لا فرق بين موقف القوى السياسية التي التزمت الصمت والحياد، وموقف الحزب الشيوعي الذي انحاز للفلول منذ اليوم الأول تحت لافتة دعم الجيش. الاختلاف في الشكل، لكن المضمون واحد: كلاهما وفّر غطاءً للكيزان، وكلاهما ساهم في إطالة أمد الحرب.
في اللقاء الأخير الذي انعقد في نيروبي وجمع بعض القوى السياسية، كان الجميع يدرك الحقيقة الجوهرية: أن الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023 لم تكن صدفة، بل نتيجة مؤامرة نسج خيوطها الكيزان، وعاونهم في الداخل والخارج أعداء التحول المدني الديمقراطي. الهدف الرئيسي للكيزان كان العودة إلى الحكم، ومن أجل ذلك أشعلوا نار الحرب اللعينة في وجه أشاوس قوات الدعم السريع، بهدف معلن هو القضاء عليها وفتح الطريق لعودتهم إلى السلطة.
هذا جزء من القصة، لكن الجزء الآخر هو صمت القوى السياسية التي اجتمعت في نيروبي، والتي آثرت الاحتماء خلف مظلة الحياد وتجنبت قول الحقيقة: أن الكيزان هم من أشعلوا الحرب. إن الموقف الأخلاقي يقتضي الانحياز إلى الضحية، أي قوات الدعم السريع، لكن القوى السياسية الانتهازية اختارت الوقوف في المنطقة الرمادية، وهو ما أدى إلى إطالة أمد الحرب وارتفاع كلفتها المعنوية والمادية، بل شجع الكيزان القتلة على التجرؤ والحديث باسم الشعب السوداني الذي ثأر ضدهم في ثورة ديسمبر 2018.
لقد سقطت القوى السياسية التي التزمت الصمت، وهي تعلم علم اليقين أن الحرب هي خيار الكيزان. فما قيمة هذه القوى السياسية الانتهازية؟ الحكمة تقول: الرجال يُعرفون بالحق، وليس الحق بالرجال. أي أن الرجال الحقيقيين هم من يقفون مع الحق بغض النظر عن العواقب.
السياسة تحتاج إلى شجاعة وصدق مع الذات ومع المجتمع. ولو انحازت القوى السياسية إلى جانب الحق منذ البداية، لما استمرت الحرب كل هذه المدة. حتى الدكتور عبدالله حمدوك، لنا عليه صوت لوم وعتب كونه التزم الصمت في مرحلة لا تقبل الصمت. لكن أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي، نرحب بعودته، لكن لا وألف لا للقوى السياسية الانتهازية.
السودان المستقل هو وطن الرجال والنساء الذين وقفوا في ساعة الحارة إلى جانب الحق. والتحية لأشاوس قوات الدعم السريع الذين تصدوا لصلف الكيزان وغرورهم. ونقولها بوضوح: أبناء الأقاليم المهمشة هم من يجب أن يحكموا، عبر مشاركة عادلة لكل أقاليم السودان في السلطة والثروة، بحيث يحتفظ كل إقليم بنسبة 80% من موارده للتنمية والتطور. لقد ولى عهد الدجل والنفاق، وأي صيغة لا تُمكّن أبناء وبنات الأقاليم من الحكم لا قيمة لها.
إن السودان يحتاج إلى رؤية جديدة تُحدث قطيعة تامة مع الماضي القريب والبعيد. السياسة موقف، ولا قيمة لمن توارى في ساعة الحارة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة