محجوب محمد الطيب \ برلين بسم الله الرحمن الرحيم في مستهل هذه الكلمة، يسعدني أن أرفع إلى الأخ العزيز حامد أطيب الأمنيات بوافر الصحة والعافية، وطول العمر المقرون بالعطاء المتجدد. لقد تشرفتُ بمعرفته منذ عقود بعيدة، يوم أن بدأنا معًا مسيرة العمل في رابطة الطلاب السودانيين ببرلين الغربية، والتي تطورت لاحقًا إلى رابطة الطلاب والعاملين. ومنذ تلك اللحظة الأولى، كان الأخ حامد حاضرًا بروحه المتقدة وعزيمته الفاعلة. ينتمي الأخ حامد إلى جيلٍ عايش مرحلة صاخبة من تاريخنا الحديث، حيث تلاطمت التيارات الفكرية وتنافست الأيديولوجيات: القومية العربية، والفكر الاشتراكي، والليبرالية، إلى جانب الحضور البارز للفكر الإسلامي في المدارس والجامعات. وفي قلب هذا المخاض الفكري والسياسي، كان حامد حاضرًا، متأملًا ومتفاعلًا، وقد صقلت تجربته بالدراسة في ألمانيا الشرقية والعمل في ألمانيا الغربية، وبشبكة واسعة من العلاقات التي امتدت إلى مختلف التيارات. وقد أسهمت كل تلك التجارب في بلورة قناعته الراسخة بالفكر الليبرالي، بما يحمله من قيم الديمقراطية، والعَلمانية، وحقوق الإنسان. ولم يكن الأخ حامد مجرد متابع أو منظّر، بل كان شريكًا في الفعل وصانعًا للأثر؛ إذ ساهم في تأسيس منظمات رائدة، مثل منظمة حقوق الإنسان ومنظمة ابن رشد، مستلهمًا فكر الفيلسوف الأندلسي ابن رشد الذي أعاد الاعتبار للعقل وفتح نوافذ التراث الأرسطي في فضاء الفكر الأوروبي. غير أن طموحه تجاوز حدود الرابطة، إذ بادر مع ثلة من المبعوثين السودانيين إلى تأسيس جمعيات ثقافية تناقش قضايا لم يكن الدستور الداخلي للرابطة يسمح بالخوض فيها، لأنها تمس مجالات الفكر والسياسة. كما أسس مع أحد المثقفين المصريين جمعية حوار الشرق والغرب، لتكون جسرًا بين حضارتين ورؤيتين. ورغم تعدد مشاريعه الفكرية والثقافية، ظل الأخ حامد وفيًّا للرابطة وداعمًا لها، كما ظل وفيًّا لوطنه السودان، فلم يتوانَ عن المبادرة حين اجتاحته كارثة الفيضان في ثمانينيات القرن الماضي. ولم يقف عطاؤه عند هذا الحد، بل امتد ليؤسس معهدًا مهنيًا أسهم في تخريج العديد من الكفاءات في مجالات متعددة. وإلى جانب جهوده الفكرية والتنظيمية، ترك حامد بصمةً مميزة في مجال الترجمة والكتابة الأدبية، حيث تناول موضوعات استلهمها من تجربته الغنية واهتمامه العميق بقضايا الجالية العربية والإسلامية في المهجر. وعلى الرغم من وضوح قناعاته السياسية والفكرية، بقي منفتحًا على الآخر، مؤمنًا بالحوار، قادرًا على الإصغاء بعمق، والأخذ والعطاء بسخاء. وقد كنت ألمس هذه الروح شخصيًا في حواراتي الهاتفية معه، التي كثيرًا ما حفلت بعمق الفكر وسعة الأفق. وباختصار، إن حامد ليس مجرد فرد بيننا، بل هو طاقة متدفقة وطموح لا يهدأ، ما يزال يثري حياتنا الثقافية إنتاجًا وفكرًا وحوارًا. إنه واحد من أولئك الذين يتركون أثرًا لا يُمحى، ويستحق أن نحتفل به حيًّا بيننا، رمزًا للفكر الحر والعمل الدؤوب، وصوتًا صادقًا في فضاء المثقفين العرب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة