أحزابنا القديمة تاريخ في خلاصته يُحترم و فيه ما له و ما عليها و ما عرفناه و مالم نعرفه؛ لكنها -الأحزاب تلك- "مُعتّقة" تجاوز العصر زمانها في فكرها و تجاربها و روحها. هي في حوجة للتحديث و مواكبة الحياة و تجديد الروح و الفكر لها و فيها. و مقارنة بما حولها من الحركات و القوى الحديثة و المُحدثة نجد الأخيرة أثبتت عجزها بل "عقمها" عن قيادة نفسها فكيف بها أن أمسكت قيادة الحياة في السودان الدولة! و للحق و الإنصاف ففرق بين الفكر الذي كان يُواجه و يُقاوم و يُحارب المُستعمِر ساعي لإستقلالنا و بين أن نتقاتل بعده على الحكم فيما بيننا و ضد أنفسنا! فالتاريخ يفرض الحاضر و الواقع الذي مصيره سيمضي لنتعلم منه مستقبلنا.
السؤال الذي يفرض نفسه و غصباً عن الجميع: أن كيف تمكنت "الإنقاذ" و من خلفها الحركة الإسلامية - التنظيم - من حكم السودان و قيادته بل و المحاربة و القتال به ضد شعبه و ضد العالم أجمع طوال كل تلك السنين الطويلة!! الإجابة عليه ستكشف عن حقائق كثيرة أغلبها غاب عمَّن يتقاسمون حكم "سودان ما بعد الثورة" بسبب انشغالهم في "صراعات الديكة" ما بين اقتسام "الكعكة" و لذة التفشي و شهوة الإنتقام و حلاوة السلطة!
لا نجيب عليه هنا و ما كنّا فذلك متروك للجميع كسؤال "المليون"؛ هي ملاحظة على الجميع استراجاعها في بحثهم و هي أن الإنقاذ ليست وحدها من حققت هذا الإنجاز في كيفية "العض" على الحكم و الحفاظ عليه و التشبث به لكنها فقط امتازت في احتسابها المدة! فلماذا تتكر المأساة في عجز بعض القوى و إن "بالمشاركة" عن تحريك دفة البلاد أو حتى الحفاظ عليها من الغرق أو التحطم كلما سنحت لهم و لها في التاريخ فرصة السلطة؟ التجارب كانت و مازالت حاضرة ماثلة فينا و لنا!
نحن نكتب أمانة علينا وجب التنبيه إليها و ذلك لعجزنا عن فعل شيء أكثر من حمل قلم. فلا نحن ساسة و لا عسكر و بحمد الله و فضله و ستره لسنا من أهلها "النخاسة". و أي نخاسة أبشع و أحقر من المتاجرة بالبلد و ترابه و تاريخه و خيره و ماءه و أهله!
ما يحدث اليوم هو نتاج حالة من عدم التمازج بين مكونات حراك و قوى الثورة مرجعها عدم الثقة و ثقافة التخوين فيما بينها؛ يُضاف إليها أهم عامل وهو اختلاف مرجعيات و فكر و تجارب و أعمار كل منها. نعم كدروس مادة "الكيمياء" عن المواد و تفاعلاتها عندما يُفرض عليها أن تذوب فجاءة دونما تهيئة مناسبة و علم بها فتتنافر و تترسب. لكن القاسم المشترك الأوحد كجامع و رابط و "مذيب" كانت و مازالت هي قوات الشعب السودانية المسلحة حيث عن طريقها و من خلالها كانت الأحزاب و مختلف القوى و الساسة تستقر ساكنة حولها و عندها علها و عسى و لعلّ! لكن سكونها هذا لم يعني أن الجيش قد سلم معها أو لها و منها! دونكم التاريخ شارح عن "الإشارات" هنا و شاهد.
قد تكون الدعوة بعد هذا أننا في حوجة إلى حراك سياسي عاجل و جديد يجمع أكثرنا حوله "لا تحته". حراك قادر على كبح جماح و التصدي بل الردع لأولئك الذين فات عليهم أننا نحن هو "السودان". حراك يبدأ من حيث إنتهت إليه تجارب السابقين متعلماً منها كل ما فيه فائدة و متجنباً كل ما فيه الضرر. فلا معنى و لا وقت في الحقيقة لإعادة التجارب بحلوها و مرّها و شريط الحياة كله حتى نثبت لأنفسنا أننا نفتتح صفحة و مرحلة في السودان مختلفة جديدة! علينا أن نتعلم من التاريخ جيداً و نُسَمِّي بالرحمن فنتحرك.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة