#من الأمثال المعروفة، أو الأقوال السائرة المشهورة : هل يُصلح العَطَّارُ ما أفسد الدّهْرُ..؟
المثل هو عَجُز من بيت جاهلي معروف ،يُقال فيمن يحاول إصلاحَ ما لا يُمكن إصلاحه.
قصة المثل : يُحكى أن أعرابيًا نزل بقومٍ في الحضر ، وكان بينهم امرأة عجوز لكنها كانت تحاول أن تخفي كبر سنها ، وبدأت تستخدم مساحيق التجميل وترتدي لباس الفتيات ، فانخدع الأعرابي بمظهرها حيث تفننت في إخفاء مظاهر الشيخوخة التي دبت في أوصالها ، واستطاعت أن توقع الأعرابي بفخها فتقدم الرجل لخطبتها ، وبالفعل تم الزواج ، فتكشفت له الحقيقة وعلم أن حظه العاثر أوقعه في يد امرأة شمطاء في صورة فتاة شابة ، فأنشد يقول : عَجوزٌ تُرجّي أنْ تَكونَ فَتيَّةً وقَد نَحِلَ الجَنبانِ و احدَودَبَ الظَّهرُ تَدُسُّ إلى العَطّارِ مِيرةَ أهلها وَهَل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسَدَ الدَّهرُ؟ تزوجتها قبل المُحاق بليلةٍ فعاد مُحاقا كله ذلك الشهرُ وما غرني إلا خِضابٌ بكفّها وكحلٌ بعينيها وأثوابُها الصفرُ
ويقال أن المرأة نفسها هي من ابتدرت المثل واول من قاله: فقد كانت من المواظبين على معرفة كل جديد يأتي به العطار وخاصة المكياج فتشتريه وان لم تجد المال تبادل عطرها بطعام بيتها ثم تسرع الى البيت وتتجمل به . وبعد فترة انتبه العطار ان المرأة لم تعد تتردد عليه فسأل صديقاتها وأرسل بطلبها فلما حضرت سألها عن سبب انقطاعها عن المجيء، فقالت له العباره المشهورة: ( وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟) لأن زوجها قد تزوج عليها فماذا ينفعها الذهاب الى العطار.
يُقال أن الأبيات التي منها المثل للشاعر (عروة الرحال) والذي صار مثلا سائرا وهو مثل يضرب ويُقال فيمن يحاول إصلاحَ ما لا يُمكن إصلاحه، ومعنَاه: أنّكَ لا تبحث عن أمرٍ أو شيءٍ، وقد مضى وفاتَ أوَانهُ. وشاعر الأبيات "الرحال" : هو عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب. جاهلي من جلساء الملوك، سمي (الرحال) لأنه كان كثير الوفادة عليهم، وكان ذا قدر عندهم، وبسببه هاجت حرب الفجار (الثانية) بين حيي خندف وقيس، وذلك أنه أجاز قافلة كان يبعث بها النعمان في كل عام إلى عكاظ، فقتله البراض بن قيس الكناني، واستاق القافلة، فثارت الحرب بين الحيين، قال ابن الأثير: كانت حرب الفجار هذه بعد موت عبد المطلب باثنتي عشرة سنة، ولم يكن في أيام العرب أشهر منها
والمبرِّد في (الكامل، ج1، ص 255) وابن عبد ربِّه في (العقد الفريد ج3، ص 457) يذكران الشعر أنه لأعرابي ، يقول ابن عبد ربه: "وقال أعرابيّ في امرأة تَزَوَّجها، وذُكِر له أنها شابة طريّة ودَسوا إليه عَجوزا"، وذكر الأبيات: عجوزٌ ترجّي أن تكون فتية وقد لُحِب الجنبان واحدودب الظهر تدسُّ إلى العطار مِيرة أهلها ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر أقول وقد شدوا عليّ حِجالها ألا حبذا الأرواح والبلد القفر وقد وردت الأبيات كذلك في كتاب ابن طيفور - ت 280 هـ (بلاغات النساء، ص 143) على أنها لأبي العاج الكلبي: "حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال : قال أبو العاج الكلبي لامرأته: عجوزٌ ترجّي أن تكون فتية وقد لُحِب الجنبان واحدودب الظهر تدسُّ إلى العطار مِيرة أهلها ولن يصلح العطار ما أفسد الدهر
وان كان قائلها هذا أو ذاك، فقد أصبحت ضمن الأمثال العربية السائرة المعروفة والتي تقال في مناسبات شبيهة، فالأمثال هي العبارة الفنية السائرة الموجزة التي تضع لتصوير موقف أو حادثة و لتستخلص منها خبرة إنسانية يمكن استعادتها في حلة أخرى مشابهة لها.
وعن الأبيات الطريفة التي ورد فيها عَجُز البيت الشّعري الذي أصبح مثلاً ، قال بعضُهم:
عـجــوز تـمـنـّتْ أن تـكــونَ فـتـيــة وقد يبس الجنبان واحدودبَ الظهرُ تـروحُ إلـى العطّـار تبـقـي شبابـَهـا وهل يُصلِحُ العَطّارُ ما أفسـد الدهـرُ
تجدر الإشارة أنّ كلمة “العطّار” أو عطَّار اسم معروف ومُستعمل ومُتداوَل في مختلف البلدان منذ قديم الأزمان ،وهو موجود على وجه التقريب في جميع البلدان العربية ، والعطار قديمًا كان مثل خبير التجميل التي تعتمد عليه النساء في شراء مواد التجميل والعطور ومازال حتى يومها هذا محل العطارة مكان لشراء لازم النساء والتجميل والأعشاب العلاجية.
والعطّار فى الأصل يعني - كما هو معروف - : بائع العِطْر أو العطور، أو صانع العِطْر أو العطور. و يُطلق العطّار كذلك على بائع التَّوابِل (العطرية) ، والعطّار جاءت في صيغة المبالغة (فعّال) ويعني كثير العطر، وهناك أبيات من الشّعر مشهورة تقول: ومَن خالط العطّارَ نال من طيبه ومَن خالط الحدّادَ نال السّوائدا
ومَنْ خالط العطّارَ فاز بعطره ومن خالط الفحّامَ نال سوادَه
ويُعرف عادة باسم عطار كذلك بائع الأدوية الشعبية.
والعِطْرُ نباتاتٌ ذات رائحة عَطِرَة، زكيّة، عبقة، فوّاحة وهي نبتة عطرية طيّبة الرّائحة يستخرج منها زيت العطر،يقول الأديب جبران خليل جبران : تَشْربُ قَطَرَاتِ النَّدَى وَتَسْكُبُ دَقَائِقَ العِطْرِ.. !
ومن المعلوم أن الدهر لا يفسد والذين يفسدون هم أهل الدهر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الدهر فقال: "لا تسبُّوا الدهر، فإنَّ الله هو الدهر، يُقلِّب ليلَه ونهارَه" ، يعني: هو المتصرف فيه سبحانه وتعالى.
والمقصود من بيت الاعرابي ( وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر) إن الشباب إذا ولى لن يعود مهما فعلنا، فلكل أجل كتاب، وأنَّ سنوات العمر التي يقضيها الانسان في الدَّهْرِ والزَّمَن غالبة على سلاحَ العَطَّار لا محالةَ؛ وإنَّ العُمْرَ إذا مضى لَنْ يعود أدرَاجهُ إلى الوَراءِ. قال أبو العتاهية: بَكيتُ عَلى الشَبابِ بِدَمعِ عَيني فَلَم يُغنِ البُكاءُ وَلا النَحيبُ فَيا أَسَفا أَسِفتُ عَلى شَبابِ نَعاهُ الشَيبُ وَالرَأسُ الخَضيبُ عَريتُ مِنَ الشَبابِ وَكانَ غَضّاً كَما يَعرى مِنَ الوَرَقِ القَضيبُ فَيا لَيتَ الشَبابَ يَعودُ يَوماً فَأُخبِرُهُ بِما صَنَعَ المَشيبُ
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة