عودة إلى كيزانيات: من حسن البنا إلى مشروع التمكين — الحركة الإسلامية بين الخديعة الكونية والنهاية المحتومة مقدمة حين يبدأ الواعي في مخاطبة المجنون، تدرك أن لحظة الانفجار قد اقتربت. لقد وصلت الحركة الإسلامية في السودان إلى لحظة الحقيقة — تلك اللحظة التي تنهار فيها كل الأقنعة، وتتكشف فيها خيوط اللعبة أمام الأعين، وتبدأ الأسئلة الكبرى: من أنتم؟ من أنشأكم؟ ولماذا دمرتم البلاد باسم الدين؟
١. الجذور المشبوهة: من البنا إلى ماسونية المشروع الإسلامي كثر الحديث – في أوساط المثقفين والمهمومين بالمصير السوداني – عن أصول الحركة الإسلامية، بل ذهب بعضهم إلى القول إن نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر لم تكن خالصة للمجتمع المسلم، بل كانت نتيجة لاختراق صهيوني مبكر، ساعد فيه أستاذ يهودي مغربي غيّر اسمه إلى "حسن البنا" وسار بين الناس متقنًا تمثيل "الطربوش الصعيدي".
وإن صح هذا أو لم يصح، فالثابت أن الإخوان نشروا فكرًا سطحيًا هدم القيم الإسلامية الحقيقية، وبدلوها بعقيدة طاعة عمياء، وتنظيم فوق الدولة، وشتيمة من لا يتبعهم، وتكفير الآخر باسم الله.
٢. التمكين: حين تُستعبد الدولة باسم الإسلام لقد جرى في السودان أكبر عملية تحايل باسم الدين. الحركة الإسلامية لم تبنِ دولة، بل بنت "تنظيمًا مهيمنًا" داخل جسد الدولة. أتت بأموال بن لادن وغيره — أكثر من ٣٥٠ مليون دولار في سنواتها الأولى — وأسست بها منظمة الصناعات الدفاعية، وأخضعت مفاصل الاقتصاد، والسيادة، والإعلام، والتعليم، للمشروع الإخواني.
لقد كنتُ شاهدًا على بعضهم. التقيت بقيادات من الداخل، اعترف أحدهم لي بأن خطة التمكين تهدف لحكم العالم لـ ٦٠٠ سنة! وآخر تحلل من ذنوبه أمامي في لحظة ضعف، حين رآني كمهاجر بعيد لا يشكّل خطرًا. نعم، تركتُ السودان عام ١٩٧٤، لكنني لم أترك ضميري، ولا معرفتي بما يُرتكب.
٣. اللجان الأمنية والمليشيات: حين تأكل الحركة أبناءها لم تكن مجزرة القيادة حدثًا عشوائيًا. كانت خطة مرسومة من مليشيات كيزانية مثل "البراء"، يقودها تلاميذ علي عثمان، تدربوا على القتل والتصفية. هم من أشعلوا الحرب عبر المدينة الرياضية. هم من قتلوا الصحفي طه محمد طه، وجمال زمقان، وحتى نجل البرهان نفسه.
الحركة الإسلامية تأكل أبناءها — كما تنبأ بذلك الشهيد محمود محمد طه. لقد بدأت مرحلة الانهيار الداخلي.
٤. عن حميدتي والدعم السريع: واقعية بلا قداسة أنا لا أقدّس قادة الدعم السريع، لكنني أعرفهم عن قرب. عشتُ معهم، ولاحظتُ الفرق بين واقعهم وتضليل خصومهم. حميدتي تلقى تدريبًا أكاديميًا في القيادة منذ ٢٠١٩ — أعرف الكورسات لأنها في مجال عملي.
التقيت شخصيًا بالأخ شقيق، المسؤول عن تنمية القدرات، شاب مؤهل ومثقف، يعمل بمنهج واضح.
لقد استشهد الآلاف من شباب الدعم السريع في المعارك، بينما كان أبناء الكيزان يدرسون في تركيا وماليزيا. أرادوا تخويف الناس بالقول إن “الجنحويد سيمحون الوجود النوبي والكوشي”، ولكن من عاش التجربة يعرف أن هذا كذب مخابرات الكيزان. من يريد السودان، سيجده في تحالف التأسيس، لا في وهم القبائل ولا عنصرية المركز.
٥. من صحيفة الرسول إلى دستور تأسيس السودان حين دخل الرسول ﷺ المدينة، لم يفرض الإسلام على أحد. كتب "الصحيفة" — دستورًا مدنيًا ساوى بين الناس: المسلم، واليهودي، والمشرك، ما داموا ملتزمين بواجباتهم.
وهكذا نطمح نحن، في تحالف التأسيس، إلى دولة سودانية متعددة، مدنية، لا مركزية، لا تمنح امتيازًا لقبيلة أو حزب، بل تساوي بين الجميع على أساس المواطنة.
دستور تأسيس السودان — كما كُتب اليوم — هو الأقرب في روحه ومضمونه إلى تلك الصحيفة النبوية.
٦. تخريب الأخلاق والسلم الاجتماعي: حين يصبح الفساد دينًا ما دمّره الكيزان أخطر من المال العام، وأعمق من مؤسسات الدولة — لقد دمّروا البنية الأخلاقية للسودانيين، ونسفوا السلم الاجتماعي المتوارث.
في عهدهم، انقلبت المفاهيم:
- الكذب صار دهاءً
- السرقة تمكينًا
- الشتيمة جهادًا
- والاغتصاب أداة تأديب
زرعوا سوء الخطاب في كل بيت وكل منبر:
- الكوز شتّام، لعّان، مغتصِب، يمارس أبشع أشكال التحقير للنساء والخصوم، ويستخدم الدين ستارًا لجرائمه.
اللغة لم تعد وسيلة تفاهم في عهدهم، بل تحولت إلى سلاح تفتيت. حتى الاستشارة أصبحت خيانة، والاختلاف صار زندقة.
من سنوات الجامعة، أتذكر مشهدًا مريرًا: اجتمع كوز شاب وشيوعي شاب في بيت عرس مترع بالشراب والصبابة، وفي لحظة سكر، أقسم كل منهما على كأسه بأنه إلى النار! ضحكنا يومها، لكننا لم نكن نعلم أننا نضحك على بذور الخراب التي ستأكل الوطن.
✦ خاتمة: من فوضى الشمولية إلى مشروع تأسيس إنساني وأخلاقي لقد مرّ السودان بمرحلة اختطاف كامل للعقل والروح، على يد حركة لا تعرف الدين إلا شعارًا، ولا الأخلاق إلا غطاءً.
كان الكيزان مشروعًا لانهيار الدولة، والمجتمع، واللغة، والقيم.
لكننا اليوم على أعتاب فجر جديد، لا يصنعه الزعماء وحدهم، بل تصنعه ضمائر الناس الأحرار، من كل فجٍ وسُحنةٍ وهوية.
تحالف تأسيس السودان ليس حزبًا أو جبهة جديدة، بل إعادة تأسيس لوعدٍ قديم:
- أن تكون الدولة لكل أهل السودان،
- وأن تُبنى على دستور يُشبههم، لا يُقصيهم،
- وأن تكون الأخلاق السياسية فعلًا لا شعارًا،
- وأن يكون الجيش جيش الشعب، لا جيش العقيدة.
فلا عودة للكيزان، ولا مكان بعد اليوم لمن يشتم ويكذب ويغتصب ثم يزعم الطهر.
نريد دولة لا يُقصى فيها أحد، ولا يُمكَّن فيها أحد على حساب الجميع.
دولة تُعيد المعنى لكلمة سوداني: شخص حر، شريف، شجاع، متسامح.
وإن غدًا لناظره قريب…
✒️ د. أحمد التيجاني سيد أحمد قيادي ومؤسس في تحالف تأسيس ١ أكتوبر ٢٠٢٥ – روما، إيطاليا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة