من قال بأن مسألة ازدواج الجنسية مسألة شخصية عندما يتقلد أحدهم مجرد وظائف (وليس مناصب) حساسة في الدولة؟ إن مهزلة ازدواج الجنسية لأصحاب المناصب لا تحدث إلا في السودان عندما يحمل مدير جهاز الأمن السوداني مثل قطبي المهدي جنسية كندية، وأغلب المنتمين لتنظيم الاخوان المسلمين عادوا من أمريكا وبريطانيا وكندا وهم يحملون جنسيات أجنبية. عندما وجهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بالإبادة الجماعية للبشير وبعض المنضوين تحت تنظيم الإخوان المسلمين سارعت الولايات المتحدة الأمريكية للاتفاق مع المحكمة على استبعاد كل من يحمل الجنسية الأمريكية من الاتهام. دعونا لا نبتعد كثيراً ونرى كيف أن من حكموا السودان منذ عام ١٩٥٦ كانوا يضعون التشريعات حسب مصالحهم. فأغلب السودانيين لونهم أسود وأبناء الشمال النيلي أرادوا التخلص من هذه التي يعتبرونها وصمة فأكثروا من الزواج بالمصريات، أغلب السياسيين كانوا يتزوجون بالمصريات وغالباً من المصريات من أسر فقيرة (لتحسين النسل) لذلك عندما سنوا قانون حظر زواج الموظف من أجنبية استثنوا الزواج من مصريات. على الرغم من أنه لا يجوز لأي مصري لديه جنسية سودانية أخرى أن يحصل على أي وظائف بل هو مستبعد حتى من الخدمة العسكرية ناهيك عن مناصب حساسة. لذلك فازدواج الجنسية لم يكٌ شيئاً شخصياً إلا عندما لا يرتبط الشخص بعمل عام. أما العمل العام فلا يجوز فيه ازدواج الجنسية ناهيك عن أن يتم ذلك زمن الحرب. المسألة لا تتعلق بالإعيسر، فالاعيسر كغيره من السودانيين لديه مسطرته الخاصة التي تساوي طوله، والتي بها يقيس كل الأشياء لتساوي طوله وإلا كانت باطلة. وهذا ما أفرز هذه الحرب. العنصرية في السودان هي في الواقع مسطرة شخصية لقياس مدى تمتع الآخر بالحقوق أو سلبها منه، وهذا ما أفضى لهذه الحرب والحروب المستمرة منذ سبعين عاماً، فالقوانين توضع بحسب مقاسات الفئة الحاكمة (حزب، عرق، جنس، لون..الخ) وظللنا نقول بأن هذه أكبر مشكلة يعاني منها العقل السوءداني المريض، الذي يفتقر للنزاهة والحيادية، فكل ما يقوم به منذ الاستقلال هو التكويش على كل شيء وقد يرمي بالفتات إلى البعض ليضعهم في الحياد كما فعلوا مع بعض الأسر في الشرق والغرب والجنوب فمنحوها مزايا لتكون بوقاً يردد كالببغاء ما يراد لهم قوله، وظلت هذه المجموعات الحاكمة بتحالف (المال والسلاح) تقوض أي أصوات تنادي بالدولة التي تكون فيها قواعد القانون (عامة ومجردة). عندما نال جنوب السودان (استقلاله) احدث ذلك صدمة، وعلى الفور شرع جهابذة العنصرية في تعديل قانون الجنسية لنزع جنسية الجنوبيين وتم ذلك على عجل وبصياغات تفتقر لأبسط مبادئ القانون، فقلنا لهم -آنذاك- بأن هذه التعديلات ستحدث مشاكل كثيرة اجتماعية وسياسية، لأن هناك على الحدود داخل الشمال جنوبيين وبنزع جنسيتهم قد تحدث مشاكل سياسية، وهناك من من أمه جنوبية وأبوه شمالي، فكيف ستنزع عنه جنسيته، ..الخ، كما انك لم تنزع الجنسية ممن لديه جنسية مصرية أو امريكية أو حتى اسرائيلية ومن باب أولى ان يتم اصدار قانون يشمل الجميع فلا يجوز لأي شخص حمل جنسية أخرى غير السودانية كما تفعل الكثير من قوانين الدول. إذاً فمسألة الجنسية لم تكن تحتاج لكل هذا الهياج الذي أحدثه الإعبسر، بل تحتاج منه أن يناقشها هو نفسه مع البرهان وغيره لتقييمها من ناحية الأمن القومي. لكن هل يستطيع الاعيسر أو أي سوداني آخر التخلص من مسطرته الشخصية لحساب أمن بلده؟ لا أعتقد..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة