نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 12:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-28-2020, 00:22 AM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا

    بعض الكتابات للمهندسة نازك الملائكة الرشيد
    اتنمني ان تخفف قليلا من وطأة كورونا علينا جميعا

    يومياتي في زمن الكورونا...(1)

    أبو القنفذ...

    12أبريل 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    الهدوء والسكينة يعم المكان مع ضوء قمر جميل، علي غير العادة ان يكون الليل في اوله وهذا الهدوء والسكون الغريب يلف المكان..وكلها من جراء الحظر الكوروني..
    خرجت لحوش البيت كي أنعم بلحظات تأمل وتفكر في ظل هذا الجمال الكوني الهادئ، ومع رياح إبريلية معتدلة كان الجو مثالياً لتشعر بالهدوء النفسي...
    ولكن كما يقول المثل الحلو ما يكملش ...في قمة تأملي تخرج لي من حوض الأشجار كرة سوداء تجري في الحوش،خفت بداية ولكن إسترجعت ذاكرتي وتذكرت أنه يوجد أبو القنفذ في الحوض وإن كان نادر الظهور، إستجمعت شجاعتي ووقفت وإنتفضت وإنتهرت هذا أبو القنفذ ،فلما نظر إلي ووجد أني واقفة وأني أزجره بتحريك يدي جري إتجاه الحوض، ولكن بعد لحظات من جريه توقف وتشكل بالشكل الكروي ثم بعد تشكله إستدار بشكله الكروي نحوي...
    لبرهة من الزمان ليست بالقصيرة وهو علي هذه الحالة..
    تجهجهت، وتشتت أفكاري لا أدري ماذا أفعل هل أحِضر عصا وأجره إلي الحوض ،ولكني أعرف نفسي جيداً لدي فوبيا مع أغلبيةالكائنات الغير بشرية ..
    تسمرت في الكرسي الجالسة فيه وأنا أنظر إليه وأنتظر أن يرحمني بأن يذهب لوحده ويواصل مسيرته إلي حوض الأشجار...
    طال انتظاري له، وهو شكله كان يفكر ويقراء أفكاري أو أشتم رائحة الأدرينالين العالي لدي..
    ففي لحظة لم أجد إلا ذلك أبو القنفذ وهو يستطيل ويخرج رأسه من الغطاء الكروي الشوكي ويجري بأسرع سرعة تجاهي ينطلق بنمرة خمسة ..بأغتني وكأن لسان حاله يقول إنما الحرب خدعة وكر وفر..
    مكر مفر مُقبلٍ مُدبرٍ معاً.... .. ....
    ولم أجد أنا إلا الجري بأقصى سرعة منه من ذلك الكائن الشوكي العجيب الذي لا أعرف شيئاً عن سلوكه..
    دخلت البيت وقفلت الباب جيداً منه، وراح الهدوء والتأمل في خوف وجري..
    وأصبح الشارع محروس بالكورونا وحوش البيت محروس بأبو القنفذ..

    ملاحظة: يوجد وجه شبه غريب في الشكل بين فيروس الكورونا وأبو القنفذ كلهم شكلهم كروي وعندهم شوك طالع للأعلي...

    (عدل بواسطة Gafar Bashir on 05-28-2020, 00:25 AM)







                  

05-28-2020, 01:56 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(2)

    الشرنقة...

    15أبريل 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    مساء يوم وعند دخولي للمنزل وجدت خلية نحل واقعة أرضاً، ولكن النحل محيط بها ولم يفارقها، ومع الصباح وجدتها وقد أصبحت خالية من كل النحل الطائر، رفعتها من الأرض ووجدت أنها مليئة بالشرانق ،كل شرنقة في خلية منفصلة في عمل إبداعي وقمة في التصميم الدقيق ووفرة من العناية الكاملة ...

    سرح فكري للتعمق في حالة هذه الشرنقة من النحل وكل الشرنقات الأخريات من باقي عالم الحشرات، كشرنقة الفراشة مثلاً، بما تمثله الفراشة من جمال ولطف وخفة حركة..

    في هذه العزلة والغطاء السميك الذي يكون محيط بشرنقة الفراشة لا يتم إيصال ماء ولا طعام ولا تكون هنالك حركة لها إلا التمدد الطبيعي بعد كل فترة لنموها ،كما أن شكلها يبدو مخيف ومرعب..

    من هذا السجن الإنفرادي ومن هذا الجو الكئيب المخيف تخرج منه فراشة رائعة ألوانها ،تتشكل بكل لون حتي تحسبها كأنها كل ما تري لوناً تطلب أن يكون لها نصيب منه و تُصبغ به لتتكون في النهاية لوحة تشكيلية جميلة لعدة ألوان متناسقة ومنسجمة مع بعضها البعض ..
    من هذه الحبسة والإنعزالية تخرج حياة كاملة تمثلها هذه الفراشة وهي تفرد جناحيها لتحلق عالياً فرحة بهذه الحرية وهذا الجمال الملون الذي كُسيت به لتطير من زهرة جميلة إلي زهرة أخري أجمل منها تأخذ منها رحيق الحياة..
    مين علمك يا فراش تعبد عيون القاش؟
    على حمرة الوردة وحب الندى الرقاش..

    رأيت تفاؤلاً بالحياة من قبل هذه الفراشة كيف كانت وكيف صارت..كأنها تقول لنا أن بعد الضيق الفرج، وأن العسر لا يدوم يجب أن يعقبه يُسر، وأن السجن بعده التحليق عالياً في سماء الحرية، وأن حب الكون هو رحيق الحياة...

    ملحوظة:كتبت هذا المقال للصديقة الجميلة شذي جميل صاحبة فكرة المقال، ولها كل الحب.
                  

05-28-2020, 05:06 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(3)

    القمر...

    20 أبريل 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    تستهويني هواية مُسامرة القمر حين إكتماله ،والتمعن فيه فهذه اللحظات الثمينة لا يمكن تضييعها. وأدخل في حالة من الصمت والسكون وأنا أُمتع ناظري برؤية القمر مكتملاً ومنبعث منه ذلك النور الخافت المهيب الذي لا تجد معه إلا أن تتسمر في مكانك متفكراً بين يديه..

    نور يتلألأ في السماء في ظلمات ليس بعدها ظلمات، وتجد النجوم تتواري خلفه خجلة من نوره وتحيط به كما تحيط الجواهر بياقوتة نُظمت في عِقدٍ فريد..

    هذا النور الهادئ الذي يبعث علي الإطمئنان ولا تمل العين من التحديق فيه ولا يجهدها نوره المنساب بطيفٍ ضوئي مريح يجذب إليه عوالم كثيرة ، فكم من قصص رُسمت تفاصيلها علي ضوء القمر..
    كلٌ يَجد فيه ضالته فكم من مُناجياً لله تعالي يتأمل فيه جميل صُنعه تعالي مُتفكر في بديع ملكوته "ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك.."، وكم من طالب علم تفكر في مصدر ضوئه وإنعكاسه وسرعته و الأجسام ذات اللون الغامق التي تظهر علي سطحه، وكم من عاشق ولهان يتفرس فيه لعله يجد فيه وجه محبوبه..
    واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها **فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا.
    ومناجاته وإسماعه ما يجده من وجد ولوع ...
    ما جالَ بعدكِ لحظي في سنَا القمرِ **إلاَّ ذَكَرْتُكِ ذِكْرَ العَيْنِ بِالأَثَرِ.

    هذا القمر الغامض الذي تحيط به الحكاوي والأساطير ويؤثر علي حركة المد والجزر في البحار والمحيطات وبالتالي يؤثر علي طباع البشر وسلوكهم في حالة إكتماله..
    حتي عالم الحشرات له نصيب من أساطير القمر وقصة ذلك النوع من الجعران ليس ببعيد وهو الذي يقضي الليل كله يدير الأوساخ وينظف المكان إستعداداً للزواج من قمر 14،ويطول إنتظاره وإستعداده شهر تلو شهر وعام تلو عام ولم يحظي إلي الأن بمطلوبه..

    يبدأ خيطاً رفيعاً يُسمي هلالاً ثم يبدأ يزداد ويزداد يوماً بعد يوم وعند منتصف الشهر يصير قمراً مكتملاً يصل إلي قمته..
    ثم يبدأ بالإنتقاص التدريجي إلي أن يصير هلالاً مرة أخري وإلي أن يتلاشي نهاية الشهر ليبدأ في الظهور مرة أخرى معلناً بداية شهر جديد...
    كأنه يدعونا إلي التفاؤل فالبدايات الصغيرة تكبر وتزداد إلي أن تكتمل وَتُصبِح مَعلماً بارزاً وعَلماً في السماء..
    كذلك يُعلمنا أن لا نغتر في هذه الحياة الدنيا فإكتمال الشئ وعلوه قد يكون إيذاناً بنقصانه...

    لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ **فلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
    هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ **من سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
    وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ **ولا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ....

    ملحوظة: دورة حياة القمر تتطابق مع التوزيع الطبيعي (Normal Distribution) في علم الاحصاء والإحتمالات...يبداء المنحني من الصفر أول ظهور الهلال وعند وصوله منتصف الشهر بيكون أعلي المنحني (القمة) ويكون القمر بدراً مكتملاً، ثم يبداء نفس المنحني في النزول إلي أن يتلاشى الهلال أخر الشهر...
                  

05-29-2020, 02:51 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(4)

    المرفعين.....

    24 أبريل 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    ذات مساء إتصل بي خالي العزيز يسأل عن حالنا في ظل هذه الحبسة الكورونية وبينت له شديد إلتزامنا بعدم خروجنا من المنزل وذكرني ضاحكاً بمقولة لي أول طفولتي وكانت متلازمة معي (السوسيو أمو قالت ليه ما تمرق من البيت قام مرق جاء الفيل عفصو)...بدأ لي أن عنصر التخويف كأساس للتربية في مرحلة الطفولة من كل مجهول قد يؤتي ثماره عندما يكبر الفرد منا في ظل هذه الأزمات الوبائية أيضاً...
    فما يركز في عقل الطفل يظل راسخاً معه طيلة عمره وكل ما يمر بحدث يستدعي أحداث شبيهة لها من عقله الباطني من مرحلة الطفولة...

    كل جيل لديه ما تم تخويفه به خوفاً عليهم من أن تجرفهم شقاوة الطفولة للإضرار بأنفسهم..
    فالأجيال السابقة تم تخويفهم بالشيتا والمرافعين وأم بعلو وقد تكون كلها أساطير ومن نسج الخيال وإن كانت توجد حيوانات شبيهة أو قريبة لها من حيث التوصيف..

    تذكرني في هذه الخاطرة قصة خالي الكبير وهم في ظل ليلة سياسية عامرة من أحد الأحزاب السياسية المنافسة لهم وقد أرغي وأزبد خصمهم وخطف الأنظار بخطابه الحماسي وكانت الجموع هادرة تستمع إليه..فما كان من الخال وصديقه المقرب إلا أن تفتحت ذهنيتهم لتفريق هذه الجموع بإدعاء حضور الشيتا..فأصبح الكل يجري هرباً ومرجاً من الشيتا التي ما هي إلا أسطورة تم إستدعائها لحل هذه المشكلة السياسية....

    كما إن القصص المسرودة عن المرفعين جابت جميع أرجاء السودان لم تستثني منطقة منه، حيث كانت تمثل ثقافة عامة لكافة أهله. فالوالد عليه رحمة الله في بداية عمله طبيباً تم نقله إلي أقصي الشمال إلي مدينة دلقو المحس فكان إذا تطلب خروجهم ليلاً للذهاب للمستشفي لطارئ طبي لا يخرجوا إلا جماعة ويحملون الكشافات الضوئية الساطعة لتخويف ما يقال عليه أنه المرفعين وخوفاً أيضاً من مهاجمته لهم.

    صاغ الجد يوسف مصطفي التني قصيدة للوطن العزيز مستحضراً معه وصف المرفعين لقوي الإستعمار الثنائي ...
    مرفعينين ضبلان وهازل**شقوا بطن الأسد المنازل
    النبقي حزمة كفانا المهازل** ولنبقي درقت وطناً عزيز..
    فذلك الحيوان الأسطوري ألذي يُقال أنه قد يكون من فئة الذئاب تدل أوصافه الطباعية علي الجبن والغدر وعدم الوفاء وعدم المصادمة والمواجهة وأنه لا يتصيد إلا في الظلام الدامس يُشبه به كل مستعمر من بني جلدتنا أو أجنبي صال وجال في الأرض غدراً ونهباً وتعذيباً وظلماً...
    فوطننا العزيز قد مرت عليه مرافعينٌ كُثر نهبوا الضرع والزرع والأرض عهد بعد عهد ،ولكن سُنة اللَّه في الكون أن لا يسود الظلم وإن طال عهده ولكل مرفعين يوجد أسد ينازله فيهزمه...

    إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة** فلا بـــد أن يستجيب القــدر
    ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي**ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر....

    ملحوظة: أختار عنوان هذا المقال العم العزيز والسياسي المخضرم عبد الوهاب المبارك ،وشكراً له لجعلي أقراء واسمع القصص عن المرفعين..
                  

05-30-2020, 10:54 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(5)

    منقة هندسة....

    1مايو 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    مع نسائم الصبح العليل وفي ظل هذه الحبسة الكورونية نسمع رنين صوت جرس الباب عالياً ولا يتوقف ،أسرعنا الخطي للباب وكل ظنون الدنيا تجول في رأسنا، من بالباب؟ ذلك السؤال الذي تعودنا عليه قبل التفكير في فتح الباب..جاءني رد جماعي لأصوات أطفال، نحن نريد أن نُقطع المنقة..فتحت الباب لأري عصبة ليست بالقليلة من أطفال بمختلف الأطوال مُسلحين بالعصي الطويلة التي يفوق طول إحداها طول أي واحد منهم أضعاف مضاعفة ،هألني المنظر ويبدو أنهم قد أتوا من مسافات بعيدة، بادرتهم بالسؤال كيف تخرجون هكذا جماعات والبلد فيها كورونا؟؟ ..تمت الإجابة علي سؤالي مُباشرةً وسريعاً وبنظرات تحمل شئ من السخرية والضحك علي كأنني من الخائفين والمندسين من الكورونا..مافي كورونا!!.. تملكت أعصابي فهذا قول كثير من كبار السن والعقلاء فما بالك بأطفال، أطلت معهم الحديث عن كونوا توجد كورونا وأنكم قد تتسببون في قتل الكبار من أهاليكم بخروجكم للشوارع واللعب فيها ..ثم أخيراً أتيت لهم ببيت القصيد أن المنقة خضراء وعندما تنتهي حبسة الكورونا تكون بذلك صالحة للقطف..

    في نهاية أحد الفصول الدراسية في كلية الهندسة وزحمة السمستر والإمتحانات علي الأبواب كان لدينا تجارب معملية في معمل ميكانيكا الموائع لم نؤديها فتم تجميعها كلها وجدولتها للقيام بها أخر اليوم الدراسي وكنا ننتهي إلي وقت متأخر قبيل المغرب، وفي ظل الفهم العام بأن الطلبة هم من يقوموا بعمل التجارب وتكون الطالبات منتظرات النتائج تم فصلنا فصل عنصري يوم للطلبة ويوم للطالبات.
    يقابل معمل الموائع صف من أشجار المنقة، وعندما نخرج من المعمل ونحن في قمة التعب والملل من السعي وراء إيجاد السرعات وعوامل الإحتكاك وإثبات نظريات عفي عليها الزمن نجد أمامنا رؤوس منقة خضراء قد إينعت وحان قطافها وإن كانت لخضرتها لم يأتي أوان قطفها بعد .وبما أنني كنت من الطويلات ولا يوجد طالب توكل له مهمة القطف كانت توكل لي هذه المهمة ،أمانع في البدء وأتعلل بالبرستيج العام وكيف لي أن إعتلي بنشات الكلية وهذه منقة خضراء لا يمكن أن تؤكل وكيف لو أن أحداً من أهل بيتنا رأني، ومع التحانيس ورغبتي في خوض المغامرات أوافق بشرط حراسة كل المداخل لمنطقة شجر المنقة، وبما أن الوقت قد تأخر وأصبحت الكلية شبه خالية من حركة الطلاب كانت الحراسة خفيفة نوعاً ما..
    وبالإستعانة بمسطرة الرسم التي لها مهمة عظيمة غير الرسم الهندسي يتم قطع المنقة وتوزيعها بين الكل في جو يسوده الفرح والمرح وكل الحب..

    في أحد زياراتي لكلية الهندسة بعد سنين من تخرجي وجدت أن شجرات المنقة مثقلة بالثمار الخضراء والصفراء ليست كما كانت في عهدنا فنحنا لا نتركها حتي تِصفَّر...
    جلست في أحد البنشات تحت شجر المنقة والذكريات تمر بمخيلتي، أصواتنا وصوت تساقط المنقة علي الأرض بعد ضربها بمسطرة الرسم والتسارع لمسكها وهذه لي لا أنا حجزتها أول وأقطعي لي هذه لا هذه بعيدة لا اقدر علي قطعها وتتعالي أصوات الضحكات بيننا..
    في غمرة ذكرياتي تلك وشجوني رفعت رأسي لأري قرداً يأكل منقة صفراء فاقع لونها، فله من الصبر وطولة البال ليتركها حتي تنضج، رمقته بنظرات تقول له أنت لا تعرف من كان قبلك يقطف من هذه الأشجار ويأكل ثمارها ، ورمقني هو بنظرات تعالي وأفتخار وكأن لسان حاله يقول لي أم جركم ما بتأكل خريفين...ورمي المنقة في الأرض رمية وثبت معها واقفة خوفاً أن يُصيبني بتسديدةً في الراس...

    كل شئ في وقته حلو..فهل لنا أن نتحلي بالصبر وأن نصبر علي الأشياء حتي يحين موعد قطفها كي تكون مستوية وناضجة وتكون الفائدة المرجوة منها مكتملة.
                  

06-05-2020, 05:41 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(6)

    سنة البِّرلم....

    5 مايو 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    أصبحت من الصباح وأنا أعاني من صداع وثقل في الرأس وإحتقان في الأنف وفي زمن الكورونا هذا تتوجس خيفة من أي عرض مرضي ، راجعت تفاصيل يومي الماضي وتذكرت أنني تعرضت لغبار ،إذن هذه أعراض حساسية الجيوب الأنفية والتي أصابتني منذ السنة الأولي الجامعية وأسميتها مُتلازمة قاعة OLT.

    ونحن طلاب جدد في أول أيامنا الجامعية وكما كأن سائداً في ذلك الوقت أن نبدأ أولاً من كلية العلوم حتي ندلف بعد السنة الأولي إلي كلية الهندسة. وكأن يتم جمع كل طلاب أقسام كلية الهندسة المختلفة سوياً في قاعة ضخمة تعرف بقاعة OLT..

    كانت قاعة تسودها هيبة عظيمة وتُدخل الرهبة في النفس ويساعد علي ذلك عِلوها الشديد وضخامتها وكذلك عدم الإضاءة الشديدة وإمتلاء المدرجات بالكامل بالطلبة.
    شهدت مدراجاتها أول تعارف لطلاب أتوا من مختلف أنحاء السودان وخارجه يجمعهم روابط كثيرة ويوحدهم الإنتماء لكلية الهندسة.كما كان يدور فيها الهمس و الإشارة إلى أوائل الشهادة السودانية عند ظهورهم ومتابعة تحركاتهم..
    وشهدت منصتها وقوف فطاحلة أساتذة الرياضيات والفيزياء والكيمياء بالجامعة..شرحاً وتدريساً والتحليق بنا في عوالم الدوال تفاضلاً وتكاملاً والأطياف والمجالات الكهربائية والمحاليل الكيمائية.

    كل أطياف الطلبة كانت موجودة، فيهم الهادئ والمتوازن والمشاغب الذي يثير الشغب ،وليس حادثة عقاب كامل الفرقة بعدم تدريسها كافة مواد المطلوبات الجامعية ببعيد وذلك بعد أن أثار أحدهم بتساؤله عن قول أستاذة اللغة العربية (الأسماء الستة)؛ من أين أتي السادس ونحن تركناهم في الإجازة وقد كانوا خمسة ؟ ،موجة من الضحك والصخب والتدافع والجري في المدرجات.

    كما كأن يتم تَعهُدَنا من قبل سناير الكلية الذين يأتون إلينا في القاعة بين الفينة والأخرى، ويُعلنون بأن بطاقاتنا الجامعية قد تم إستخراجها ويجب الذهاب إلي كلية الهندسة لأخذها..نذهب إلي كلية الهندسة زرافات ووحدانا يملؤنا الشغف برؤية كلية الهندسة وأخذ هوياتنا الجامعية، وتقابلنا كلية الهندسة بكل شموخها وكبريائها وبشجر لبخها العالي وبطلابها اللأمعين الذين ينظرون إلينا نظرات فضولية وضاحكة، لنتفاجأ بأنه لا توجد بطاقات وإنما كان ذلك مقلب يسمونه برلمة..
    وكثرت برلمتنا بكل الطرق ونحن في سذاجتنا وبراءتنا كل مرة نأخذ المقلب ولا نتعلم.

    لا يكتمل فضول السنة الأولي إلا بارتياد مكتبة المين وما أدراك ما مكتبة المين حيث التاريخ وروح الحضارة الضاربة في القدم وروائح كتب لها عشرات السنين وكراسي خيزران تحدث عن العظماء الذين جلسوا فيها وقامت علي أيديهم حضارة السودان ونهضته ونهضة كثير من دول العالم، أرواحهم تحس بها لا تريد مفارقة هذا المكان فتملؤه هيبة وإجلال ،تدلف علي ردهات المكتبة لتري فن العمارة الخالدة التي تأخذ بالألباب والنحت المتقن للأعمدة المصنوعة من الطوب الأحمر ، وتستنشق فيها عبق التاريخ المُضمخ بالتفوق والعظمة والرقي...
    والتجوال في ممرات كلية العلوم بأعمدتها المربوطة بأقواس نصر كأن جنوداً يحملون سيوفاً مرفوعة ً ومتلاقيةً تحية للطلاب العابرين...
    وشارعها الرئيسي أو ما يعرف بالمين رود وأشجار المهوقني الوارفة تُحيط بجانبيه، ويتسامر علي جنباته الطلاب الذين أتوا من كل فَجٍّ عَمِيقٍ كلٌ له همومه ومشاغله وطموحاته وآماله..

    جامعة الخرطوم تمثل وطناً لجميع خريجيها وما زال الشوق والحنين يَشُدهم إليها، فما نادتهم يوماً إلا لبوا النداء علي عُجالةٍ ، فالوفاء وحسن العهد من الإيمان، وليس هنالك وفاءاً يُعادل وفاءك لوطنك..
    وَطَني لَو شُغِلتُ بِالخُلدِ عَنهُ ** نازَعَتني إِلَيهِ في الخُلدِ نَفسي.
                  

06-05-2020, 05:42 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(7)

    "الشمسُ والقمرُ بِحُسبان".....

    11مايو 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    في بيئة العمل غالباً ما تجد العلاقة بين أصحاب العمل متقلبة نوعاً ما. لا تكون علي وتيرة واحدة، تكون متجانسة ومتناغمة أوقاتاً ما وأحيانا أخري يشوبها نوع من التمرد أو النفور ،مما يؤدي إلي تعطل العمل أو تأخيره أو تبطئته.

    وعلي النقيض من ذلك نجد أن الكون المحيط بنا تكون العلاقات فيه علاقات عملية تتم بتناغم وإنتظام بعيداً عن أي أهواء نفسية أو تقلبات مزاجية. فعلاقة كعلاقة الشمس والقمر نجدها تنتظم في تناغم وتجانس تام ولا يشوبها أي نوع من التوتر الوظيفي أو الإستعلائي لمن هو القائد الذي يجب أن يُسمع أوامره ومن هو التابع الذي يَتَّبع الأوامر.
    علي الرغم من هذا التباعد المكاني بين الشمس والقمر لكن توجد علاقة وجدانية بينهم ،فلم تبخل الشمس يوماً علي القمر بضوئها ولم تترك القمر الشمس لتدور مبتعدة عن ضوئه تبغي ضوء نجماً أخر "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"...

    بتمدد أمواج من اللون البرتقالي الذي يملأ السماء ،خليطاً من درجات اللون البرتقالي متدرجاً من اللون الفاتح وصولاً إلي اللون الغامق يُعلن الكون ولادة يوم جديد وتشرق الشمس شرقاً في حلية بهية يكسوها الضياء والأنوار والبهجة ويبتهج الكون كله لطلتها ،ليستمر يوماً كاملا بحسبان إلي أن تودع الوجود بنفس ألوان شروقها ولكن غرباً آذنة بالرحيل غروباً، لتأتي القمر هلالاً ظاهراً أو مختفياً أو بدراً مكتملاً وكله بحسبان "الشمس والقمر بحسبان"...

    لا تزال أسرار هذا الكون تبحث عن من ينقبها، فثنائياته المتجانسة من شمس وقمر ،وأرض وسماء، وذكر وأنثي، تغري الفضول البشري لمعرفة كيف أنها بتجانسها تُعزز هذا التوازن في الكون.
    فلطالما ألهم هذا الرباط الروحي لهذا الثنائي المتناغم الطبيعي الجميل الفلاسفة والمفكرين والشعراء فأيقظ فيهم قريحة الفكر والشعر ؛..
    وتضيءُ مثلَ الشمسِ إنْ هيَ أسفرتْ ** وتنيرُ مثلَ البدرِ إذ تتحجَّبُ.
    فالشمس ما هي إلا نجماً يحترق كل لحظة ليضئ الكون وهذا القمر يستمد نوره منها وكلما أطال توجهه إليها صار بدراً كاملاً، وكذلك في عالم البشر كلما كثر توجههم وصُحبتهم إلي من كمُلت أخلاقه وعلمه توفر لهم الكمال وأقبل عليهم الجمال، وكفي بالمرء توجهاً بمن كمُلت أخلاقه "وإنك لعلي خُلقٍ عظيم" وعِلمهِ سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم؛..
    إن الرسول لنور يُستضاء به...

    هذا الكون يُعلمنا العمل في فريق جماعي بروح واحدة متناغمة ومتحابة لا يعلو فيها رأي علي أخر ديدنها التوافق والإخلاص والإستمرارية وعدم التوقف ، وأن الوقت محسوب.
    والتفاؤل بالغد الزاهر، وإن طال ظلام الليل فإن شروق شمس الأمل لابد أن يكون..
    ستار ظلام الليل سوف يجاب** وتسقى بأضواء الصباح رحابُ ...
    وسوف يبين الفجر ما كان خافياً**ويفتح من بعد التغلق بابُ...
                  

06-05-2020, 05:42 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(8)

    الرسالة....

    16 مايو 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    أحدي صغيرات الأسرة في مرحلة التمهيدي سألتها الأستاذة بعد أن إستفاضت في شرح قصة سيدنا نوح ؛ ماذا أرسل الله لقوم سيدنا نوح؟ فأجابتها الصغيرة بأنه أرسل لهم message (رسالة). أصبحت قصتها هذه مصدر للضحك والتندر من قبل البعض، وهم لأ يعلمون أنها ببراءتها ونقائها عرفت أن ذلك الفيضان ماهو إلا رسالة ربانية.

    لا وجود للصدف أو للفوضي في هذا الكون فإنما هي رسالات واضحة أو مستترة ومشفرة تبحث عن من يفك شفرتها. فكل حدث أو شخص يظهر في حياة الإنسان ويختفي أو يستمر وجوده فانه يحمل معه رسالة لذلك الشخص ،فهم رُسل يحملون هذه الرسائل فمن عرف محتوي الرسالة والغرض منها ووعيها كان حكيماً ورشيداً " ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً "..
    فما علي المُرسل إليه إلا أخذ الرسالة وترك الرسول يرحل مشكوراً..

    كذلك ليس هنالك معرفة لنوعية الرُسل الذين يحملون هذه الرسالات أو أن تاتي في أي شكل أو صورة. فذلك الغراب الذي دفن غراب آخر وكان في ذلك رسالة لمعشر البشر وهم من يتقاتلون فيما بينهم وإن كانوا إخوة تحمل من معاني الرحمة والتقدير والاحترام للموتي بدفنهم . وتلك الريح التي حملت الرائحة وبها رسالة البشري ليعقوب "إني لأجد ريح يوسف". أو كما حدثتني صديقة لي لها من الفراسة والشفافية القدر المُعلي بأنها إذا خرجت من الإمتحان في الجامعة وكانت تحس بالإحباط لإعتقادها بأدائها السئ في الإمتحان ،تأتيها البشري بمجرد خروجها من الجامعة بأن تصادف عربة مكتوب بها " إن ينصركم الله فلا غالب لكم" فتفهم الرسالة وتطمئن نفسها، وعندما تظهر النتيجة يكون تقديرها في هذا الإمتحان هو A.

    يا تري من أرسل شكوي ،ليتم الجواب بإرسال فايروس الكورونا هذا ؟..
    أيكون الكون من حولنا من أرسل الشكوي وهو أول المبتهجين بحبس هذا الكائن البشري الذي في ظل صراعه وتنافسه علي موارد الكون الطبيعية لم يترك فساداً لم يفسده من قطع جائر للأشجار، لتلوث بيئي عام في الماء والهواء ، وحتي الحيوانات لم تسلم من إيذاء بني البشر لها فكثير من التجارب تجري عليها بلا رحمة بها ،ويتم إستجلابها من بيئتها الطبيعية وحبسها للإستمتاع بالنظر إليها وهي بين الأقفاص.
    فالكون كله يتعافي في ظل هذه الحبسة الكورونية لبني البشر فالسماء أصبحت أكثر صفاءاً والنجوم أكثر لمعة وضياءاً وطبقة الأوزون أغلقت ثقبها بنسبة كبيرة، وشواطئ البحار والمحيطات أكثر نظافة ، وأصبحت الحيوانات هي من تخرج وتستمع بجمال الطبيعة والكون كيف لا ومن كان يخيفها أصبح خائفاً، فالأيام دول..
    ولا حزن يدوم ولا سرورٌ ** ولا بؤسٌ عليك ولا رخاء.

    أم أرسلها أولئك المعذبون في الأرض، ضحايا ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، ضحايا التفاضل والتمايز العنصري والديني والطبقي ،ضحايا الهوس التنافسي علي موارد الشعوب والإستحواذ عليها، ضحايا القتل الجماعي والتهجير.
    فسلام وسكون حل عليهم في ظل هذه الكارثة الكورونية فالقاتل كف سلاحه عن القتل، والسجَّان والمسجون أصبحا سواسية كلهم تحت سجن جماعي ، والسارق أصبح مكتفياً بما لديه ولا يبغي مزيداً.

    ويا تري أي رسالة يحملها لنا هذا الفايروس؟،
    إن ملك الملوك هو القوة الأعظم ومن بيده الأمر كله "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار".
    وبأن نعيش في سلام مع أرضنا الطيبة وكل الكون من حولنا، ونتسامي علي خلافاتنا وأحقادنا.

    سيدنا عيسي كان يُشفي المرضي بالحب، وأثبت العلم لاحقاً صدق منهجه، فطاقة الحب تعيد التوازن للجسد.
    فلما لا يبث بني البشر طاقات حب لكل هذا الكون ويتصالح مع كل من حوله ،طاقات حب تعيد توازن الكون بمن فيه، ويُشفي ما به من مرضٍ.
                  

06-05-2020, 05:43 PM

Gafar Bashir
<aGafar Bashir
تاريخ التسجيل: 05-02-2005
مجموع المشاركات: 7220

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: نازك الملائكة : يوميات في زمن الكورونا (Re: Gafar Bashir)

    يومياتي في زمن الكورونا...(9)

    الإنتخاب....

    4 يونيو 2020
    نازك الملائكة الرشيد

    في معمل التربة للهندسة المدنية توجد تجربة يتم علي أساسها تعيين مقاسات حبيبات الركام الخشن والناعم (الحصي والرمل) وذلك بإستخدام عدة غرابيل قياسية بمقاسات مختلفة، يتم عن طريقها اجراء عملية الغربلة للوصول لمعايير محددة وذلك لمعرفة مدي مطابقة هذه المقاسات لمتطلبات معينة في البناء والتشييد، فكل بناء يتطلب قوة وصلابة معينة وبذلك تتم عملية هذه الغربلة للركام بشقيه للوصول للقوة القصوي لهذا البناء.

    فالإنسان وهو يمثل أكرم المخلوقات علي الأرض حينما يتم إنتخابه لحدث معين أو مهمة معينة في الحياة أو ترفيعه لمقام عالي، تمحصه هذه الحياة بالتجارب ليتم إعداده بشكل جيد لما هو مقبل له، وبحيث يكون أكثر قوةً وحكمةً وتأهيلاً لهذا الموقع الجديد. وتكون هذه التجارب في شكل إيجابي أو سلبي تصقله وتشد من عوده وتوسع له آفاق المعرفة والفكر وتبصره بالحقيقة من حوله.
    وكما تتساقط ذرات الرمال والحصي غير المرغوب فيه لمرحلة معينة من القياس، كذلك البشر هذه التجارب تساقط منهم كل السمات والأخلاق والأفكار الغير مرغوب فيها لمرحلة الترقي في طور الإنتخاب...

    "كان أمة"، تجد في هذه الحياة من له القدرة علي التغيير الإيجابي في الأمة لأنه هو في حد ذاته أمة.
    ولم يصل إلي هذه الدرجة العالية من التأثير في الغير إلا بعد أن يكون قد خاض فيض من التجارب و الإعدادات تؤهله لهذا المنصب القيادي التغييري المُلهم.
    يحضرني هُنا في خضم ما يسود العالم من هجمة عنصرية بُنْيَت علي درجة لون البشرة، ذلك القائد الملهم مالكوم أكس. ذلك الرجل ألذي أحدث تغيير جذري في مفهوم العنصرية وإسترداد الحقوق و إنصاف بني جلدته والتعريف الصحيح بالإسلام في بلد مُتعدد الأعراق والديانات ومعقد في تركيبته الإجتماعية التي قامت علي أساس أخذ الأرض من سكانها الأصليين بالقوة وبالإبادة وإستجلاب إناس أُخر وإستعبادهم لكي يعمروا هذه الأرض.

    فمالكوم أكس خضع لسلسة من الغرابيل القياسية إلي أن وصل لهذه الدرجة من الإنتخاب والإصطفاء البشري.

    فأول تجربة للغربلة خُضع لها، كانت نشأته في بداية طفولته يتيماً، حيث فقد والده قتيلاً وفقد والدته مريضة في مستشفي للأمراض العقلية، وتم أخذه ليُربي عند إحدي الأُسر. فوألده كان قسيساً وناشطاً سياسياً في واحدة من كبريات المنظمات التي تعني بتقدم الأمريكان من أصول إفريقية المُلقبون حسب لون بشرتهم بالسود، وكان محارباً لعنصرية الرجل الأوروبي الملقب بالرجل الأبيض .كما كان حريصاً علي إصطحاب طفله مالكوم وحضوره لإجتماعات هذه المنظمة، إلي أن تم اغتياله علي يد أحد العنصريين البِيض.
    من تجربة اليتم هذه في صغره تم إعداده أولياً علي خصلة الإعتماد علي الذات والتقويِ بالنفس ومجابهة صعاب الحياة وحيداً بدون سند ودعم من الآخرين، أما إستفادته من تجربة التبني وكما أخبر بنفسه فهي: " لقد تعلمت باكراً أن الحق لا يعطى لمن يسكت عنه، وأن على المرء أن يحدث بعض الضجيج حتى يحصل على ما يريد".

    أما المرحلة الثانية من تجربة الغربال فكانت سجنه الأول وهو في السادسة عشر من العمر.
    فكانت تجربة السجن له أولاً :لأبعاده من المحيط الذي تردت أخلاقه فيه وأصبح ميالاً للجريمة.
    وثانياً: لإرتياده المدرسة الثانوية وتفوقه الكبير فيها علي جميع أقرانه وظهور ذكائه ونبوغه.فتم إعداده ليكون أكثر قبولاً للعلم والتفكر ومعرفة ملكاته العقلية.

    وفي مرحلة الغربال الثالثة تم سجنه للمرة الثانية. في السجن الثاني له وبعد أن أصبح أكثر نضجاً هَيئت له العُزلة الروحية والنفسية مراجعة نفسه وخط سير حياته وبدأ بزوغ فجر الشخص الرسالي الذي تم إعداده وإنتخابه ليصيره.
    فأولاً: أصبح إنسان ذو إرادة قوية يستطيع فيها تغيير نفسه للأحسن بالتخلي عن كل عاداته السيئة.
    وثانياً: حصلت له أكبر نقلة بإعتناقه للإسلام علي طرح وعقيدة حركة أمة الإسلام التي كانت لها أفكار ومفاهيم خاصة بعيدة بعض الشئ عن روح الإسلام الحقيقة. وبإسلامه تبين له مفهوم المساواة وعدم تفوق العرق الأبيض علي الأسود كما كان سائداً في بلده وإن كانت حركة امة الإسلام تدعو هي أيضاً الي تفوق العرق الأسود علي الأبيض، كما حصل له إرتقاء خُلقي وتوازن نفسي فأصبح شخصية مختلفة عن ما كان عليه.
    وثالثاً: أصبح مثقفاً ثقافة عالية في كل نواحي الفلسفة والفكر وتحليل الجنس البشري والتاريخ واللغة، فبيئة السجن مكنته من قراءة العديد من الكتب.
    ورابعاً أصبح قيادياً مفوهاً قوي الشخصية ومن ذوي الملكات الخطابية الحماسية وقادراً علي الجدال المقنع والمناظرة ومقارعة الحجة بالحجة.ومكنته هذه الملكات من إقناع الكثيرين بالدخول في الإسلام وتبوئه لأعلي المناصب في حركة أمة الإسلام بعد خروجه من السجن.

    وبخضوعه للغربال في مقاسه الرابع ،إنشق عن أمة الإسلام وأسس مؤسسة المسجد الإسلامي، وبذلك خطي أول خطوة بشجاعة في إستقلاله برأيه الشخصي عندما يري أنه الرأي الصحيح ولا يكون ضمن مسلوبي الإرادة والرأي.

    أما في أهم مرحلة من مراحل تجربة الغربال وفي مقاسه الخامس كانت تجربة الحج ، وهي تمثل أكبر نقلة له والظهور الفعلي للمهمة التي تم إنتخابه وإعداده لها. فبها تم قطف خلاصة تجاربه كلها وتبيان إصطفائه.
    ففي الحج قُدر له أولاً :التعرف علي الإسلام بوجهه العملي و الروحي وتعاليمه وفرائضه الصحيحه.
    ثانياً : تركه للعنصرية السوداء ونبذه لها فقد عرف روح الإسلام الحقيقة فصرح بالآتي؛" في حياتي لم أشهد أصدق من هذا الإخاء بين أناس من جميع الألوان والأجناس، إن أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام لأنه الدين الوحيد الذي يملك حل مشكلة العنصرية فيها".
    ثالثاً: تصالحه مع نفسه وترك الأحقاد جانباً وبذلك حصل له سمو روحي ورقي أخلاقي، ولخص تجربته هذه في قوله " لقد أوسع الحج نطاق تفكيري وفتح بصيرتي فرأيت في أسبوعين ما لم أره في تسعٍ وثلاثين سنة، رأيت كل الأجناس من البيض ذوي العيون الزرق حتى الأفارقة ذوي الجلود السوداء وقد ألَّفت بين قلوبهم الوحدة والأخوة الحقيقية فأصبحوا يعيشون وكأنهم ذاتٌ واحدة في كنف الله الواحد".
    رابعاً: الدعوة للإسلام بجوهره الحقيقي وبدون عنصرية، وتكوين جماعة جديدة بإسم جماعة أهل السنة. وذلك بعد قدومه لبلده من الحج بأفكار ورؤي صحيحة عن الإسلام.

    في المرحلة السادسة والأخيرة من مراحل تجربة الغربال، كانت إغتياله. ليرتقي شهيداً تعلو وجهه إبتسامة الشهادة والنصر والقبول، ولتجد دعوته القبول من الكثير وأصبح المسلمين من أصول إفريقية أقرب ما يكونوا إلي تيار الإسلام الوسطي. كما تم إصدار مرسوم قانوني بعد وفاته بشهر ينص علي حق التصويت للأمريكيين من أصول إفريقية.

    لقد جَرَّبْتُ هذا الدَّهْرَ حتَّى** أفَادَتْني التَّجَارِبُ والعَناءُ
    هكذا هي الحياة تجارب تلو تجارب، والحكيم العاقل من فهم وأدرك المغزي من هذه التجارب وعَرف ما يتم إعداده له، فإستعد وأَعَد عِتاده وترك الغفلة. فقطف ثمارها اليانعة دنيا وآخرة.

    ملحوظة:
    الشكر لإستاذي الموقر بروف/ عابدين محمد علي صالح ،لحواره ونقاشه المطول عن مالكوم إكس وكان هو من معاصريه ومؤيديه، فأثار في الفضول لمعرفة مالكوم إكس وقراءة مسيرة حياته الذاخرة.
    وأشكر الصديقة العزيزة ريم جكنون التي ألهمتني إسقاط تجربة التحليل المنخلي (الغربال) بتجارب الحياة.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de