أولاً: لماذا لا يعترف نشطاء (قحت) بأنهم قد خسروا أهل الشرق؟ نسبة لفشل تعاطيهم إبان حكومة (الشراكة مع لجنة البشير الأمنية) مع ملفات هامة بالنسبة لأهل الشرق؟ خاصة أن أهل مدن وقرى وأرياف ولايات الشرق الثلاث كانوا من أوائل من شاركوا في ثورة ديسمبر المجيدة. ومدينة بورتسودان وضواحيها قام الثوار فيها بمحاصرة البشير وضيوفه من (الخليج العربي)، حتى فر هارباً من بورتسودان عبر مروحية.. * وهذه الأحداث موثقة في منشور لي بموقع سودانيزأونلاين، المنبر العام (بعنوان: بشة يشرد من البورت اليوم)، وذلك بتاريخ التاسع عشر من ديسمبر سنة ألفين وثمانية عشر. * وكذلك لقد قمت بتوثيق الحراك الثوري في مقال طويل منذ بداية انطلاقة شرارته في مدن وقرى وأرياف (ولايات الوطن وأقاليمه) مدينة مدينة بلدة بلدة.. حتى وصول الحراك إلى الخرطوم، (مستخدمة في ذلك المنهج الوصفي التاريخي وهو منهج بحثي يستخدم في العلوم الاجتماعية والتاريخ لوصف وتحليل الأحداث والظواهر التاريخية). -سأقوم بنشر المقال لاحقا.
ثانياً: لماذا لا زلت أصر على نعت (قوى الحرية والتغيير) بلقب نشطاء وليس سياسيين مخضرمين؟ لأنهم منذ توقيعهم لما تسمى ب(الوثيقة الدستورية) المعطوبة والتي كنت وغيري كثر قد قمنا بانتقادها في حينها، وكوني وصفتها (بالوريقة الدستورية)، والتي كانت بمثابة (المحلل لزواج الشراكة والتناغم مع لجنة البشير الأمنية)، وكذلك طوال حكومتي الفترة الانتقالية.. كانوا يتصرفون مع كل الملفات بطريقة غير مدروسة جيداً كأنهم لم يجهزوا برنامجاً للفترة الانتقالية (كما صرح رئيس وزرائهم دكتور حمدوك)، وهو الأمر الجلل الذي اتضح خاصة في التناول المتهاون مع أخطر الملفات مثل (السلام، والاقتصاد، والخارجية، والتجارة والصناعة، وكذلك تصرفهم الغريب في محاولة فرض ولاة يرفضهم الشعب الثائر)، الأمر الذي جعلنا نضع أيدينا على قلوبنا الواجفة ونحن نرى الثورة التي عملنا من أجلها طوال ثلاثين عاماً نحن وآباؤنا وأمهاتنا، ربما تكون قد تنسمت قيادَها (شلة من المعارف والأصدقاء) يريدون أن يحكموا فقط دون برنامج واضح لما بعد الثورة، لكأنهم قد جاءوا لتوهم وعلى عجل من أحد أركان النقاش في الجامعات.. كنشطاء غوغائيين وليسوا رجال ونساء دولة.
ثالثاً: ولعل من أغرب المواقف، كان تهافتهم وتسابقهم على الانخراط في (تفاوض إعتباطي ومطول) مع لجنة البشير الأمنية، وكانت تبدو عليهم إمارات السعادة وهم يتبخترون على ردهات قصر البشير!!
هذا التفاوض الاعتباطي المطول الذي أخضعوا له شهوراً، رغم أن الشعب الثائر كان لا يزال يدعمهم في ميادين الثورة في كل الوطن، وكل يوم من أيام التفاوض كانت ترتقي أرواح المزيد من الشهداء في كل ربوع الوطن. كان هذا التفاوض الاعتباطي إحدى استراتيجيات لجنة العسكرتاريا لإطفاء زخم الثورة وتجريدها من مطالبها الراديكالية.. شيئاً فشيئاً. فالتفاوض الإعتباطي والمتطاول استراتيجية تدرس في الكليات العسكرية حول العالم في مجال علم وفن التفاوض.
رابعاً: التفريط في الإرادة والشرعية الثورية، قبل وبعد مذبحة القيادة. بدأ هذا الأمر بما أسميته في فقرة في أحد مقالاتي آنذاك ب(معركة المتاريس)، وذلك في مقال لي تجدونه عبر قوقل، بعنوان: (الثورة السودانية.. صراع الإرادات والمتاريس) بتاريخ السادس عشر من مايو ألفين وتسعة عشر. وكتبت فيه محذرة من مخاطر التفريط في الشرعية الثورية، والرضوخ للابتزازات، وعدم التهاون في معركة الإرادات. فمثلاً كتبت في فقرة: ( معركة المتاريس المصطنعة: تفجر الجدال حول المتاريس مؤخراً.. لسبب معين حسب تقديري. فالأمر يتركز كله في معركة حرب الإرادات لاكتساب مزيد من مساحة المناورة في التفاوض.. وكذلك كسب المزيد من الوقت للمماطلة.. وكذلك كحجة لتأليب القوات المعسكرة سواء أن كانت نظامية أو غير نظامية ضد الشباب الثائر. وتحويل معركة الإرادات بينهم تدريجياً إلى معركة تكسير عظم.. في خطة جهنمية لفلت الأوضاع تماماً وتحويلها إلى حرب بقاء شاملة. لذلك ما اللغط المثار الآن حول (المتاريس).. إلا وسيلة أخرى في جعبتهم يستخدمونها في معركة الإرادة وكلما صدقهم وأطاعهم قيادات قوى الحرية والتغيير في حججهم حول المتاريس.. كلما فكروا في وسيلة أخرى لإعاقة الوصول لاتفاق حول الحكومة الانتقالية ما لم يكن بشروطهم وشروط المحاور التي يدورون في فلكها.. خاصة وأن حرب اليمن الآن تهدد بالانتقال إلى العمق السعودي.. وما تعليقهم للاتفاق إلى حين إزالة المتاريس خارج محيط اعتصام القيادة وتسويق هذا الأمر حتى صار عذراً مقبولاً لدى العديدين إلى مجرد حجة للمماطلة.. وكذلك تكريس فرض إرادتهم على الثوار وقياداتهم. وهذه الخطوة (الخطة) ستتبعها خطوات بالطبع، فهؤلاء لطالما أثبتوا لنا طوال ثلاثة عقود من الزمان أن جعبتهم لا تخلو أبداً من الحيل.. فما بالكم والآن تدعمهم وتعمل معهم مخابرات دول المحاور.. وتخطط معهم لتثبيت مصالحها والالتفاف على الثورة في (غرف عمليات طارئة) بلا شك؟ (انتهى الاقتباس)
ورغم ذلك تم فض اعتصام شارع النيل ثم اعتصام منطقة كولومبيا (بموافقة من مفاوضي قحت)، الذين اضطروا للتصريح بأن هاتين المنطقتين ليستا جزءاً من الاعتصام (وهذه التصريحات موجودة).. وسنجد أن هذه (الموافقة في سبيل المضي قدماً في المفاوضات التي كان البرهان قد أعلن وقفها بكل صلف بحجة مرور القطار وبحجة إعاقة مصالح المواطنين وإعاقة مرور السيارات، وبحجة أن منطقة كولومبيا منطقة تمارس فيها بعض الجرائم) قد أدت إلى مذبحة كولومبيا، هذه المذبحة التي قد فتحت شهية العسكر ومليشياتهم المختلفة إلى التخطيط لفض الاعتصام الرئيسي (اعتصام القيادة) الذي تلته اعتصامات الأقاليم في الفض.
خامساً: أخطاء حكومتي الفترة الانتقالية. فضلاً عن خطورة الوريقة الدستورية المفخخة، والتي شابتها كثير من العيوب، وكذلك الإبهام في مواضع عدة. خاصة ملفي (الشراكة، والسلام)، كذلك الفوضى التي عمت في طرق التعيين للمناصب الحكومية المختلفة سيما في مجلسي السيادة والوزراء. حيث عمت الصراعات الداخلية داخل تحالف قحت حول الحصص والمناصب، وكأن الوصول إلى كرسي الحكم أو الوزارة صار غنيمة وليس تكليفاً، وقد احتدم الصراع بين شركاء قحت حتى انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ثم انحدر انحداراً مربعاً وصل إلى درجة تبادل الاتهامات، بل وصل الأمر بمنسوبي إحدى الكتل إلى (التهديد) بإقالة أفضل وزير في الحكومة (وزير الصحة الدكتور أكرم علي التوم)، وفعلاً تمت إقالته في عز عطائه العملي وفي عز حوجة المواطنين لوزير هميم متفان على شاكلته!!
وكذلك فرضت (قوى الحرية والتغيير) على ولايات الوطن الثائر ولاة غير مؤهلين، وولاة مرفوضون من الثوار في الولايات لأسباب يعرفها أهل هذه الولايات، ورغم أنه قد تم إحاطة قوى الحرية والتغيير بالرفض المسبب، ولكن (قحت) أصرت على ولاتها المرفوضين.. بعنجهية ودكتاتورية غريبة!! بل لم تستمع حتى إلى الطعون والنصائح التي قدمت من بعض منسوبيها (القحاتة) أنفسهم الذين ينتمون إلى هذه الولايات!! الأمر الذي بدأ موجة الاعتصامات في شرق السودان ضد تعيين ولاة ولايتي كسلا والقضارف، (وقصة شرق السودان مع نشطاء حكومة قحت لعمري قصة تجسد نفس التعالي "المركزي" والتعامل الأخرق الذي لطالما عانت منه الهوامش من قبل كل الحكومات السودانية الأمر الذي فجر سلسلة الأزمات والحروب في كل أركان الوطن، والإزراء والتعامل الدكتاتوري من قبل حكومة (الشراكة بشقيها)، الشرق الذي يمثل قطاعاً من أكبر قطاعات الشعب السوداني وفي منطقة تعد من أشد المناطق حساسية، وضد شعب ثوري كان من أوائل شعوب السودان التي قادت كفاحاً مسلحاً ضد الإنقاذ منذ عام ألف تسعمئة وواحد إلى عام ألفين وستة، وتعرض هذا الشعب بسبب النضال المسلح والتظاهرات المتتالية ضد الإنقاذ والتي سبقت الانتفاضة العامة للوطن عام ألفين وثلاثة ميلادي، وقد قوبل هذا الكفاح المسلح لشعب شرق السودان ولمؤتمر البجا/ الجناح العسكري، بكل عنف السلطة، وكذلك بجريمة (التغيير الديموغرافي) التي قامت بها (حكومة الإنقاذ) وذلك بتجنيس وتوطين ستة عشر معسكراً للاجئين الإريتريين والإثيوبيين وخاصة من الجهاد الإريتري لتضمهم إلى مليشيات الدفاع الشعبي كي تستخدمهم في الحرب ضد مؤتمر البجا وحلفائه في التجمع الوطني الديموقراطي السوداني الذي كان يحارب من الجبهة الشرقية. وكان من جراء هذه الحرب (مذبحة بورتسودان الشهيرة) والتي كان القتل فيها يتم على الهوية، فكل من يرتدي (السديري) البجاوي كان يطلق عليه الرصاص وتتم مطاردته في الشوارع والأحياء من قبل قوات أحضرت من الخرطوم بطائرة خاصة (قوات أبو طيرة). وحتى بعد اتفاقية جبهة الشرق عام ألفين وستة ميلادي، استمر نضال الشرق ضد دكتاتورية الإنقاذ ومسلسل (الخصخصة) الذي قامت به في الشرق، فبعد خصخصة كثير من مرافق الوطن مثل (شركة الخطوط البحرية السودانية)، تصدى البجا لمحاولة وزير مالية الإنقاذ معتز موسى، لإيجار الميناء الجنوبي (ميناء) الحاويات.. للشركة الفلبينية/ الإماراتية، وهي نفس الشركة التي عادت مرة أخرى في عهد ما من المفترض أن تكون (حكومة الثورة)، وعندها أغلق العمال البجا الميناء الجنوبي مرة أخرى، رغم محاولات حكومة قحت إرهابهم ب(حميدتي). والذين قابلوه إبان زياراته للميناء بهتافات (لا للخصخصة لا للبيع).. ولكن كما سبق أن فشلت نفس محاولة الوزير الإنقاذي (معتز موسى) لتأجير الميناء الجنوبي، قام عمال وموظفي الميناء في إفشال هذه الصفقة التي عادت لنا مرة أخرى في عهد حكومة (حمدوك). ثم عادت لنا حكومة حمدوك تارة أخرى بمحاولة تسليم مرسى أبو عمامة للإمارات بشراكة مع رجل الأعمال السوداني (أسامة داؤود)، هذه المحاولة الأخرى التي رفضها البجا ولا يزالون.
سادساً: أخطاء ملف السلام. في يوليو وأغسطس 2019، توافقت الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير على آليات انتقالية مشتركة وهيكلة للتحالف، وتحديد نسب التمثيل في المجلس السيادي (مقعدان للثورية مقابل ثلاثة لقوى الحرية والتغيير)، وكانت الأمور تمضي بسلاسة.. وشاهدنا (مناوي) يمزح ضاحكاً مع (محمد مختار الأصم) في ملتقى (أديس أبابا). فإذن ما الذي حدث بعد ذلك؟ وأدى إلى انتقال ملف السلام إلى أيدي العسكر؟ ومن ثم انتقلت الجبهة الثورية إلى عاصمة جنوب السودان لتتفاوض مجدداً على حصص الجبهة الثورية في حكومة قحت؟ السبب: أن (القحاتة) ماطلوا، ولم يفوا بوعودهم. فقد كان الخلاف الأبرز بالطبع حول (المحاصصة) ونسب التمثيل، حيث طالبت الجبهة الثورية بتمثيل يتناسب مع دورها في التحالف، ولكن قوى الحرية والتغيير كانت تعاني أصلاً من انقسامات داخلية، والجبهة الثورية كانت جزءاً من التحالف الأوسع (بصورة أقرب ما تكون لديكورية) لكنها لم تكن ضمن المؤسسات الداخلية الضيقة للتحالف ( الدكاكينية)، مما أدى إلى شعورها بالإقصاء في بعض الأحيان، بل أذكر أنني سبق أن سألت بعض (القحاتة) قبل اتفاقيتهم مع الجبهة، فقالوا لي (لن نعقد معها أي اتفاقيات..فلو أرادت أن تنضم لقوى الحرية والتغيير دون شروط مسبقة فأهلاً بها). لذلك أنا أحمل قوى الحرية والتغيير الانقسام الذي حدث، وبالتالي ذهاب الجبهة الثورية إلى جوبا، والذي أفضى بنا إلى اتفاقية محاصصة جوبا ومن ثم حدوث ما تسمى ب(أزمة المسارات الجهوية)، والتي رفضتها قطاعات عريضة من الشعب السوداني واعتبرتها مقدمة خبيثة لهندسة (تقسيم السودان)، خاصة أنه قد أقحمت جهات من السودان كانت آمنة وبالتالي ليس من المنطق أن تضعها الجبهة الثورية (تحت إبطها) عبر شخوص مشبوهين وغير مفوضين من قبل المناطق التي يدعون تمثيلها. وكانت الاعتراضات الأبرز ضد ما سمي ب(مسار الشرق) والذي أقام الشرق ولم يقعده حتى الآن. كون أن ممثلي هذا المسار بعضهم شخوص يمثلون واجهة لتنظيمات ديكورية ليس لها قواعد في شرق السودان، مثل المتحدث السابق باسم الجبهة الثورية المدعو (أسامة سعيد وهبي)، وكذلك يضم المسار تنظيماً (لمجنسي المعارضة الإريترية) وهم الأمين دويد وخالد شاويش وعبد الوهاب جميل وشلتهم من بقايا الجهاد الإريتري وجبهة التحرير الإريترية وحركة شباب التغيير الإريترية الذين جنستهم الإنقاذ من ستة عشر معسكراً للاجئين وكل الشرق يعرف ذلك. وكذلك أول ما هبط هؤلاء مطار الخرطوم مبشرين (جماعتهم) بهذا المسار، صرح أحد قادة المسار الأمين دويد قائلاً بصريح العبارة (البجا تاني لا يمكن يحكموا شرق السودان.. نحنا نعرف تعدادهم كم والله ذاته عارف)... هكذا قال أمام كاميرات التلفزيون!!! وثم، انفجر شرق السودان بالقلاقل وسالت الدماء، وطالب أهل الشرق بإلغاء هذا المسار الأجنبي والمشبوه، والذي صرح قادته علناً بأنه يستهدف قومية البجا في إقليمها وأرض أجدادها. واستمر الشد والجذب بين البجا وبين (حكومة الشراكة) دون طائل، وكانت الحكومة تخدرنا كل مرة بشتى أنواع المخدرات والوعود وثم لا تفي بها، وعندما وجد البجا رفضاً من الحكومة لمطالبهم أعلنوا الإغلاق الكامل لشرق السودان. فهنا انبرت أقلام قحت لتهاجم البجا وتصفهم بمعيقي الفترة الانتقالية، ونعتونا (بالفلول، والمخربين)، بل حتى نعت بعض القحاتة رئيس وزرائهم حمدوك (بالضعيف) لأنه لم يجرؤ أن يطلب من الجيش (فرض هيبة الدولة) كما يزعمون، وذلك بفض اعتصامنا السلمي بالقوة والذي قمنا به بسبب الحكومة التي رفضت إلغاء مسار جاء يبشر بسيادة اللاجئين الإريتريين الذين جنستهم الإنقاذ.. على أرضنا!! ولكن هيهات.
سابعاً: أخطاء ملف الاقتصاد. أما أخطاء ملف الاقتصاد في حكومة قحت فقد كانت بائنة للجميع خاصة للشعب الذي كان قد بلغت به الروح الحلقوم من السياسات الاقتصادية لحكومة المؤتمر الوطني، وطبعاً كان من حق هذا الشعب أن يتفاءل بأداء حكومة الثورة، هذا التفاؤل الذي جعلنا نصبر على البطش ويرتقي شهيد خلف شهيد، ولكن سرعان ما فوجئنا باستمرار نفس السياسات التقشفية دون مراعاة ما عاناه ويعانيه المواطن، هذا رغم التفخيم من قبل قوى الحرية والتغيير لخبرة كفاءات حكومتها، ابتداء من رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك وانتهاء بوزيري خارجيته. وثم، يبدو أنهم لم يجدوا حلا سوى تسليم ملف الاقتصاد برمته إلى قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. وذلك في مفارقة عجيبة من مفارقات (لت وعجن حكومة قحت)..!!
ثامناً: من ضمن الأسباب التي دفعتني اليوم لكتابة هذا المقال الطويل، ك(فلاش باك) ..يربط الوثيقة الدستورية بالحرب الحالية.. (هذا الأمر الذي قد يدهش البعض)، ذلك كون أن وثيقة قحت الدستورية كانت (مفخخة)، كما ذكرت وذكر غيري ذلك أكثر من مرة في كتاباتنا. فالبعض يردد أن (الإطاري) سبب الحرب. أما أنا فقد كنت أعتبر منذ البداية أن الحرب بين الجيش والكيزان والدعم السريع مسألة وقت، وذلك منذ بداية تكوين الدعم السريع كقوة فائقة التسليح والتدريب، وكنت أتوقع أن تنشب هذه الحرب منذ أن قام برلمان البشير بإجازة قانونها عام ألفين وسبعة عشر كقوة أمنية مستقلة تتبع للقوات المسلحة. وتوقعي هذا كان ولا يزال مرتبطا باعتبارات تتعلق بطبيعة الجيش والمؤسسة العسكرية وكذلك بالطبيعة الآيدولوجية لحزب المؤتمر الوطني، والأهم من ذلك كله طبيعة الدعم السريع كقوات تتبع لمكونات بدوية تدين بالولاء المطلق لقائدها وليس لقائد الجيش أو الأمن أو حتى البشير نفسه.. كما قد يعتقد البعض. ولقد أثبت كلامي هذا سرعة تخلي قائد الدعم السريع عن البشير في أول فرصة لاحت له، وكذلك أثبت ظني الولاء الحالي القبلي المطلق من قبل قوات الدعم السريع لقائدها حميدتي. وذلك لأن تجنيد القبائل البدوية كمجموعات وليس كأفراد يجعل سيطرة الجيش عليها محدودة نسبة للولاء القبلي، وهذا الأمر لن يفهمه إلا شخص له انتماء للقبائل الحية التي عادة تميل إلى طاعة قائد من نفس مكونها. وعموماً صدام الجيوش والحكومات مع مليشيات تصنعها سواء أن كانت قبلية أو طائفية حدث في التاريخ من قبل ولا يزال (مثال على ذلك تجربة الحشد الشعبي الطائفي في العراق). لذلك كنت ولا زلت ضد (تفريخ) الجيش لمليشيات قبلية.. تحت أي ذريعة حتى بدعوى ما يطلق عليها (حرب كرامة).. وهلم حمقاً. ولقد سبق أن ناقشت حول هذا الأمر بعض الأصدقاء من السياسيين وقلت لهم أن الدعم السريع سيصطدم مع الكيزان أو الجيش عاجلاً أم آجلاً. وتوقعي هذا زاد مخاوفاً بعد (إجهاض) الثورة بالوثيقة الدستورية القحاتية والتي تمت صياغتها على تلك الشاكلة (مخصوص، وأعتقد بلمسات خارجية أجنبية)، رغم أن الثورة أصلا كانت قد كادت أن تطيح بالنظام بالكامل وكان العسكر ومليشياتهم يترنحون في رعب عظيم تحت ضربات مليونيات ثورة الشعب رغم سلميتها، فجاءت هذه الوثيقة ومدت لهم يد الخلاص وهم على الرمق الأخير.
وكان منطق بعض متنطعي القحاتة تجاه نقاد هذه الخطوة بوصفهم (رومانسيون سياسيون) أو (بأنهم لا يفهمون الواقعية السياسية) أو (بأن الحرص على الصوابية السياسية والمبدئية سيكونان عائقاً أمام نجاح الثورة).. وهذا يعني بالتالي أنه يجب أن نرتمي في أحضان لجنة البشير الأمنية وفقط نطالب بتغيير هذا الضابط أو ذاك.. وثم نتزاوج معها سياسياً زواج شراكة، وثم نعيش في (تناغم تام)، ونرسل وزيرة خارجيتنا لتطوف حول العالم مسوقة ومبشرة ب(النموذج السوداني) بابتسامة ساذجة تزين محياها.
هذا ( النموذج السوداني المثالي المزعوم) القام بيهم وقام بينا لليلة ..
رغم هتاف الشارع : ما تدي قفاك للعسكر العسكر ما حا يصونك أدي قفاك للشارع الشارع ما حا يخونك وكذلك : العسكر الثكنات والجنجاويد ينحل
تاسعا: القحاتة (كل من ينتقدنا كيزان وفلول). مدهش جدا، كيف فجأة صار منسوبي قوة الحرية والتغيير يحتكرون مسمى (مدنيين) مطلقا هكذا!! منذ أن حكموا في الفترة الانتقالية صاروا يعتبرون مسمى( مدنيين ) أو بالأحرى (سياسيين مدنيين) حكرا عليهم!! وبالتالي هم فقط الفئة من السياسيين المدنيين الذين لا يعتبر حكم السودان من بعد ثورة ديسمبر حكرا لهم فقط، بل حتى بعد الحرب لا يزالون يروجون داخليا و خارجيا بأنهم هم فقط ورثة حكم السودان الأحق بالحكم دونا عن كل السياسيين المدنيين..الذين لا يحق لهم أو حتى أن يحلموا مجرد الحلم أن يطرحوا أنفسهم كمجرد خيار آخر بحق للشعب تجربته بعد فشل قوى الحرية والتغيير البائن للأعمى والبصير..!! بل وصلت بهم الجرأة حتى أن لا يقبلوا بأن (ينتقد حتى مجرد إنتقاد) أي عضو من أعضاء التنظيمات السياسية المدنية (ذات الحظوة) التي فرضت نفسها كقادة لثورة الشعب بحكم تواجدها في العاصمة ومعرفتهم ببعضهم البعض كشلل ومعارف وأصدقاء ..وثم عينت أفراد تنظيماتها ( تعيينا ) في مناصب حكومة الفترة الإنتقالية..خاصة جسم قوى الحرية والتغيير (الذي يمثل المجلس المركزي) والذي قام بإقصاء حتى عضوية قحت الكبرى نفسها. شفتوا كيف؟!! فمثلا على سبيل المثال لا الحصر. كتبت اليوم أخت قيادية تنتمي لحزب المؤتمر السوداني على حسابها في فيسبوك عبارة غريبة جدا، لم أكن أتوقع مطلقا أن تصدر منها، كتبت: (معروف شتيمة المدنيين بتقربك من معسكر الفاسدين وكلما شتمت سلك تحديدا الدفع بكون أسرع وأكثر).. وأعقبت تعليقها بتعبيرين ضاحكين ساخرين!! يعني يا مواطن سوداني إياك ثم إياك أن تقرب من شلة (المدنيين) المختارة هذه دونا عن مدنيين هذا السودان.. ولعلها تعني الثلة من السياسيين المدنيين التي حكمت بعد الثورة.. وكان أن رددت عليها بالآتي رغم أنني أعلم أنها لن تأبه بردي كوني لست من ذوات حظوتهم المقربين : (بعيدا عن موضوع (الشخصية المقصودة) الأصلا كل الشعب عارف تاريخها مع الكيزان. السؤال ليك يا (ح)، وأرجو إجابة واضحة.. هل أنتم كجماعة تحالف قحت، تمثلون كل المدنيين في السودان؟ أم تقصدون باتخاذ لقب (المدنيين) حاليا.. أنكم المكون من المدنيين المنظمين سياسيا الذين كونتم بالاشتراك مع لجنة البشير الأمنية (حكومة الشراكة)؟ وهل تعنين بكلامك وإدعائك أعلاه أن كل من ينتقد (قحت) فهو بالتالي ينتقد كل الحراك المدني؟!! إسمحي لي، ربما أنكم لا تدركون أن هذا احتكار لكل الحراك الثوري الذي كنتم أنتم فيه مشاركون مثل الجميع. أما تهمة أن كل من ينتقد المدنيين اللي هم أنتم حصريا وكل من ينتقد خالد سلك (يشتمه) على حد تعبيرك.. فهو بالتالي يحاول التقرب من الكيزان!!... ألا تدركين أن إطلاقك هذا الكلام على عواهنه فيه نوع من الديكتاتورية واحتكار النضال وإرهاب الأقلام الحرة؟ يعني صنعتم لنا أصناما من أنفسكم تريدون لنا أن نظل لها عاكفين عابدين تائبين.. وإلا سيف الكوزنة معلق على رقاب جميع من ينتقدكم...؟!؟) عجبي !! This is a cheap shot.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة