الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشهد العظيم د. أبوذر الغفاري

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 08:04 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-17-2021, 04:32 PM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشهد العظيم د. أبوذر الغفاري

    03:32 PM January, 17 2021

    سودانيز اون لاين
    عبدالله عثمان-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    كنت حضوراً يوم مشهده العظيم
    تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود محمد طه

    د. أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب

    هذا المقال مقتطف من كتاب قيد الاعداد بعنوان (مذكرات طالب بكلية القانون)، أروي فيه لحظات تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود محمد طه صبيحة يوم 18/1/1985، وقد كنت حضوراً في ذلك اليوم.

    الجمعة 18 يناير 1985
    أعلن أن تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود سيكون صبيحة الغد يوم الجمعة 18 يناير 1985عند العاشرة صباحاً بساحة سجن كوبر. فاستيقظت في ذلك اليوم مبكراً، وعقدت العزم على حضور ذلك المشهد، فتحركت حوالي الساعة السادسة من غرفتي بداخلية النشر قبل أن تبزغ الشمس، وعبرت جسر النيل الأزرق سيراً على قدمي. والمسافة بين داخلية النشر التي أسكن فيها وسجن كوبر قريبة، فلا يفصل بينهما سوى النيل الأزرق وبعض المباني التي تتبع لقوات الشعب المسلحة في الضفة الأخرى من النيل الأزرق. وقد كانت الحركة هادئة في تلك اللحظات، إلا من بعض السيارات وبعض المارة، فاليوم لا يزال مبكراً والطقس تطغى عليه برودة الشتاء، ولا تزال المدينة تغط في نومها ولم تستيقظ بعد. وحين وصلت إلى محيط السجن اختلف الأمر، فقد أحاطت عدد من المركبات والآلات العسكرية بساحة السجن من جهته الشمالية، واصطف عدد من الجنود بملابسهم العسكرية. وتكاد تكون أنوار الساحة مضاءة بكاملها، كما أن بابها الكبير مغلق، ويمر حراس السجن جيئة وذهاباً على أعلى سور الساحة، ولا يوجد أحد من الجمهور سوى بضعة أشخاص جاءوا مثلي لحضور التنفيذ. كما ظهر للعيان الجزء العلوي من المشنقة بأعمدته الحديدية الأربعة بلونها الأحمر القاني، فوقفت أنتظر فتح باب السجن حتى يمكنني الدخول.

    ما هي إلا لحظات حتى بدأت تتزايد أعداد الجموع الوافدة، فمئات من القادمين يردون أفراداً وجماعات ويستقرون في الميدان الشمالي من السجن، في انتظار فتح باب ساحة التنفيذ. وحين اقتربت الساعة الثامنة طلب العساكر من الحضور الاصطفاف في ناحية السور الشمالية، ابتداءً من باب الساحة الكبير باتجاه الشرق نحو جسر القوات المسلحة، فأسرع الناس للوقوف حتى صار الصف طويلاً طويلاً، وكان دوري أن وقفت ضمن العشرة الأوائل الذين اصطفوا، ثم بدأ الجنود حركة تفتيش مكثفة ليس مرة ولا مرتين وإنما عدداً من المرات، يطال التفتيش فيها المرء من رأسه حتى أخمص قدميه. وما أن ينتهي تفتيش حتى يبدأ آخر. وكان العساكر الذين يقومون بمهمة التفتيش يأخذون كل شيء يجدونه لدى أي شخص يقف في الصف. وأذكر أنه كان بجانبي شخص يحمل مذياع جيب صغير، فطلبوا منه تسليمه لهم، لكنه مانع واحتج بأنه جندي في القوات المسلحة وأن ما يحمله لا يعدو أن يكون مذياعاً وليس أي جهاز يشكل خطراً، إلا أن ذلك لم يشفع له ولم تجد حجته أذناً صاغية، فطلبوا منه أن يسلم المذياع أو يغادر الصف، ففضل أن يغادر. وتطلعت ببصري إلى آخر الصف فلم ألحظ له نهاية، وبدا لي أن الجموع التي تداعت للحضور أكبر عدداً من أن تقدر.

    دنت الساعة التاسعة صباحاً ففتح العساكر باب الساحة، وطلبوا من الحضور السير في طابور على نفس الهيئة التي كانوا عليها في الصف، والدخول فرداً إثر آخر، والجلوس في الساحة ابتداء من حائط السجن الشرقي. وكان نصيبي أن جلست في الصف الأول المقابل للحائط، وهو بعيد نسبياً عن المشنقة المنصوبة في وسط الميدان. فكنت كلما اكتمل الصف أغافل عين الرقيب وأنتقل للصف الذي يليه، واستقر بي الأمر أخيراً في أقرب الصفوف إلى المشنقة. وحين اكتملت الصفوف أغلق باب السجن وتم الاكتفاء بالذين جلسوا على الأرض. ثم جيء بأشخاص يلبسون ملابس مدنية، وخطر في ذهني أنهم من عساكر جهاز الأمن، وقفوا بين الجماهير والحائط الحديدي الذي يفصل بين المشنقة والجماهير. كما وقف عدد من عساكر السجن في هذه المنطقة للحراسة ومراقبة الجمهور.

    ساحة السجن فسيحة من الداخل، يقسمها سياج حديد خفيف إلى نصفين، ويفصل بين قسميها الشرقي والغربي، فجلسنا على الجزء الشرقي منها. أما الجزء الغربي فقد بنيت في أقصاه غرفة الانتظار، التي يبقى فيها المحكوم عليه ريثما يتم استدعاءه للتنفيذ. وهي غرفة بيضاء اللون لها باب شرقي صغير يتجه مباشرة نحو المشنقة، وكان مغلقاً حين دخلت الساحة. ويبدو أن الأستاذ محمود قد جيء به إلى هذه الغرفة قبل دخولنا الساحة، فلم ألحظ منذ أن دخلت الساحة اقتراب شخص من الغرفة، ولم أكن أعلم حتى تلك اللحظة من بداخلها. وانتصبت أمام الغرفة مباشرة في وسط الساحة المشنقة بأعمدتها الأربعة العالية، ولونها الأحمر القاني. ويقود إلى أعلاها سلم صغير يصعد عليه المحكوم عليه للتنفيذ.

    لم تعد تفصلنا عن الساعة العاشرة وهي الوقت المحدد لتنفيذ الحكم سوى عشرين دقيقة من الزمان، فجيء بعدد من المعممين وأصحاب الزي الأفرنجي من خلال باب صغير في أقصى الناحية الغربية التي تقود إلى مباني السجن، وعرفت أن بينهم قضاة ومستشارون قانونيون لهم صلة بالقضية، جلسوا على جانب الحائط الجنوبي من الساحة. ثم جيء من نفس الباب بتلاميذ الأستاذ محمود محمد طه الأربعة الذين صدرت أحكام بالإعدام في مواجهتهم مع وقف التنفيذ إلى حين استتابتهم، وتم إيقافهم على الحائط الغربي من السجن في المسافة الفاصلة بين الغرفة البيضاء والباب الصغير الذي يؤدي إلى المباني الداخلية. كان مشهداً مؤثراً ينفطر له قلب كل من له قلب. أربعة شباب يرتدون ملابس الإعدام وهم يرسفون في الأغلال، أتي بهم ليشهدوا إعدام أستاذهم ومرشدهم أمام أعينهم، قبل أن يتم تنفيذ الحكم بحقهم. لا أدري أي خواطر كانت تجول في دواخلهم وأي حديث كان يخامر عقولهم، لكني أعلم أن تلك اللحظات كانت فوق قوة احتمال أي شخص عادي.

    من داخل مباني السجن كانت هتافات المساجين وأصداء أصواتهم المستنكرة لتنفيذ الحكم تتردد في أنحاء الساحة، دون أن تجد من يتجاوب معها من الحضور في الساحة. عدد من الهتافات تعلو وتقترب ثم تخفت، وصيحات أشخاص عالية تواصل صراخها (مليون شهيد لعهد جديد) و(لن ترتاح يا سفاح) ثم تخبو، وكأنما هناك شخص يطاردهم، أو كأنهم يقتربون من الساحة ثم يذهبون بعيداً. إلا أن الوضع المنفعل داخل السجن لا يشبه الوضع في ساحة التنفيذ، فقد تسيد الصمت الساحة، ولم يكن العساكر يسمحون بأي فعل يثير شكاً. فكل حركة تجري في هذا المسرح صامتة صمت القبور ومراقبة.

    التنفيذ
    صعد أحد عساكر السجن إلى سطح المشنقة وأمسك بحبلها وهزه بشدة، كأنه يريد أن يختبر صلاحيته ويتأكد من جاهزيته للمهمة المنتظرة، فظهر أنه مربوط في الأعلى بإحكام وأن عقدته ملتفة بقوة، ثم نزل. وذهب اثنان من العساكر نحو الغرفة البيضاء ففتحا بابها ودخلا، وما هي إلا دقائق معدودة حتى خرجا يتوسطهم الأستاذ محمود. هذه أول مرة تقع فيها عيناي عليه. رجل مربوع القامة أخضر اللون بلهجة أهل السودان، ليس به سمنة ولا نحافة، يلبس ملابس السجن وهي سروال وقميص قصير الأكمام من القماش القطني الخفيف الأبيض، وقد غُطي وجهه بقناع أحمر. وربطت يداه على وسطه بحبل سميك، كما قيدت يداه ورجلاه بجنزير حديدي، وينتعل حذاءً خفيفاً ناصع البياض من النوع الذي يطلق عليه السودانيون مركوب الجزيرة. سار خطواته القصيرة بين الغرفة البيضاء وسلم المشنقة وئيداً متزناً مرفوع الجبهة، ثم توقف قليلاً عند السلم، فخلع نعله اليمين ثم نعله اليسار وتركهما على حافة المشنقة، وصعد بهدوء حتى استقر على سطحها، متجهاً بكليته إلى جهة الشرق. ونزع السجان القناع الأحمر عن وجهه، فهاجت جموع المعارضين له مبتهجين وهم يرددون شهادة التوحيد.

    كان وجهه مضيئاً كقرص الشمس التي تسقط ضوءها عليه، وارتسمت على شفتيه ابتسامة عريضة لونت وجهه بلون الفرح. ثم جعل يجيل بصره في الحاضرين حوله من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، وكأنه يتفرس وجوههم ويدقق في ملامحهم. هذا مستوى معجز من الثبات والشجاعة، فلا شيء في قسمات وجهه يوحي أنه مقدم على الموت ومغادرة الدنيا إلى الأبد.

    هدأت عاصفة التهليل التي أثارها بعض المعارضين في الساحة، ولم تهدأ أصوات وحركة المساجين داخل السجن، فقد ظلوا يواصلون الهتاف العالي ويرددونه طوال الوقت بنفس الشعارات السابقة. وتقدم القاضي المكاشفي طه الكباشي إلى منبر صغير منصوب شمال المشنقة التي يقف عليها الأستاذ محمود، وقراً خطبة قصيرة استغرقت ما لا يزيد على خمس دقائق، تلى فيها أسباب الحكم بالاعدام وردد بعض الحيثيات التي استندت عليها المحكمة، وحيا فيها حكومة (جعفر المنصور) قاصداً بذلك جعفر نميري. وطاف بذهني، إذا كان هؤلاء الجلادون يقيمون حداً من حدود الله، ويعملون من أجل دين الله فلماذا زج باسم جعفر المنصور لأغراض السياسة في هذا المقام.

    ركزت بصري على وجه الأستاذ محمود وهو يستمع لخطبة القاضي المكاشفي طه الكباشي، فلم يظهر على صفحته سوى الثبات ولم تفارقه الابتسامة المشرقة الأخاذة. ولم يزل يجيل بصره في وجوه الحاضرين يمنة ويسرة كأنه يودعهم فرداً فرداً. يا الله، هذه الشجاعة المتناهية في مقابلة الموت تفوق كل تصور، وتعجز كل الكلمات عن وصفها. سحرني هذا الوجه في وجه الموت، وتمنيت لحظتها لو أنني التقيت به من قبل، واستمعت إليه قبل أن يمر على تاريخ حياتي عياناً في هذه اللحظة الخاطفة.

    حينما انتهى القاضي المكاشفي من خطبته، صعد السجان مرة أخرى إلى سطح المشنقة وأعاد القناع الأحمر إلى وجه الأستاذ محمود، ثم وضع الحبل حول رقبته ونزل، و كانت الساعة وقتها قد بلغت العاشرة وعشر دقائق. ثم داس الجلاد على مزلاج المشنقة، فانفتحت قاعدتها إلى نصفين وارتمى جسد الأستاذ محمود إلى أسفل. وهنا انطلق صياح الجمهور عالياً بالتكبير والتهليل، وتعالت أصوات مبتهجة بصورة هستيرية، والجسد معلق على المشنقة. وظل الوضع على هذا النحو عدة دقائق. ثم صعد اثنان من عساكر السجن يحملان نقالة مثل النقالات الطبية التي تستخدم لحمل المرضى في المستشفيات، ووضعاها على أرضية المشنقة، وصعد معهما رجل يلبس ملابس مدنية اتضح فيما بعد أنه طبيب. فرفع السجانان الجسد ووضعاه على النقالة، ونزعا القناع الأحمر، فبدا وجهه وكأنه يخلد إلى هجعة صغيرة، محفوفاً بالبهاء الذي لم يفارقه منذ أن نزع القناع الأحمر عنه وهو على سطح المشنقة. ثم حلا الحبل الذي قيدت به يداه إلى وسطه، فبانت طراوة الجسم ولينه، حتى أن اليد اليمنى ارتمت مبتعدة قليلاً عن باقي الجسد. وأخذ الطبيب في الكشف على الجسد مستخدماً يديه وسماعة طبية كان يحملها، فلمس يديه وكشف على صدره، ثم أعطى إشارة بيده تفيد أنه قد غادر الحياة، فحمل السجانان الجسد على النقالة ونزلا بها من سطح المشنقة، عابرين بها إلى داخل مباني السجن.

    أعيد تلامذة الأستاذ محمود مرة أخرى إلى داخل السجن، وعاد الرسميون من القضاة والمستشارين الذين حضروا التنفيذ، من نفس الباب الذي دخل منه التلامذة، ثم فتح باب الساحة الكبير مرة أخرى لخروج الجمهور المحتشد من ساحة السجن. وقبل أن أغادر السجن أقلعت طائرة مروحية كانت ترابض غرب السجن، واتجهت نحو جهة الشمال الشرقي، وعرفت لاحقاً أنها الطائرة التي حملت جثمان الأستاذ محمود حيث تم دفنه في الصحراء الممتدة غرب مدينة أم درمان، وأن اتجاهها للجهة التي سارت عليها أولاً ربما كان لأغراض التمويه.







                  

01-17-2021, 07:06 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48851

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشه (Re: عبدالله عثمان)

                  

01-17-2021, 07:47 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48851

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشه (Re: Yasir Elsharif)


    من اليمين إلى اليسار:
    النيَّل أبو قرون، فؤاد الأمين عبد الرحمن (رئيس القضاء وقتها)، عوض الجيد محمد أحمد، أحمد طه، أحمد محجوب حاج نور


    الصف الأمامي
    من اليمين: أحمد وادي حسن مدير السجون، إلى يمينه حسن إبراهيم المهلاوي، ثم إلى يمينه المكاشفي طه الكباشي
                  

01-17-2021, 11:58 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48851

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشه (Re: Yasir Elsharif)

    شجاعة أم أسطورة: ن
    وابتسم الأستاذ محمود محمد طه في وجه الموت

    بقلم: قاضى سوداني سابق

    ما أحوجنا في هذه الأيام أن نسترجع ذكرى رجال من قادتنا من الذين ضحوا بأرواحهم ثباتا على المبدأ وتضحية من أجل الوطن ونحن في أيام يتوارى فيها القادة حتى عن اتخاذ موقف أو الثبات على مبدأ ما أحوجنا لاستعادة سيرة رجال في قامة محمد أحمد الريح الذي رفض الاستسلام وظل يقاتل حتى ضرب المبنى الذي كان بداخله فانهار عليه المبنى ولم ينهار الرجل. ن

    ومثل شباب الحركة الإسلامية حسن ورفاقه في دار الهاتف الذين قاتلوا في دار الهاتف وهم جوعى فاستمروا في المقاومة رغم حصارهم وقذفهم بالدانات ولم يستسلموا إلا بعد أن نفذت ذخيرتهم … وعبد الخالق محجوب الذي تهندم للموت وكأنه ذاهب لعرس. ن

    وفاروق حمد الله الذي فتح صدره للرصاص وقال الراجل بيضربوا بقدام… وبابكر النور الذي ظل يهتف وهو يضرب بالرصاص عاش كفاح الشعب السوداني … ورجال الأنصار الذين قاتلوا في شرف في 76… وأولادنا السمر فى الجبهة الشرقية الذين ضحوا من أجلنا ولا نعرف حتى أسماؤهم وكانوا على استعداد لمواصلة الدرب لولا خيانة قياداتهم السياسية. انه الشعب السوداني سيستعيد يوما سيرته الأولى وسيتجاوز قادته الأقزام ويزيل كل هذا العبث الطافي. ن

    ومحمود من القادة النادرين الذين عاشوا ما أمنوا به لم يكن فكرهم في جانب وحياتهم في جانب آخر…ولو كان قادتنا من أمثال محمود لارتفع صوتهم في أحداث ميدان المهندسين فمحمود كان منزله من الطين في الحارة الأولى الثورة لم يكن له قصر في الإسكندرية أو شقه فاخره في القاهرة تجعله يختبىء ويفقد صوته عندما تقتطع مصر جزء من وطنه حلايب وشلاتين أو يتوارى عن الأنظار عندما يغتال المصريون أطفالنا ويكشفون عورات نساؤنا في القاهرة ….لم يشبع محمود في الطعام فقد كان نباتيا واختلف مع الذين نادوا على التركيز على أفكار الرجل وليس إعدامه وما قيمة الفكر إذا لم يصمد صاحبه ويقبل التضحيات في سبيله وهل كان الفكر سيلقى كل هذا الزخم ويصمد إذا انهار صاحبه وتاب في مواجهة الموت … وهل كان الجمهوريين من تلامذته سيرفعون صوتهم إذا انكسر معلمهم …. وأين الأب فيليب غبوش الذي هدده نميري بالإعدام فقال كما ورد على لسانه (قلت يا ود يا فيلب أحسن تلعب بوليتيكا) فلعب الأب فليب بوليتيكا وتاب على رؤوس الأشهاد فكسب حياته وضاع فكره .. ن

    ويبقى أنني ليس جمهوريا ورأيت الأستاذ محمود لأول مره في ساحة المحكمة كانت الساحة السياسية في عام 85 مائجة بعد أحداث إضراب القضاة فى83 وخروج نميري من هذه المواجهة مهزوما وإعلانه بعدها لقوانين سبتمبر في محاوله منه لتشتيت الأنظار عن تراجعه ومن ناحية أخرى كان نميري مرعوبا من الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه رغم حماية أمريكا له فأرعب نميري المد الإسلامي وأراد أن يلتف عليه ويتقدم هذا المد …وأصدر الأستاذ محمود محمد طه منشور هذا …. أو الطوفان وقد ذكر الأستاذ في هذا المنشور أن قوانين سبتمبر جاءت فشوهت الإسلام في نظر الأذكياء من شعبنا وأساءت لسمعة البلاد فهذه القوانين مخالفه للشريعة ومخالفه للدين..ن

    وفى فقره أخرى: إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينيه كانت من العوامل الأساسية التي أدت لتفاقم حرب الجنوب وطالب الأستاذ بإلغاء قوانين سبتمبر وحقن الدماء في الجنوب واللجؤ للحل السياسي والسلمي. ن

    تم القبض على الأستاذ محمود وتقديمه لإحدى محاكم العدالة الناجزة وقاضيها المهلاوي وهو شاب صغير السن كان قاضيا بالمحاكم الشرعية وهو قريب النيل أبوقرون مستشار رئيس الجمهورية وأحد مهندسي قوانين سبتمبر وكان المهلاوي يعوزه الإلمام بقانون الإجراءت الجنائية وقانون الجنايات وهذا ما يفسر ارتباكه في ذلك اليوم عندما مثل أمامه الأستاذ محمود الذي احضر لمجمع المحاكم بأمدرمان ومعه مجموعه مدججة بالسلاح أحاطت بالمحكمة … كان الأستاذ يرتدى الزى الوطني وفى الصفوف الأمامية كان المحامين الوطنيين الذين اعتدنا رؤيتهم في مثل هذه المحاكمات السياسية متطوعين مصطفى عبد القادر فارس هذه الحلبات (شفاه الله) وأمين مكي مدني والشامي والمشاوي وعلى السيد وآخرين..ن

    استمع المهلاوي ومن ربكته نسى أن يحلف المتحرى مع انه الشاهد الوحيد وارتجل الأستاذ كلمته الخالدة التي ردد في بدايتها رأيه في قوانين سبتمبر كما جاء في المنشور وأضاف: أما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين ولذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمه تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتمثيل بالمعارضين السياسيين (وما أشبه الليلة بالبارحة يا أستاذ.. وشكر الأستاذ المحاميين الوطنيين للتطوع عن الدفاع عن الجمهوريين وأضاف أن الجمهوريين سيتولون مباشرة قضاياهم بأنفسهم.. ن

    وأصدر المهلاوي حكما بإعدام الأستاذ محمود .. ن

    فحين يسود الرعب والوهن ن

    ويبطىء الشهود والقضاء والزمن ن

    ينفلت القاتل والمقتول يدفع الثمن ن

    أيدت محكمة استئناف العدالة الناجزة الحكم وأيده نميري الذي قال انه بحث فى كل كتب الفقه فلم يجد للأستاذ مخرجا وهذا لا يعقل فكيف رجع نميري في أيام معدودة كل كتب الفقه ونميري لا تمكنه مؤهلاته العقلية من قراءة كتاب المطالعة الأولية بدون أن يخطىء عشرات الأخطاء. ن

    جاء يوم 18/1/1985م يوم التنفيذ تقاطر المئات نحو بحري واغلبهم كان يعتقد أن الإعدام لن يتم لأسباب شتى وبعضهم بين مصدق ومكذب لكل هذه المهزلة أن يعدم بشر لإصداره منشورا .. أوقفت العربات للقادمين من الغرب عند خط السكة حديد وساروا على الأقدام متجهين نحو سجن كوبر …. دخلت ساحة الإعدام بسجن كوبر وهى ساحة واسعة في مساحة ملعب كرة قدم ووجدت مجموعه من الناس جلست على الأرض في الجانب الشرقي وفى الجانب الشرقي كانت منصة الإعدام تنتصب عالية في الجانب الجنوبي منها صفت كراسي تحت المنصة مباشرة في الصف الأول مولانا فؤاد الأمين رئيس القضاء والمكاشفي طه الكباشي رئيس محكمة استئناف ما أطلق عليه المحاكم الناجز وبجواره الأستاذ عوض الجيد مستشار رئيس الجمهورية ومولانا النيل أبو قرون مستشار رئيس الجمهورية وبجوارهم مولانا محمد الحافظ قاضى جنايات بحري ومولانا عادل عبد المحمود وجلست في الصف الأول وكنت اقرب إلى المنصة وفى الصفوف الخلفية ضباط شرطه وسجون… ن

    وعلى الحائط الغربي وعلى مسافة من المنصة اصطف الجمهوريين المحكوم عليهم بالإعدام كانوا يلبسون ملابس السجن ذقونهم غير حليقة يبدوا عليهم التشتت وكانوا مقيدين …رجال الأمن منتشرين والشرطة بأسلحتها منتشرة في المكان …كان هناك رجل طويل القامة بصوره ملفته اسمر اللون يحمل شنطة في يده يقف خلف المنصة مباشره ونفس هذا الرجل رأيته في المحاكمة … المكاشفي كان يتحرك متوترا ويتبسم حتى والسن الذهبية تلمع في فمه . ن

    احضر الأستاذ محمود محمد طه يرتدى زى السجن مقيد الرجلين مغطى الوجه بغطاء احمر… اقتيد حتى سلم المنصة حاول السجانان الممسكان به مساعدته في الصعود إلى المنصة ولكنه لم يعتمد عليهم تقدمهم وبدأ يتحسس السلالم بقدمه ويطلع درجة بعد درجة.. ن

    انتصب الأستاذ محمود واقفا فوق المنصة وهو مغطى بالغطاء الأحمر … تلا مدير السجن من ميكرفون مضمون الحكم وتلا أمر التنفيذ ….الأستاذ محمود ذو 76 سنه واقف منتصب .. حبل المشنقة يتدلى بجواره… قرىء عليه أمر تنفيذ الإعدام عليه ويمسك المكاشفي بالميكرفون ليسمع الأستاذ آخر كلمات في هذه الدنيا فيسب الأستاذ محمود ويشير إليه في كلمته بهذا المرتد الذي يقف أمامكم .. وتستمر الكلمة زمن والمكاشفي يزبد ويرقى.. يطلب السجان من الأستاذ محمود أن يستدير يمينا.. ن

    ويستدير الأستاذ ويواجهنا تماما يتم كشف الغطاء عن وجه الأستاذ.. يبتسم الأستاذ وهو يواجه القضاة الذين حكموا بإعدامه ابتسامه صافية وعريضة وغير مصنوعة.. وجهه يشع طمأنينة لم أرها في وجه من قبل …قسماته مسترخية وكأنه نائم …كان يشوبه هدوء غريب …غريب.. ليس فيه ذرة اضطراب وكأن الذي سوف يعدم بعد ثواني ليس هو … والتفت إلى الجالسين جواري لأرى الإضراب يسودهم جميعا .. ن

    فؤاد يتزحزح في كرسيه وكاد يقع..عوض الجيد يكتب حرف نون على قلبه عدة مرات .. والنيل يحتمي بمسبحته في ربكة (النيل تعرض لاتهام بالردة في عهد الإنقاذ وتاب) كان الخوف والرعب قد لفهم جميعا والأستاذ مقيد لا حول له ولاقوه …ولكنه الظلم جعلهم يرتجفون وجعل المظلوم الذي سيعدم بعد لحظات يبتسم !!التف الحبل حول عنق الأستاذ محمود كان مازال واقفا شامخا (قيل أن الشيخ الترابي حضر مره قطع يد سارق فأغمى عليه) وسحب المربع الخشبي الذي يقف عليه الأستاذ وتدلى جسده (وكذب من قال انه استدبر القبلة) هتف الرجل طويل القامة الواقف خلف المنصة .. سقط هبل .. سقط هبل ردد معه بعض الغوغاء الهتاف .ويحضرني صلاح عبد الصبور في مأساة الحلاج.. ن

    صفونا.. صفا .. صفا ن

    الأجهر صوتا الأول والأطول ن

    وضعوه في الصف الأول ن

    ذو الصوت الخافت والمتوانى ن

    وضعوه في الصف الثاني ن

    أعطوا كل منا دينار من ذهب قاني ن

    براقا لم تمسسه كف ن

    قالوا صيحوا زنديق كافر ن

    صحنا زنديق كافر ن

    قالوا صيحوا : فليقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا ن

    صحنا:فليقتل إنا نحمل دمه في رقبتنا ن

    كان هناك من هتف من بين الجمهور شبه لكم .. شبه لكم تم القبض عليه وتم ضربه أمام رئيس القضاء أوقفهم مولانا محمد الحافظ (عرفت من الأستاذ بشير بكار الدبلوماسي السابق انه هو الذي هتف) خرج الحضور من القضاة عن طريق سجن كوبر….وعندما مروا بزنزانات المعتقلين السياسيين كان هتافهم يشق عنان السماء...ن

    محمود شهيد لعهد جديد … ن

    لن ترتاح يا سفاح … ن

    مليون شهيد لعهد جديد…ن

    لم يغطى على هذا الهتاف حتى أزير الطائرة التي يقودها فيصل مدني وحملت جثمان الشهيد لترمى به في وادي الحمار (وهذا حسب ما تسرب لاحقا) وكان محمود شهيد لعهد جديد .. ن

    وسقطت مايو بعد 76 يوما من إعدام الأستاذ.. ن

    هادئا كان أوان الموت ن

    وعاديا تماما ن

    وتماما كالذي يمشى ن

    بخطو مطمئن كي يناما ن

    وكشمس عبرتها لحظة كف غمامه ن

    لوح بابتسامه ن

    قال مع السلامة ن

    ثم ارتمى وتسامى ن

    وتسامى…… ن

    وتسامى......ن

    ــــــــــــــــــ
    http://www.ancientsudan.org/arabic_24_tahacourt.html
                  

01-18-2021, 04:20 AM

muntasir

تاريخ التسجيل: 11-07-2003
مجموع المشاركات: 7549

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشه (Re: Yasir Elsharif)

    الأسمر طويل القامة ده عضو المنبر عمار أحمد أدم
                  

01-18-2021, 11:23 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48851

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه: كنت حضورا يوم المشه (Re: muntasir)
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de