حين ترد سيرة ( ولاية الخرطوم ) يظن البعض أنها ولاية عصرية تنوء فقط بتلك الوزارات والمؤسسات والعمارات والشركات والحركات ،، كما أن الأحوال توحي بأن الولايات الأخرى هي صاحبة القدح المعلى في أمر الزراعة .. ولكن الحقائق عن ولاية الخرطوم تقول غير ذلك .. حيث أن ولاية الخرطوم تعد اليوم في مقدمة الولايات الزراعية بالسودان .. وهي ولاية فيها الكثير من تلك المشاريع الزراعية الكبيرة ،، وعلى سبيل المثال وليس الحصر هنالك مشروع سوبا الزراعي العملاق ،، ومشروع سندس الزراعي العملاق .. ومشروع سليت الزراعي العملاق .. ومشروع غرب أم درمان الزراعي العملاق .. بجانب تلك الأراضي الزراعية الكثيفة في معظم مناطق الولاية .. وخاصة في مدينة الخرطوم والخرطوم بحري .. وفي السنوات الأخيرة دخلت مناطق غرب أم درمان بكثافة في مجال الزراعة .. والأمر لا يقتصر فقط على المنتجات الزراعية من الخضروات وأعلاف المواشي ولكن انتشرت في ولاية الخرطوم بكثافة مزارع الأبقار لإنتاج الألبان ،، وكذلك انتشرت بكثافة مزارع الدواجن التي توفر الدجاج والبيض بكميات تكفي حاجة الولاية وتفيض .. وكل مناطق ولاية الخرطوم التي تجاور النيل الأبيض والأزرق هي مناطق زراعية معروفة منذ أقدم السنوات .. فهنالك مناطق البراري ،، وهنالك مناطق الجريفات غرباً وشرقاً .. وهنالك مناطق المقرن وجزيرة توتي ،، وهنالك مناطق كافوري وحلفايا وشمبات وكافة المناطق الشمالية لمدينة بحري .. وفي السنوات الأخيرة بدأت مناطق غرب أم درمان تدخل في مجال الزراعة وفي مجال حظائر الأبقار والدواجن بطريقة تجارية مكثفة .. فولاية الخرطوم اليوم تعد ولاية زراعية قبل أن تكون تلك العاصمة العصرية الوهمية .. وليست هي تلك العاصمة التي تنوء بالجفاف .
ومن المظاهر العجيبة في السنوات الأخيرة أن ولاية الخرطوم بدأت تستقطب المزارعين من الأقاليم السودانية .. وبدأت رويداً رويداً تحتل الصدارة في زراعة الخضروات والعلف الضروري للمواشي والأنعام .. كما أنها بدأت تحتل الصدارة في إقامة حظائر الأبقار والدواجن .. وهي قد اكتفت ذاتياً من منتجات الخضروات والألبان والبيض .. ثم بدأت تصدر الآن تلك المنتجات للولايات الأخرى بالسودان .. والآية قد انعكست تماماً لتلك الصورة الراسخة في الأذهان بالماضي !. حيث تلك الولاية التي كانت لسنوات قريبة تعتمد على منتجات الولايات الأخرى من الخضروات والأعلاف والألبان والدواجن .. ولكنها الآن بدأت تغذي تلك الولايات بتلك المنتجات .. والخبراء بالأحوال يرون أن سوء التخطيط في الماضي قد تسبب في هجرة الناس لولاية الخرطوم .. وبالضرورة فإن تلك الهجرة قد أنعشت كثيراً ولاية الخرطوم من النواحي الزراعية ،، وفي نفس الوقت أخرت كثيراً تلك الولايات الأخرى بالسودان .. فولاية الخرطوم تعد اليوم من أنشط الولايات التي تمارس الزراعة في البلاد .. وخاصة في مجال الخضروات وعلف الأنعام ( القش ) وكذلك الألبان والدواجن .. ورغم تلك الحقائق الأكيدة فإن أسعار تلك الخضروات والأعلاف والألبان والدواجن تعتبر من أغلى الأسعار فوق وجه الأرض !.. وذلك المواطن الذي يعتبر نفسه من سكان ولاية الخرطوم لا ينعم إطلاقاً من وفرة تلك المشاريع ،، ولا يتنعم إطلاقاً من وفرة تلك المنتجات الزراعية والخضروات والألبان والدواجن .. بل كلما تزداد أعداد تلك المزارع بولاية الخرطوم كلما ترتفع الأسعار بطريقة قاتلة وجنونية !.. وقد تكون منتجات الولايات الأخرى أرحم سعراً من منتجات ولاية الخرطوم .. وكل ذلك بأسباب ذلك الجشع والطمع الذي يشتهر به أصحاب تلك المزارع .. ومن الملاحظات التي تجلب الانتباه أيضاً أن الكثير من ولايات السودان قد تراجعت في أنشطة الزراعة .. وخاصة في أنشطة زراعة الخضروات .. حيث اكتفت فقط بزراعة المحاصيل الموسمية من البقول .. مع القليل من تلك المنتجات الزراعية الربحية مثل ( الفول والسمسم والبصل ) .. أما غير ذلك من الخضروات فإن معظم أقاليم السودان بدأت تستورد تلك الخضروات من ولاية الخرطوم .. وتلك الصورة المعكوسة ما كانت متوقعة في يوم من الأيام .. ومن المضحك في الأمر أن بعض ولايات السودان المشهورة بالزراعة بدأت تستورد تلك الخضروات من ولاية الخرطوم .. والأسواق في تلك الأقاليم بدأت تستورد حاجتها من الخضروات من ولاية الخرطوم !.. والعلة الأساسية تكمن في ذلك المزارع الذي يتواجد في تلك الولايات ،، حيث تبدل كلياً في مزاولة المهنة !.. فهو يرى العيب كل العيب في ذلك النوع من الزراعة .. ويرى من علامات التقدم والتحضر أن تشتري أسرته تلك الخضروات من الأسواق ،، ولا تعتمد على خضروات المزارع المحلية !.. وذلك رغم أن زراعة الخضروات لا تحتاج للكثير والكثير من ذلك الجهد .. وتلك هي العقدة الجديدة التي تمثل المدنية الزائفة في هؤلاء المزارعين بالأقاليم .. بجانب تلك الوفرة من الريالات التي ترد إلى الأيدي من قبل الأقارب والمعارف الذين يتواجدون في دول الخليج العربي .. فذلك المزارع الذي يملك المقدرة في شراء تلك الخضروات من الأسواق يرى العيب في زراعة الخضروات !.. وتلك الصورة الهزلية لا تتوقف عند حد الزراعة فقط ،، بل نجد أن تلك الظاهرة تتجلى أيضاً في سلوكيات أبناء هؤلاء المزارعين .. حيث هؤلاء الأبناء الذين لا يفكرون إلا في الهجرة لدول الخليج منذ نعومة الأظفار .. ويرون المستقبل الأكيد في تلك الهجرة المترقبة .. ولذلك فإن هؤلاء الصغار لا يبالون ولا يهتمون إطلاقاً بضرورة التعليم والتعلم والدراسات الأكاديمية .. كما أنهم لا يبالون كثيراً بمواصلة التعليم والدراسة حتى نهاية المشوار .. بل يتمردون عادةً ويغادرون ساحات الدراسة مبكراً في انتظار وصول ( فيزا العمل ) في إحدى دول الخليج العربي .. والعجيب في الأمر أن هؤلاء الصغار لا يكتشفون ذلك الخطأ الجسيم إلا بعد وصولهم لتلك الدول في الخليج العربي .. حيث يجدون أنفسهم في مكانة أقل قيمة من مكانة الآخرين .. حيث هنالك المقامات والمكانات بمقدار الشهادات والمؤهلات .. والذي لا يملك تلك الشهادات الدراسية الأكاديمية يزاول ذلك النوع من المهن المتواضعة .. وهي تلك المهن اليدوية العادية التي يمارسها العمال الغير مؤهلين في أغلب الأحيان .. ولذلك فإن تلك الولايات التي يتلهف أبناءها للهجرة لبلاد الغربة عادة تعاني من نقص الكوادر العملية العالية الماهرة في تلك الثقافات العلمية الرفيعة .
السؤال المحير هو كيف استطاعت ولاية الخرطوم أن تسحب البساط من تحت أقدام ولايات السودان الزراعية ؟؟ .. وتتحول إلى ولاية زراعية عملاقة بذلك المعنى في سنوات قليلة ؟؟ .. وتلك الأقاليم السودانية مازالت تشتكي من الهيمنة السياسية للمركز السوداني ،، بينما أن ذلك المركز السوداني قد هيمن أيضاً على القوة الزراعية في البلاد .. وبالتالي فإن ذلك المركز قد اكتفى من مغبة التخويف الاحتكاري لمنتجات الزراعة في الماضي .. وأصبح لا يبالي بتلك الصيحات الهامشية التي تنادي وتنادي .. فولاية الخرطوم اليوم تعد ولاية مكتملة ومكتفية ذاتياً في كل المجالات والنواحي .. وتلك هي سنة العواصم في كل أرجاء العالم .. ومن تحصيل الحاصل محاولات إركاع ذلك المركز السوداني لشروط تلك الجهات التي تنادي !! .. فتلك الجهات أهدرت سنواتها في المناكفات والسجال .. بينما أن ولاية الخرطوم قد استغلت تلك المناكفات في تكملة البنية التحتية الضرورية في أرجاءها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة