د. الباقر العفيف: ما الذي أنعيه على سياسيينا!!؟

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 12:07 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-08-2020, 07:17 PM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. الباقر العفيف: ما الذي أنعيه على سياسيينا!!؟

    07:17 PM August, 08 2020

    سودانيز اون لاين
    محمد أبوالعزائم أبوالريش-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    Quote: ما الذي أنعيه على سياسيينا!!؟

    الباقر العفيف

    (١)

    مقدمة
    نحن في فترة انتقالية أعقبت نظاما لا مثيل له في البشاعة في تاريخنا المكتوب على الأطلاق. نعم لا شبيه له حتى عهد التركية الذين غزوا بلادنا خصيصا بهدف استباحتها ونهب مواردها المادية والبشرية (الذهب والعبيد). ولما هزمهم المهدي وقضى عليهم، كانت أكبر الآفات التي تركوها وراءهم هي آفة العبودية التي أصبحت مخلفاتها واحدة من علل السياسة والاجتماع باقية معنا حتى اليوم.
    وكذلك لا شبيه له في البشاعة حتى حكم "الخليفة عبدالله التعايشي" الذي كان تجسيدا لسيادة الجهل والأمية والغيبوبة الدينية والغربة التامة عن العصر الذي عاش فيه. وعندما قضت عليه جيوش كتشنر مع نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، كان قد أهلك الحرث والنسل بالمعنى الحرفي للعبارة. فقد نقص عدد سكان البلاد إلى ما يقارب النصف بفعل الحروب الداخلية والخارجية، وبفعل المجاعات المصاحبة لها. وخلَّف أيضا نسيجا اجتماعيا ممزقا شر ممزق.
    وعندما فرش الخليفة فروته في أم دبيكرات ورقد رقدته الأخيرة مع غروب شمس القرن التاسع عشر، كنا نستقبل قرنا جديدا، وسيدا جديدا. فقمنا نتعثر ، "عُرْجا ومَكاسِير"، نتلفت حولنا في ذهول نلملم قطع حياتنا المتناثرة في طول البلاد وعرضها.

    وطن محطم
    ترك الكيزان بلادنا حطاما بمعنى الكلمة. فهم جمعوا أسوأ ما في العهدين التركي والمهدوي، وزادوا عليهما بإضاعة ثلث مساحة البلاد وربع سكانها. استباحوا البلاد كما استباحها الترك وصادروا مقدراتها المادية والبشرية تماما كما فعل الترك. كانوا يصطادون الشباب من الشوارع كما اصطاد الترك الرقيق في الغابات في الربع الأول من القرن التاسع عشر. ومثلما أراد الباشا محمد علي أن يبني إمبراطوريته بجيش من العبيد كذلك فعل الكيزان. أرادوا أن يبنوا إمبراطوريتهم المتوهمة بجيش من الشباب المختطفين من الشوارع. يرحلونهم لمعسكرات التجنيد ويحولونهم لجيش (من العبيد) يغزون به العالم بدءا بمواطنينا في الجنوب. وتقف مجزرة العيلفون شاهدا شاخصا على هذه الخلاصة. فلو لم يكونوا ينظرون إليهم باعتبارهم (عبيدا آبقين) لما أطلقوا عليهم النار.

    هدف الكيزان لافتراس ثروات البلاد ونهبها كغنيمة خالصة لهم وتهريبها خارج البلاد. وهدفوا لتدمير المجتمع وتمزيق نسيجه الاجتماعي وتخريب عقله الجمعي. فهم خلفوا لنا من العاهات ما سوف تستغرق معالجتها حيواتنا وحيوات الأجيال التي تجئ من بعدنا.

    الناس في شنو والنخب في شنو!!
    هذا هو حال شعبنا وهذا هو حال بلدنا. فهل نحن مؤهلون للتعامل معه بكفاءة ومعرفة وحزم؟ لا. ولا كرامة. البلد حالها في واد وسياسيونا ونخبنا في وادٍ آخر. فإما أنهم لا يدركون حجم الدمار وكم العاهات التي عليهم صرف الجهود لمعالجتها أو هم لا يبالون. فإن كانت الأولى فهي مصيبة وإن كانت الثانية فالمصيبة أكبر. وأنا أرجح الإثنتين معا.

    وعلى سبيل الذكرى التي "تنفع المؤمنين" فقط، أقول إن الكيزان تركوا لنا:

    • بلدا فقد ثلث مساحته وربع عدد سكانه.
    • بنية تحتية فقيرة ومنهارة ومتهالكة.
    • بلد منهوبة وخزينة خاوية على عروشها.
    • أجهزة أمنية مبنية على عقيدة معاداة الشعب. عبارة عن مستنقعات آسنة تجوس فيها الهوام والضباع ومصاصي الدماء. ويكفي القول إن فيها مختصون في الاغتصاب.
    • جيشا مؤدلجا جل قياداته وضباطه العظام كيزان. وهذا ما جعله جيشا شائها وكسيحا. ويكفي أن قُتِل الشباب واغتُصبت الكنداكات أمام بواباته دون أن يحرك ساكنا.
    • مليشيات عديدة تابعة للدولة، ومليشيات قبلية، وحركات مسلحة، وسلاح على قفا من يشيل منتشر في جميع أنحاء البلاد.
    • إدارات أهلية فاسدة شرهة للمال الحرام، ظلت ألعوبة في يد السلطة تستعملها في إشعال الفتن القبلية والنزاعات والحروب.
    • جهازا عدليا متعفنا تفوح منه رائحة الظلم النتنة ويفصل بينه وبين اسمه ما يفصل بين المشرقين.
    • خدمة مدنية تعج بالفساد والغش والاحتيال والرشوة.
    • مخلفات الحروب من نزوح ولجوء وجرائم ومظالم لا تعد ولا تحصى.
    • شعبا مفقرا منهكا وتعيسا، ظل يكابد ويعاني ويتألم ويشقى ويحزن على مدى ثلاثين عاما.

    قمنا من حريق اعتصام القيادة، وحرائق الاعتصامات الأخرى "عرجا ومكاسير"، نتوكأ على بعضنا، ونتلفت حولنا، وبدأنا في عزم نستجمع أنفاسنا. وفي الثلاثين من يونيو العام الماضي وطأنا على جراحنا ونهضنا منتصبين على أرجلنا وقلنا كلمتنا. وقُضي أمر ربك في عهد الكيزان. بقينا نواجه قطع حياتنا المتناثرة في طول البلاد وعرضها والتي تستغرق معالجتها كل جهد قادة وكوادر أحزابنا حركاتنا وجميع كياناتنا الأخرى.

    الشيء الطبيعي، لو كانت أولويات أحزابنا ونخبنا صحيحة، أن تصبح هذه القضايا هما وطنيا ونفيرا مجتمعيا يعم البلاد من أقطارها. وأن تصبح محور اهتمام وتركيز الأحزاب السياسية، والمجتمع المدني بمعناه العريض الذي يضم المؤسسات الأهلية الطوعية، والتعاونية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية والمهنية، والمبادرات المجتمعية القاعدية ولجان المقاومة.

    كان من المفترض أن تُكَوَّن لهذه القضايا اللجان التخصصية التي تعكف على دراستها وفحصها ووضع الحلول لها والشروع الفوري في تنفيذ ما يوضع من حلول. ولكن أحزابنا تركت كل هذا وراء ظهرها وتفرغت لمعركتها الكبرى، معركة الحياة والموت، معركة الوظائف ومغانم السلطة الانتقالية، معركة الولاة، ورفد عمر القراي من وظيفته. ضعف الطالب والمطلوب.






                  

08-08-2020, 07:19 PM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: ما الذي أنعيه على سياسيي� (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)

    Quote: ما الذي أنعيه على سياسيينا
    (٢)
    مقدمة
    في المقال الأول من هذه السلسلة أبنت حجم التحديات التي تواجهنا كشعب يحاول الخروج م براثن الكيزان. والتي كان من المفترض أن تطرد النوم من أجفان سياسيينا الذين تصدوا لقيادتنا. ونحن لا نحمل هؤلاء السياسيين المسؤولية وحدهم ونجلس متفرجين، وإنما نحملها معهم. بيد إنا نذكرهم جسامة مسؤولية القيادة. فما دام تصدوا لها فعليهم أن يأخذوها بحقها. وحقها أن يتصرفوا بحكمة وشجاعة وتجرد ونكران ذات ونزاهة ووضوح وصدق. وإلا فلا. فالرائد لا يُكِذب أهلَه. فيما يلي من مقالات أتناول القوى السياسية المؤثرة بالنقد والتحليل. بدءا من كيانهم الجامع والذي يتعرض لهزات كفيلة بأن تؤدي لتصدعه وربما انهياره. ومن بعد ذلك نقبل على الأحزاب والقوى المكونة له.

    قوى إعلان الحرية والتغيير
    قوى إعلان الحرية والتغيير هو أكبر تحالف لقوى سياسية ومجتمعية يحدث في تاريخ السودان. فهو تقريبا يضم كل قوى المجتمع السوداني ما عدا الكيزان ومن لف لفهم، ودار في مدارهم، وتَسَقَّط فتاتهم من أحزاب وكيانات وشخصيات كل ما يجمع بينها هو أنها من فصيلة اللافقاريات.
    فلو أحسنت قياداتنا السياسية إدارة هذا التجمع بصورة علمية وواقعية وأخلاقية لكان قمينا بأن يكون فيه خلاص البلد. ولكان بالضرورة اهتم بالقضايا الاستراتيجية مثل السلام، والأمن والاقتصاد، ولكوَّن لها اللجان التخصصية الي تعمل كمستودعات تفكير أو (think tank) تجترح لها الحلول. وكان أيضا قمينا بأن يهتم بالمعضلات التي خلفها النظام كقنابل مؤقتة، مثل وضعية الدعم السريع ومستقبله، ووضعية الميلشيات القبلية الأخرى التي كانت ترعاها الحكومة، ومليشيات وجيوش الحركات المسلحة، ووضعية الجيش والبوليس والأجهزة الأمنية وإمبراطوراتها المالية الضخمة.
    وعلى سبيل المثال نجد من الأشياء التي قَيَّدت يد الحكومة الانتقالية العيوب التي شابت الوثيقة الدستورية. والمثال الصارخ لهذه العيوب هو إبعاد المدنيين من أمر إصلاح الجيش والأجهزة الأمنية. ونحن نعرف أن هناك سببان لذلك الإبعاد. الأول هو شعور العسكريين بالتفوق على المدنيين وشعورهم بأنهم خُلقوا للحُكم والأمر والنهي. وهم إلى جانب تدريبهم المختل، طال بقاؤهم في دست الحكم، مما يصعِّب من عملية فطامهم عنه. وقد تمتع ضباطهم الكبار بمزايا اقتصادية هائلة، يرون في الثورة مهددا حقيقيا لها. كما ارتكب بعضُهم جرائم كبيرة، لا يحميهم من وصول يد العدالة إليهم إلا تشبثهم بالسلطة. ولما فقدوا السلطة السياسية وجدوا أن أمانهم الشخصي لا يتحقق إلا بالاستقلال التام عن الحكومة المدنية وعدم الائتمار بأوامرها.
    كيف يحكم حمدوك بدون السيطرة على أجهزة إنفاذ القانون
    ونحن نعلم أيضا أنه يستحيل على أي حكومة في الدنيا أن تحكم بفعالية دون أن تكون لها السيطرة التامة على الأجهزة الأمنية، وهي أجهزة إنفاذ القانون. يوجه الناس سهام نقدهم لبطء الحكومة وضعفها ويغفلون أنها بدون أسنان. مع العلم بأن أهم تعريفات الحكومة هي أنها الجهة التي "تملك القوة القسرية coercive power بشكل حصري" أي أنها الجهة التي تفرض النظام ولو بالقوة الجبرية. وتستطيع أن تحرك قوة مسلحة لتنفذ القانون وتفرض إرادتها وهيبتها.
    هذه واحدة من القضايا الاستراتيجية التي تحتاج للجنة مختصة تهتم بالتفكير في الطرق الكفيلة بإصلاح هذا الخلل. والوصول للأسباب الموضوعية التي دفعت العسكريين للتمسك بإبعاد المدنيين من السيطرة على الأجهزة الأمنية. ثم الشروع في حوار وطني مخلص، ونقاش عقلاني هادئ ولكنه صريح، مع العسكر، يهدف لإقناعهم بضرورة إجراء ذلك الإصلاح. على أن يشمل النقاش مخاطبة مخاوف العسكريين وكيفية المزاوجة بين تطمينهم على مستقبلهم من ناحية وتحقيق العدالة للشهداء وأسرهم في ذات الوقت.
    ولكن قوى إعلان الحرية والتغيير في مشغلة عن هذا الأمر الخطير بحروبها الداخلية، وتعاركها على المغانم، وسعي بعض أعضائها "لتشليعها" كما شُلِّعَت جبهة الهيئات، وتقويض حكومتها كما قوضت حكومة أكتوبر ١٩٦٤.
    في الحلقات القادمة نتناول مواقف المكونات السياسية المختلفة للتحالف.
                  

08-08-2020, 07:20 PM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: ما الذي أنعيه على سياسيي� (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)

    Quote: ما الذي أنعيه على سياسيينا
    (٣)
    الباقر العفيف

    "وإذا الموءُودة سُئِلَت بأي ذنب قُتلت"
    مقدمة
    في الحلقتين السابقتين أوضحت القضايا الجوهرية التي كان من المفترض أن تؤرق أعين قادتنا السياسيين. وكذلك أبنت كيف انصرفوا عنها إلى صراعات صغيرة غير جوهرية تتعلق بالمكاسب الحزبية والشخصية الضيقة حول فتات السلطة. تكلمت عن قوى إعلان الحرية والتغيير كتحالف كبير وعجز قادته عن إ دارته بما يحقق المصلحة الوطنية الكبرى. وهنا أتناول هذه القوى بالتفصيل بدءا من أكبرها حجما وأكثرها إثارة للمشاكل وأبلغها إلحاقا للأذى بثورات شعبنا تاريخا وحاضرا.
    السيد الصادق المهدي أمة وحده
    كتبت سابقا عن الدور الذي لعبه حزب الأمة بقيادة السيد الصادق المهدي في تقويض حكومة الأستاذ سر الختم الخليفة، ونسف جبهة الهيئات عقب ثورة أكتوبر ١٩٦٤. والآن بعد ست وخمسين عاما على إجهاض ثورة أكتوبر، وبعد أن التصق الحزب بشخص الصادق المهدي التصاقا سياميا، حتى صار هو الحزب والحزب هو، يواصل ذات الزعيم مهمته التاريخية في وأد الثورات السودانية. كأنما للسيد الصادق المهدي ثأرٌ مع حكومات الفترات الانتقالية ومع تطلعات هذا الشعب في الانعتاق من ربقة الفقر والجهل والخوف.
    فبعد عام كامل من المناورات ولعبة الكديس والفار مع قوى إعلان الحرية والتغيير، والضغوط المستمرة على رئيس الوزراء والشق المدني من الحكومة الانتقالية. والمغازلة الدائمة الفجة للعسكر وإرسال القُبَل وصور القلوب النابضة نحوهم في كل مناسبة وبغير مناسبة. وبعد إطلاق العديد من الإشارات المتناقضة، وبالونات جس النبض، أكمل السيد الصادق المهدي عِدَّته، وخرج من بيت حبسه، وخلع عنه عباءة المواقف الرمادية التي ظل يتدثر بها منذ ثلاثة عقود، وأسفر عن وجهه الأصلي، وجه صادق الستينات "العروبوي" "الاسلاموي"، على وزن "العلمانوي". بعد أن جعل من "وي" سُبَّة يدمغ بها العلمانيين، ولا تختص بها جماعات الإسلام السياسي وحدها.
    أعلن السيد الصادق عن عزمه تشكيل تحالفه الجديد "تحالف القوى الوطنية الديمقراطية" الذي يقوده هو. "ويُرجَى أن تدعمه قوى إقليمية عربية وأفريقية" بحسب عباراته. يجيء هذا الإعلان مباشرة بعد عودته من دولة الأمارات العربية المتحدة مما يعني أن صفقة قد أُبرِمَت برعاية هذه الدويلة الغنية ذات الطموحات الإقليمية الكبيرة والتي تريد أن تُبقِي السودان ضمن نفوذها، ورهن إشارتها، ومستودعا للمرتزقة الأرقاء الذين يخوضون لها حروبها ويموتون بدلا عن رعاياها.
    دشَّن السيد الصادق تحالفه الجديد الذي لم يفصح لنا عن أعضائه صراحة بعد، لكنه على التحقيق سوف يضم تلك القوى التي ظل هو يُرَدِّد على الدوام أنها "تستحق المشاركة في المرحلة الانتقالية ولكن أقصتها قوى إعلان الحرية والتغيير". ونحن نعرف أن هذه القوى هي المؤتمر الشعبي، ومجموعة الإصلاح التي يقودها غازي صلاح الدين، وبقية الفلول من أحزاب الفكة التي كانت تدور حول المؤتمر الوطني وتتزاحم على التقاط فتاته حتى احدودبت ظهورها. وبالطبع من المتوقع أن تنضم له عضوية الوطني غير المعروفة، وجماعة نصرة الشريعة وجميع أعداء الثورة.
    الصادق والطموح لوراثة الحركة الاسلامية
    ربما ظن السيد الصادق المهدي أن اللحظة التاريخية لتحقيق حلمه الكبير في "توحيد أهل القبلة" تحت زعامته قد جاءت. فقد غَيَّب الموت خصمه اللَّدود وصهره الذي نازعه الزعامة الدينية والسلطة الزمنية وألحق به الهزائم المتلاحقة في ميدانيهما كليهما. ولم يمنعه حياء ولا خلق ولا دين ولا حتى أصالة السودانيين التقليدية، التي تُعِزُّ النسيب الحسيب، من نزع سلطته منه وإهانته وإذلاله وابتزازه وتمريغ كرامته في التراب.
    لقد أصابت ثورة ديسمبر الحركة الإسلامية في مقتل تاركة عضويتها في حال من الشتات والحيرة والإحساس باليتم. وبرغم هزيمتهم الأولية إلا أن الأموال التي نهبوها والتي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات ما زالت بحوزتهم مخفية خارج وداخل السودان. وهم يعلمون أن الثورة وراءهم وأنها بالغةٌ أمرها باسترداد أموال الشعب منهم إن كُتِب لها النجاح ولم تُقتَل في المهد صبية. وكذلك يعلمون أن الصادق هو حبل نجاتهم المأمول في إنقاذ أموالهم المنهوبة. أعلن الكيزان الزحف الأخضر وفشل فشلا ذريعا حتى صار مثار تندر. وحاولوا محاولات مستميتة لحشد عضويتهم للخروج في مظاهرات المتاجرة بالدين بدعوى إباحة حكومة "القحاتة" للخمور، فبارت بوارا عظيما. خرجت بضع مئات في مسيرات هزيلة وبائسة شَيَّعَها الشعب بعبارات "حرامية .. حرامية" التي كانت تنزل عليهم من حواف الشوارع وشُرُفَات المنازل "كحجارة من سجيل" فجعلتهم "كعصف مأكول".
    وهكذا ضُرِبت عليهم الذلة والمسكنة بعد أن لفظهم الشعب مثلما يلفظ الأذى من بطنه، وضاقت عليهم الأرض بما رَحُبَت، ولم يبق أمامهم سوى تلك المثابة الآمنة التي ظلت تنتظرهم على أحر من الجمر، أحضان الإمام الدافئة. تهيأت الظروف المواتية لزواج المتعة والمصلحة بين الطرفين. فمن جانبه يوفر الصادق للإسلاميين الواجهة الجديدة التي يعملون من ورائها، والقناع الذي يضعونه على وجوههم عندما يخرجون مجددا للشوارع في معية الأنصار هذه المرة. أما هم فيوفرون له كنوزهم التي نهبوها من أموال الشعب، ومعلوماتهم السرية، ودولتهم العميقة، وتجاربهم المتراكمة في السرقة والنهب والقمع والخداع والتزوير و"الدسديس" و"الغتغتة" وإبقاء الشعب في ظل ذي ثلاث شعب، الفقر والجهل واللخوف.
    العقدة الدرامية
    ظل السيد الصادق المهدي يمثل معضلة مستديمة للقوى السياسية التي تحالفت معه، وعقدة درامية تستعصي على الحل وتتحدي ويليام سكشبير أعظم مسرحيي الأرض. وشركاء الصادق يعرفون عنه أنه لا يرضى بغير رياسة التحالفات التي يدخل فيها. وهم على استعداد ليجعلوه رئيسا لولا خوفهم من عزفه المنفرد، ومن أن يسوقهم لأحضان الإسلاميين والعسكر، مما يعرف في أدبياتنا "بالهبوط الناعم". والهبوط الناعم ذاته خشم بيوت، أو قُل هو مَدَىً يمتد بين قطبين. فيه قطب يلامس الثورة وفيه قطب يلامس الكيزان. والصادق يحتل الجانب الملامس للكيزان. وهو الجانب الذي يريد أن يحافظ على أكبر قدر من مصالح الكيزان الاقتصادية، ويعفيهم من المحاسبة على غالبية الجرائم، ما عدا تلك التي ارتكبتها قمة القيادة. ويحتفظ لهم بحق العودة للساحة السياسية في جلد جديد.
    وفي الحقيقة حلفاء الصادق يرون أن أفكاره ومواقفه قريبة جدا من الإسلاميين. وهو معترف بذلك وله فيها تصريحات كثيرة قديما وحديثا. هذا بجانب ارتباطات التصاهر المعروفة والمصالح الاقتصادية المشتركة. كما لا يُخفى على الناس طموح السيد الصادق لوراثة الإسلاميين، كوادر وإمكانات اقتصادية. وتاريخ تحالفات السيد الصادق كتاب مفتوح لمن يريد أن يقرأ التاريخ ويعتبر به. وهكذا تجد القوى السياسية السودانية نفسها بإزائه بين نارين. فالصادق من ناحية رقم يستحيل تجاوزه. ومن الناحية الأخرى من الصعب الثقة به والركون إليه. فقصة الصادق مع حلفائه ينطبق عليها القولة الشعبية الرائجة "كان شالوه ما بنشال. وكان خلوه سكن الدار". أو "لا بريدك ولا بحمل بلاك". وفي تقديري أن هذا ما حمل الدكتور منصور خالد ليصفه بالشخصية المأساوية.
                  

08-08-2020, 07:23 PM

محمد أبوالعزائم أبوالريش
<aمحمد أبوالعزائم أبوالريش
تاريخ التسجيل: 08-30-2006
مجموع المشاركات: 14617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. الباقر العفيف: ما الذي أنعيه على سياسيي� (Re: محمد أبوالعزائم أبوالريش)

    Quote: ما الذي أنعيه على سياسيينا
    (٤)
    الباقر العفيف

    "وإذا الموءُودة سُئِلَت بأي ذنب قُتلت"

    السيد الصادق والقدرات الخارقة
    السيد الصادق يؤمن بأن له "صفات نادرة" لا تجتمع في شخص واحد "لا في الغرب ولا في الشرق". كان من الممكن أن يوظف هذه الصفات النادرة، لو كانت حقيقة لا وهما، ليصبح حكيم القوم، وملاذ الناس وجامع كلمة السودانيين. ولكن لا يؤهله للعب هذا الدور إلا شروط ثلاثة، زهده الشخصي في السلطة، وارتفاعه عن صغائر الأمور، واحتضانه هموم الوطن وقيم الثورة. فهل هو قادر على تحقيق تلك الشروط؟ سنرى.
    ما هي قدرة الصادق على توحيد السودانيين
    كتبت في مقال سابق إبان الاعتصام متسائلا لماذا لا يؤم السيد الصادق المهدي المعتصمين في صلاة الجمع وصلاة التراويح بدلا عن ذلك الإمام التكفيري المدعو وهران. وقلت بأن ذلك كان مما يُمَتِّن صلته بشباب الثورة ويقوي ثقة الجميع فيه. ولكن يبدو أن ما حال بينه وبين أبنائه المعتصمين حديثه غير الموفق عن "ثقب الأوزون" والاحتباس الحراري لدى عودته من منفاه الاختياري في أواخر ديسمبر ٢٠١٨ بينما البلاد تغلي بالمظاهرات. وأحاديثه التي تشكك في نجاح المظاهرات من شاكلة "ما وجع ولادة" و"بوخة المرقة". أما قاصمة الظهر فكان نفيه المشاركة في المظاهرة التي خرجت من مسجد ود نوباوي في أخريات مارس ٢٠١٩، بالرغم من أنها كانت كفيلة بأن تجُبُّ كل ما كان قبلها من مواقف متخاذلة.
    وما زلت أذكر عبارات الصحفي خالد عويس المنتشية وهو يفاخر برئيس حزبه، وكأنه يردد مع الفرزدق بيته الأشهر "أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جريرُ المجامعُ"، حيث كتب قائلا:
    "رئيس حزب الأمة القومي وإمام (الأنصار)، السيد الصادق المهدي، يقود بنفسه تظاهرة خرجت من مسجد ودنوباوي، اليوم!
    إمام (الأنصار) يخالف توجيهات (فريق الحماية)، و..يخرج
    ورسالة (الخروج) في بريد أكثر من طرف
    رسالته، أولا، في بريد الملايين من أعضاء حزبه وكيان الأنصار في كل شبر من السودان
    هي رسالة (شديدة الرمزية) بالنسبة لهم
    وهي تعني أن الأرض ستخرج أثقالها في مقبل الأيام
    وأن ٦ أبريل سيكون يوما تاريخيا
    هي رسالة، تعني ببساطة أن حزب الأمة القومي (ينزل) الآن بكل ثقله، كله
    وكذا (الأنصار)
    رسالته، ثانيا، في بريد النظام: ألا تراجع
    وثالثاً، في بريد (عبدالرحمن): تأخرت في (الخروج)، واخترت الصف (الخاطىء)
    ورابعا، في بريد القوى الإقليمية والدولية: ليس الشباب وحدهم في الشارع، (الشيوخ) أيضاً، قادة القوى السياسية من الصف الأول، القادة الدينيون، القادة المهنيون، السيدات، الشباب، محبو كبار الفنانين، والأندية، العمال، المزارعون، الرعاة، الطلاب، التلاميذ
    اختلفت، واختلفنا كثيراً مع (الإمام)، وها هو اليوم (يخرج) في سابقة تمنح الثورة زخما هائلا، وترسل (إشارات) كثيرة.
    ليس تقليلا من شأن أي أحد، لكن خروج السيد الصادق المهدي يعني (رسالة) للملايين
    وهو وقت (وحدة) الشعب السوداني كله على (قلب إمرأة واحدة)" (انتهي)"

    نعم كان ذلك سيكون وقت وحدة الشعب السوداني كله تحت قيادته، وإعادة إنتاج الإمام بطلا شعبيا بلا منازع، فقط لو أنه رَكَز ولم يَتَلَجلَج. ولكنه بكل أسف "إنفزر" كما يُعَبِّر أهلنا في الريف، ونَسَفَ كل الرسائل التي أرسلها خالد عويس وهي في الهواء قبل أن تصل بريد المعنيين بها. كانت تلك صدمة ليس لخالد عويس وجماهير حزب الأمة وحسب، ولكن لجموع الثوار وللشعب السوداني قاطبة. ذلك الشعب الذي ما يزال ينتظر قائدا في قامته وشموخه وجسارته. الشعب الذي لم يجد من قادته الذين يملؤون المشهد الآن سوى الإحباط تلو الإحباط تلو الإحباط.
    استغرب الناس نفي الصادق المهدي لذلك الشرف الرفيع، شرف خروجه في قيادة المظاهرات، وهو الشيخ الثمانيني، مما يُعتبر من أعمال البطولة التي تُخَلِّد الإنسان وتظل مفخرة للأجيال أبد الدهر. وأمامنا المأثرة التي تركها شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه والتي ستظل معلما بارزا في حياة الإنسانية جمعاء إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
    كان ذلك الخروج سيحقق أنشودة وردي الأكتوبرية "إلتقى جيل البطولات بجيل التضحيات.. إلتقى كل شهيد قهر الظلم ومات... بشهيد لم يزل يبذر في الأرض بذور الذكريات". كنا نتمنى لو استلهم الصادق سيرة الشيخ بانقا الضرير في القرن السادس عشر فيقول كما قال "أنا توراً كَمَّل كراه. فإذا الشباب قدموا أرواحهم فداء للوطن ماذا لو غَبَّرتُ رجلي من أجله".
    وللذين لا يعرفون معنى العبارة فهي تعني أنه شيخ كبير أخذ كل نصيبه من الدنيا، وليس لديه ما يفقده "سوى القيود". تقول الرواية الواردة في طبقات ود ضيف الله أن الشيخ بانقا الضرير عندما جاء لأخذ الطريق من الشيخ تاج الدين البهاري، قال له الأخير: "لا أعطي الطريق إلا بالضَّبِح". وكان سبقه لأخذ الطريق بهذا الثمن الفادح محمد ولد عبد الصادق، الذي عُرِفَ فيما بعد باسم الشيخ الهميم، وكان فتى صبيا. عزم الشيخ بانقا الضرير أخذ الطريق بالضبح عندما رأي ما ظنه دم ولد عبد الصادق يسيل من داخل الخيمة. وكان الشيخ بانقا كبير السن، فقال قولته الشهيرة: "أنا توراً كَمَّل كِراه. إذا كان ولد عبد الصادق الصبي انضبح أنا ما بنضبح". علما بأن المخاطر التي كان يمكن أن يتعرض لها السيد الصادق جراء خروجه في المظاهرة لم تكن لترقى لدرجة "الضبح" بأي حال من الأحوال.
    ولكن الصادق لم يكتف بنفي مشاركته في المظاهرة، وإنما ذهب في تبرير خروجه ومشيه في الشارع، وكأنه يجلس أمام محقق فظ مُتَخَيَّل من رجال الأمن ينتهره قائلا: "إنت المرقك من بيتك شنو؟" فيجيب الصادق "والله العظيم كنت ماشي لمناسبة اجتماعية في الحي". بدا ذلك التصريح شاذا ومُحَيِّرا للناس، حتى لو كان صحيحا أنه لم يكن ينوي الخروج في المظاهرة. لأن ذلك النفي خَصَمَ من رصيده السياسي وعرَّضه للنقد اللاذع والسخرية والتهكُّم. وأذكر أن هذا الحدث كان مادة حديث مجموعة من الأصدقاء جاءوا لزيارتي وأنا على فراش المرض تلكم الأيام. وأذكر أن أحدهم كان منفعلا يردِّد بغضب وحيرة:"الجابرو شنو .. بس أنا داير أعرف الجابرو شنو"؟ ثم يضيف:"يا جماعة مش أهلنا يقولوا كان قالوا ليك سمين قول آمين"؟ ولقد خلص النقاش في تلك الجلسة إلى أنه ربما مُورست عليه ضغوط من الكيزان، أو وصلته تهديدات من جهاز الأمن. وعلى كل حال أجمعت تلك المجموعة أنه لا بد من أن يكون أُجبِر على ذلك فَرَضَخَ.
    وعموما فسِجِلُ السيد الصادق في تاريخ التحالفات التي دخل فيها يشير بقوة إلى أنه كان العامل الرئيسي في القضاء عليها. فهو لم يكن عامل وحدة في أي تحالف سابق. واتهمه البعض بأنه يدخل التحالفات خصيصا بغرض تقويضها وتفجيرها من الداخل. وهو الآن أعلن خروجه النهائي من قوى إعلان الحرية والتغيير وسعيه لتكوين تحالف اليمين العروبي الإسلامي وهو بذلك يساهم في أكبر استقطاب ستشهده البلاد ربما أدى لتقسيمها إلى خمس دويلات، تلك التهمة التي رمى بها اليمين المسيحي الأمريكي ونسي نفسه. فالصادق ليس فقط لا يستطيع أن يوحد السودانيين حوله، وإنما سيكون عامل شقاق وانقسام مجتمعي حاد وضار بمستقبل الثورة والبلد وبه هو شخصيا.
    لهذا لم يزر الاعتصام
    ويبدو أن كل تلك الأسباب مجتمعة منعته من الذهاب لساحة الاعتصام. خصوصا وقد رأي الرفض الذي واجه به المعتصمون كلا من غازي صلاح الدين ومبارك المهدي. وللأسف، فبدلا عن تلافي مثل هذه السقطات أوغل السيد الصادق في درب الاغتراب عن نبض الشارع، وظل يتعامل مع الحكومة الانتقالية كغصة في الحلق، وشوكة في الجنب، وحائل بينه وبين السلطة. وهو الآن في حالة سعي حثيث لإزاحتها من طريقه. كما إنه ظل مصدر قلق دائم لحلفائه، يُخَيِّرُهُم بين إحدى خصلتين، إما الهيمنة التامة على قوى إعلان الحرية والتغيير، أو الخروج عليها واستبدالها بعقده الاجتماعي.
    وكذلك يضع الحكومة أمام إحدى خصلتين، إما الخضوع التام لإملاءاته، لدرجة أن يصبح هو من يضع قانون الحكم الإقليمي، وهو من يُعَيِّن نصف الحكام، وهو من يفرض حُكَّامَ لولايات معينة من خلفيات عسكرية، بمنطق رث، مما يجعله رئيس الوزراء الحقيقي، ويحيل الدكتور حمدوك إلى مجرد سكرتير للسيد الإمام. أو، في حالة عدم الرضوخ لأوامره، دمغ الحكومة بالفشل وهدمها من الأساس. فانظر يا هداك الله مثل هذه "المِحَن المتلتلة". لا شك إن خروج حزب الأمة من قوى إعلان الحرية والتغيير سيضعفها، وأن هجومه المستمر على الحكومة الانتقالية أيضا سيضعفها. ويبقى السؤال الكبير ما العمل؟ هذا ما سوف نفرد له مقالا مستقلا فيما بعد.
    الصادق وصغائر الأمور
    عجز السيد الصادق عن الارتفاع عن الخصومات الشخصية. وأنصع مثال على ذلك حملته الانتقامية ضد الدكتور عمر القراي. وقد رأينا في لقائه الأخير بجريدة السوداني، كيف استدرجه الكوز ضياء الدين بلال بسهولة وحفر له حفرا أوقعه فيها. فاللقاء كله يخدم أجندة ضياء الدين الشخصية في الكيد للثورة كأحد الخاسرين منها. ويبدو أنه وجد في الإمام ضالته ولعب على تحيزاته، واعتبره حصان طروادة، أو" ثغرة الدفرسوار" في جدار قوى إعلان الحرية والتغيير يمكن أن ينفذ منها للإحاطة بقوى الثورة. واللقاء كله عبارة عن طعن وهجوم على حكومة الفترة الانتقالية.

    سأله هذا السؤال:
    • "التعديلات الدستورية وقبلها تعيين عمر القراي ألا تعمل على تعبئة الكيانات الإسلامية وتوفير مادة خام لها لتعمل عليها في المجتمع"؟
    وهذا السؤال من عينة الأسئلة الخبيثة التي توحي بالإجابة المطلوبة ( leading question).
    • فأجابه السيد الصادق: "نعم صحيح. ولذلك طالبنا بإلغاء التعيينات هذه، وحمدوك وافق ولكنه لم ينفذ".
    يُلاحَظ أن السيد الصادق أهمل موضوع التعديلات الدستورية وتلقَْف موضوع عمر القراي.
    • أعاد ضياء السؤال: "أي التعيينات تقصد"؟
    وهنا أيضا يتخلى ضياء عن سؤاله حول التعديلات الدستورية نهائيا، ويعيد عليه السؤال للمرة الثانية علما بأن الإجابة واضحة ولا تحتاج للمزيد من التوضيح. فالتعيينات مقضود بها تعيين عمر القراي ولكن الصحفي الكوز يريد أن "يقنطر الكورة" للسيد الإمام أمام مرمى القراي.
    • فأجاب السيد الصادق: "زي تعيين القراي"
    وهنا نلاحظ أن الصادق أدرك أن المطلوب منه ترديد ذكر اسم الدكتور عمر القراي مرة ثانية للمزيد من التأكيد، ولترسيخ الموضوع في ذهن القارئ، فينساق سعيدا لذلك. ثم يشرح الصادق أسبابه للمطالبة بفصل عمر القراي بقوله:
    • "لأن هناك قدسية خاصة للمناهج ولا يمكن أن يتولى أمرها أناس نظرتهم للعقيدة مثيرة للجدل".
    "واو waw " كما يقول الخواجات.
    الكلام المقدَّد وفاضي وخمج
    رأينا عجائب كثيرة للصادق المهدي ولكن لم نر مثل هذه الحالقة من قبل. لو قرأت هذا الكلام غير منسوب لشخص لتصورت أن قائله ذلك الشيخ السلفي الجلف محمد مصطفى، أو التكفيري وهران أو الداعشي محمد الجزولي أو غيرهم من المعاتيه الذين فرختهم الإنقاذ. ولكن أن يجئ مثل هذا الحديث المتخلف والعنصري من سياسي مجرب حسن الظن بنفسه لدرجة أن يصرح على رؤوس الأشهاد أن له صفات نادرة، وأنه ألف أكثر من مئة كتاب بعضها في حقوق الإنسان، فلعمري إنها الحالقة.
    كلنا نعلم أن الدكتور عمر القراي انتقد الصادق المهدي نقدا لاذعا بعشرات المقالات. ونعلم أن هذا النقد قد أحفظ عليه السيد الصادق المهدي، وأضغن أسرته، لدرجة أن إحدى كريمات الإمام دعت على الدكتور عمر القراي، مبتهلة لله أن يريها فيه انتقامه، وكانت تردد "حسبنا الله فيك ونعم الوكيل يا القراي". هذا هو السبب الحقيقي لسعي السيد الصادق لفصل القراي عن عمله، أي ببساطة انتقاما منه. وبطبيعة الحال ففصل القراى، إن تحقَّق، سوف يخدم للإمام أغراضا أخرى، ضمنها تأكيد فعالية ومضاء سلاح الدين في هزيمة الثورة، وإرسال رسائل للكيزان والسلفيين وغيرهم من "أهل القبلة"، وللناشرين الذين تضررت مصالحهم من تغيير المناهج وإيكال طبع الكتب للمطابع الحكومية. وأهم من ذلك كله أن فيه ضربة صاعقة لقرارات الثورة، ومقدمة للمزيد من التراجع. ولذلك كان هذا الأمر من الأهمية عند الصادق بمكان لدرجة أن يناقشه مع السيد رئيس الوزراء وكأنها قضية محورية يتوقف عليها مصير البلاد كلها. فأي تبديد لوقت رئيس الوزراء وأي جهد ضائع عديم القيمة بالنسبة للصادق نفسه. لأنه حتى لو فُصِل القراي عن عمله فسوف لن يؤثر في سياسة الوزارة شيئا، اللهم إلا إذا فَصَل معه الوزير والوكيلة وكل التيم العامل في المناهج، وأتى بالكيزان مرة أخرى. أما القراي الفرد فسوف لن يتضور جوعا، إن هو فُصِل من العمل، لأنه عندما عاد للسودان لم يفعل ذلك طلبا للرزق، وإنما تلبية لنداء الوطن. ففي مقدوره أن ينعم برغد العيش خارج أو داخل البلاد، مثل الآلاف من حملة الدرجات العلمية العليا، لو كان هذا سعيه في الحياة الدنيا.
    الشاهد أنه لا يمكن قراءة هذا الأمر غير أنه "ثأر" أو vendetta كما يعبّر الانجليز، من السيد الصادق ضد القراي. ولكن السيد الصادق كشأن أغلب السياسيين يُفصِح عن شيء ويُخفي أشياء. فهو بدل أن يقول الحقيقة العارية وهي أنه يريد أن ينتقم لنفسه من القراي ويعاقبه على انتقاده له بمقالات أثارت حنقه عليه، يذهب ليطعن في عقيدته. يقول السيد الصادق: "لأن هناك قدسية خاصة للمناهج ولا يمكن أن يتولى أمرها أناس نظرتهم في العقيدة مثيرة للجدل". يا لها من سقطة!! يعجبني تعبير الخواجات عن هذا النوع من الكلام المهلهل بعبارة What a blunder وأيضا يستخدمون كلمة gaffe، وأعتقد أن أقرب تعبير لها في لغتنا الدارجية كلمة "دُّرَّاب". والدرابة الكبيرة التي ألقاها الصادق المهدي علينا هي تعميمه العقاب على جميع الجمهوريين والجمهوريات، بدل قصره على شخص القراي وحده.
    فعبارة السيد الصادق تُجَرِّد مجتمعا بحاله من حقوقهم الدستورية في تنسم الوظائف دون تمييز، بسبب من عقيدتهم. وتُحَوِّل مشكلته الشخصية مع القراي لمعركة دينية أو عقائدية. وكذلك يمكن أن يلحق رأس السوط مجتمعات أخرى ومواطنين آخرين من "إخوانه في الوطن"، وأخواته كذلك، مثل المسيحيين وأصحاب الديانات الأفريقية التقليدية، وكل من يرى السيد الصادق في عقيدته "إثارة للجدل" من مواطني هذا البلد المتعدد الأعراق والثقافات والأديان والعقائد والأفكار واللغات. هذا بعض مما يبشرنا به السيد الإمام المتطلع للرئاسة للمرة الثالثة.
    وماذا عن عقيدة المهدية
    فكيف لا ينتبه السيد الصادق لهذا المنزلق الخطير الذي قاده إليه ذلك الكوز المحترف. وأغرب من ذلك كيف يرى الإمام القذى في عين القراي ولا يرى العود في عينه. مع العلم بأن نفس هذا الحديث يمكن أن يقال عنه هو شخصيا. فنظرة السيد الصادق في العقيدة أيضا "مثيرة للجدل". فهو يؤمن بأن جده محمد أحمد الدنقلاوي هو مهدي الزمان المنتظر وأن من لم يؤمن بمهديته قد كفر. في حين أن المهدي المنتظر عند المسلمين السُْنِيِّين في مشارق الأرض ومغاربها، باستثناء طائفة الأنصار في السودان، لم يأت بعد. أما عند الشيعة فالمهدي قد ظهر قبل ظهور جد الصادق بقرون طويلة، وهو موجود في سرداب الغيبة بِسُرَّ من رأى. وعلى ذلك فجميع المسلمين قطعا ينكرون مهدية جده، وهم وفق تلك العقيدة كفارا. فإذن عقيدة الصادق المهدي الدينية عند جميع المسلمين "مثيرة للجدل". وإن كان هذا الأمر يجرد معتنقي العقائد من وظائفهم وحقوقهم الدستورية فهو بالضرورة يُجَرِّد الصادق من الحق في أن يتطلع لرئاسة الوزارة للمرة الثالثة في عمره المديد. فللرئاسة "قدسية خاصة" أعم وأشمل وأبعد أثرا من "قدسية" المناهج.
    في الحقيقة يحار المرء وهو يرى أكبر القادة السياسيين عمرا وتجربة يغرق في خصومات شخصية تافهة وقليلة القيمة trivial تمنعه من التزام الحق والعدل، وتعميه عن قول الله تعالى: "يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا فهو أقرب للتقوى". فهل يا ترى يحمل السيد الصادق المهدي بين يديه خيرا للسودان؟ نحيى ونشوف.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de