قراءة لخطاب حميدتي في بيت عزاء الشهيد و الذي حاول فيه حميدتي أن يقوم بدور الضحية و أن يقدم نفسه إنساناً كان عمياناً و لكن فتَّحه الشلاَّقي إلا إنه في نفس الوقت يريد للآخرين أن يظلوا عمايا و لا يهبشوا مليشيات الدعم السريع حيث قال عنها بقوة عين يُحسد عليها إن المساس بها يعني فرتقة البلد ! لأنها قوات شرعية أسسها النظام السابق! و مدرَّبة و إستنكر كذلك وصف الناس له بفريق الخلاء و كأنه قد خاض حرب النجوم و لم يتحصل على هذه النياشين الهاملة مثله و مثل البرهان و آخرين بسبب خوضهم لحروب عبثية ضد المواطنين الثوار في هوامش و أطراف السودان.
حميدتي أكثر من الخطاب الديني في بيت العزاء للإستثمار السياسي و لشيء في نفسه من باب عسى و لعلَّ.
نقول له شكراً جزيلاً حميدتي لقد وقفت مع الثورة في منعطف تاريخي خطير أي عند اللفة الأخيرة كمواطن سوداني راجع موقفه السابق من نظام الجبهة الإسلامية القومية الذي كان يستخدم المليشيات التي أطلق عليها مؤخراً قوات الدعم السريع كإسم دلع لمنازلة خصوم النظام الثوريين و لكن نتساءل عن لماذا تريد يا حميدتي مقابلاً سلطوياً خاصاً بك لهذا الموقف فالشهداء أفضل مِنَّا جميعاً و لم يثوروا من أجل سلطة بوضع اليد.؟
إستعمت لتسجيل حميدتي في عزاء الشهيد كاملا من الألف إلى الياء فبقدر ما فيه من معلومات صحيحة لكنه يُعتبر تسجيلاً موغلاً في الإستهبال و التمويه لأنَّ حميدتي حاول أن يلعب فيه دور الضحية و الناس تعلم بأنه حميدتي كان يعمل تاجراً للبندقية في عهد نظام عنصري و فاشي قسَّم البلاد و قتل العباد و أذلَّ غالبية شعوبها.
من الواضح لغالبية الناس أن حميدتي لديه مقدرة كبيرة جداً على تقديم الخطاب السياسي المفخخ التضليلي بل صار من الذين يبتذلون خطاب الهامش و المركز و يفرغونه من مضمونه صباح مساء و السبب في ذلك هو أن حميدتي نفسه أصبح مركزاً للسلطة و الجاه و المال في الهامش و المركز معاً و هذا الأمر يقودنا إلى الوقوف عند مفهوم جدلية المركز و الهامش لنتعرف على حقيقة معايير التهميش في السودان فمن هو المهمش ؟ و أين يسكن جغرافياً؟ و ما هي درجات التهميش في السودان ؟.
حميدتي في هذا التسجيل يتلاعب سياسياً بكرتي الجهوية و العنصرية و بكروت أخرى في خطاباته الكثيرة كملجأ أخير له يعتقد بأنه سيخرجه من الكثير من الورطات المحتملة المتعلقة بإنتهاكات قواته لحقوق الإنسان في دارفور و خلافها و لكنه لن يفلح في ذلك لأن الثورة قد تجاوزت الخطابات العنصرية و الجهوية و الدينية المتزمتة و كل ما يحدث الآن من مظاهر لخطابات عنصرية هنا و هناك فهي فرفرة مذبوح ستؤدي حتماً إلى نهاية هذه الخطابات العنصرية التي دمرت البلد في المستقبل القريب.
من المعلوم أن موسى هلال و حميدتي و كل المجموعات الجنجويدية التي سلَّحها السفاح عمر البشير لا تعترف بعروبة الجنجويد الذين كانوا في القصر الجمهوري و لذلك لا يستطيع حميدتي أن يلعب بهذا الكرت المحروق فموسى هلال مثلاً يعتبر نفسه عرب العرب و كذلك يفعل حميدتي.
تحدث حميدتي مطوَّلاً في بيت العزاء عن المؤسسات العسكرية و الأمنية و عن وجود مؤآمرات ضد الثورة و عن دوره البطولي المتفرد في التغيير لذلك حاول حميدتي أن يفرز عيشته من منظومة الجبهة الإسلامية القومية التي صنعته من عدم و وفرت له إمكانيات البلد لمنازلة الخصوم السياسيين للكيزان.
بداية دعونا نثبت حقيقة أن مؤسسات الدولة الوطنية مؤسسات مضروبة منذ بداية الحكم في العهد الوطني و لم تكن في مستوى تطلعات كل المكونات السودانية و الجيش السوداني بالتحديد مؤسسة عسكرية جنجويدية مسيسة بإمتياز عبر تاريخه الطويل و غالبية الحروب السياسية التي خاضها هذا الجيش كانت ضد المكونات السودانية الثائرة في أطراف و هوامش السودان. عليه نتحدى أي ضابط جيش سوداني لا يؤمن بجنجويدية مؤسسة الجيش أن يذكر لنا عدد المعارك التي خاضها الجيش السوداني ضد عدو خارجي بهدف تحرير الأراضي السودانية المحتلة.
فما يعرفه المواطنون المهمشون و غيرهم عن الجيش السوداني إنه جيش مسيس لخدمة جماعات سياسية معروفة تسمي نفسها بالحركة الوطنية و هذه الحقيقة المرة لا تنفي وجود عناصر وطنية من الجنود و الضباط و ضباط الصف في هذا الجيش.
الحقيقة التي يجب أن يتذكرها حميدتي هي أن هذه المؤسسة العسكرية الجنجويدية المسماة بالجيش السوداني أنجبت مليشيات عديدة للدفاع عن السلطة المركزية في السودان منذ حدوث ما يُسمى بالإستقلال نذكر منها المراحيل و الدبابين و الدفاع الشعبي و حرس الحدود و الجنجويد سابقاً و الدعم السريع حالياً ...إلخ.
إنَّ وقوف حميدتي مع الثورة الذي ظلَّ يردده بمناسبة و بدونها في مقابلاته الكثيرة كما في هذا التسجيل الذي كان سبباً لكتابة هذا المقال لا يعني بأي حال من الأحوال قبول جميع المكونات السودانية بإستمرارية مليشيات الجنجويد التي أسسها الكيزان كذراع عسكري و المسماة حالياً بقوات الدعم السريع .. فما هي حاجة السودان إلى قوات مقاتلة بإسم الدعم السريع في حالة تأسيس الجيش السوداني الحديث صاحب العقيدة القتالية الجديدة؟.
قال حميدتي إن الناس ضده بسبب جلوسه على الكرسي و لأنه من الهامش ! و هذا طلس سياسي و إستهبال كبير لا يخفي حتى على مطشش و قال إن الدور المرسوم له هو مقاتلة الثوار في الهامش فقط لا غير و لكن نتساءل هل كانت ذات الملايين التي ثارت في ديسمبر و منذ خمسينات القرن الماضي ضد الأنظمة الديكتاتورية و ضد السفاح البشير وهو سارح ببقره و نائم على عنقريب هباب في حوش بانقا أم أنها كانت ضد البشير و منظومته العنصرية لجلوسهم على كراسي السلطة بطريقة غير مشروعة و لتنفيذهم لبرامج سياسية و ثقافية و إقتصادية أضرت بإنسان البلد. ؟.
قال حميدتي في نفس هذه المناسبة إنه مع السلام في جوبا الأولى و سوف يسعى لتطبيقه و إنه مع السلام في جوبا الثانية و بالتأكيد هذا كلام طيب فلن تنجح أي جماعة سياسية أو أفراد في مسعاهم إن كانوا ضد السلام من حيث المبدأ فمستقبل نجاح الثورة مرتبط إرتباطاً وثيقاً بتحقيق السلام الشامل على أسس جديدة دون لف و دوران و دون أن يكون ممثلي حكومة الأمر الواقع أصحاب الكلمة العليا في المفاوضات و لولا المحن و الإحن في السودان لما كانت هنالك مفاوضات بين أناس شاركوا في صناعة الثورة.
إتفاقيات السلام في جوبا الأولى و التي ستكون في جوبا الثانية يجب أن تكون مع مؤسسات الدولة و ليست مع الأفراد الذين هم ليسوا بخالدين فيها أبداً و لكن عندما يتحدث حميدتي عن تطبيق إتفاقيات السلام يعطي المواطن إحساس بأن هذه الإتفاقيات تمَّ توقَّيعها معه بصورة شخصية و لم يتم توقيعها مع مؤسسات الدولة بعد الثورة و عموماً لن تنجح هذه الإتفاقيات لو تمَّ ربطها بشخوص.
من المحن السودانية أن حميدتي قال في هذا التسجيل إنَّ قوات الدعم السريع تكونت بقرارات من مؤسسات النظام السابق أي أنها إستمدت شرعيتها من( المجلس الوطني / البرلمان) و خلافه و هذا الكلام صحيح بنسبة 100% و نقول له رحم الله إمريء عرف قدر قواته!! و لكن حميدتي تناسى عن قصد بأن الملايين الذين ثاروا ضد نظام الجبهة الإسلامية القومية كانت ثورتهم بسبب هذه البلاوي و بغيرها من الأسباب التي رددها الثوار و الكنداكات و الميارم و بما أن النظام الذي ترأسه السفاح عمر البشير لم يكن شرعياً فهذا يعني بأن كل القوانين التي سنَّها و شرعنتها المؤسسات التي بناها النظام بما فيها مليشيات الدعم السريع ليست بشرعية و لذا لابد من إعادة النظر في المنظومة كاملة.
قال حميدتي بإنّه لن يقاتل بعد اليوم الثوار في هوامش و أطراف السودان و هذا كلام أكثر من رائع و أردف بالقول إنَّ الشلاقي ما خلى عميان و هذا الكلام يعني بأنه وعي الدرس و فتَّح عيونه التي كانت عميانة و لكن هل يريد حميدتي أن يفتح هو و يعمى الآخرون؟
حميدتي الذي قال إنه كان عمياناً و فتح بسبب الشلاقي هذا لديه قوات خاصة به إسمها قوات الدعم السريع كانت تقاتل الثوار في هوامش و أطراف السودان دفاعاً عن نظام الجبهة الإسلامية القومية و هي ذات القوات المرتزقة حالياً في اليمن بعد أن أصبحت لديه علاقات إقليمية و دولية و لديه إمبراطورية مال كبيرة و شركات تنقب عن الذهب .. فعن أي شلاقي و عمايا يتحدث حميدتي؟
لو كان حميدتي جاداً في دعمه اللامشروط للثورة المجيدة و لا يلعب لصالح ورقه و يهمه مستقبل الوطن فيجب عليه أن يعمل مع آخرين و أخريات على بناء جيش سوداني واحد على أسس حديثة و بعقيدة قتالية جديدة و هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق بدون حل جيوش القوى الثورية المسلحة وفقاً لسقوف زمنية معروفة مرتبطة بتحقيق و تنفيذ السلام الشامل و حل كذلك مليشيات الدعم السريع.
إلا أنَّ الحق يجب أن يُقال فلا زالت دولة الثورة تُدار بقوانين الكيزان و ربما هذا هو السبب الرئيس الذي جعل حميدتي يتحدث عن مشروعية قواته التي يقول عنها نظرياً هي قوات الدولة و لكن عملياً هي قوات خاصة به و تأتمر بأمره و لا يعلم عددها إلا الله و حميدتي بسبب الطريقة الملتوية التي يتم بها تجنيد المقاتلين و بسبب عدم معرفة ميزانياتها و مصادر دخلها و كيفية تسليحها و تسليحها لتقاتل من؟ !!.
على ذكر تفعيل دولة الثورة لمنظومة القوانين التي سنتها دولة الكيزان لازال د.حمدوك رئيس الوزراؤ يعمل بصلاحيات و سلطات السفاح عمر البشير المطلوب للاهاي بل إنَّ كل مؤسسات دولة الثورة شغالة بمنظومة قوانين 1991م.
في نفس هذا التسجيل محل النقاش حالياً قال حميدتي في عزاء الشهيد مخاطباً الحركة الجماهيرية و محذراً لها: يا جماعة لم يحدث أي تغيير و إن كل الذي حدث حتى الآن هو دخول البشير و مجموعة أخرى معه السجن و نحن جنرالات الخلاء ديل من أدخلناهم السجون! و لذلك نتساءل هل حميدتي في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني لنقول إنه يريد تثوير الشارع أو إنه من ذات قيادات الحزب الشيوعي السوداني التي تريد إسقاط سياسات و شخوص الحكومة الحالية مع إيمانها التام بالمدنية من حيث المبدأ حتى لا يخلط الناس الأوراق بخباثة سياسية واضحة؟
على ذكر الدعوة إلى إسقاط سياسات الحكومة و شخوصها فهي دعوة مشروعة و مفيدة للحكومة لكي تصحح من أخطاءها لتختفي لافتات الإسقاط و إن وجدت هذه الدعوة المشروعة هوىً في نفس أعداء الثورة أمثال الكيزان الذين سوف يستثمرون في مثل هذه الخلافات إن لم ينتبه الناس إلى ذلك و لكن فات على الرفاق الشيوعيين السودانيين و على غيرهم من دعاة الإسقاط أن الدعوة إلى الإسقاط محتاجة لإجماع وطني مثلها و مثل عملية بناء مؤسسات الدولة الحالية و لذلك ليس من مصلحة الثورة في شيء حدوث هذه المجابدات السياسية في داخل أوساط قوى الثورة مهما تعددت القراءات و التقديرات السياسية بينها و أن البحث عن البدائل الوطنية الأخرى أفضل من تقسيم قيادة الثورة و الشارع معاً إلى جزر معزولة منها ما هو مع الإسقاط و منها ما هو ضده و مع التجويد و منها ما هو متفرج حار به الدليل بسبب المشاكسات غير الراشدة.
إنَّ المظاهرات المليونية بلا برنامج واضح متفق عليه و بلا إرادة سياسية قوية تحول شعارات المظاهرات المليونية إلى برامج عمل للحكومة لن تحل الأزمات السودانية الحالية فقد خرجت من قبل مسيرات مليونية عديدة و لم تتغير السياسات التي تدير بها حكومة الأمر الواقع البلد بسبب غياب الإرادة السياسية و الوحدة الثورية و لذلك لابد من البحث عن التوافق الوطني.
بالعودة إلى حديث حميدتي في بيت العزاء نقول لو أقام الشيوعيون السودانيون أو غيرهم من القوى السياسية التي لديها مواقف متباينة من حكومة الأمر الواقع الحالية مؤتمراً صحفياً و قالوا فيه إن هذا التغيير صُوري كما فعل حميدتي في هذا اللقاء لقامت قيامة الدنيا و لتحرك الذين يجيدون تعتيل المواد المنتقاة بعناية من كل فج عميق لإثبات أن التغيير جارٍ على قدمٍ و ساق و إننا كنا وين و بقينا وين!! و سيقولون كويس إنه التغيير بفضل الثورة سمح لنا نقول آرائنا بحرية !! و سوف يقال الكثير من الكلام المسيخ عن التغيير !!
الشاهد إنه في عهد نظام إنقلاب 25 مايو 1969م المتعدد المايوهات كما قال عنه الراحل د. منصور خالد في أحد كتبه كانت هنالك مجموعة تقول للنميري عليه رحمة الله : سيدي الرئيس هذا إن دلَّ إنما يدل .. أما في عهد الحراك الثوري في ثورة ديسمبر 2018 المجيدة ظهرت بعض المجموعات الجديدة من النخب المدنية و الثورية المسلحة تقول : كنا وين و بقينا وين!! .. قدام وراء إعدام !! هذه بالتأكيد نفس العقليات القديمة التي تسعى لتوزيع نفس النبيذ القديم في قوارير جديدة وهم دعاة التبرير الذين تقابلهم في الضفة الأخرى من النهر فرقة فقهاء السلطان.
البلد تمر حالياً بمنعطفات تاريخية حرجة للغاية و مواجهة بتحديات و هجمات شرسة من قِبل أعداء الثورة في الداخل و الخارج معاً و هؤلاء الأعداء لن يستسلموا أبداً و لا ينبغي لهم أن يستسلموا بسهولة إن لم تتوحد قوى الثورة الحقيقية لأنهم أعداء و ليسوا بجمعيات خيرية.
بهذه الخلفيات و المعطيات نقول إنَّ الوطن محتاج لجهود الجميع وفقاً لبرنامج وطني سواء كان هذا البرنامج جاء بالتوافق أو بإجماع أغلبية مكونات الثورة التي لها مصلحة حقيقية فيها و في التغيير الجذري.
الخلاصة خطاب حميدتي هذا في مكان عزاء الشهيد كفيل لوحدة بوحدة جميع قوى الثورة المدنية و الثورية المسلحة من أجل مستقبل هذا البلد و إلا فالطوفان.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
برير إسماعيل يوسف
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست