الأذكياء والنبهاء يعرفون جيداً تلك الحقيقة الدامغة ،، ولكن لا يتجرؤون على القول ،، وتلك صورة تؤكد حالات الجبن والخوف في معظم الأطراف السودانية التي تواكب الحياة في السنوات الأخيرة ،، كما أنها تلوث أمجاد الماضي البطولية التي كان يتوسم بها البعض من أبناء السودان ،، وذلك التهرب من قول الحقيقة يمثل صفة مشينة وقبيحة في بعض الناس ،، فلسفة الشعب السوداني في الانتفاضة الأولى بعد إسقاط نظام الفريق ( عبود ) كانت تلك الفلسفة الرجولية المقدامة الشجاعة التي لا تهادن ولا تجامل طرفاً من الأطراف ،، ولا ترضخ وتذعن لشروط طرف من الأطراف ،، ولا تتراجع وتتخاذل خوفا من تلك العواقب المزعومة ،، وكانت قضايا ومطالب الشعب السوداني لها الأولوية القصوى في كافة الخطوات ،، حيث تلك القضايا والمطالب الشعبية التي كانت تجد اهتمامات المسئولين بالدولة بمنتهى الرغبة والجدية ،، وبالمختصر المفيد فإن مطالب الشعب السوداني كانت لها القدح المعلى في قائمة القضايا ،، وفي تلك الانتفاضة الأولى العظيمة كانت الرقصة والفرحة مكتملة بذلك القدر العظيم ,, وخاصةً عندما تعلق الأمر بإسقاط النظام البائد في ذلك الوقت ،، وكان القرار في أيدي ( المدنية المطلقة ) دون تلك التنازلات لأطراف أخرى ،، حيث تغنى الشعب السوداني حينها فرحاً وطرباً ،، وغرد المغردون في مشارق ومغارب البلاد أغاني : ( أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق !! ) ،، كما أن الشعب السوداني قد ردد تلك الهتافات الداوية قائلاً : ( عهد الظلم الله لا عادو ) ،، وعندما تعلق الأمر بالفساد والمفسدين في ذلك الوقت كانت فلسفة الشعب السوداني هو ذلك ( التطهير) ،، حيث ردد الشعب السوداني هتافات : ( التطهير واجب وطني ) ،، أما فلسفة الشعب السوداني في الانتفاضة الأخيرة بعد إسقاط ( نظام البشير ) كانت تلك الفلسفة الباهتة المترددة الخائفة الوجلة منذ الوهلة الأولى في كافة الخطوات والقرارات ،، ولم تتصف تلك الانتفاضة الأخيرة بتلك المواقف الرجولية الحاسمة الجازمة التي تؤكد سيادة وهيمنة الشعب السوداني لمقاليد البلاد ،، بل مارست تلك المهادنات والمجاملات والتسويات الماجنة المايعة التي أضاعت هيبة الانتفاضة ،، وتلك الصورة الهزلية قد أفقدت الانتفاضة مكانتها وهيبتها من أولى الخطوات والوهلة ،، ويمكن اختصار القول وتسمية تلك الانتفاضة الأخيرة بأنها ( انتفاضة المجاملات والمهادنات والتسويات ) ،، حيث تلك الانتفاضة التي لم يرقص فيها الشعب السوداني تخلصاً وخلاصاً من السجن والسجان ،، وحين يتعلق الأمر بالفساد والمفسدين في نظام البشير البائد كانت تلك الفلسفة الناعمة المايعة من البعض ،، حيث فلسفة التخلص أولاً من ( الدولة العميقة ) ،، ثم بعد التخلص من الدولة العميقة التخلص ثانياً من ( آثار الدولة العميقة ) ،، وفي خضم تلك الفلسفات المطولة العقيمة تموت العزائم وتنتهي تلك الغضبة الكبرى بطول الأزمان والتعرية ،، وبالمختصر المفيد فإن تلك الجهات والأطراف تهدر أوقاتها في تلك الفلسفات الإنشائية الواهية ،، ولا تمارس إطلاقاً تلك المواقف الثورية الإيجابية التي توحي بأن البلاد تعيش حالات الانتفاضة الكبرى .
ويلاحظ أن تلك الفلسفات عند الانتفاضة الأولى كانت تتصف بالمواقف القاطعة الرادعة الغير مترددة في الخطوات والقرارات ،، بينما أن تلك الفلسفات في الانتفاضة الثالثة والأخيرة كانت مترددة وخائفة ووجلة في كافة الخطوات ،، ولم تتصف تلك الانتفاضة الأخيرة بالقرارات الشجاعة النافذة في وقت من الأوقات ،، ويمكن القول بمنتهى الصراحة والوضوح بأن تلك الانتفاضة الأخيرة قد ولدت بعيوبها من داخل الرحم ،، وبعد مولدها كانت آثارها هالكة ومدمرة على البلاد وعلى الشعب السوداني بكل القياسات ،، فهي تلك الانتفاضة العاجزة الفاشلة التي لم تبلغ القوة والهيمنة والسيطرة على البلاد في لحظة من اللحظات ،، ومن غرائب الأحوال في تلك الانتفاضة الأخيرة العجيبة أنها لا تكنى ( بالانتفاضة المدنية المطلقة ) ولا تكنى ( بالانتفاضة العسكرية المطلقة ) !! .. وفي نفس الوقت هي ( انتفاضة مسخ ) يحمل ( جينات الصفتين !! ) .. وذلك الخلط العجيب في تركيبة ومكونات العناصر هو الذي يتسبب في تلك الإخفاقات المتواصلة منذ مولدها ،، وكافة الدلائل والإشارات تؤكد بأن تلك الانتفاضة الأخيرة ناقصة في مقدراتها ومؤهلاتها منذ الوهلة الأولى ،، وقد اكتشف الشعب السوداني أخيرا ذلك الخلل الكبير في مواصفات تلك الانتفاضة الأخيرة ،، وجاء الوقت لكي يقر ويعترف الشعب السوداني صراحة بأنه لم يمارس تلك الانتفاضة الأخيرة بالطريقة السليمة الصحيحة ،، ولم يكمل تلك الانتفاضة حتى النهاية بالطريقة المطلوبة ،، فتلك الانتفاضة السودانية الأخيرة ناقصة وغير مكتملة بكل القياسات ،، ومن المناسب جداً تسمية تلك الانتفاضة الأخيرة ( بالخداج ) ،، و( الخداج ) في القوامس العربية هو ذلك المولود قبل الأوان ،، ذلك الناقص جسماً وأطرافا عند الولادة ,
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة