والي تينمر على طفل صغير عرض عليه سوء الحال ، ووصفه بقلة الأدب. جاء في سير الخلفاء الراشدين ان سيدنا عمر كان في حضرة والٍ من ولاته ، فجاء ابنٌ صغيرٌ للخليفة فرق له ابن الخطاب واخذ يداعبه ، فاستنكر الوالي هذه الرقة والرأفة مع الصغير ، فسأله سيدُنا عمر عما يفعل هو مع أطفالِه ، فقال الوالي أنه أذا دخل بيته سكتَ الكبيرُ وكفَ الصغيرُ ، فقال له الفاروق انك لن تَلِي لي أمراً ، فمن لا يرحمْ آلَ بيته لا يرحم أمة محمد . قطعا لو كان ابن الخطاب بينا لأقالَ الوالي المتنمرَ فورا ، فمن لا يرحم الصغير لا يرحم امة محمد . ولكن ما بالنا نذهب بعيدا وفرد من الدعم السريع يعتدي على مذيعة بالضرب ليمنعها من الدخول لمبني هيئة الإذاعة والتلفزيون . تخيل أن رجلا وليس أي رجل رجل يلبس لباسا رسميا وينتمي لجهة معلومة يضرب بعرض الحائط كل قوانين القوات المسلحة ايا كان فرعها بل والاخطر يضرب بعرض الحائط ارثنا الاجتماعي الذي يمنع اي رجل من ان يمد يده لامراة مهما تطاولت عليه . قال مسؤول في قوات الدعم السريع انه يعتذر عن هذه الفعلة وسيحاسب من قام به . في رأي الناس عامة أن طبيعة هذه القوات لا تتناسب مع المدن ، فليست مهيأت ولا مدربة على التعامل مع المواطنين . ففي كل يوم نسمع حادثة كحادثة المذيعة والطالب الذي اعتدى عليه فردان من عناصر نفس القوات ، على طالب في محطة للوقود وأوسعوه ضربا وحلقوا شعر رأسه ، منتهى الذلة والاهانة ، حسنا فعلت قيادة هذه القوات بفصل هذين العنصرين ... ولكن هل تكفي هذه المعالجات الجزئية لايقاف مثل هذه التجاوزات ؟ وغني عن القول أن هذه القوات هي ورثة غير شرعية من مخلفات الكيزان اللئام ، تماما مثل مخلفات ما بعد الحروب من الألغام ، يجب التعامل معها بحرص وحذر شديدين حتى تتقي انفجارها في وجهك . وهي بوضعها الشاذ حاليا ، لا يمكن أن تبقى كما هي عليه ، ولها ميقات مكتوب لا مناص منه ، لأنها تتنافى مع طبيعة الدولة الحديثة ، وسيضطر قادتها لتسوية امرها في النهاية ، إن تعاملوا مع الأمر بعقلانية . لا أظن أن حدثا كبيرا كالتوقيع على اتفاق السلام كان من الممكن أن يمر هكذا دون أن يجد الصدى المطلوب لولا انشغال المواطن بالازمات المعيشية . لم يتعد الاحتفال بالسلام شاشة التلفاز ليدخل الفرحة في قلوب الناس ، وكيف يحتفل الناس به ؟ ومتى ؟ وكيف ؟ أخشى أن أقول إن الازمات مسحت الفرحة من شفاه الناس ، في الوقت الذي كان يبث فيه الاحتفال ، كان كثير من الناس في الشوارع يقفون في صفوف الخبز والبترول ويبحثون عن غاز الطهي . فلو صدق التلفزيون لنقل لنا مباشرة كيف تلقى الناس خبر التوقيع على اتفاقية السلام ، حينها ما كنت لأشك للحظة في أن من كان هناك سيبكي ألما على كونه جزءا من معاناة هذا الشعب . كفى احتفالا ، وكفى كلاما أجوفا عن التطبيع ، وعن رفع اسم البلد من قائمة أمريكا ، وكفى كلاما عن التعويضات ، وعن إلهاء الناس بديوننا على أمريكا . الناس لا يشعرون بكم ولم يعودوا يصدقونكم ، وقد حار بكم الدليل . لا تظنون أن الناس نيام وأن ثورتهم ماتت ، وأنكم الوارثون لها . هكذا ظن عبود وذهب . وهكذا ظن النميري وذهب . وهكذا ظن الكيزان و الترابي وذهبوا . وهكذا ظن البشير وزمرته الفاسدة وذهبوا . والأن أنتم تظنون نفس الظن وستذهبون . وأن الارض يرثها عباد الله الصالحون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة