نفسي، نفسي أمشي مؤسسة حكومية، لإنجاز مصالحي، وأدخل من شباك رقم واحد وانتهي في الشباك الأخير رقم خمسة وقد قمت بإنجاز المصلحة. منذ أن تبنت الحكومة -قبل سنوات- فكرة التحول الرقمي، أصبحت كل الخدمات تتأخر أضعافاً مضاعفة، رغم أنه من المفترض أن تؤدي الحوسبة إلى اختصار الزمن اختصاراً كبيراً. فالشبكة طاشة اصبحت حجة الموظفين لعدم إنجاز مهاهم. في إحدى الإدارات يتم إلغاء يوم عمل كامل بحجة (الكهربا قاطعة)، ويمكن عدم أداء الإعلانات القانونية القضائية بحجة (الموتر بايظ)، ومن هذا القبيل فحدث بلا قرف. عدم المحاسبة على التسيب الوظيفي ليست هي المشكلة، المشكلة أن التسيب ناتج عن اتفاق لشبكة الفساد داخل المرافق الحكومية من المدير وحتى الفراش. تحولت مؤسسات الدولة لعصابات، متخصصة في تبرير عرقلة مصالح المواطنين. بل ولأنهم لا يخضعون لأي محاسبة فأصغر موظف يستطيع إخفاء ملفاتك من الوجود بما في ذلك حذفها من الكمبيوتر. وهكذا تجد نفسك تدور في حلقة مفرغة وتفكر في إيجاد حلول للمصيبة التي حلت بك. يعمل المحامون -وندعوا الله أن يعينهم- في ظل دولة شمولية الفساد. وبالتالي لا يمكنهم الإعتماد على القانون. وكما قال لي أحد امنجية الكيزان زمان سأحكي قصته فيما بعد: فإن القانون حمار وضنبه طويييل. والقصة باختصار أنني قبل سنوات عدة سمعت خطاباً للبشير يقول فيه بأن الحكومة لا تمنع المظاهرات ولكن إذا أردت التظاهر فقدم فقط طلب تصريح أمني فحرية التعبير مكفولة للجميع. قمت فوراً باستدعاء الشباب الثوري، وقدمنا طلباً مكتوباً للأمن بطلب تصريح مظاهرة بحجة مطالبة الحكومة بحمايتنا كمواطنين من القصف الاسرائيلي الذي تم في شرق السودان. كانت تلك حجة لأخذ التصريح ثم تحويل المظاهرة إلى تنديد ومطالبة بإسقاط النظام. وبالفعل قدمنا الطلب غير أن الضابط رفض منحنا التصريح شفاهة فقال له الشباب -كانوا شباباً في ذلك الوقت- أنتم منحتم شباب المؤتمر الوطني تصريحاً بالتظاهر والتجمع في قاعة الشهيد الزبير ونريد المعاملة بالمثل وفق القانون. فقال لهم ضابط الأمن: القانون حمار وضنبو طويييل.. وفرد ذراعيه على اتساعهما. فضحكوا وغادروا. هذا هو السودان يا سادة.. القانون حمار وذيله طويل، ولن يفضل المواطن اللجوء للمحكمة وإجراءاتها التي تمتد لسنوات لكي ينجز مهمة يستطيع الموظف إنجازها في ثوانٍ. وهنا تتحدث النقود وتلغي المسافات وتختصر الإجراءات. أما إن كنت شخصاً مثلي لا تتحمل نفسياً تقديم الرشاوي، فكل حياتك ستواجه بالمعرقلات والصعوبات. عندما أنهينا الدكتوراه انا وصديقي قررنا أن نعود إلى السودان ونبدأ في إنجاز مؤسسة بحثية قوية، تعمل في تطوير البحث العلمي القانوني، وكان هذا المشروع حلمنا.. وحين عدنا إلى المرحاض فوجئنا بأن المرحاض ممتلئ بالبكتريا والجراثيم. وأن ما فكرنا فيه كان شيئاً ترفياً، فضحكنا، وقلت لصديقي: افضل حاجة نعمل كشك صعوط. أقول الحق والحق أقول؛ لو قمنا بحسبة بسيطة فسنجد أن أفضل المشاريع في السودان هو مشروع كشك صعوط. فهو مشروع لا يحتاج لكهرباء ولا ماء ولا أي شيء بل فقط حلة كبيرة، واكياس وميزان ونصف شوال صعوط وعطرون.. وبالتاكيد الكشك. وإذا بعت حلة واحدة في اليوم ونفترض أن الحلة تنتج خمسمائة كيس، والكيس بمأئتي جنيه، فإن يومك هو (٢٠٠×٥٠٠= ١٠٠٠٠٠) مائة ألف جنيه. ولنفترض أن يومك ثلاثين ألف وليس مائة ألف، إذاً فدخلك الشهري تسعمائة ألف جنيه. في حين أن أقصى مرتب للموظف المرتشي يمكن أن تكون مائة وخمسين ألف.. أو كما قال عادل إمام (اتكل على الله واشتغل رقاصة يلاا). ولكن يا سادة.. المسألة ليست بهذه البساطة.. فهناك معرقلات خطيرة لمشروع الصعوط: أولها، أن الصعوط ليس مهنة هاملة، فهناك مافيا للتنباك.. فليس كل من هب ودب يمكنه أن يدخل هذا العمل، وهناك أسرار كثيرة لعمل هذه المافيا وإلا ستواجه بخسائر فادحة. ويعتبر اتحاد بائعي التنباك من أكثر الاتحادات انضباطاً ونظاماً، فالعمل فيه مستمر باضطراد وانتظام، ولا توجد اي (شبكة طاشة، او كهربا قاطعة، أو الموظفين في الفطور، أو الموتر بايظ). وهو يوفر ضرائب منتظمة لخزانة الدولة بملايين الدولارات سنوياً. اتحاد التنباك يعمل بانضباك أقوى من انضباط الجيش.. ولذلك ارشح هذا الاتحاد لقيادة المجلس السيادي (جادي والله). المشكلة الثانية التي ستعيق دخولك مجال العمل في بيع الصعوط هو الاستهجان الاجتماعي، رغم أن الشعب السوءداني اليوم لم يعد يهتم بالجوانب الأخلاقية كثيراً. ولذلك أصبحت الدولة محكومة بجلابة السوق من العروب الذين لا دين لهم ولا أخلاق. أصبحنا نرى بائع ستيانات النسوان يركب سيارة آخر موديل والدكتور والمهندس متشحطط في المواصلات. العاهرات وتجار المخدرات وأشباه المطربات، ولا مؤاخذة الكديانات، وما شابه لديهم نفوذ في كل مؤسسات الحكم، في حين أن الإنسان المتعلم يمكن لقونة أن تزج به في السجن لو طلبت وده فرفضها. فاتقوا غضب القونات وامثالهن إن كنتم تعقلون. والبلد هذا حالها، تنافس فيها رعاع القوم في التطاول في البنيان. وابناء الناس المحترمين مشردون. وإذا كنت تريد انجاز أمورك، فسيبك من الحمار الضنبو طويل، وامسك في البتاع. اللهم لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه، اللهم إنك أنت القائل ادعوني استجب لكم فاستجب إنك قريب تجيب دعوة الداعي إذا دعاك.. اللهم فأخرجنا من هذا المرحاض قادر يا كريم..لا ضالين ولا مضلين، ولا ظالمين ولا مظلومين، واضرب الفاسدين بالفاسدين وأخرجنا من مرحاضهم هذا سالمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق October, 03 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة