|
Re: وداعاً أيها الأعزاء: لقاء يتجدد في يوم الر (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
اواصل في سرد اللقاء الأثيري غيمة كثيفة من الحنين والشجن حطت بثقلها فوق قلبي و بدأت تتكثّف رويداً رويدا. تلتها غلالة شفافة تحيط بالأنحاء.
ودون وعيٍ او مني وجدت الكلمات تنسال من داخلي في انفعال:
- لم أنساكٍ يوماً يا جدتي... - لا زلت أذكرك منذ أن غادرتي بيتنا فجأة في تلك الأمسية الحزينة. و لا زالت تفاصيلها في ذاكرتي كانها حدثت قبل ساعة.
لا زلت أحتفظ بمسبحتك العتيقة أتذكرينها تلك التي كنا نلهو بها و أنت تضحكين؟
و كذلك لازلت احتفظ بالمحفضة (المحفظة) و لا زالت الأوراق النقدية التي تركتيها داخلها موجودة( لكن يقولون أنها أصبحت غير مبرئة للذمة).
- لم أنساكِ يا جدتي ....ولم انسق صاحباتك ...جاراتك العزيزات. الا ترينَ أني عرفتهن من أول وهلة؟
بينما كانت كلماتي تنسال من فمي كنت اراهن يبتسمنَ ويضحكن في حبور و هن يتسمعن لكلماتي الحزينة...
و كان يتراءى لناظري شبح ابتساماتهن الحلوة في وجوههن الوضيئة وهُنّ يزدَدْن اقتراباً مني.
و فجأة يتهدج صوتي في عفوية مفاجئة:
- أشكو إليك يا جدتي حياتنا التي تبدلت بعد أن ذهبت و صارت بعدك ماسخة. بعد أن احتشدت بالأحداث وتكاثرت لتنوء عن حملها تلك
السويعات اليومية القليلة ، و بعد أن تضاءل الوقت فصار يومنا ساعة وصار أسبوعنا يوم.
وأصبحنا يا جدتي وصديقاتها الحميمات نهباً للتشرذم الحياتي و النسيان الزهايمر المبكر. لقد تغير الزمان يا جداتي وتغيّرت الحياة بعدكن
فصار طعم الأشياء غير الذي كان. لقد كنّا في أيامِكُنّ نستمتع بطعم الأشياء، وبسمر الاصدقاء ورفقاء اللعب وحكايات الليل التي كنت تحكيها لنا. لا افتأ دائماً أتذكر و نحن نتدثر بحبكم يا جدتي العزيزة. ولا زلت احس ملمس يديك الحانيتين و هي تمسح عن قلوبنا اليافعة المخاوف والظنون
وأنتٍ تضعين على وجوهِنا الحالمة دثار من الاحلام المباركة إيذاناً بانقضاء يومٍ سعيدٍ.
لقد اختفيتنّ يا جداتي من حياتنا، هكذا في غفلة من الزمان. وتوارتيتُنّ ، وراء الغيب و الحُجُبْ دون أن نحسَّ. لقد كنتنّ جدات حقيقيات
لكل طفل في الحي. لقد كنتُنّ جارات وصديقات وحارسات لأحلام طفولتنا البريئة. .
لقد كنتنّ مدرسة تعلم الحب الشامل، ليس الحب المحدد فقط بالأسرة أو العائلة والأقرباء.
اواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وداعاً أيها الأعزاء: لقاء يتجدد في يوم الر (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الحبيب محمد .. جميل جميل أذكر أن الجدة في زمننا كانت هي الاقرب لنا أكثر من الام والاب كان على الام والاب فقط توفير متطلبات الحياة أما التربية والمرجعية فكانت الجدة الاب في زماننا كان طبعاً صارم .. فقط أوامر حتى الام نوعاً ما ..
ولكن الجدة كانت المتنفيس الوحيد .. الكلام الجميل والتمجيد والدلع
كنا أقرب اليها .. وخاصة الأولاد ..
بفضل هذا الشهر الكريم اللهم اغفر لها وللوالدة والوالد وأرحمها وأجعل مثواهم الجنة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وداعاً أيها الأعزاء: لقاء يتجدد في يوم الر (Re: علي عبدالوهاب عثمان)
|
اواصل تفاصيل اللقاء مع جدتي في تلك اللحظة، كانت جدتي و صديقاتها يقفن خلف النافذة بينما ترجع ذاكرتي للوراء إلى تلك العقود من السنوت ، التي كان فيها هؤلاء
النسوة في الحي جارات وصديقات وحارسات لأحلام طفولتنا البريئة.
كن يوزِّعن الحب والرعاية والحنان على كل أطفال الحي. ولم يكن يُفرِّقنَ بين أبنائهن وين أبناء الجيران...فالكل لديهنّ هم أبناؤهن.
فما بال الحياة اليوم قد عقمت من أن تلد جدات مثل هؤلاء الجدات؟ فقد كان جدات الأمس عطوفات بصدق وحانيات، وشفوقات.كنّ حارسات بصدق لطفولتنا. كم جُدْنَ على شغفنا الطفولي اللاهي بالحلوى فنقوم
بدسها في أفواهنا الشرهة وفي جيونا المتسخة.
كم أنعمنَ على نفوسنا اللاهفة بالرفق الحنان . كم منحننا الدعوات الصادقة في حبور ،والنظرات الحانية في اهتمام. وكم أفردن لنا أحضانهنّ الدافئة.
كان حبُهنّ لنا يسرح في الحنايا كما كان تسرح في كل الدروب، حارسة لخطواتنا الطفلة. .
كم حميتُنن ظهورَنا ووجوهَنا الناعمة اللدِنة من سياطٍ والديّةٍ لاهبة ،و صفعات جيرانية زاجرة ،ونظراتٍ ناهية.
اواصل
| |
|
|
|
|
|
|
Re: وداعاً أيها الأعزاء: لقاء يتجدد في يوم الر (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
الجزء الأخير
من اللقاء الحميم مع جدتي العزيزة
فقد كان جدات الأمس عطوفات بصدق وحانيات، وشفوقات.كنّ حارسات بصدق لطفولتنا. كم جُدْنَ على شغفنا الطفولي اللاهي بالحلوى ،
التي ندسها في أفواهنا الشرهة وفي جيونا المتسخة.
كم أنعمنَ على نفوسنا اللاهفة بالرفق الحنان . كم منحننا الدعوات الصادقة في حبور ،والنظرات الحانية في اهتمام.
وكم أفردن لنا أحضانهنّ الدافئة. كان حبُهنّ لنا يسرح في الحنايا كما كان تسرح في كل الدروب، حارسة لخطواتنا الطفلة. .
كم حميتُنن ظهورَنا ووجوهَنا الناعمة اللدِنة من سياطٍ والديّةٍ لاهبة ،و صفعات جيرانية زاجرة ،ونظراتٍ ناهية.
-لماذا ذهبتنّ أيتها الجدات .. هكذا دون إنذار؟
-لماذا تركتنّ نحن رجال اليوم و أطفال الأمس في صحراواتِنا القاحلة؟
- لماذا تركتموهم ضائعين في لهيب الحياة المعاصرة الجافة ؟
- لماذا وقد صارت الحياة مرتعا وموئلاً للفردانية الكالحة ولأحلام العولمة الكاذبة و الحب الزائف و المشاعر المداهنة؟
لماذا تركتموهم لمصيرٍ مجهول بين عالم التقنية الماكرة، وركام الأجهزة والإليكترونيات الجامدة القلب و الأحاسيس؟
كنت أسائل فيهن عن غيابهن الباكر وقد تركننا و ذهبن فجأة. نحن في صبانا كنا لازلنا لاهون، غافلون لا نعي.
فارقونا ونحن أطفال.و ليوم لازلنا في أشد الحاجة إلى حنانهنّ المخلص، و رعايتهنّ الصادقة. لقد تركتننا و نحن نواجه اليوم قلقنا الميتافيزيقي
و أزمة مصيرنا وجودي منذ أن دلفنا إلى منحنى الألفية الثانية.
و نحن قاب قوسين أو أدنى من السقوط من فتحات كوكبنا هرباً من مصيرٍ كونيٍ مجهول.
و هرباً من حكام ظلمة أفسدوا في الأرض وعذبوا البشر ومزقوا دفاتر التاريخ قبل أن يقرأوا صفحاته .
و لكن فجأة في غمرة اندياح مشاعري ...توقفت الكلمات مني برهة لألتقط أنفاسي ولأمسح الدمعات التي ملأت محاجر عيني
و حجبت الرؤيا.. تحجب الرؤيا عن عينيّ.. انتبهت فجأة..
واحزناه ! أختفت جدتي وصديقاتها
لقد اختفين فجأة من أمامي كما ظهرن فجأة....
لعله ضوء الصباح الذي أزعج هدوءهنّ الاثيري الشفيف؟
لعله زخم الدنيا الفانية هو الذي جعل نور الحق يتوارى
و هكذا وجدت نفسي أنظر في الفضاء من حولي ملتمساً الجواب..
و لكن لا جواب!
وداعاً جدتي العزيزة
ووداعاً صديقاتها العزيزات
| |
|
|
|
|
|
|