة، أي أن (العارف) مهما ظن أنه بلغ مقامات القربى، فعليه الا ((يذيع الاسرار))، أو يقول أو يغفل شيئاً قد يظن انه يتعارض مع ظاهر الشريعة. الشيخ محيي الدين بن عربي أذاع بعض ((الاسرار)). لكنها أسرار خرجت رغماً عنه. ولم يكن مثل الحلاج، الذي كان يقف في الساحات العامة ويصيح ((ما في الجبة الا الله))، وابي يزيد البسطامي الذي قال أفظع من ذلك. انها من قبيل ((العربدة)) و((إساءة الادب)). ورغم أن بعض المحققين فسروها تفسيراً يبعدها عن الكفر، فلا ينكر انها تصدم آذان أهل الشريعة الذين لم يجدوا بداً من رفضها، وبعضهم غالي في رفضه. وكان الحلاج نفسه يفهم ذلك، فقد كان، كما رووا يقف على أبواب المساجد وينادي ((^يا معشر المسلمين! أقتلوني تثابوا)). وقد كان له ما أراد، كما نعلم. ابن عربي حرص على لزوم ظاهر الشرع. وتجلياته التي لا يقل بعضها استفزازاً لأهل السنة عن شطحات الحلاج، لم يذعها على الملأ، انما قيدها في أسفاره في عقر داره، أو باح بها لتلاميذه ومريديه. كانت (مدرسته) مدرسة لقلة من (النخبة). وكأن تلك الافكار خرجت عن محاسبها وذاعت بين الناس وانتشرت، وأحدثت البلبلة والسخط والرضى، وأحياناً أضيف إليها وحرفت، فلعل ذلك كان حتماً أن يحدث، ولم يكن لــ (الشيخ) فيه حيلة. يقول برفسور (هنري كوربان) في كتابه المرجع عن فكر ابن عربي: ((^الحرص على ظاهر الشريعة في الاسلام لدى ابن عربي، لم يكن فقط لأنه كان يؤمن بأن الشريعة هي البناء المتين الاساس، الذي تنطلق منه الرموز وتتعلق وتستمسك به التأويلات والاجتهادات، وانما ايضاً لان الشريعة هي الحصن الذي يحول دون طغيان الجهلاء)). كان الشيخ محيي الدين بن عربي لا يفتأ أن أقواله كلها لم تخرج عن نطاق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولكنه اختلف مع من أسماهم (علماء الرسوم)، في أسلوب التأويل، ودرجة الادراك، الذي يقول انه تأتي له بواسطة الفيوض الإلهية والذوق والكشف. أقام مذهبه على (الحب والرحمة). وفي هذا الصدد، لعل أبياته الشهيرة التي أسخطت الفقهاء أشد السخط، لم تخرج أيضاً من حيث هي شعر، عن مناخ التراث الشعري العربي. فقوله (لقد صار قلبي قابلاً كل صورة) الى أن يقول:
    أدين بدين الحب أنى توجهت

    ركائبه فالحب ديني وإيماني

    هذه لأبيات لا تبعد في ظني عن قول ابن المعتز وكأنها مأخوذة منه:
    قلبي ميـال لذا وذا ليس يرى شيئاً فيأبه
    ويهيم بالحسن كما ينبغي ويرحم القبح فيهواه
    وعند ابن عربي ( دين الحب)، هو الاسلام، وليس الحب بمعناه الجسدي المادي. وفي مذهبه أن الاسم القدسي الذي يغلب على أسماء الله سبحانه جميعها، هو (الرحمن). لذلك قال قولته الشهيرة (( *الكون مآله الى الرحمة)) وهو في هذا يسند الى الآيات الكريمة العديدة عن (الرحمة) مثل قوله جل جلاله {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة}. هذه السماحة، هي أيضاً من بعض اسباب جاذبية (الشيخ) لأمثال هؤلاء العلماء (الباحثين) المجتمعين في أكسفورد. لقد هون عليهم الامر، ووسع عليهم الدين، اذ يضيقه بعض الفقهاء، ولم يترك باباً الا فتحه لهم للدخول في حمى الملة الحنيفة. الاسلام عنده يتسع للبسطامي والجنيد، كما اتسع للإمام مالك والامام ابن حنبل. هذا، وقد عدت أدراجي الى لندن، وقد حرك ذلك الاجتماع رغبتي في الرجوع مجدداً الى تاريخ الاندلس، خاصة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، اذ ان فكر ابن عربي لا يمكن أن يفهم الا في سياق تاريخ عصور الانحدار للدولة الاسلامية في الاندلس. ورغم انني لم أقبل كثيراً من آراء أولئك (القوم) في ذلك الاجتماع – او لعلني لم أفهم تلك الآراء بسبب قصور فهمي وقلة علمي – فإنني سوف أذكر مودتهم ولطفهم وتواضعهم على غزارة علمهم. سوف اذكر شاباً داوم معنا على حضور الاجتماعات كلها. أشعت، مشوش الشعر، مرقع الثياب وفي اذنه حلق، لم يكد يبلغ العشرين. تحسبه ####################اً أو من هؤلاء الفتية الجانحين الذين تراهم في شوارع لندن. كان يسأل أسئلة ذكية ويعرب عن آراء طريفة. ولما تحدثت معه، وجدت أنه يدرس الفلسفة والرياضيات في كلية من كليات جامعة أكسفورد. قال انه اكتشف ابن عربي صدفة فاستهواه وسحره وسار وراءه.

    وتلك العالمة السويدية من جامعة (أبسالا) قالت انها جربت الاديان كلها، لم تترك ديانة الا دخلتها. ثم اكتشفت ابن عربي فجذبها الى الاسلام. وكانت تلك خاتمة بحثها عن الحقيقة. في صباح الاحد – اليوم الثاني للاجتماع – قرأ الدكتور (ستيفن هيرتنستاين) من جامعة أكسفورد ترجمته الانجليزية لدعاء ابن عربي ليوم الاحد – اذ ان لابن عربي دعاء لكل يوم من أيام الاسبوع. استمتعنا اليه بصمت عميق، تخللته نهنهات بعضهم – خاصة من النساء – ببكاء مكتوم. ولما فرغ الدكتور (ستيفن) كان هو نفسه يوشك أن يجهش بالبكاء. وكانت تجلس بجواره على المنصة، الدكتورة (أليسون يانقاو) – أيضاً من جامعة أكسفورد – فكان التأثر واضحاً على وجهها. ولما خرجنا من القاعة رأيت سيدة تبكي بحرقة، ورأيت الدكتورة (أليسون) تسرع اليها وتحتضنها وتربت عليها وتسري عنها.

    رحم الله الشيخ محيي الدين بن عربي، وقد كان عظيم الثقة في رحمة الله. مهما كان رأيك فيه، فإنك لا تستطيع أن تنكر، أن قليلين جداً من المفكرين في تاريخ الانسانية، يمكن أن يحدثوا مثل هذا التأثير – خاصة في مناخات غريبة ولغات مختلفة – وخاصة بعد نحو ثمانية قرون من رحيله عن الدنيا. شكرا لك يا دكتور علي هذه الكنوز الثمينة التي دائما ما تتحفنا بها، انت حالك حال (الأكبرين) تجذبك الثقافة والادب وكل ما هو بديع. يبدو ان الاستشراق دور كبير في تسليط الضوء على معظم الكتابات والرؤى الفكرية التي كبتت ابان انحطاط الحضارة العربية الإسلامية، من منا كان يدرك ان لابن عربي جمعية باسمه تضم نخبة علماء و من شتي الاقطار ما جمعهم حبه و ما وجدوه من خلال ما كتب شي فريد اسر قلوبهم قبل عقولهم، يلاحظ ان اعضاء الجمعية كلهم قامات علمية باسقة توصلوا من خلال البحث العلمي لأهمية منتوج ذلك الرجل الذي لا قيمة له عند اهل الشرق، وقد يصنف عند بعضهم من الزنادقة.
                  

09-30-2022, 10:42 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: Yasir Elsharif)

    الطيب صالح يكتب:
    لندن: هنا بيكاديللي
    (5)

    لندن . هنا لندن بيكاديللي كنجزرود.تشلسي.همستد.إيرلزكورت.بارنزكورت .وستمنستر.نهر التيمز.جسر ووترلو.ساعة بج بن.مجلس اللوردات.النساء يستلقين علي العشب في حديقة هايدبارك.والدنيا عامرة في حوانيت وحانات ومسارح وسنمات بيكر إستريت.وريجنت إستريت ولستر إسكوير وهولبورنوتتنهام كورت رود وما حولها كنا في مقتبل العمر, صباح الوجوه بدرجات متفاوتة,ظماء الي أشياء غامضة بدرجات متفاوتة , والجو مفعم بروائح مثيرة لا ندري كنهها كنا قد صلينا وصمنا قبل أن نجئ غضضنا أبصارنا وحفظنا فروجنا.ولكن أحد لم يهيئنا لذلك اللقاء الرهيب.
    لندن, أوروبا , الغرب, محطة فكتوريا, عالم جين مورس , كنا خليطاً عجيباً , فينا الأخ المسلم والشيوعي والبعثيوالناصري واللامنتمي والمحب للإنجليز والكاره لهم , بل كنا جميعا في واقع الأمر نحب الأنجليز ونكرههم في أن واحد وكان مدير الإذاعة العربية رجلا من أسرة عريقة يسمي جوردن ووترفيلد كان محبا للعرب إذ قضي فترة من شبابه في مصر مرسلا لصحيفة التايمز وكان مؤرخا ذا سمعة حسنة أصدر عدة كتب منها كتاب لايارد عالم الآثار المعروف الذي إكتشف مدينة نينوي القديمة وكانت جدته ليدي جف جوردن قد عاشت ردحا من الزمن في الأقصر أواخر القرن الماضي للإستشفاء من مرض صدري وكانت تكتب الي عائلتها في إنجلترا رسائل تعد قطعا أدبية رائعة تنطق بحب مصر والعرب عامة وتنم عن فهم عميق وتعاطف أصيل مع المصريين الذين إلتقت بهم وخاصة الفلاحين الذين عاشت معهم في نواحي الأقصر كواحدة منهم كانت مثل لورد ولفرد بلنت من هؤلاء الأروبيين النادرين الذين إستطاعوا أن يخترقوا الجب الكثيفة من الجهل والتعصب التي أرخت سدولها علي أوروبا في تلك الفترة وما تزال ونظروا الي تراث العرب وحضارتهم وطموحاتهم بفهم يدعو للعجب وقد جمع مستر ووترفيلد هذه الرسائل وحققها وأصدرها في كتاب يقوم أستاذنا محمد فتحي بترجمته الي اللغة العربية , أرجو أن يصبح في متناول القارئ العربي قريبا
    كان مستر جوردن ووترفيلد رجلا ضخما بجميع المعاني جسمانيا وعقليا وروحيا فيه ترفع الارستقراط وتسامح الفنان ورحابة صدر المؤرخ كان يستحق ان يكون مديرا عاما لهيئة الإذاعة البريطانية بأسرها, أو نائبا في البرلمان أو سفيرا أو وزيرا لكنه لم يكن طموحا ولم يكن يبالي وكان يصرف شؤون القسم العربي بلا كبير جهد, ويهرع الي قلعته في إيطاليا أشهر الصيف يقرأ ويكتبوكان مع وقاره ضحوكا يعجبه بصورة خاصة مزاح عبد الرحيم الرفاعي لأنه مصري , ومزاحي لأنه كان يعاملني كزميل له في مهنة الكتابة فقد كانت بعض تراجم كتاباتي بدأت تظهر في لندن تلك الأيام . وكان يعجبه قول عبد الرحيم الرفاعي أن بريطانيا وطنه القومي ساخرا بذلك من الزعم اليهودي بأن فلسطين هي الوطن القومي لليهود
    مرة قلت له في جمع من الناس انيني إشتريت كتاب له من مكتبة لبيع الكتب القديمة
    قال لي هل قرأته
    قلت نعم
    قال لي أرجو أن يكون أعجبك
    قلت له أنه يستحق كل بنس أنفقته عليه
    فسألني كم دفعت
    قلت له ست بنسات , كما تقول ستة ملاليم
    هل كان إستعماريا يسوسنا بدهاء المستعمرين أم كان إنسانا فاضلا بحق فإن ذلك المكان في تلك الأيام كان مكانا عجيبا بحيث أن الإنجليز أنفسم لم يكونوا يعرفون أحيانا هل هم يعملون في بريطانيا أم في بلد عربي , ونحن هل كنا أدوات للمستعمرين الذين أذلوا بلادنا ونهبوا ثرواتنا وعرقلوا مسيرتنا نحو الحرية والتقدم أم كنا طلائع لعالم جديد لم يولد بعد يحب فيه العربي الإنجليزي دون إحساس بالذنب ولا إحساس بالجميل
    سراج منير , لم يكن قحا تماما مثلي حين جاء الي لندن كان بحكم نشأته القاهرية أكثر دراية بالحياة مع دماثة في الطبع وذكاء هادئ وروح فكهة خاصة بين أناس يرتاح لصحبتهم وكان مثلي جديدا علي العمل الإذاعي ولكنه تعلمه أسرع مني وتحول في فترة قصيرة الي إذاعي متعدد القدرات يجمع في شخصيته بين التروي وحب المقامرة وكنت أشاركه في التروي, وأكرم صالح يشاركه في حب المقامرة لذلك نشأت بينهم صداقة خاصة بالإضافة الي صداقتنا المشتركة ولما جاء أحمد البديني وهو أكثر تهورا من كليهما نشأت بين الثلاثة صلة لم أكن طرفا فيهاإلا كمتفرج من وقت لآخر من ذلك أنهم إنشغلوا لفترة بالمراهنة في سباقات الخيل والكلاب. أنا كنت أسري عن همي بوسائل أخري, لكنني كنت أرافقهم أحيانا بدافع حب الإستطلاع وفي المرات القليلة التي كنت أراهن فيها كنت أكسب شأن المبتدئين فأضع الربح في جيبي وأتفرج عليهم يكسبون ويخسرون وأحيانا يخسرون كل ما معهم عبد الرحيم كان يحول ذلك فيما بعد الي مادة للضحك كان يرسم صورة كركتورية بالغة الطرافة لعالم السباق والمراهنين وسلالات الكلاب وأسماءها والخيل وعاداتها وأمزجتها أيها يحسن الجري في الأرض الصلدة وأيها يعدو أحسن في الأرض المبتلة ولو شاء لأصبح كاتبا لامعا في الكتابة الساخرة والواقع أن أي منهم كان بوسعه أن يكون كاتبا ولعلني عرفت بينهم بمحض الصدفة .. سراج منير يضئ الآن في بيرن بسويسرا حيث يقيم كان شاهدا في زواجي فيما بعد ثم وليا لأمر إبنتي زينب أيام دراستها هناك من هؤلاء الناس الذين يحملون عنك مؤونة التكلف ويجعلون الحياة تبدو أكثر خيرا وأقل عدوانا والحديث عنه يطول

    يتبع
                  

09-30-2022, 10:51 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    (5)

    لندن . هنا لندن بيكاديللي كنجزرود.تشلسي.همستد.إيرلزكورت.بارنزكورت .وستمنستر.نهر التيمز.جسر ووترلو.ساعة بج بن.مجلس اللوردات.النساء يستلقين علي العشب في حديقة هايدبارك.والدنيا عامرة في حوانيت وحانات ومسارح وسنمات بيكر إستريت.وريجنت إستريت ولستر إسكوير وهولبورنوتتنهام كورت رود وما حولها كنا في مقتبل العمر, صباح الوجوه بدرجات متفاوتة,ظماء الي أشياء غامضة بدرجات متفاوتة , والجو مفعم بروائح مثيرة لا ندري كنهها كنا قد صلينا وصمنا قبل أن نجئ غضضنا أبصارنا وحفظنا فروجنا.ولكن أحد لم يهيئنا لذلك اللقاء الرهيب.
    لندن, أوروبا , الغرب, محطة فكتوريا, عالم جين مورس , كنا خليطاً عجيباً , فينا الأخ المسلم والشيوعي والبعثيوالناصري واللامنتمي والمحب للإنجليز والكاره لهم , بل كنا جميعا في واقع الأمر نحب الأنجليز ونكرههم في أن واحد وكان مدير الإذاعة العربية رجلا من أسرة عريقة يسمي جوردن ووترفيلد كان محبا للعرب إذ قضي فترة من شبابه في مصر مرسلا لصحيفة التايمز وكان مؤرخا ذا سمعة حسنة أصدر عدة كتب منها كتاب لايارد عالم الآثار المعروف الذي إكتشف مدينة نينوي القديمة وكانت جدته ليدي جف جوردن قد عاشت ردحا من الزمن في الأقصر أواخر القرن الماضي للإستشفاء من مرض صدري وكانت تكتب الي عائلتها في إنجلترا رسائل تعد قطعا أدبية رائعة تنطق بحب مصر والعرب عامة وتنم عن فهم عميق وتعاطف أصيل مع المصريين الذين إلتقت بهم وخاصة الفلاحين الذين عاشت معهم في نواحي الأقصر كواحدة منهم كانت مثل لورد ولفرد بلنت من هؤلاء الأروبيين النادرين الذين إستطاعوا أن يخترقوا الجب الكثيفة من الجهل والتعصب التي أرخت سدولها علي أوروبا في تلك الفترة وما تزال ونظروا الي تراث العرب وحضارتهم وطموحاتهم بفهم يدعو للعجب وقد جمع مستر ووترفيلد هذه الرسائل وحققها وأصدرها في كتاب يقوم أستاذنا محمد فتحي بترجمته الي اللغة العربية , أرجو أن يصبح في متناول القارئ العربي قريبا
    كان مستر جوردن ووترفيلد رجلا ضخما بجميع المعاني جسمانيا وعقليا وروحيا فيه ترفع الارستقراط وتسامح الفنان ورحابة صدر المؤرخ كان يستحق ان يكون مديرا عاما لهيئة الإذاعة البريطانية بأسرها, أو نائبا في البرلمان أو سفيرا أو وزيرا لكنه لم يكن طموحا ولم يكن يبالي وكان يصرف شؤون القسم العربي بلا كبير جهد, ويهرع الي قلعته في إيطاليا أشهر الصيف يقرأ ويكتبوكان مع وقاره ضحوكا يعجبه بصورة خاصة مزاح عبد الرحيم الرفاعي لأنه مصري , ومزاحي لأنه كان يعاملني كزميل له في مهنة الكتابة فقد كانت بعض تراجم كتاباتي بدأت تظهر في لندن تلك الأيام . وكان يعجبه قول عبد الرحيم الرفاعي أن بريطانيا وطنه القومي ساخرا بذلك من الزعم اليهودي بأن فلسطين هي الوطن القومي لليهود
    مرة قلت له في جمع من الناس انيني إشتريت كتاب له من مكتبة لبيع الكتب القديمة
    قال لي هل قرأته
    قلت نعم
    قال لي أرجو أن يكون أعجبك
    قلت له أنه يستحق كل بنس أنفقته عليه
    فسألني كم دفعت
    قلت له ست بنسات , كما تقول ستة ملاليم
    هل كان إستعماريا يسوسنا بدهاء المستعمرين أم كان إنسانا فاضلا بحق فإن ذلك المكان في تلك الأيام كان مكانا عجيبا بحيث أن الإنجليز أنفسم لم يكونوا يعرفون أحيانا هل هم يعملون في بريطانيا أم في بلد عربي , ونحن هل كنا أدوات للمستعمرين الذين أذلوا بلادنا ونهبوا ثرواتنا وعرقلوا مسيرتنا نحو الحرية والتقدم أم كنا طلائع لعالم جديد لم يولد بعد يحب فيه العربي الإنجليزي دون إحساس بالذنب ولا إحساس بالجميل
    سراج منير , لم يكن قحا تماما مثلي حين جاء الي لندن كان بحكم نشأته القاهرية أكثر دراية بالحياة مع دماثة في الطبع وذكاء هادئ وروح فكهة خاصة بين أناس يرتاح لصحبتهم وكان مثلي جديدا علي العمل الإذاعي ولكنه تعلمه أسرع مني وتحول في فترة قصيرة الي إذاعي متعدد القدرات يجمع في شخصيته بين التروي وحب المقامرة وكنت أشاركه في التروي, وأكرم صالح يشاركه في حب المقامرة لذلك نشأت بينهم صداقة خاصة بالإضافة الي صداقتنا المشتركة ولما جاء أحمد البديني وهو أكثر تهورا من كليهما نشأت بين الثلاثة صلة لم أكن طرفا فيهاإلا كمتفرج من وقت لآخر من ذلك أنهم إنشغلوا لفترة بالمراهنة في سباقات الخيل والكلاب. أنا كنت أسري عن همي بوسائل أخري, لكنني كنت أرافقهم أحيانا بدافع حب الإستطلاع وفي المرات القليلة التي كنت أراهن فيها كنت أكسب شأن المبتدئين فأضع الربح في جيبي وأتفرج عليهم يكسبون ويخسرون وأحيانا يخسرون كل ما معهم عبد الرحيم كان يحول ذلك فيما بعد الي مادة للضحك كان يرسم صورة كركتورية بالغة الطرافة لعالم السباق والمراهنين وسلالات الكلاب وأسماءها والخيل وعاداتها وأمزجتها أيها يحسن الجري في الأرض الصلدة وأيها يعدو أحسن في الأرض المبتلة ولو شاء لأصبح كاتبا لامعا في الكتابة الساخرة والواقع أن أي منهم كان بوسعه أن يكون كاتبا ولعلني عرفت بينهم بمحض الصدفة .. سراج منير يضئ الآن في بيرن بسويسرا حيث يقيم كان شاهدا في زواجي فيما بعد ثم وليا لأمر إبنتي زينب أيام دراستها هناك من هؤلاء الناس الذين يحملون عنك مؤونة التكلف ويجعلون الحياة تبدو أكثر خيرا وأقل عدوانا والحديث عنه يطول

    يتبع
                  

09-30-2022, 10:55 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: عبدالله عثمان)

    (6)
    كامل حكيم من دنقلا العرضي حين جاء الي لندن كان يقترب من الأربعين طويلآ غير متناسق الأعضاء كل عضو في جسمه كأنه يتحرك بإرادة منفصلة ,ويسير في طريق مستقل,لكنه كان إنسانا ودودآ محبا للناس ضحكاته تجلجل في ردهات الإذاعة ونظراته تدخل الهلع في نفوس السكرتيرات الإنجليزيات, عمل ردحا من الزمن في إدارة السكك الحديدية بالسودان ثم فجأخطر له خاطر,كما يحدث للشعراء والفنانين,ولم يكن شاعرا ولا فنانا,رمي عهدته في وجوه رؤسائه علي حد قوله,وذهب دون أن يقول لهم مع السلامة,ساح في الأرض من كينيا إلي زنجبار إلي أندونيسيا إلي الهند ثم عاد إلي بلدته أقام بها عاما كاملآ لا يفعل شيئا(يتونس) ويأكل ويشرب وينام,علي حد قوله,ثم ألقت به المقادير عندنا في لندن في أواخر الخمسينات ,وسرعان ما إكتشف المسؤلون خطأهم فإن حكيم لم يكن يفهم في الإزاعة ولم يكن عنده إستعداد لكي يتعلم,فتركوه طيلة ثلاث سنوات وهي مدة عقده,لا يفعل أكثر من الربط بين البرامج حين تذاع علي الهواء يقول (سيداتي وسادتي تستمعون الي كذا,وإستمعتم إلي كذا) ذات يوم ذهب حكيم الي مستر ووترفيلد مدير الإذاعة وقال له باللغة العربية وباللهجة السودانية (يا مستر ووترفيلد الحكاي شنو؟ الناس كلهم رقيتوهم الأخد ترقية ال أخد علاوة.بس مستر حكيم رابط في محله,لايذيد ولا ينقص,يا مستر ووترفيلد الكلام ده أعوج منكم,مافيش ولا شلن عشان مستر حكيم؟
    دخل لندن وخرج منها مثل الشعرة من العجين يأتي في الصباح ومعه طعامه يعده بنفسه في داره في (شذك) ويعود مباشرة بعد إنتهاء العمل وقد حول المطبخ الواسع في داره الي (تكل) علي الطريقة السودانية وضع فيه سريرا وطيئا مثل (العنقريب) السوداني وجهاز الراديو والتلفزيون, وأول ما يصل داره يخلع سترته الأفرنجية ويلبس جلابية سودانية, ويعد طعامه ثم يستلقي علي قفاه علي السرير,يستمع إلي الراديو ويتفرج علي التلفزيون إلي أن يحل موعد النوم, وتزوج من السودان بالتوكيل وهو في لندن أناب أخاه ليقوم بإجراءات العقد,فأرسلوا له عروسه ولم يكن قد رأها من قبل ومعها كميات كبيرة من العطور السودانية والبخور ذادت كثيرا عن الوزن المسموح به واحتارت الإدارة الإنجليزية ماذا تفعل فقال لهم حكيم إنها أدوات تجميل فأعجبهم ذلك المخرج فقبلوه,وكان حكيم يذهب إلي الدلالات ويشتري قطع الأساس القديم بأثمان بخسة وجمع منها قدرا كبيرا وحين أراد العودة وجد أن تكاليف شحنها الي السودان أكبر بكثير من ثمنها فتركها حيث هي,كنا نذهب الي داره من أن الي أن صلاح أحمد محمد صالح وعبد الرحيم الرفاعي وأكرم صالح وأنا,فيستقبلنا في المطبخ ويطعمنا الطعام السوداني الكسرة والويكة والكمونية وحتي المرارة الكبدة النيئة كأنك في أمدرمان ومستر حكيم في تلك الضاحية من تلك المدينة الأوروبية النائية في جلبابه السوداني وصدره مفتوح مغطي بشعر أشيب كثيف والروائح الأليفة العطر السوداني وروائح الكمونية والويكة والشاي بالنعناع والقرفة وغناء أحمد المصطفي من المسجل كأنه في أم درمان,ولندن ,كأنك سافرت من دنقلا العرضي إلي الخرطوم يا سبحان الله أقول في نفسي وقد كنت منذ تلك الأيام أراقب الناس والحياة مثل الكاتب ولا أكتب بل أدع الأفكار تضيع مع سحب دخان السجائر الذي تعلمته بين نغائض أخري في تلك الظروف والأحوال, يا سبحان الله , هذا الإنسان العجيب لماذا لا يحزن ويعاني كما نعني ونحزن ؟ لماذا لا يحس هول الأمواج التي تتلاطم حوله؟ لماذا لا ينفعل لهذه الأصوات الغريبة والروائح الغامضة المثيرة,الأمر واضح عنده هنا مثل هناك, ليس أحسن ولا أسوأ, لكنه مختلف وحدود العالم معروفة,القطار الذي يحمله إلي مكان العمل ويعود به,ودكاكين البقال والجزار وبائع الخضار لا أكثر لم يكن طائرا مهاجرا بل كان طائرا صحراويا خلا له الجو وطاب له التحليق فطار وطار وحملته ريح الي بلد نائي أقصي الشمال,أقام ما شاء له أن يقيم,ثم حملته ريح ثانية من حيث جاء لايدري كيف جاء وكيف عاد,كنا نحبه لأجل ذلك,وكان هو يعاملنا كأننا أطفال لا ندري ما نفعل,وأحيانا كنا نستدرجه إلي ما كنا نأخذ به من طيش فيقضي السهرة كلها يضحك علينا ويسخر من أفعالنا كل فتاة يجد فيها مأخذا التي نحسبها فارعة يقول أنها طويلة مثل الجمل,أو الزرافة, وهذه مثل (عود السلك) وهذه وجهها مثل الحصان,وهذه مثل القملة, وهذه أسنانها مثل أسنان الحمار,وكنت تلك الأيام أميل إلي ممرضة من ليفربول,أظنها آية في الجمال والظرف, فيقول لي (التمرجية الكريهة دي أيه عاجبك فيها؟
    عاد كما جاء لما انتهي عقده لم يحاول أن يبقي أطول,قال لي (يا خوي شغلانة الإذاعة دي ماها نافعة كفاية ثلاثة سنين حوشنا فيها قرشين تنفعنا هناك في بلدنا. نتوكل علي الله نرجع بلدنا.وعاد كما كان من السكة حديد الي السكة حديد.عاد مديرا لسكك حديد الجزيرة. تذكرت كامل الحكيم منذ اسابيع في الرياض قابلت ضابطا شابا في الحرس الوطني السعودي , قضي عامين يتدرب في أميركا وقضي فترة في باريس.مثل حكيم غطس في الماء ولم يبتل,سألته عن باريس فقال لي(والله ما رأيت فيها أكثر مما رأيته في الملز)

    أكرم صالح خاصة,كان طائرا من نوع أخر مثل عصفور حط علي غصن شجرة عارية من الأوراق,والثلج ينهمر,والأرض مكسوة بالجليد,تحسبه قد يسقط في أية لحظة,وقد يموت من البرد,ولكن قدرته علي الإحتمال كانت تدعو للعجب
    جاء أواخر الخمسينات من أذاعة الشرق الأدني التي كانت واسعة الإنتشار في تلك الأيام ولم يكن معروفا إنها تمول مباشرة من وزارة الخارجية البريطانية أنكشفت تلك العلاقة عام 56 أثناء العدوان الثلاثي علي مصر,فقد إستولت عليها حكومة المحافظين بقيادة سيرأنتوني إيدن ,وحولتها إلي إذاعة صوت بريطانيا,فاستقال معظم موظفيها من العرب,جاء أكرم إلي لندن,إذاعيا ناضجا متمرسا,كان دون الثلاثين,فخورا بزوجته المالطية,التي كانت ملكة جمال,وبصوته المصقول بين الشامي والمصري,لأنه تربي في لبنان,وتعلم في مصر,يقول لك بلا حرج
    بالله مش صوتي حلو؟
    دهشت أول مرة سمعت منه ذلك,ثم أدركت أن السؤال لا ينم عن غرور أو نرجسية,بقدر ما ينم عن براءة كانت من مكونات جاذبيته
    نعم صوتك حلو
    أحلي صوتي ولا صوت عبد؟
    صوت عبد الرحيم أعمق من صوتك لكن صوتك جميل جدا
    وصوت صلاح؟
    صوت صلاح أعمق من صوتك وصوت عبد الرحيم
    بس صوتي أحلي
    كل واحد فيكم صوته جميل بصورة مختلفة
    العجيب أنه لم يكن يكترث لجمال صورته,كان وسيما ذا عينين واسعتين بين الزرقة والخضرة,له لمة فاحمة السواد فقدها تدريجيا مع تقدم السن,أمه درزية من جبل لبنان,فيما حدثنا,أحبها أبوه الشيخ عبد القادر شبل,فخطفها وبني بها,وأنجب منها ولدين,زهير وأكرم,وماتت وهما بعد صغيران,تلك كانت عقدة حياته,فقد حكي لنا القصة مرارا بصيغ مختلفة
    ربما لأنه كان فلسطينيا ولأن أباه كان سنيا وأمه درزية,ولأن أمه ماتت عنه وهو بعد طفل,,ولأنه نشأ في لبنان وتعلم في مصر,فقد كان سريع الإنفعال مضطرب النفس,يفرح بسهولة ويحزن بسهولة,متهورا رغم حيائه,لازع اللسان رغم أدبه الجم,وكانت النساء الإنجليزيات يجدن في كل ذلك جاذبية لا تقاوم
    هل كنت تجرك مشاعر الأمومة فيهن عن عمد؟
    إنما هو لم يكن يفعل أي شئ عن عمد, كل شئ يجيئ عفو الخاطر أو بمحض الصدفة,فقط أمام المايكرفون يصبح كل شئ واضحا ومنتظما.حينئذ يتحول الي شخص آخر.تنزل عليه سكينة عجيبة, ويصبح صوته مثل ألة موسيقية في يد عازف خبير

    يتبع
                  

09-30-2022, 10:54 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48925

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: Yasir Elsharif)

    الكلمة التي قام نظام المنبر بشطبها هي "صـعلوكا"

                  

09-30-2022, 12:29 PM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: وداعا بي بي سي عربي: الطيب صالح يؤرخ لشخوص� (Re: Yasir Elsharif)

    ما أظن السبب إقتصادى كما أعلن يا عبدالله. وإلا لأغلقوا بى بى سى الناطقة بالفارسيـة أولا لأن إيران أقل عددا و اقل أهمية
    من دول الشرق الأوسط الناطقة بالعربيـة. وكذلك بقيـة لغات العالم من اللائى ما زالت تعمل.
    لكنى مسرور لأنه بعد إنتقال الإدارة لمصريين، الذى قاموا بتعيين مواطنيهم، وهبوط الإذاعة من جميع الوجوه، والأخطاء القاتلة
    فى اللغة العربيـة لمذيعيهـا فقد كان لزاما أن تتوقف.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de