من هلال إلى كيكل: فلول المؤتمر اللاوطني وورقة قطاع الطرق في مواجهة الانتقال المدني!! بعلم الوصول الى المؤسس الرئيس د.عبدالله حمدوك فى ظل حراك الرباعية واهدافها!!!! مقدِّمة لم يَسقُط نظامُ المؤتمر اللاوطني بسقوط رأسه فقط، بل أعاد ترتيبَ نفسه بأدواتٍ جديدة، وأساليبَ قديمةٍ في لبوسٍ مختلف. فمنذ اندلاع الثورة السودانية، ونجاحها في إزاحة النظام، ظلّت عناصرُه المعروفة بـ«الفلول» تُمارس دورًا خفيًّا وعلنيًّا في زعزعة الانتقال المدني، تارةً من خلال التحريض، وتارةً عبر توظيف العنف القبلي، وتارةً أخرى بتمويل المليشيات وتمكين قادتها. ولم تخرج الورقة الأمنية من يد هؤلاء، بل أعادوا توظيفها مرارًا، من موسى هلال إلى محمد الأمين ترك، ومن حميدتي إلى كيكل. إنّ ما نُشاهده اليوم من تدهورٍ أمنيٍّ، وتَفكُّكٍ في جسد الدولة، ليس نتاج الصراع العسكري المباشر فحسب، بل هو انعكاسٌ لاستراتيجيةٍ خبيثةٍ يتقنها الفلول: خلق الفوضى كوسيلة لإجهاض التحوُّل المدني، والبقاء في دائرة التأثير والسلطة. أوّلًا: توظيف العنف القبلي أداةً للصراع السياسي إنّ توظيف الفلول للصراعات القبلية لم يكن عشوائيًّا، بل نابعًا من إرثٍ طويلٍ للمؤتمر اللاوطني في السيطرة على المجتمع السوداني عبر خطوط القبيلة والجهة. ولقد برع هذا التنظيم في استخدام القيادات الأهلية والميليشيات لحسم معاركه السياسية، وتصفية خصومه، أو فرض وقائعَ ميدانية تُعقِّد مسار التحوُّل المدني. يُعدّ موسى هلال، زعيم قبيلة المحاميد، أوّل النماذج الصارخة في هذا التوظيف، حينما أُطلقت يدُه في دارفور خلال سنوات الحرب الأولى، فشكّل مليشيات «حرس الحدود»، التي ارتُكبت باسمها فظائعُ لم يُحاسَب عليها إلى يومنا هذا. ولم يكن هلال سوى أداةٍ في يد النظام، أُريد لها أن تُخيف وتُرهِب وتُمزِّق النسيج الأهلي في الإقليم. ثمّ أعاد النظام، بعد الثورة، تدوير ذات التجربة، عبر محمد الأمين ترك في شرق البلاد، الذي خرج يقطع الطرق ويُهدِّد الانتقالَ المدني، باسم قضايا الشرق، بينما كان في الحقيقة ينفِّذ أجندةً تستهدف إضعاف السلطة المدنية، وإظهارها كعاجزةٍ عن إدارة التنوع الإثني والجغرافي. ثانيًا: حميدتي والانتقال من الأداة إلى الخصم لا يمكن الحديث عن سياسات الفلول من دون التوقّف عند محمد حمدان دقلو «حميدتي»، قائد قوات الدعم السريع. فقد خُلق هذا التكوين المسلّح في رحم النظام السابق، وسُمح له بالنمو والتمدّد حتى أصبح أحد أركان الدولة العميقة. وبالرغم من أنه ناهض لاحقًا المؤسسة العسكرية بقيادة البرهان، فإنّ علاقته بالفلول لم تنقطع كليًّا، بل استخدموه تارةً، وتحالفوا معه تارةً أخرى، بحسب مقتضى المصلحة السياسية. وحينما أصبح حميدتي يهدّد المؤسسة العسكرية، عاد الفلول للاحتماء بالبرهان، ثمّ دفعوا الأخير للانقلاب على الحكومة الانتقالية، بمساندةٍ مباشرة من عناصر النظام السابق داخل الأجهزة الأمنية والعسكرية. ثالثًا: الحركات الدارفورية في فخِّ الفلول لعبت بعض الحركات المسلحة، التي وقّعت على اتفاق جوبا، دورًا سلبيًّا في إجهاض مشروع التحوُّل الديمقراطي. فقد تحوّل بعضُ قادتها إلى شركاء في السلطة الانقلابية، وتناسوا جذورهم الثورية، وتحالفوا مع الفلول من أجل مصالح شخصية وحزبية. هذا الانحراف أضعفَ ثقة الشارع في النُّخبة السياسية، وسمح للفلول بتوسيع دائرة نفوذهم داخل المشهد الانتقالي. رابعًا: برهان بين مطرقة الفلول وسندان الشارع عبد الفتاح البرهان، الذي قاد الانقلاب في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، أصبح اليوم في موقفٍ لا يُحسَد عليه. فقد استخدم الفلولُ ورقته لإنهاء الشراكة المدنية، لكنهم سرعان ما بدأوا في التخلّي عنه، بعدما فشل في تحقيق أهدافهم كاملة. واليوم، يتعرّض البرهان لضغوطٍ من الداخل والخارج، ويبدو أنّه عاجزٌ عن تنفيذ الأجندة التي طُلبت منه، وعلى رأسها تصفية الحركة الاجرامية والعودة إلى نظام الهيمنة القديمة. خامسًا: من هو كيكل؟ ولماذا الآن؟ في ظلّ هذه التحوّلات، برز اسم علي كيكل، القائد الأهلي ، الذي بدأ يَحظى برعايةٍ إعلامية وسياسية مشبوهة، تُذكّرنا ببدايات موسى هلال. يظهر كيكل اليوم بمظهر «المنقذ القبلي» في مواجهة الدعم السريع، بينما يتلقّى في الخفاء دعمًا من أطراف نافذة داخل ما تبقّى من بنية النظام البائد. تعمل دوائر الفلول حاليًّا على صناعة صورة رمزية لكيكل، كزعيمٍ أهليٍّ عسكريٍّ قادرٍ على تعبئة الجماهير القبلية، وتوحيد الصفوف ضد البرهان نفسه، تمامًا كما فعلوا سابقًا حين انقلبوا على حميدتي. سادسًا: الورقة الأخيرة... الانقلاب على برهان مع عودة «الرباعية الدولية» إلى دعم الانتقال المدني ظاهرا، ومع اتّساع دائرة العزلة حول البرهان، بدأت الحركة الاجرامية تُحضِّر لخطوتها الأخيرة: إسقاط البرهان عبر أداة جديدة هي كيكل. لقد بات واضحًا أنّ الفلول فقدوا الثقة في قدرة البرهان على حماية مصالحهم، وهم الآن يُوظِّفون كيكل ليكون الأداة الجديدة للانقلاب القادم. النفخ في صورته، وتمكينه من موارد وسلاح، وتحريكه في دارفور لإرباك المشهد، كلّها مؤشرات على أنّه يُعدّ للعب دور « جديد» أو «حميدتي معدّل»، يكون في مواجهة البرهان، ليُعيد توازنات السلطة إلى قبضة الفلول، أو يُفاوض باسمهم في أية تسوية قادمة. خاتمة لم تنتهِ معركة الثورة السودانية بعد. ففلول المؤتمر اللاوطني ما زالوا يُمسكون بخيوطٍ في الظل، يُحرِّكون بها الميليشيات، ويُثيرون بها النعرات، ويُفرغون بها الانتقال المدني من مضمونه. والورقة الأخيرة في يدهم هي تجهيز كيكل للانقلاب على البرهان، حتى يُعاد إنتاج نظامٍ جديد بوجهٍ قبليٍّ مسلّح، لا يختلف كثيرًا عن النظام الذي أسقطه الشارع قبل سنوات. إنّ إفشال هذه المخططات لا يتمّ بالخطاب وحده، بل بتفكيك شبكات الفلول داخل الدولة، وبمحاسبة رموز النظام البائد، وبدعم مشروع الدولة المدنية الديمقراطية القائم على القانون والمؤسسات، لا على السلاح والقبلية.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة