كتب البروفسير احمد إبراهيم أبو شوك مقالا في صحيفة الراكوبة الاليكترونية بتاريخ 3 يوليو2025 مقالا حيا فيه البروفسير مهدي أمين التوم بمناسبة عيد ميلاده الثاني والثمانين , وفي بداية المقال استوقفتني ملاحظة جاءت في المقال ذكرها ب. أبو شوك جاء فيها " أن احد أصدقاء الدراسة ذكر له أن ب .مهدي قد اعتزل الكتابة في الصحف السيارة والاليكترونية ، وآثر الصمت بعيدا عن غلبة السياسة وضوضائها ، واستطرد أبو شوك ..... لكن مثل هذا الصمت يدل على أنه قد بذل النصح بمنعرج اللوى وإصلاح حال السودان ولم يجد أذنا صاغية من الفاعلين السياسيين الذين أورثوا السودان الخراب و الدمار ، ويصعب أن يكونوا جزء من الحل . " هذه الملاحظة ل بروفسير أبو شوك كانت وراء كتابة هذا المقال بعد توقف من الكتابة في وسائل التواصل والصحف امتد لعدد من السنوات ، وخلال متابعتي للمواقع الاليكترونية لاحظت اني لست وحدي ، فهناك عدد من الأسماء التي كانت مواظبة على الكتابة في هذه المواقع ورفدها بمقالات تطرح رؤى وحلول لبعض المشكلات والقضايا المحورية التي تشغل بال الساحة السياسية في فترة ما بعد ثورة ديسمبر وفي مقدمتهم ب . مهدي . بالطبع لكل منهم اسبابه ، لكن في اعتقادي أنهم سألوا أنفسهم السؤال الذي ورد في عنوان هذا المقال : لماذا نكتب ؟ هذا يقودنا الي قضية لم يتوقف الجدل حولها منذ أن ظهرت أول مرة قبل قرون ، وهي دور المثقف في المجتمع ، فمنذ ظهور هذا المصطلح في القرن الثامن عشر والتاسع عشر لم يتوقف الجدل حوله ، وقد ذهب كل الذين تناولوا هذه القضية من سارتر ، وانطونيو غرامشي ، وميشل فوكو ، واميل وزولا ، وادوارد سعيد وغيرهم ، ان المثقف هو الكائن الذي كرس حياته في الكون الاجتماعي للبحث عن الحقيقة واكتشافها ونشرها بين الناس ، وهو يستمد شرعية وجوده أولا من الحصول على نار المعرفة بالحقيقة ، والائتمان عليها واذكائها باستمرار ، وثانيا من نقلها الي بني البشر جيلا بعد جيل وإشاعة أنوارها بينهم بالكتابة والكلام اذن الكتابة والكلام هي صناعة المثقف ، بهدف تنوير الرأي العام وبموجب ذلك اصبح المثقف مشغولا بقضايا مجتمعه وفوق ذلك كله ، فان اهم مما يميز المثقف انه لا يهدف الي مصلحة أو منفعة خاصة أو طبقية من قيامه بهذا العمل ، لأن المثقف لا يستمد تدخله في الشأن العام من انتمائه الطبقي أو العرقي أو الديني ، بل من كفاءته العلمية ومن ضميره الأخلاقي ، فهو يمثل ضمير المجتمع بل الضمير الإنساني ، وفي نفس الوقت ، فان تدخل المثقف في الشأن العام وممارسة الفعل السياسي لا يحوله الي رجل سياسة ولا يجعل منه بديلا للسياسي . وهناك اتفاق بين من تناولوا هذا الدور للمثقف وما تبعه من واجبات تجاه مجتمعه والإنسانية لا يتحقق الا بوجود الرأي العام والمجتمع الديموقراطي .
، بعبارة أخرى تكمن وظيفة المثقف في ان ينقل الي وعي الناس والطريقة التي يتعاملون بها مع مشاكلهم العامة ، ما يعرف عنها في نطاق معرفته وتخصصه من معلومات ومعطيات تمكنهم من حل هذه المشكلات . اما < ميشيل فوكو > فيقول وهو يتحدث عن دور المثقف ، ان تطور المجتمعات المعاصرة العلمي والتقني يضاعف أهمية الدور السياسي الذي على للمثقف ان يقوم به لا بوصفه وزيرا أو زعيم لحزب سياسيي ، بل بوصفه عالما خبيرا ، فهو يستمد سلطته من المعرفة التي تخصص بها ويعترف له بها الدولة والمجتمع ، فهو يتحدث انطلاقا من كونه خبير او تقني معرفة متخصصا في هذا القطاع أو ذاك من قطاعات الحياة الاجتماعية الذي يستمد منها سلطة ثقافية تمكنه اذا أراد أن يساهم بخبرته وافكاره ومناهجه النقدية في اضاءة وضع من الأوضاع .والسؤال الذي قد يتبادر الي الذهن هو كيف يكون شكل العلاقة بين المثقف والسلطة و طريقة التواصل بينهما لتوصيل رأيه لها ؟ ان سلطة المثقف لا تمارس تأثيرها مباشرة في الحكام والمؤسسات وأوضاع المجتمع ، وفي الحقل السياسي وفاعليه ، بل تستعين بالرأي العام الذي يمتلك القدرة من خلال الانتخابات التي بموجبها يتم عزل الحكام وتوليتهم ، ويوضح ذلك بقوله ان هذا الرأي العام وسلطة المثقفين التي اكتسبوها من ثقة فيهم ، وفي علومهم ومعرفتهم ، انما هو أحد المكونات البنيوية للمجتمع الديموقراطي ، ومن دون رأي عام فاعل يعترف بالشعب مصدرا أعلى للسلطات ، ومن دون انتشار واسع للحريات الديموقراطية في المجتمع ، ومن دون توافر مناخ حضاري يسمح للأفراد في المجتمع وجماعاته بالمشاركة في القضايا المدنية مهما كان نوعها يستحيل وجود المثقف بالمعنى الذي دلت عليه كلمة مثقف . ان نظرة المثقف النقدية للأوضاع والقضايا المرتبطة بها ، ومعرفته وتخصصه وخبراته التي اكتسبها من تجاربه يجعل تقيمه للأمور مجردا من الغرض ، فالغاية من فعله ليس الوصول لسدة الحكم بل غايته تكمن في تنوير الأذهان بالكشف عن الحقيقة والانتصار لقيم الحق والعدالة والحرية . ولذلك عندما يقدم المثقف على قول الحقيقة معرضا نفسه للخطر ، فانه يفترض عدم معرفة الحاكم والرأي العام بها ، ويرى ان من واجبه تنويرهما أي ـ الرأي العام والحاكم ـ بها ، وان لم يفعل ذلك فانه لا يخون الحقيقة فقط بل يخون ذاته ، ومن ثم يضع حدا لوجوده كمثقف . وعودة ألي البداية ، فكل ما ذكرناه من دور المثقف تجاه مجتمعة ، كان إجابة على سؤال العنوان ، والتأكيد بان الكتابة والكلام هي أدوات المثقف لتوصيل رأيه الي الرأي العام والفاعلين السياسيين ، وان عدم القيام بهذا الدور يحدث بسبب عدم توفر معطيات ترتبط بالحالة السائدة في محيط المثقف أشار اليها الذين حددوا هذا الدور للمثقف ، وهي لابد من وجود رأي عام فاعل يعترف بالشعب مصدرا أعلى للسلطة، والانتشار الواسع للحريات الديموقراطية في المجتمع ، وتوافر مناخ حضاري يسمح للأفراد بالمشاركة في القضايا المدنية وعليه فان تعطل هذه المطلوبات في الظروف التي كانت تمر بها البلاد بعد ثورة ديسمبر قد تكون السبب وراء عدم التفات الفاعلين السياسيين في الحكومة والفضاء السياسي الي ما يطرح في الصحف ووسائل التواصل الأخرى ، هذا اذا لم نقل ان الفاعلين السياسيين سواء كانوا بالسلطة أو من الأحزاب لم يكونوا متحمسين لقبول رؤي تأتيهم من خارج الدوائر الضيقة التي أحاطوا انفسهم بها ، كذلك فان ذلك يمكن أن يعزى لحداثة التجربة الانتقالية ، ووجود مشكلات بنيوية في هياكل الحكم نسبة لسيطرة مكونات الدولة العميقة ، وعدم وعي القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني بدورها في تلك المرحلة الحاسمة التي من المفترض ان تضع فيها أسس للدولة الديموقراطية ، كل ذلك تسبب في وجود فجوة بين الفاعلين السياسيين والمثقف ، فابتعد الملتزمون وتركوا الساحة ، ولهذه الأسباب وغيرها لم تتمكن القوى السياسية من وضع برامج وخطط لكيفية إدارة الفترة الانتقالية وما بعدها ، وفاقم الأوضاع ضعف منظمات المجتمع المدني اذ كان معظمها مجرد لافتات ، عدا قلة كانت لها مساهمات على الأرض ، اذ نظمت عدد من الورش والندوات وكان لها عدد من الإصدارات في القضايا المحورية التي تؤسس لفترة ما بعد الفترة الانتقالية ، وأسهم عدد قليل من الأحزاب في هذا مثل هذا النشاط مثل التوعية بالديموقراطية واستدامتها ، وعلاقة الثقافة بالسياسة ، والتنوع ، والقضايا المرتبطة بالهوية ، ونبذ خطاب الكراهية وغيرها من القضايا .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة