يشكل الإعلام بفروعه المختلفة أحد المحاور الأسياسية التي يعتمد عليها المجتمع في عملية التغيير، و خاصة في قضية التثقيف بالفكر الذي يساعد على التغيير و الوعي به، و كيفية استقطاب العناصر المبدعة في المجتمع لكي تنضم لعملية التغيير. و عندما تكون القضية مرتبطة بالحريات و الممارسة الديمقراطية يصبح الإعلام هو الموجه و الداعم و المثقف لها، باعتبار أن المجتمع السوداني و خاصة الأجيال الجديد ولدت و عاشت في ظل نظام شمولي قد فرض ثقافته على المجتمع، و هي الثقافة السائد الآن، و هي ثقافة مناهضة للثقافة الديمقراطية تماما و تعيق إنتاجها، و هنا يجيء دور الإعلام في تبصر الأجيال الجديدة بأنها عملية تحتاج لوقت، لكن من الضروري العمل في ممارسة الديمقراطية فهي وحدها التي تنتج الثقافة الديمقراطية، و خاصة الانتقال من الشعار إلي التطبيق، بالضرورة سوف تكون هناك تحديات تواجه إنزال الشعار على الأرض، إذا كانت التحديات تنطلق من مصالح شخصية و حزبية و ثقافية أو الثقافة المؤسسية. و يحتاج التغلب عليها بتطوير الوعي عند المواطن، و أيضا إعداد الوسائل الممكنة التي تتوافق مع القيم الديمقراطية و ليست التي تتعارض معها. أن الذي حدث في 25 أكتوبر هو إنقلاب عسكري، و أستطاعت الجماهير أن تواجهه ببسالة و استشهاد لكي تبقي و تؤكد على شعارات الثورة " الدولة المدنية الديمقراطية" و يقظة الجماهير هي التي أدت لتغيير جوهري مرة أخرى في المشهد السياسي. و هنا يصبح دور الإعلام المنوط به التعريف بالدولة المدنية و سبل تحقيقها، و هي بالضرورة تحتاج لمبادرات سياسية و رؤية لكيفية تحقيقها على الواقع و الخروج من شرنقة الانقلاب المفروض و المقيدة لانطلاق العمل السياسي. التجربة بعد الثورة أثبتت أن القوى السياسية التي يجب عليها حمل رأية الجماهير و مطالبها أن تحولها إلي برامج عمل قد عجزت أن تقدم برامج بديلة، و خيار حمدوك كان حتمى لآن الفترة من 25 أكتوبر حتى 21 نوفمبر كانت القوى السياسية تتغنى بصلابة حمدوك و رفضه الانصياع لقيادة الانقلاب، و كان المجتمع الدولي يعتبر حمدوك رمزا للمدنية الديمقراطية، ثم ذهبت له قيادات من " قحت المجلس المركزي" أبرزهم اللواء فضل الله برمة ناصر و الدكتور حيدر الصافي و يوسف محمد زين الذين شاركوا في صياغة البيان السياسي. و قبل حمدوك أن يكون رمزا للمدنية و يحمل الرأية و يوقع على البيان السياسي لكي تبدأ مرحلة جديدة، و يعيد عجلة التحول الديمقراطي لمسارها من جديد. و هي مرحلة العمل الحقيقي، أن تلتفت فيها القوى الديمقراطية للعمل من أجل تأسيس المؤسسات التي تساعد على عملية التحول الديمقراطي، و لكنها فضلت أن تقف بعيدا و تدين حمدوك للتوقيع على البيان السياسي. في الجانب الأخر للمشهد السياسي: أن المجتمع الدولي جميعه بارك خطوة توقيع البيان السياسي، و اعتبرها خطوة في طريق البناء الديمقراطي الذي يحتاج للكثير. و هؤلاء عندما باركوا الخطوة كانوا ينطلقون من ثقافتهم الديمقراطية المؤسسة على الحوار و الوسائل السلمية في تحقيق المقاصد الديمقراطية، و لا اعتقدوا بموقفهم هذا يؤيدون جانب على الأخر. و هنا أيضا يأتي دور الإعلام لكي يبين للجماهير و خاصة الأجيال الجديدة،هل الفترة الانتقالية هى الفترة التي تؤسس فيها الدولة المدنية أم هي المرحلة التي يتم فيها الإعداد لقيام الدولة المدنية الديمقراطية، و التي يجب أن تكون عقب الانتخابات؟ هناك بعض القوى السياسية تمارس هذا التغبيش السياسي، و هي تعلم أن الدولة المدنية الديمقراطية هي تكتمل معالمها ما بعد الانتخابات، و الغريب في ذلك أن بعض أجهزة الإعلام و خاصة بعض الصحف تشارك في هذا التغبيش، و كان عليها أن تقوم بدور الاستنارة و التوعية، حتى لا تستخدم الجماهير في أدوار حزبية و هي تعتقده دورا وطنيا. أن الديمقراطية ليست هي نهاية العمل السياسي، بل هي بداية الصراع الحقيقي بين القوى السياسية، و لكنه صراع يتم داخل المؤسسات و المواعين الديمقراطية، و محكوم بضوابط القانون و الدستور، و أيضا تتكثف فيه الرقابة من مصادر عديدة، أبرزها البرلمان، و الإعلام الحر و الصحافة، و منظمات المجتمع المدني. لذلك لابد للإعلام و الصحافة أن تمارس هذا الدور من الآن، و تحاول توعية الجماهير حتى تستوعب الخطابات السياسية العديدة التي تقف بحق مع عملية التحول الديمقراطي، و الأخرى التي تناور بها. أن فتح الإعلام و الصحف لحوارات البناء للتيارات الفكرية المختلفة، تعد من أهم الإسهامات في نشر الثقافة الديمقراطية، لأنها تبين للشباب هناك أراء عديدة، و هذه الأراء يجب كل يحترام الأخر، لآن الديمقراطية لا تقبل القطعيات، بل هي نسبية، الأمر الذي يوسع دائرة الوعي في المجتمع، و السؤال المهم جدا لماذا اعتمدت الأحزاب السياسية على الشعارات دون الإنتاج الفكري؟ هذا السؤال نجاوب عليه في مقال أخر. و نسأل الله حسن البصيرة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 12/11/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة