في خضم الحماس الشديد فقد الشعب السوداني تلك البوصلة !!
كان الشعب السوداني يريدها ثورة وانتفاضة بتلك المواصفات الجديدة التي تخالف التجارب الماضية .. وكانت الآمال كبيرة للغاية في إيجاد دولة السودان الحديثة هذه المرة .. وهي تلك الدولة المختلفة كلياً عن دولة السودان المعروفة منذ استقلال البلاد .. وكان الشعب السوداني يضع الآمال الكبيرة في تلك الأجيال السودانية الشابة الجديدة .. وهي تلك الأجيال الجديدة التي لم تدنس بعاهات وعيوب الأجيال القديمة .. ومن ذلك المنطلق فإن الشعب السوداني البطل قد أشعل تلك الانتفاضة الثالثة في البلاد .. ثم خاض معارك الإسقاط بكل بسالة ورجولة وإقدام .. وقدم تلك التضحيات الجسيمة في الأرواح والأنفس الطاهرة النبيلة .. وأخيراً أنتصر الشعب السوداني في معارك الكفاح والنضال كعادته ضد الظلم والطغيان .. ولكن مع الأسف الشديد فقد خابت أمنيات الشعب السوداني للمرة الثالثة بكل القياسات والمعايير .. حيث انهارت فجأة كل طموحات الأمة السودانية .. وبطريقة درامية مؤلمة ومؤسفة قد أدمت الأكباد وأوجعت القلوب .. ففي لحظات هفوة وحماس شديد ارتكب الشعب السوداني تلك الغلطة الكبيرة الشنيعة .. حيث فقد تلك البوصلة السليمة في خضم تلك الأحداث وفي خضم تلك المجريات السريعة .. وذلك عندما فاز في معركة النضال وتم إسقاط النظام بكل جدارة وبسالة ،، وعندما بلغ الشعب السوداني خط النهاية في معركة الإسقاط سلم الراية والقيادة بالخطأ لمجموعة من أبناء السودان أصحاب الخبرات القليلة في إدارة البلاد .. حيث سلم تلك الراية لمجموعة من أبناء السودان الذين كانوا خارج البلاد طوال السنوات .. والذين كانوا يجهلون تماماً مجريات الأحوال التي كانت تدور داخل البلاد لثلاثين عاماً .. وبحكم تواجدهم خارج البلاد فإن هؤلاء الإخوة كانوا خارج الأحداث والمجريات بكل القياسات .. وكانوا يجهلون تماماً تلك المتغيرات والمحدثات التي تمت في البلاد في ظلال حكومة الإنقاذ البائد لثلاثين عاماً .. كما كانوا يجهلون تماماً مقدار التردي في الأحوال ويجهلون حجم الفساد والمفاسد التي لحقت بالبلاد ,, وبنفس القدر كانوا يجهلون تماماً مقدار تلك الهيمنة والسيطرة والتمكن لجماعات النظام البائد .. وهي تلك الجماعات التي تمكنت من التغلغل في أوصال ومفاصل وأروقة الدولة بطريقة تحير الألباب .. وهؤلاء الإخوة بنفس القدر كانوا يجهلون تماماً مقدار تلك السيطرة والهيمنة والاحتكارات لكافة جوانب الحياة من قبل تلك الشركات والمؤسسات التي تخص نخب النظام البائد !.. وبالمختصر المفيد فإن ذلك الشعب السوداني قد أخطأ خطئاً جسيماً وشنيعاً حين سلم قيادة البلاد والمصير لهؤلاء الإخوة السودانيين الذين كانوا يمارسون الحياة خارج البلاد خلال الثلاثين عاماً الماضية .. والذين كانوا يجهلون تماماُ فداحة الأحوال التي لحقت بالبلاد في ظلال ذلك النظام البائد .. وفي مقدمة هؤلاء رئيس وزراء البلاد الحالي الدكتور عبد الله حمدوك .. وكذلك هؤلاء الآخرين من زملائه الذين تقلدوا تلك المناصب والوظائف الخطيرة بعد الانتفاضة في غفلة وجهالة من الشعب السوداني .. وهو ذلك الشعب السوداني الذي كان يواجه الويلات في تلك الأيام العصيبة .. وكان يتعلق ( بالقشة الطافية ) من أجل الخلاص من تبعات ذلك النظام القائم الجائر .. وتلك الأيام كانت تمثل قمة المحنة بالنسبة للشعب السوداني .. وهو ذلك الشعب الذي يتجرع مرارة تلك الهفوة السريعة المريعة القاتلة في هذه الأيام .. ويردد في أعماق نفسه عبارات أن اختيار هؤلاء الإخوة لتلك الوظائف والمناصب الكبيرة الخطيرة كان غير صائب وغير منطقي !!.. فقد تم اختيار هؤلاء لتلك المناصب الخطيرة بمنتهى العشوائية الغير مسئولة .. وهي تلك العشوائية التي مثلت الكارثة الكبرى في مسار الانتفاضة الثالثة .
الشعب السوداني يعذر هؤلاء الإخوة السودانيين الأشقاء الذين تقلدوا تلك المناصب العليا في البلاد بعد أحداث الانتفاضة .. ويرى أن هؤلاء دون قصد قد تسببوا في تلك الإخفاقات الكبيرة الشنيعة التي قتلت طموحات الانتفاضة الكبرى في مهدها .. والمعروف لدى الشعب السوداني أن السواد الأعظم من هؤلاء الإخوة كان يتواصل مع الآخرين من أبناء السودان عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر تلك الهواتف .. والبعض منهم كان يتلقى أنباء السودان عبر تلك الإذاعات والقنوات الفضائية .. ولذلك فإن معظم هؤلاء الإخوة كانوا يجهلون تماماً مقدار تلك التغيرات التي طرأت في البلاد .. كما كانوا يجهلون مقدار الخراب الذي لحق بالبلاد .. وكذلك كانوا يجهلون تماماً مدى الانهيار التي أصاب البلاد وأصاب الاقتصاد السوداني .. والمضحك في الأمر أن البعض من هؤلاء الإخوة البسطاء كان يظن أن ذلك الحراك وأن تلك الانتفاضة الكبرى التي جرت في البلاد هي لمجرد تبديل حكومة قائمة بحكومة أخرى جديدة كالعادة المعهودة في مسار السودان منذ استقلال البلاد !!.. ولكن الشعب السوداني كانت أهدافه أكبر من ذلك كثيرا وكثيراً .. فهو ذلك الشعب الذي أراد أن يحدث تلك النقلة النوعية الجديدة لمسمى دولة السودان الحديث .. حيث كان ينوي إيجاد تلك الدولة الحديثة المغايرة كلياً عن دولة السودان المعروفة منذ استقلال البلاد .. وكان الشعب السوداني ينوي بجدية كبيرة أن تكون الانتفاضة الثالثة مختلفة كلياً عن تلك الانتفاضات السابقة التي جرت في البلاد .. وذلك من حيث المحصلات والنتائج ،، ومن حيث التبدلات والتحولات الجذرية في مواقف الأطراف السودانية المتناحرة .. ومن حيث إقامة دولة الوفاق والاتفاق .. ومن حيث خلق البيئة الصالحة لتواجد حالة من حالات التعايش السلمي بين مكونات المجتمع السوداني .. ولكن مع الأسف الشديد فإن تلك الحكومة الجديدة المؤقتة لم تستطع أن تجاري تلك الطموحات الكبيرة للشعب السوداني .. وكذلك فإن هؤلاء الشباب في الحكومة الجديدة لم يستوعبوا جيداً تلك الأهداف الكبيرة للشعب السوداني .. بل تسببوا في قتل تلك الانتفاضة العظيمة بقلة الحماس وعدم الاكتراث .. وكذلك قتلوا تلك الانتفاضة بتلك الإجراءات الروتينية العادية الباهتة التي لا تواكب الشعارات ولا تجاري نزعات الانتفاضات !! .. والبعض من هؤلاء الشباب قد أبدى ذلك التكاسل وذلك الفتور بطريقة تدمي القلوب !!.. حيث يظن بعفوية تامة أن تلك الانتفاضة هي مجرد انتفاضة شكلية كالانتفاضات السابقة في البلاد .. وبذلك الاعتقاد الخاطئ قد أجرم هؤلاء في حق هذا البلد ،، وفي حق هؤلاء الشهداء الأبرار من أبناء السودان .. والموجع في الأمر أن تلك المواقف السالبة القاتلة من قبل حكومة البلاد الحالية هي التي كانت السبب الأساسي في تراجع الأحوال في البلاد بطريقة أكثر بؤساً وهلاكاً في تاريخ السودان .. وهي تلك الحكومة الحالية التي تسببت في تسهيل سرقة انتفاضة الشباب من قبل تلك الأطراف العديدة المتربصة كالعادة .
في هذه الأيام كان الشعب السوداني يترقب تلك الإفادات الصريحة الشافية من رئيس الوزراء عبد الله حمدوك .. وكان يريد تلك المكاشفة الواضحة بالقدر الذي يضع الحد ويطرد التكهنات !.. ولكن الإنسان الفطن اللبق لا يحتاج لذلك النوع من الرجاء طويل الأمد كما كان يحدث في بدايات الانتفاضة !! .. فذلك الواقع المرير الذي تعايشه البلاد في هذه الأيام يكفي بأن يتحدث نيابة عن رئيس وزراء البلاد .. وهو ذلك الرئيس الذي لا يملك أكثر مما يعطي ويبذل ،، وعليه فإنه لا يلام إذا أمسك عن الكلام وعن مخاطبة الجماهير بطريقة مباشرة !!.. ولسان حاله يقول : ( هذا كل ما أملك من العطاء والبذل ،، فلا تتوقعوا مني أكثر من ذلك !!! ) .. وبالتالي فإن تلك الكرة الآن في ملعب الشعب السوداني .. وأمام ذلك الشعب خياران : فإما ذلك الرضا والقبول بواقع الأحوال الحالية المريرة .. وإما ذلك التفكير بجدية في خطوات أخرى تصحح وتعدل مسارات الانتفاضة من جديد .. وذلك بالقدر الذي يحقق تلك الطموحات الكبيرة للشعب السوداني .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
عمر عيسى محمد أحمد
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست