ما لم يلحظه الكثيرون خلال متابعة الوضع المتأزم الحالي بالسودان هو ما تسبب به القائد العام للجيش السوداني الجنرال البرهان من انقسام خطير في داخل المجتمع السوداني سياسياً كان أو اجتماعياً. إن ما فعله البرهان ليست فقط انقلاباً عسكرياً واضح للعيان، وانما تسبب في انشطار خطير في المشهد السوداني الذي ربما ينذر بضرورة إطلاق إنذارات حرب أهلية (أو باردة إن شاء آخرون تسميتها) إن لم تتم إرجاع الأمور إلى نصابها الصحيح. فبالرغم من إجماع المجتمع الدولي بأن الإجراءات التي تمت هي إجراءات انقلابية كما تمت تسميتها صراحة في أضابير الأمم المتحدة وكذلك مجلس الأمن والسلم الإفريقي، كما تم تجميد المساعدات الدولية بما فيها مساعدات البنك الدولي والمساعدات الأمريكية التي كان من شأنها أن تساعد العملية الانتقالية ونمو الاقتصاد الكلي، إلا أن من المؤسف أن هنالك جانب من الشعب السوداني يبارك لما قام به الجنرال ويبرر له أو ربما شحذ الهمم مسبقا لذلكً. من المثير للدهشة أن من يقوم بمباركة هذه الخطوات يعزوها لما يلي: 1) الوضع الاقتصادي الذي بات صعباً (وبالرغم من مكاسب حكومة حمدوك التي قد يطول ذكرها وصبر الشعب السوداني ثلاثة عقود خلال عهد البشير، وأيضا تعتبر الأزمة الاقتصادية الحالية غير حقيقية ومفتعلة)؛ 2) هيمنة و"تشاكس" بعض الأحزاب السياسية على المشهد السياسي (وهذا ما يدعو للدهشة لأنه من الطبيعي أن تتنافس الأجسام السياسية المؤثرة وذات القاعدة الكبيرة والخبرة على المكاسب السياسية! انظر إلى الولايات المتحدة، هناك فقط حزبان يسيطرون على المشهد بصورة مطلقة طوال قرون، هل لأن هنالك مجموعات حزبية صغيرة تريد إيصال صوتها وطرح برنامجها لم تقم بإشراكها سيقوم الجيش بانقلاب عسكري؟!!)، 3) إقصاء بعض القوى من القوى الممثلة للثورة (ما يثير للدهشة هنا أن تلك القوى التي "قامت بإقصاءهم" هي نفس القوى التي تشكلت بعد ثورة ديسمبر المجيدة وقامت بدعوة كافة الأطراف، وربما قامو بالمراهنة على فشلها آنذاك، وهي أيضا نفس القوى التي باركت اعتلاء الجنرال على سلطة المجلس السيادي الآن!!). أما في الجانب الآخر (الطاغي والسليم فطرياً) يتلقى الكثيرون هذا الاستيلاء على مقاليد الحكم أنه انقلاب شامل، ويرون أن هذا التحليل يرجع إلى العديد من الدلائل الواضحة: 1) مخالفة الوثيقة الدستورية بصورة واضحة؛ 2) حل مؤسسات الحكم وإغلاق كامل للحكومة دون أي مؤشرات أو مواقيت معلومة لإعادة فتحها؛ 3) اعتقال رئيس الوزراء ووضعه تحت الإقامة الجبرية؛ 4) اعتقال عدد من الوزراء والمستشارين وبعض أعضاء الأحزاب السياسية والنشطاء السياسيين والصحفيين والمواطنين بالقوة ودون أوامر قضائية؛ 5) تقارير عن عمليات تعذيب وانتهاكات من قبل القوات العسكرية وتقاريرعن إصابات خطيرة لعدد منهم بمن فيهم وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر وعضو مجلس الوزراء محمد الفكي وآخرين؛ 6) مقتل وإصابات خطيرة للمتظاهرين؛ 7) انتهاك كامل لحقوق الإنسان الأساسية وكبت للحريات، والتي أضعف إيمانها التواصل، عن طريق إغلاق خدمات الإنترنت بكل أنحاء البلاد والشبكات الخليوية مما يعيق الإبلاغ عن حوادث الانتهاكات العسكرية أخرى أو حتى تغطية ومتابعة الأحداث. إن الترويج بأن هنالك أزمات سياسية مستفحلة وأن هناك قوى سياسية "مغصوب على أمرها" وأنها لم تشارك في العملية السياسية وهيمنة أحزاب بعينها غير منطقي ويؤدي لانقسام خطير، لأنه إن صح ذلك لكانت جميع القوى المشاركة في قوى الحرية والتغيير (منصة التأسيس) أعلنت انسحاب جميع تكتلاتها من المجموعة مثل ما فعله الحزب الشيوعي. أضف لذلك أنه ليس من المنطقي أن تتحدث عن تكوين حكومة مستقلة تماماً متجاهلاً اتفاقية سلام جوبا بصورة مطلقة. من جانب آخر إن ترويج أن هنالك "جهتان متشاكستان" حول السلطة غير سوي وإلا كيف يعقل أن تقوم باعتقال جهة واحدة من الجهتين المتشاكستين وتكمم أفواهها بينما يقوم نشطاء الجهة الأخرى بالتطبيل لك ويتمتعون بالحرية على كل الأصعدة!. إن ما فعله الجنرال أعاد الشعب السوداني بالذاكرة إلى عهد نظام البشير البائد، هذه الذاكرة التي باتت من الصعب محوها على الإطلاق في مدى زمني قصير، ذاكرة يتمنى الشعب أن (على الأقل) يرى ضوءاً يستطيع من خلاله أن يمحي خلية أو ربما خليتين منها المليئة بالممارسات الدكتاتورية من بطش واعتقالات وكبت للحريات، ذاكرة ملئية بمشاهد دماء تسيل من شهداء عزّل قضَو فداء لوطن جديد. ما تم ساعد، ويساعد يوما بعد يوم، على ترسيخ هذه الذاكرة المظلمة، يأسها، فقدانها الأمل بسودان جديد مزدهر مدني ديمقراطي متحضر، غير منعزل، لا يُحكم بقوة السلاح مهما وصل به الحال سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا. وحتى إن سلم السودان من هذا الانقلاب، وسيعود، سيكون الجنرال قد ساعد على استفحال أزمة وعلى انشطار مجتمع كان على قلب رجل (أو مرأة) واحد/ة، اتفق على الانتقال بالسودان إلى سودان حر ديمقراطي، إلى تحقيق شعار الحرية، السلام، والعدالة.! ولكن.. رغم كل هذا.. ربما.. ربّ ضارة نافعة. الخرطوم 30 أكتوبر 2021 محــــــــمد أبوبــــــــكر
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/31/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة