لكي نجيب على هكذا سؤال، يجب أن نعرف ماهية الفلسفة، ومن هم الفلاسفة، وأصنافهم، وهل هم سواء، أم مختلفون، ومن أين جاءت التسمية؟. أولًا: ما هي الفلسفة، ومتى ظهرت، والفرق بين الفلسفة والسفسطة، والفلاسفة والسّوفسطائيين، ومَن هم أشهر الفلاسفة القدماء؟؟ ▪︎تعريف الفلسفة ومفهومها: الفلسفة في اللُّغة: يعود أصل كلمة فلسفة في اللغة لكلمتين يونانيّتين هما: (فيلوسوفيا) واذا نظرنا لمعنى هاتين الكلمتين نجد أن كلمة فيلو تعني: حُبّ، وسوفيا: تعني الحِكمة، أي إنّ الفلسفة معناها هو حُبّ الحِكمة، او محبة الحكمة وباللغة الانجليزية (philo – shophy) أي (Philosophy) وينسب جزء كبير من المؤرّخين هذا الاصطلاح إلى عالم الرياضيات فيثاغورس، الذي كان أول من أطلق على نفسه لقب فيلسوف. والبعض يقول إن سقراط هو من وصف نفسه بالفيلسوف حتى يميّز نفسه عن السّوفسطائيين الذين كانوا يدّعون الحِكمة في تلك الفترة، ولكنهم كانو أبعد عن الناس عنها لذلك كان يطلق على أفكارهم السفسطة، أي: أيّ كلام دون دليل..وكان هؤلاء الناس يقومون بتغيير مفاهيم وحقائق الأشياء وذلك كله من أجل تغليب وجهات نظرهم وكان لديهم من البراعة ما مكنهم من نشر أقوالهم، لبراعتهم في الإقناع حتى لو بالخطأ. وكانوا يقولون مايريدون إثباته دون اي دليل أو علاقة بالعلم.. فإعتمدوا على نشر أفكارهم عبر تحريف المفاهيم. ومن هنا كان مفهوم وعلم الفلسفة هو النقيض للسفسطة. فأصبحت الفلسفة هي التي تبحث عن الحقيقة والمعرفة. كما يرى آخرون أنّ مُصطلح فلسفة يعودُ إلى أفلاطون. ▪︎تعريف الفلسفة اصطِلاحاً يختلف تعريف الفلسفة اصطِلاحاً عند الفلاسفة حتى في العصر الواحد فكل واحد منهم يرى الفلسفة بوجهة نظر معينة تتناوله حسب رؤيته لدور الفلسفة في المعرفة. أولًا: عند اليونان: 1- سقراط: من أهم الفلاسفة في اليونان منذ اكثر من 2500 عام وكانت له آراء مميزة في البحث عن المعرفة وطلب الحكمة كمذهب فلسفي وتناقل أفكاره ورسائله تلاميذه وعلى رأسهم أفلاطون..ويعتبر سقراط أحد مؤسسي الفلسفة الغربية الكلاسيكية، وكان يلقب بأكثر الرجال حكمة في زمنه..عرف سقراط أن الفلسفة هي بحث الإنسان ودراسة لمشاكله وقضاياه وحياته ودراسة الأخلاق والسياسة..وقد حو؟ل سقراط التفكير الفلسفي من مجرد التفكير في الكون وعناصر تكوينة إلى البحث في ذات الانسان ومن ثم الإيمان بالخالق، والبحث عنه. واستخدام الدليل العقلي في الوصول اليه، واستخدم سقراط الفلسفة في إشاعة الفضيلة بين الناس والصدق والمحبة. 2- أفلاطون: فيلسوف يوناني كلاسيكي مثل معلمه سقراط الذي تأثر به كثيرًا..وضع أفلاطون الأسس الأولى للفلسفة الغربية والعلوم، ومن أشهر تلاميذ أفلاطون إرسطو..أما أفلاطون فقد عرف الفلسفة على أنها أسلوب في العيش وانها ليست مجرد آلية من آليات التفكير والتأمل الذي يقوم به الانسان. ويعتبر أفلاطون هو من أسّس الفلسفة المثالية. وهكذا نجد سقراط وأفلاطون يعتمدان على أدوات العقل والمنطق باعتبارهما أساسيين للتفكير السليم الذي يسير وفق قواعد ثابته تحدّد صدق أو بطلان الافكار والرؤى..وبصفة عامة يمكن اعتبار نشأة الفلسفة بدأت عبر الحضارة اليونانية أو الإغريقية. ▪︎ثانيًا: تعريف الفلسفة عند فلاسفة الإسلام: يوجد الكثير من الفلاسفة في الاسلام الذين استندوا على ان الفلسفة هي الحكمة لذلك كان يستخدم الكثير من الفلاسفة في الاسلام كلمة حكمة كمرادف لكلمة فلسفة..ومن أشهر الفلاسفة المسلمين الكندي، والفارابي، وابن سينا، وابن مسكويه، وابن خلدون وابن الهيثم، والغزالي، وابن باجة، وابن طفيل، وابن رشد، وابن عربي. 1- الكندي ( من سنة 805- حتى 873): تعريف الفلسفة لدي الكندي الفلسفة هي: علم الأشياء بحقائقها الكليّة، حيث يري الكندي ويُؤكّد على أنّ الكُليّة والشمول هي إحدى خصائص الفلسفة الجوهريّة التي تُميّزها عن غيرها من العلوم الإنسانيّة التي تهتم وتقوم على التخصّص وترى الأشياء بجزئياتها أما الفلسفة فتراها بصورتها العامة والكلية. 2- تعريف الفلسفة عن الفارابي: يُعرّفها الفارابي بأنّها: ( العلم بالموجودات )، ويكمل ابن رُشد أنّ التّفكير في الموجودات يكون على اعتبار أنّها مصنوعات ( من عند الخالق)، وكلّما كانت المعرفة بالمصنوعات أتمّ ( المخلوقات وعلى رأسها الانسان) كانت المعرفة بالصّانع أتمّ). تعريف المعجم الوسيط أن الفلسفة: هي دراسة المبادئ الأولى وتفسير المعرفة تفسيرًا عقليًا وكانت تشمل العلوم جميعًا، ثم اقتصرت في هذا العصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة وعلم الأخلاق. ( المعجم الوسيط ج2 ص700 ) . ثالثًا: فلاسفة العصر الحديث عرّف رينيه ديكارت الفلسفة بأنها شجرة جذورها الميتافيزيقا وجذوعها الفيزياء، وغصونها المتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم الأخرى، وهي ترجع إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: الطب، والميكانيكا، والأخلاق. بالتالي يمكن اعتبار الفلسفة بانها دراسة الحكمة لأنّها تهتمّ بعلم الأصول، فيدخل فيها علم الله، وعلوم الإنسان والطَّبيعة فهي تشمل الوجود، وأنّ مصدره من الله..وبأن الفلسفة هي أم العلوم وأم المعرفة كما يسميها البعض. ▪︎معنى الفلسفة: كذلك يمكن القول أيضًا أن كلمة الفلسفة تشير إلى كل ما يتم استنتاجه والوصول إليه بالمنطق والعقل من أجل استكشاف حقيقة أصله ومنشأه ومعنى فلسف الشئ كما نقول أي شرحه ووضحه..لذا يمكن اعتبار الفلسفة بصفة عامة بأنها هي منهج تفسير المعرفة، ولذلك تنوّعت استخدامات ودلالة كلمة الفلسفة في عالمنا الحاضر وفي السابق..فهي بالمعنى العام " البحث عن الحقيقة فيما يتعلق بالكون وطبيعته وبالإنسان". ▪︎موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من آراء الفلاسفة ومنهجه في عرضها ، إعداد: الدكتور صالح بن غرم الله الغامدي، وهي رسالة دكتوراه نال بها درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من كلية أصول الدين، في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بالرياض، حيث يذكر أن من أسباب اختياره للموضوع "أن من يسمون بفلاسفة الإسلام قد أدخلوا على الأمة شرًاعظيمًا، بما انتحلوه من أفكار فلسفية ضالة، عملوا جهدهم في تقريبها من دين الإسلام، لكي تُقبل في أوساط المسلمين، وقد أبتلينا في هذا الزمان بمن يبرّر هذه الأفكار الفلسفية من بعض المنتسبين إلى الإسلام والمستشرقين وغيرهم، على أنها تمثّل فكر الإسلام الحقيقي ومنهجه الواقعي" ، أما نتائج بحثه الأكاديمي! فكان منها: ( كان لشيخ الإسلام رحمه الله- اطلاع واسع على كتب الفلسفة، ومعرفة دقيقة بآراء الفلاسفة متقدميهم والمتأخرين، حتى إن خصومه منهم، ومن غيرهم، قد اعترفوا له بذلك، فصاروا يرجعون إليه في بيان دقائق مذاهبهم، وكشف خفايا أقوال أئمتهم )، ويقول رحمه الله:(( إرسطو لم يسلك مسالك الأساطين من الفلاسفة المتقدمين: كتاليس، وفيثاغورس، وسقراط، وأفلاطون، فإن هؤلاء كانوا يقولون بحدوث العالم، ويثبتون معاد الأبدان، وكانوا يثبتون الصفات والأمور الاختيارية للباري عز وجل. أما إرسطو فكان مشركًا، يعبد الأوثان، وهو أول من قال من الفلاسفة بقدم العالم، وسبب هذا الفرق بينه وبينهم هو أن أولئك المتقدمين كانوا يهاجرون إلى أرض الأنبياء بالشام، ويتلقون عن لقمان الحكيم، ومن بعده من أصحاب داود وسليمان، وأن إرسطو لم يسافر إلى أرض الأنبياء، ولم يكن عنده من العلم بآثار الأنبياء ما عند سلفه، والفلاسفة المنتسبون إلى الإسلام إنما نقلوا فلسفة أرسطو، وبآرائه تأثروا، فإنه كان معلمهم الأول)) . هذا بعض ما جاء في هذه الرسالة التي نال بها صاحبها درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى. نقلته بتصرف من كتاب: ( الحكمة المصلوبة) مدخل إلى موقف ابن تيمية من الفلسفة/ سعود بن صالح السرحان..تقديم الدكتور..حسن حنفي. ▪︎ويوافقه تلميذه العلّامة ابن القيم الجوزية -رحمه الله- مفصّلًا ومبيّنًا الفروق الجوهرية بين الفلاسفة. يقول:(( فنشأ فيهم سقراط أحد تلامذة فيثاغورس، وكا من عبّادهم ومتألّهيهم، وجاهرهم بمخالفتهم عبادة الأصنام، وقابل رؤساءهم بالأدلة والحجج على بطلان عبادتها، فثار عليه العامة، واضطروا الملك إلى قتله، فأودعه السجن ليكفّهم عنه، ثم لم يرضَ المشركون إلا بقتله، فسقاه السم خوفًا من شرهم، بعد مناظرات طويلة جرت له معهم. وكان مذهبه في الصفات قريبًا من مذهب أهل الإثبات، فقال: إنه إله كل شئ وخالقه، ومقدّره، وهو عزيز، أي منيع، ممتنع أن يضام، وحكيم، أي محكم أفعاله على النظام. وقال: إن علمه، وقدرته، ووجوده، وحكمته، بلا نهاية، لا يبلغ العقل أن يصفها. وقال: إن تناهيَ المخلوقات بحسب احتمال القوابل، لا بحسب الحكمة والقدرة، فلما كانت المادة لا تحتمل صورًا بلا نهاية تناهت الصورُ، لا من جهة بخلٍ في الواهب، بل لقصورٍ في المادة. قال: وعن هذا اقتضت الحكمة الإلهية أنها وإن تناهت ذاتًا وصورةً وحيّزًا ومكانًا. إلا أنها لا تتناهى زمانًا في آخرها، لا من نحو أولها، فاقتضت الحكمةُ استبقاء الأشخاص باستبقاء الأنواع، وذلك بتجدّد أمثالها، ليحفظ الأشخاص ببقاء الأنواع. ويستبقي الأنواع بتجدّد الأشخاص. فلا تبلغ القدرة إلى حدّ النهاية، ولا الحكمة تقف على غاية. • ومن مذهبه: أن أخصّ ما يوصف به الرب سبحانه، هو كونه حيًّا قيّومًا. لأن العلم، والقدرة، والجود، والحكمة، تندرج تحت كونه حيًّا قيّومًا، فهما صفتان جامعتان للكل. • وكان يقول: هو حيٌّ ناطقٌ من جوهره، أي من ذاته وحياته، ونطقنا وحياتنا لا من جوهرنا، ولهذا يتطرّق إلى حياتنا ونطقنا العدم والدثور والفساد، ولا يتطرّق ذلك إلى حياته، ونطقه. • وكلامه في المعاد والصفات والمبدأ أقرب إلى كلام الأنبياء من كلام غيره. وبالجملة، فهو أقرب القوم إلى تصديق الرسل. ولهذا قتله قومه. • وكان يقول: إذا أقبلت الحكمةُ خدمت الشهواتُ العقولَ، وإذا أدبرت خدمت العقولُ الشهوات. • وقال: لا تُكرِهوا أولادكم على آثاركم. فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم. • وقال: ينبغي أن يُغْتَمَّ بالحياة ويُفرحَ بالموت. لأن الإنسان يحيا ليموت، ثم يموت ليحيا. • وقال: للحياة حدّانِ. أحدهما: الأمل، والآخر: الأجل. فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها. ▪︎وكذلك أفلاطون. كان معروفًا بالتوحيد، وإنكار عبادة الأصنام، وإثبات حدوث العالم. وكان تلميذ سقراط، ولما هلك سقراط قام مقامه، وجلس على كرسيه. • وكان يقول: إن للعالم صانعًا مُحدِثًا، مُبدعًا أزليًّا، واجبًا بذاته. عالمًا بجميع المعلومات. • قال: وليس في الوجود رسم ولا طلل إلا ومثاله عند الباري تعالى. يشير إلى وجود صور المعلومات في علمه. فهو مثبت للصفات، وحدوث العالم، ومنكر لعبادة الأصنام، ولكن لم يواجه قومه بالرد عليهم، وعيب آلهتهم. فسكتوا عنه، وكانوا يعرفون له فضله وعلمه. وصرّح أفلاطون بحدوث العالم، كما كان عليه الأساطين. وحكى ذلك عنه تلميذه إرسطو. وخالفه فيه، فزعم أنه قديم، وتبعه على ذلك ملاحدة الفلاسفة، من المنتسبين إلى الملل وغيرهم، حتى انتهت النَّوْبة إلى أبي علي بن سينا، فرامَ بجهده تقريب هذا الرأي من قول أهل الملل، وهيهات اتفاق النقيضين، واجتماع الضدّين. فرسل الله تعالى وكتبه وأتباع الرسل في طرف. وهؤلاء القوم في طرف )). انتهى منقولًا من كتاب إغاثة اللهفان، ص (264- 266 )، فصل: { إفساد إرسطو المشرك للفلسفة وقوله بقدم العالم واتّباع المتأخرين له }. • يتبع؛؛ -------------- بقلم/ حمزة محمد حمد
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة