تتسارع وتيرة الأحداث في دولة متأزمة منذ استقلالها بسبب أطماع وطموحات شخصية اهلكت الزرع والضرع والإنسان. واليوم توجه حميدتي إلى تشاد ليتقابل مع مناوي وليلتقي الرجلان بمحمد ديبي رئيس تشاد الحالي، بعد تصريحات نارية لحميدتي ضد الانقلاب، ومحاولات للبرهان مع بعض القوى المدنية التقليدية لخلق حلف يبدو حلفاً طبيعياً ولكن لا يخفى على أحد الاصطفاف القبلي والمناطقي خلفه. على هذا الأساس، فليس من المستبعد أن تحدث محاولات استباقية يتغدى فيها أحد الطرفين بالآخر قبل أن يكون عشاءً له. ولكن لو وقعت مواجهة، فإن الوقوف مع أحد الطرفين سيكون فرض عين على كل مواطن ومواطنة، ولذلك يجدر بنا أن نعرف مع من يجب أن نقف في حالة المواجهة. هناك عدة عوامل ستجعل وقوف شخص مع الجيش أو الدعم أمراً حتمياً، ومن أهمها: الانتماءات القبلية والمناطقية. المصالح المالية. التحالفات الداخلية، التأثيرات الدولية (روسيا، الغرب، الدول العربية والافريقية). الطرف الذي يعتقد بأنه الأقوى، خاصة مع وجود كم هائل من الشائعات المتناثرة هنا وهناك. فالبعض يرى في الجيش قوة لا تقهر، والبعض يرى في الدعم السريع قوة لا تقهر. بعض الشائعات تشير إلى تلقي الدعم السريع لعتاد عسكري ضخم وصل حد صواريخ تعمل بالليزر، ومدرعات، وطائرات درون، وألبسة واقية من الإشعاعات والأبخرة الكيماوية والسامة، وغير ذلك. مع ذلك يصر البعض أن الجيش قادر على سحق حميدتي خلال ٤٨ ساعة نسبة لفارق التدريب والتأهيل. دعونا نضع بعض هذه المعطيات في مقارنة. من حيث عدد القوات: قوات الجيش (ككل) تكاد تكون معلومة للجميع في حين عدد قوات الدعم السريع لا يعلمها أحد. أشارت بعض المنظمات الدولية إلى أن الدعم السريع شارك في عام ٢٠١٧ - ٢٠١٨ بحوالى ٤٠ ألف مقاتل عاد منهم عشرة آلاف مقاتل. يمكننا أن نضرب هذا العدد في ثلاث ليكون العدد المحتمل لقوات الدعم حوالى ١٢٠ ألف مقاتل. مع ذلك لن نستطيع معرفة قوات الجيش نسبة لغموض الاحصائيات الدولية الناتج عن غموض موقع الدعم السريع من الجيش، فهل الاحصائيات الدولية تحتسب الدعم ضمن حساباتها أم لا. يمكننا ان نهمل عدد الجنود، ونهتم بعوامل أخرى مثل المعدات والدعم اللوجيستي ولا شك ان الجيش يتفوق من هذه الناحية، كما أنه سيتفوق من حيث التدريب والانضباط العسكري. مع ذلك فنحن علينا أن لا نهمل المكون الإثني داخل الجيش. من نقاشي مع البعض، يرى هؤلاء أن الغالبية من الجنود المقاتلين في الجيش من الهامش، وبالتالي هم لن يقاتلوا مع الجيش ضد الهامش. غير أنني أرى ان ذلك اعتقاد مثالي ونظري، ففي الواقع حتى هؤلاء الجنود في الهامش ظلوا حتى اليوم مفتونون بوجودهم كجزء من الجيش، ولا ينظرون للعمل خارج الجيش بذات عين الرضى. لقد كانت حالات انشقاق المهمشين من الجيش كثيرة لكنها ليست بالكثرة التي يعتد بها. وبالتالي فإنه وبافتراض حدوث صدام بين الجيش والدعم السريع فلا أتصور أن الجنود من الاثنيات المهمشة ستنضم للدعم السريع. يستند البعض -في دعم رأيه هذا- بواقعة الذراع الطويل حيث غزت مجموعة من قوات خليل ابراهيم الخرطوم، وأن الحكومة فضلت عدم إشراك الجيش واشركت فقط قوات العمليات المكونة من اثنيات تبدو في الغالب من شمال السودان. غير أن هذا لا يؤكد اي شيء، فعملية الذراع الطويل لم تكن مفاجئة كما يعتقد البعض، كما انها تمت بقوات محدودة ومنهكة من سفر طويلة، هذا بالأضافة لعشوائية في التنظيم ولا منهجية في العمل. دعونا نهمل إذاً العامل الإثني، غير المحسوم. ولننتقل لأهم عامل وهو نوع الحرب. في الحقيقة كان الجيش -قبل الدعم السريع- يخسر يومياً- العشرات من المقاتلين في حرب دارفور، حتى تم تشكيل الدعم السريع، كما أن الجيش فشل باستمرار في إنهاء أي تمرد، لا في جنوب السودان سابقاً ولا في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. في المقابل حققت قوات الدعم السريع نجاحاً باهراً في كبح جماح الحركات المسلحة، وأجبرت بعضها على الاحتماء بالجبال. كما استطاعت تغيير المعادلة في حرب اليمن. يبدو أننا ننتقل إلى عامل مهم وهو نوع الحرب. لقد استطاع رومل أن ينال لقب ثعلب الصحراء عندما انشأ وحدة خاصة سريعة من قلة من القوات استطاعت مباغتة قوات الأعداء بسرعة واختراق صفوفه وتكبيده الخسائر. يمكننا أن نضع في الاعتبار أن اي صدام بين الجيش والدعم السريع لن يكون حرباً مفتوحة، بل حرب مدن وعصابات. وبالتالي يستطيع الدعم السريع إطالة أمد الحرب، ولكنه لن يكسبها، كما أنه ليس بالضرورة سيخسر الحرب، ولكن سيضطر الطرفان في نهاية الأمر إلى التفاوض. هناك عامل مهم وهو عامل شخصية الدعم السريع، فالدعم السريع مؤسس على رجل واحد هو حميدتي، في حين أن الجيش غير مؤسس على شخص محدد. مع الوضع في الاعتبار أن حميدتي نفسه ليس مجمعاً عليه في دارفور بل ولا حتى لدى المجتمع الدولي، ورغم أن تلك سمة مشتركة بين الجيش والدعم السريع، لكن تأثيرها على الدعم السريع أقوى.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق August, 04 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة