عتاة اللوَامة : يبدو بأن النخبة السودانية كأنها مسكونة بهوس جنون العظمة ، كلما تعلَق الأمر بشأن وصايتها على السودان . و غنيَ عن القول ، بإنها تتصرف كخليفة الله على دولة السودان، و منفصلة تماما عن الواقع السوداني . فلذلك ، كلما حاول أحد ما ، لفتها لترى سخافة تلك الهلوسة ، فهي تسارع بخفة التلويح بورقة العنصرية أو التآمر ضدها. و هذة هي أيضا علاقتها مع الصحفي المصري المخضرم محمد حسنين هيكل ، فهي تعتبره عنصري من الطراز الأول . لا شك ، بأن لهذا الصحفي الكبير ، كراهية عميقة ضد الرئيس الأسمر أنور السادات . إلا إن ذلك ، لا يعني بأننا نجعل في آذاننا وقرا ، كلما تحدَث عن تخلف السودان . و بما أننا جميعا نعيش زمنا سودانيا شبيه بيوم القيامة ، فينبغي علينا الإتزان و الصدق مع الذات . مع ذلك ، لا يبدو بأن أحدا منَا يريد أن ينطق كلاما صادقا و أمينا حتى و لو ، على فراش الموت . فلذا علينا كأفراد و جماعات بأن نولي أولوية قصوى للقيم الأساسية لبناء المجتمعات الناحجة . فإن غياب ثقافة تحمل المسؤوليات بشجاعة و أداء الواجبات بنزاهة تجاه المجتمع و الدولة ، هي التي أوردتنا هذة المهالك المتتالية . من الواضح هذة الأيام ، بأن الجميع يتخبط في أسئلته و أجوبته ، الوحيد الذي نعرفه حاليا عن السودان هو الخراب . لذلك ، أعتقد من المفيد أن نلقي نظرة ثانية متأنية في مقالتين للإستاذ هيكل تحت عنوانين : هذة هي الحقيقة في السودان ، في سنة 1951و أخرى : ماذا بعد في السودان ؟ في سنة 1964 . فلقد أنتدبت الصحافة المصرية أحد أفضل دهاقنتها حينئذ ، الى السودان ، لشكف لغز ما يجري هناك . في سنة 1964 كتب الصحفي المخضرم تحت عنوان : ماذا بعد في السودان ؟ ففي هذة المقالة الذهبية يصف نخبة السودان حينذاك قائلا : الحكم في السودان يمكَن للإستغلال الأجنبي بغير حساب ، حتى عتاة المغاميرين الأجانب لم يجدوا ملجا لمضارباتهم .. إلا في السودان .. بينما الشعب السوداني يبحث عن قيم إجتماعية تقيم الكفاية و العدل .. " يمكنك أن تمَكن الأجنبي في البلاد ، لكن أن تمكَنه للإستغلال و بغير حساب ، فهذة مسألة عجيبة . ".. جيش لا تريد الأغلبية فيه أن تضرب الشعب ، لكن العناصر المؤثرة منه لم تقتنع بمبدأ عودة الجيش إلى ثكناته ، بمعناها الحقيقي . " لأن افراد الجيش من الأغلبية السودانية المهمَشة ، و ما يجري الآن هو تبديل الجيش السوداني ، بمجموعات مرتزقة ، و بقيادة تؤمن بإيديولوجيا الإسلاموعروبية . هذا الجيش الجديد سيكون تحت أمرتها ، بمثابة ماكينة موت و طحن لا ترحم مثل أي جيش إحتلال إستيطاني . مثل هذة الإستراتيجيات القبلية ، كانت تجري على قدم و ساق في حكومة محمد بازوم في النيجر ، لكن الشعب النيجري أفشل المخطط . ".. لكن الأمل كان معقوداً بعد الاستقلال عام 1956 على أن تصحح الدولة الوطنية بعض ما فعله الإنجليز أثناء الاحتلال، لأن ما فعله الإنجليز هو تكريس الكراهية بين الجماعات بالسودان، كان هناك أمل أن تتغلب الدولة الوطنية على مشاكلها، لكن للأسف الشديد ، فإن الشمال الذي تتركز فيه السلطة لجأ إلى استخدام القوة العسكرية، إن السودان مقبل على عملية جراحية مؤلمة ويؤسفني قول ذلك''، وخلص حسنين هيكل إلى أن السودان سيصبح أربع دويلات هي: (الجنوب، الغرب، الشرق، الوسط ) الأهرام / 6 نوفمبر1964.. . بعد 60 سنة من المآسي ما أشبه اليوم بالبارحة ، و أية نزوة تبريرية ، لهذا الإخفاق التأسيسي لدولة حديثة، لن تكون سوى تجربة بائسة و عديمة الجدوى . حكومات إثنوقراطية : إنه شعب لقَن ليكون منقسما على نفسه ، شعب لقَن ليقدس القبيلة أكثر من المواطنة و الإنسانية ، شعب لقَن ليقدس الإيديولوجية الدينية الشيطانية ، أكثر من الفطرة السليمة و الحرية و الكرامة الإنسانية . لماذا كل هذة الرجعية ؟ لأن الدولة تديرها حكومات إثنوقراطية وظيفية مفترسة ، مسخَرة فقط ، لخدمة الأجنبي و قتل كل من يقف في وجهها. دولة ذات قيادة ظلت تمارس الإرتهان للخارج ، قيادة لقَن ليقلد كل شئ من الخارج ، لا تثق في نفسها و لا بشعبها ، بالرغم من مواردها الضخمة التي تحت تصرفها . و الأسوأ أن تسخر كل تلك الموارد لرفاهية الأجنبي . ثم إنه شعب تم تلقينه للقرون لكره لونه و ذاته ، بثقافة متغطرسة ، تقلل من قدراته الذهنية شعب يفتخر بتقاليد جلاده أكثر من إهرامات و جبال و أودية و أنهر بلاده . فقط أنظر لهذا الشعب الذي يقتل بعضه بعضا لعقود بذرائع عجيبة " حروبات أهلية بدوافع أجنبية " بينما المسؤولية الأولى تقع عليه . حاليَا ، تقريبا كل السودان يحاول توجيه جم غضبه على أمارة " دولة الأمارات العربية " التي تقريبا بمثابة مساحة ولاية الخرطوم . لأنها تحاول إحتلال السودان بواسطة الدعم السريع ، بهدف الهيمنة على موارد السودان . لكننا ننسى بأن نخبتها الإسلاموعروبية ، هي التي فتحت لهذة الأمارة و لغيرها ، الأبواب على مصرعيها . مجرد التفكير في هذا الضجيج ، يكفي بأنك أمام شعب مأزوم ، لا يتقن حلَ مشاكله ، إنما يتقن حلَ مشاكل غيره . فعندما نثرثر دائما بأننا بنينا لهم دول الخليج ، هل فكَرنا قليلا في بضع أسئلة إستنباطية ؟ مثلا ، كيف بعقل لامع هكذا ، يبني بيوت غيره وهو مشرد بلا مأوى ، علما بإنه غني بالموارد ؟ أم أهله لا يستحقون عبقريته ؟ أم أن هذا العقل تم برمجته و صياغته ، فقط لخدمة من برمجوه ؟ أم إنه أحجية : النجار بابه مكسور ؟ كمبدأ ، الذين يحبون أوطانهم يبنون أوطانهم ، أولا . التواضع هو الأساس لنبدأ من هنا . الحقيقة نحن شعب متخلف في كل الأصعدة ، سياسيأ و عسكريا وثقافيا .. وغيرها ، تستفزَه صراع هذيان الهوية، فيهرع لإبادة الذات . البشرية ، تدرك بأنها مازالت تقوم بأفعال شريرة و غبية لا تحصى، و لكن ما يحدث في السودان ، جعلتها تغمض عينيها من هول الصدمة . فلقد أصبح واضحا الآن بأننا من نخرَب بيوتنا بأيدينا و نلوم الآخر ، بمؤامراتنا التدميرية . أختتم ، بدعوة القراء مرة أخرى ، التمعن بجدية في تلك المقالتين، أي : هذة هي الحقيقة في السودان ، و ماذا بعد في السودان ؟ و يمكن قرائتمها كاملة في الموقع الإلكتروني الموسوعي المعرفة . كيسر أبكر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة