إنها ليست طرق، بل هي في الواقع حركات غير مسلحة، وربما كان سلاحها الديني أخطر من البندقية. فهي ليست مخدرات فقط، بل بؤر لتركيز الهيمنة الإثنية وخاصة في الشمال. رأيت أحد الأصدقاء يزحف تحت أحد الأضرحة ويتيمم بترابه فقلت له: يعني يوم الله يختار ولي يجيبو محسي..قوم شوف ليك شغلة.. فنهض غاضباً خوفاً من عذاب الولي. وفي المحاكم يمثل الولي الذات الإلهية بل أكبر منها، فالشاهد يمكن أن يشهد زوراً ويده على المصحف لكنه يمتنع عن الحلف بإسم الشيخ. وهذه مهزلة جعلتني أفكر في قيمة الحلف في الشهادة أمام القضاء. الطرق الصوفية مرتع للتغييب العقلي لكنها مؤخراً باتت تخوض حروباً سياسية علنية حين وضح أن الكيمان اتفرزت، فالسيطرة الإثنية القديمة باتت مهددة، ويبدو أن خطة الغرب لسيطرة إثنيات الشمال عبر الطرق الصوفية باءت بالفشل. وكان أحد المسؤولين الأمريكان دائم الحضور في مناطق التصوف رغم أن أحدهم اخبرني بأن حضوره لم يكن لغرض سياسي بل لأنه مثلي، وكان لديه عشيق هناك. غير أن المؤكد بأنه كانت هناك خطة غربية محكمة لإنفاذ الوجود الصوفي داخل صناعة القرار السياسي، بغرض التمهيد لعلمنة الإسلام، ثم علمنة الدولة من جهة، ولبقاء الإثنيات الوارثة للمستعمر بدورها محتفظة بهيمنتها على السلطة والثروة. وهذه قضية خطرة جداً. سنرى هذا الدول قد أسس بدوره لظهور محمد أحمد مدعي المهدية في السودان ليمارس الولاية المهدوية الكبري، وفكرة الولاية المهدوية لها أصول شيعية بتفاصيل دقيقة يمكن لمن أراد الاستزادة أن يعود لكتاب تاريخ الفلسفة الإسلامية لهنري كوربان. ففكرة هيمنة شيخ الطريقة على المريدين عبر شبكة متدرجة من الأتباع تبدأ بالقطب وتنتهي بالسالكين أقرب كذلك للطبقية الهندوسية (البرهمن والكشاتريا والفايشيا والسودرا). فهذه هي الطريقة الوحيدة لضمان استقرار السلطة والثروة، والتي استفاد منها البريطانيون حين أتوا بإبن المهدي، والمصريون حين دعموا الميرغني.. والآكلين من تحت أكمامهم كآل الهندي وغيره، ثم السودرا الذين تم استعبادهم في الجزيرة أبا وسائر مناطق السودان. ظل والدي تابعا للطرق الصوفية، لذلك كنت أزورهم معه، فكنت أشعر بالغثيان مما أشاهده هناك، على سبيل المثال، زرت معه احتفالية ضخمة قام بها أحد هؤلاء الشيوخ المليارديرات، وكان الشيخ يرسل للحواريين التافهين (السودرا) أكلاً تافها رخيصاً، في حين يختص الرؤساء والوزراء والمقربين بولائم فاخرة. وطبعا من هنا ورغم طفولتي أدركت أن هذه الطرق ليست أكثر من تجارة رابحة، بها، طبقية وتراتبية وأتباع جهلاء يستخف بهم الشيخ. وأحمد الله أنني لم أتبع خطى والدي فأقبل يد هؤلاء الأنبياء الكذبة. غير أن الأهم هو أنني ومن خلال زياراتي لهذه الطرق تبين لي أنها في الحقيقة محافل ماسونية ضخمة، ولها نفوذ لا يستهان به في أروقة السلطة. يكفي أن الشيخ يحاط في كل احتفالية بالرؤساء والوزراء وكبار الرأسماليين، وغيرهم من النخب المستفيدة من السلطة. وهذه الطرق مدعومة من الخارج دعماً غير منقطع، فهناك طريقة مدعومة من الماسونية العالمية وتكاد تهيمن وتسيطر على دولة ألمانيا، وهناك طرق أخرى لها هيمنة كبيرة في فرنسا..وهكذا. لقد ظلت الإثنيات المهمشة مخدوعة ومغرر بها عبر هذه الطرق، وآن للمهمشين أن يعوا حقيقة تغييب عقولهم منذ المهدية وإلى اليوم. وإذا ارادوا تحرير أنفسهم، فعليهم أولاً تحرير عقولهم، وأحسب أنهم الآن قد فهموا الدرس جيداً، رغم وجود جيوب من الجهل لا زالت مبعثرة هنا وهناك.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق October, 26 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة