السيادة، التدخل، والحرب المنسية في السودان: تأملات في كتاب د. سليمان صندل حقار "التدخل الإنساني الدولي وسيادة الدولة: دراسة مقارنة بين تيمور الشرقية
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
تقديم
في كتابه الهام "التدخل الإنساني الدولي وسيادة الدولة: دراسة مقارنة بين تيمور الشرقية والصحراء الغربية"، -طبعة أمازون ورقية و كندل مايو ٢٠٢٥ " يعيد د. سليمان صندل حقار طرح السؤال الأكثر إلحاحاً في العلاقات الدولية والقانون الإنساني:** متى يصبح الدفاع عن الإنسان أقوى من حدود السيادة؟ وهل يمكن أن يبقى مبدأ السيادة درعاً لا يُخترق، حتى حين تتحوّل الدولة إلى أداة للبطش؟**
ورغم أن الكتاب لا يتناول السودان مباشرة، فإن صداه يتردد في أنين المدن المحترقة، ومآسي النزوح الجماعي، والمذابح العرقية التي يشهدها السودان اليوم. ففي ظل الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يتلاشى جوهر السيادة الحقيقي: حماية الإنسان.
السيادة كمسؤولية: إعادة تعريف جوهر الدولة
يركّز د. حقار في أحد أبرز فصول كتابه على مفهوم "السيادة كمسؤولية"، مؤكداً أن السيادة لا تُفهم اليوم كحق مطلق للدولة في فرض القوانين داخل حدودها فقط، بل تشمل ثلاثة مستويات من الالتزام:
١. حماية أرواح وسلامة المواطنين؛ ٢. المساءلة أمام الشعب والمجتمع الدولي؛ ٣. مسؤولية فعلية للدولة والعاملين فيها تجاه أفعالهم.
هذا التعريف يتجاوز الفهم الكلاسيكي المستند إلى معاهدة وستفاليا، ويتبنّى رؤية ما بعد الحرب الباردة التي ترى أن الدولة لا تُكافأ بالسيادة إن فشلت في أداء واجباتها الأساسية، خصوصاً في حماية السكان من الفظائع.
السودان كمثال حيّ: حين تنقسم الدولة إلى جُناة
ما يجري في السودان يضرب جوهر مفهوم السيادة في الصميم. فعندما تنقسم الدولة إلى فصائل مسلحة متنازعة، كلٌّ منها يدّعي التمثيل، وتغيب الحماية، وتنعدم المحاسبة، فهل لا يزال من المشروع الاحتجاج بالسيادة ضد التدخل الإنساني؟
يُحفّزنا تحليل د. حقار على إعادة صياغة الأسئلة: هل تمثل السيادة اليوم أداة للمساءلة والعدالة؟ أم أنها أصبحت غطاءً قانونيًا للأفعال الإجرامية؟ بل ويصل لنتيجة ضمنية: حين تتحوّل السيادة إلى حاجز أمام حماية الإنسان، فإنها تفقد شرعيتها الأخلاقية والقانونية.
المفارقة بين تيمور الشرقية والصحراء الغربية: دروس للسودان
من خلال مقارنة تدخل الأمم المتحدة في تيمور الشرقية (حيث نجح المجتمع الدولي في دعم استقلالها بعد فظائع الاحتلال الإندونيسي)، مع فشل الأمم المتحدة المزمن في حماية حقوق الصحراويين في الصحراء الغربية، يكشف د. حقار عن تناقضات المجتمع الدولي: الاستجابة الانتقائية، والتدخل حين تتلاقى المصالح، والصمت حين تغيب الأجندات الاستراتيجية.
السودان مهدد بأن يتحوّل إلى "صحراء غربية أخرى": نزاع ممتد، بلا حلول حاسمة، ولا حماية فعلية. لكنه يحمل أيضًا إمكانيات أخرى؛ فالمقاومة الشعبية، والمجتمع المدني، والتوثيق المستمر للفظائع تضع السودان أقرب إلى نموذج تيمور، إن توافرت الإرادة الدولية والأطر القانونية المناسبة.
غموض القانون الدولي: فجوة خطيرة
يُبرز د. حقار أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتضمن نصًا صريحًا يشرّع التدخل الإنساني، مما يخلق مساحة رمادية تُستغل أحيانًا لأغراض سياسية. ويقترح تعديلاً واضحًا للميثاق يحدّد شروط، ونطاق، وآليات التدخل الإنساني، ويطالب باعتماد إعلان دولي بعنوان "السيادة كمسؤولية" — وهي رؤية تستجيب تمامًا لواقع السودان.
ما الذي تعنيه هذه الأطروحة للسودانيين اليوم؟
على ضوء أطروحة د. حقار، يجب أن يُنظر إلى ما يحدث في السودان كفشل سيادي صريح، وليس مجرد حرب أهلية. ويجب على الأكاديميين، والمجتمع المدني، وصنّاع السياسات السودانيين أن:
- يؤطروا الأزمة السودانية كخرق لجوهر السيادة، لا كمجرد صراع سياسي؛ - يطالبوا بممرات إنسانية وآليات حماية عبر الاتحاد الأفريقي والإيقاد؛ - ينخرطوا قانونيًا في المحافل الدولية لإبراز السودان كحالة اختبار لفعالية القانون الدولي؛ - يكسروا حاجز الصمت الجيوسياسي: فحياة السودانيين ليست أقل قيمة من ضحايا أوكرانيا أو غزة أو كوسوفو.
خاتمة
إن كتاب د. سليمان صندل حقار ليس دعوة إلى التدخل العشوائي، بل إلى بناء نظام قانوني عادل ومتسق، يوازن بين سيادة الدولة وحق الإنسان في الحياة. وإذا لم تتغيّر مفاهيم السيادة لتشمل المسؤولية والمساءلة والعدالة، فإن السودان لن يكون آخر الضحايا — بل مجرد حلقة في سلسلة من الحروب المنسية.
د.احمد التيجاني سيد احمد عضو تحالف تاسيس ٢٣ مايو ٢٠٢٥روما – نيروبي
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة