قبل أسابيع انتشرت قوات أثيوبية داخل الأراضي السودانية وقتلت مزارعين سودانيين. وقبلها تعددت عمليات خرق الحدود من الجانب الأثيوبي. قبل خمسة عشر عاما أو أكثر حذرنا من الامتداد الأثيوبي في الصومال، وبينا خطورة ذلك ، وتأكدت تلك الخطورة عندما كانت القوات الأثيوبية هي الرقم الأول من ضمن القوات الفاصلة بين الجنوب والشمال منذ التوقيع على اتفاقية نيفاشا. وهكذا تحاصرنا أثيوبيا اليوم شرقاً وجنوباً. لم يكن البشير يرغب في أي توتر مع أثيوبيا، لذلك ترك هذه المسألة بدون حل، وأصبحت عمليات احتلال وقتل المواطنين داخل الأراضي السودانية تزداد، والبشير يفتح موانئه لأثيوبيا لأنها دولة حبيسة لا تملك مطلاً بحرياً..ولذلك حاولت تقوية أسطولها السماوي. نسبة لأن من يحكمون السودان، شخصيات باهتة، فقد ظلوا منكفئين داخل مصالحهم الخاصة. رغم أن مشكلة سد النهضة كان بإمكانها تحقيق فوائد ضخمة للسودان لو تم التعامل معها بحساسية وبفكر استراتيجي. يضع مصلحة السودان في المقدمة وليس مصلحة أشخاص من يحكمون أو مجموعاتهم كالعسكر والقحاطة. المؤسف أنه لا أحد ممن حكموا هذا البلد أعار اهتماماً جاداً وحقيقياً لمياه النيل. إنهم منشغلون بتكريس الحكم، تارة عبر دعم الإرهاب وتارة عبر استجلاب الاحتلال الأجنبي..ودائما عبر تهميش وإقصاء الآخر، بل وقتل المواطن السوداني بسلاح المواطن السوداني، بالإضافة إلى تبادل التبشيع والشيطنة، بأساليب اغتيال معنوي وسخة وقذرة..كما يحدث الآن. الشعب البسيط يتم ملؤه بزنبرك الحقد والعنصرية والتصنيفات الكاذبة، بدلاً عن ملئه بالوطنية. وكل يحسب نفسه إلها على الباقين. كان بالإمكان التعامل مع مشكلة سد النهضة بوضع استراتيجية واضحة لهذا التعامل. لكن.. سنرى حمدوك يقف مع آبي أحمد لأنه مثله الأعلى (آبي أحمد ضابط استخبارات)، والبرهان ينظر لمصر (السيسي عسكري مثله حيث أدى له التحية العسكرية). وكل يميل إلى ليلاه. أما السودان..فلا بواكي عليه.. والشعب نفسه اليوم يقف إلى جانب الاحتلال الأجنبي ولا يعرف خطورة ذلك.. عندما اسأل بائع الصعوط (كأهم شخصية عندي)، أو بائع الخضار (الذي لا اشتري منه أبدا لارتفاع الأسعار) ، أو سيد الدكان؛ كلهم يجمعون على أن الاحتلال أفضل من حكم السوداني. لا أعرف كيف بلغ بنا البؤس هذا الحد من اليأس؟ كان بإمكاننا إدارة تفاعلاتنا الدولية بذكاء.. لقد كنت قد كتبت منشوراً من بضعة أسطر، على الفيس لحل مشاكل السودان فنقله صديق إلى صفحته، وهنا سألته خواجية أحسبها كندية باهتمام كبير عن تفاصيل هذه الحلول وقد نقل لها إجاباتي ثم سألت عن العلاقات الدولية، فأجبتها بكلمة واحدة. هناك عدة استراتيجيات لإدارة تفاعلاتنا الدولية (تصارعية وتعاونية)، مؤسسة على المصالح القومية العليا. ولكن باتزان شديد وعدم انفعال. الشعب السوداني عاطفي ولا يمكن الاعتماد على أحكامه تجاه علاقات السودان بغيره من دول التخوم والدول الإقليمية. أنا متأكد تماماً بأن أمريكا لو قبضت على بن لادن وأرسلته للسودان لخرجت جماهير الشعب كله محتشدة هاتفة باسم بن لادن. فهذه سيكولوجية الجماهير التي ذكرها جوستاف لوبون وأمن عليها فرويد..ثم تحولت لعلم مستقل. إن الشعوب لا تعرف مصالحها، بل تبني أحكامها على ما يتم توجيهه لها إعلامياً. لقد كان بإمكان السودان أن يقف بقوة مع مصر في مسألة سد النهضة، ويعزز توجهها لتوجيه ضربات عسكرية تكتيكية خاطفة لأثيوبيا، ثم يستغل السودان تلك اللحظة للإنقضاض ليس فقط على الأراضي السودانية بل يزيد عليها، فينشر لواءاً كاملا داخل الفشقة وبعض الأراضي الأثيوبية (الزيادة لخدمة التفاوض المستقبلي). بمجرد توجيه مصر لقصف جوي تكتيكي خاطف على أثيوبيا، كان الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي سيتدخل لمنع تمدد الحرب، وكان بإمكان السودان استغلال تلك اللحظة الفارقة لمصر ونشر لوائين أو ثلاثة داخل حلايب وشلاتين ويتمدد زيادة قليلة على ذلك (لدعم التفاوض مستقبلاً) دون أن يطلق رصاصة واحدة. يقول أستاذي بطرس غالي، وأصفه بأستاذي لأنني درست بعض مؤلفاته القيمة وهو كان الأمين العام للأمم المتحدة وصاحب كتاب خمس سنوات في بيت من زجاج، يقول بأن عدوك إما أن يكون ضعيفاً فخض حرباً، وإما أن يكون مكافئاً لك ففاوضه، وإما أن يكون أقوى منك فصادقه. وهذا ملخص السياسة الدولية..لا أحد يستطيع إجبار أثيوبيا أو مصر على الخضوع للتحكيم الدولي بشأن الحدود. فالدولة الأضعف لا تستطيع فرض شيء على الأقوياء..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
أمل الكردفاني
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست