عبد الخالق محجوب ..... الرجل النبيل والأيام العصيبة وقدر السودان بقلم:التجاني فضل المولى أب شاخورة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-16-2024, 11:44 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
10-20-2020, 04:44 PM

التجاني فضل المولى أب شاخورة
<aالتجاني فضل المولى أب شاخورة
تاريخ التسجيل: 10-15-2020
مجموع المشاركات: 2

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبد الخالق محجوب ..... الرجل النبيل والأيام العصيبة وقدر السودان بقلم:التجاني فضل المولى أب شاخورة

    04:44 PM October, 20 2020

    سودانيز اون لاين
    التجاني فضل المولى أب شاخورة-السودان
    مكتبتى
    رابط مختصر





    نبيل تعني الكثير النجابة والفضل والذكاء والشرف.
    قال الشاعر:
    والعز في حسم المطامع كلها فإن استطعت فمت وأنت نبيل
    وقال الإمام على بن أبي طالب عليه السلام, كرم الله وجهة: الإنصاف عنوان النبل
    وفي مسرحية يوليوس قيصر: كان قيصر مثال للشخص النبيل النقي السريرة والطوية كان من سجاياه وصفاته, كما يبدو- شخص شديد الاعتداد بنفسه يقدر الشرف والنبل بصبر وفي قراءة نفوس الناس كان حسن النية يرغب في مصلحة روما لا مصلحته الشخصية ولكن ثقته بنفسه تعميه عن الاحتياط للخطر ولهذا تمكن المتآمرون من اغتياله بقيادة كاسياس الذي كان قيصر يعرف مكره وخداعه وتطلعه لمكانة كبيرة لا يصل إليها إلا باغتياله هو نفسه.
    كان عبد الخالق يردد دائماً بيت الشعر التالي:
    حرام على بلابله الدوح حلال على الطير من كل جنس
    قابلت الراوي صدفة في أحد بيوت العزاء بمدينة بنغازي الليبية العزيزة وتعارفنا!!!! كان رجل ذو ثقافة واسعة في السياسة والتراث والأدب, كان يحمل شهادة في الاقتصاد من جامعة الخرطوم أضف إلى ذلك بأنه رجل دولة من الدرجة الأولى.
    ولتوثيق ما سرده الراوي من حقائق وصدق الكلام فكرت في تدعيم ذلك بالكتابة للمساهمة في توسيع دائرة المساهمة في توسيع دائرة اهتمام الباحثين والطلاب المهتمين بالدراسات السياسية، آمل أن يدرج ذلك ضمن نطاق تخصص اكتتاب المعلومات والعلوم السياسية والاستشهاد المرجعي.
    وهاأنذا اشحذ قلمي وأبدأ في الكتابة،،،، باسم الحي القيوم .....اللهم زدنا علماً
    أفتتح الراوي حديثه وبدأ يحكي وأنا أستمع بهدوء !!!! ولا أخفي عليك سراً بأنني كنت سعيد جداً بهذا اللقاء !!! بالطبع خاصًة وأن حديثه كان عن الشهيد عبد الخالق محجوب عثمان القيادي البارز في الحركة الشيوعية السودانية والعربية والعالمية وكل ما ذكر أسمه، وصفه بالرجل النبيل:
    مفهوم اليسار:
    يعود أصل مصطلح اليسار أصلاً وتاريخياً إلى الغرب وتحديداً إلى الثورة الفرنسية عندما أيد عموم من كان يجلس على اليسار من النواب التغيير الذي تحقق عن طريق الثورة الفرنسية، ووجد تطبيقه في أوربا الشرقية وبالتحديد في الإتحاد السوفيتي مع الثورة البلشفية ..... ومعه تشعب وتغير استعمال مصطلح اليسار بحيث أصبح يغطي طيفاً واسعاً من الآراء لوصف التيارات المختلفة المتجمعة تحت مظلة اليسار.
    عرف السودان التيارات اليسارية منذ عشرينات القرن الماضي في خضم مقاومة السودانيين للاستعمار البريطاني- المصري (1898 – 1956)، إلا أن اليسار بالمفهوم السياسي السائد بدأ في الظهور بشكل أكثر وضوحاً وسط عدد من السودانيين الذين كانوا في مصر خلال أربعينات القرن الماضي حيث أطلعوا بشكل غير عميق على الأفكار الاشتراكية والماركسية واللبنية
    يضع الباحثون في تاريخ السياسية السودانية الحزب الشيوعي السوداني في صدارة القوى المصنفة في خانة اليسار لأقدميته ولفاعليته في المشهد السياسي منذ تكوينه وحتى الآن رغم ضآلة قوته العدديه مقارنة مع الأحزاب المصنفة يميناً، لكنه يظل الأكبر عددية في مقارنته مع الأحزاب اليسارية الأخرى في السودان مثل القوميين العرب ممثلين في العديد من التنظيمات أبرزها حزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الناصري وحزب المؤتمر السوداني الذي يضعه الباحثون في تصنيف 0يسار الوسط) لأسباب فكرية متعلقة بعدم قبولة بمناهج الاشتراكية العلمية أو الماركسية رغم إتفاقة مع بقية مكونات اليسار على مشروع الدولة المدنية العلمانية.
    انتقلت الشيوعية كتنظيم سياسي إلى السودان بعد التحاق عدد من السودانيين بحركة شيوعي في مصر (حدتو) تزعمها مليونيراً إيطالياً يدعى هنري كوريل وتقول وثائق رسمية أن نشأة الحزب الحالي بدأت بتأسيس الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) تأسست في أغسطس،آب (1946)م من عمال ومثقفين وطلبة.
    ومنذ تأسيسه اهتدى الحزب بالماركسية كمنهج وفق ظروف وخصائص السودان، وحسب عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب الشيوعي السوداني الراحل في كتابة " لمحات من تاريخ الحزب" فإن الحركة: " ارتبطت منذ تأسيسها بالنضال والمظاهرات ضد الاستعمار, وقدمت الحركة عموميات الماركسية باللغة العربية وجذبت عدداً من المثقفين الوطنيين والعمال لصفوفها وارتبطت بالحركة الوطنية التحررية منذ نشأتها".(1) عربي .
    قال الراوي: للعلم ولد عبد الخالق بحي السيد المكي القريب من ميدان الشهداء بمدينة أم درمان البقعة والعاصمة الوطنية للإمام محمد أحمد المهدي التي أتخذها عاصمة لدولته دون الخرطوم امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" الآية وأحد معاقل الحركة الوطنية والثقافية بتاريخ 23 سبتمبر 1927م وأعدمه نظام مايو في 28 يوليو 1971م أثر انقلاب فاشل قاده شيوعيون في الجيش السوداني ضده. كان عبد الخالق ذو حضور مؤثر في الأوساط الشيوعية العالمية، حاول إيجاد صيغة سودانية للماركسية بدلاً عن التطبيق الحرفي للتجربة السوفيتية – الصينية. كان يردد دوماً بأن رسالته نشر الوعي بين صفوف الجماهير ومحاربة العسكرتاريا وإقامة الديمقراطية في السودان.
    قال الراوي: سمع محمد إبراهيم نقد بتواجد زميل دراسته وصديقه الشخصي بمدينة الخرطوم في عطلة قادماً من مدرسة المشاة بجبيت التي كان يعمل فيها قائد ثاني ونائبا للواء مزمل سليمان غندور قائد المدرسة. تصيد نقد الأخبار وبدأ يبحث عن زميل العمر جعفر نميري و بدأ يتابع خطواته حتى إلتقاه وأدعى نقد بأن اللقاء تم صدفة بينه وبين جعفر نميري. قابل نقد صديق عمره وزميل دراسته بحنتوب الدنقلاوي المخضرم جعفر نميري بسوق نمرة 2 ، كان أبناء الدناقلة يشكلون حينها شلة متناسقة من أبناء الدناقلة بمدرسة حنتوب الثانوية (جعفر نميري، الخير ساتي، محمد إبراهيم نقد، التجاني ساتي، بابكر كرار، عبد الله زكريا). كان جعفر نميري يحمل كيساً من الموز ، وبعد التحية قاده نقد لمنزل بابكر عوض الله القريب من القيادة العامة ليلتقي عبد الخالق محجوب. وبعد تبادل التحية والمجاملات تبادل الاثنان الحديث عن الوضع السياسي الراهن وحتمية التغيير.
    يواصل الراوي الحيدث: كان عبد الخالق قد توصل لقناعة تامة بأن " الديمقراطية غير مأمونة لطرح اليسار" وهذه بذاتها غبينة كان يحملها الرجل ضد الأحزاب التقليدية التي قامت بطرد أعضاء الحزب الشيوعي السوداني من البرلمان.
    كان عبد الخالق محجوب يرى أن التغيير لا بد أن تصحبه ثورة شعبية، أما جعفر نميري الناصري وعضو تنظيم الضباط الأحرار فيرى أن الانقلاب العسكري اقصر طريق للاستيلاء على السلطة وإحداث التغيير. قال عبد الخالق" نحن نتبنى سياسة النفس الطويل وبنبني طوبة طوبة!!! فنظر إليه جعفر نميري نظرة ثاقبة ثم رد قائلاً!!! طيب يا أستاذ ما رأيك لو لقيت ليك واحد يجيب ليك الطوب كله في لوري واحد!!!" وإلى هنا انتهى اللقاء.
    من الممكن أن تكون الثورة في مصر 1952 م قد شكلت أحد الدوافع لبناء الحزب الشيوعي السوداني بتأثراتها وإلهامها الفكري بما فيها تنظيمات القوميين العرب السودانية، حيث بدأوا في تكوين تنظيمات لهم في الجيش وهي الخلفية التي نراها مدخلاً لفهم وتحليل تورط اليساريين في قيام ودعم الانقلابات العسكرية بديلاً عن الثورة والحركة الجماهيرية الديمقراطية.
    كانت الساحة حينها مليئة بالمناورات والمكايدات السياسية المختلفة: تحركات من وراء الكواليس لفض تحالفات وبناء تحالفات جديدة من أجل الوصول للسلطة مع تجاهل لمشاكل البلاد.
    كانت هناك حركات انقلابية تدور داخل الجيش نتيجة للوضع السياسي المتعثر في البلاد والخلافات الحزبية التي فرضت نفسها على الواقع السياسي. لم يهتم السياسيون بمشاكل البلاد الاقتصادية وتنامي البطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد.. وبالطبع كانت هناك مؤامرات أخرى تحاك وتنظم كحبات العقد ضد النظام الديمقراطي. كان هناك فاروق عثمان حمد الله الكادر النشط وسط زملائه من الضباط الأحرار، بعد أن أبعد من الجيش لمشاركته في حادثة اعتقال وزير الدفاع بجنوب السودان مع ثلاثة من زملائه الضباط (أبو القاسم محمد إبراهيم والرشيد نور الدين على ما يبدو وفاروق عثمان) ومؤامرة أخرى يقودها محمد أحمد المحجوب مع عبد الناصر لتغيير النظام في السودان لقطع الطريق أمام الإمام الصادق المهدي وحرمانه من الوصول للسلطة في الانتخابات القادمة والتي من المرجح أن يفوز بها حزب الأمة خاصةً وأن عبد الناصر كان يخشى الحرب الوشيكة والتي لا بد من وقوعها مع إسرائيل التي تحتل القناة وسيناء وما زالت حشودها تتواجد داخل الأراضي المصرية. ومحمد أحمد المحجوب شاعر ومؤلف ومهندس ومحامي وقاضي وسياسي قاد حزب الأمة ورأس مجلس وزراء السودان وأعاد ترميم صورة الرئيس جمال عبد الناصر في أعقاب الأزمات والتحديات والمعارك السياسية الكبرى بعد أن تعرض العرب بسببه لأصعب هزيمة في التاريخ 1967. خرجت صورة عبد الناصر من صورة ممزقة لزعامة عبد الناصر وإعادة تركيب هذه الصورة بأكبر قدر من الترميم المتقن والكفيل باستبقاء ملامح الزعامة مع عدم طمس أي من هذه الملامح، أي أن تبقى هناك شعارات قادرة على أن تطمئن الجماهير على أن الزعامة لم تنتهي وأن الحلم العربي باقي. فهو الذي نظم مؤتمر الخرطوم أو القمة العربية التي عقدت في ضيافة السودان أغسطس 1967 وتكفلت برفع الروح المعنوية للعرب وزعيمهم عبد الناصر بعد إن اتضحت معالم ومآسي الهزيمة الساحقة.
    وهناك رأس خيط رفيع يعمل داخل السودان!!! عملاء مصر وبقاياهم بالسودان ، بابكر عوض الله وفاروق أبو عيسى وأحمد سليمان المحامي ومعاوية سورج المنشقين عن الحزب الشيوعي !
    فكر فاروق عثمان حمد عضو حزب البعث العربي الاشتراكي- جناح العراق بالسودان في آلية تقربه من بابكر عوض الله، الذي استقال من منصب قاضي قضاة السودان اعتراضا على طرد أعضاء الحزب الشيوعي السوداني وبالفعل حدث اللقاء بمنزل بابكر عوض الله ليلاً ، وعلى سطح منزل بابكر عوض الله، فاتح فاروق عثمان مولانا بابكر عوض الله بموضوع التغيير ومعيته الجاهزة في الجيش. خرج فاروق من منزل مولانا بابكر عوض الله وهو يقول في نفسه لقد وجدتها ! وجدتها!! على طريقة أرخميدس! و بدأ التخطيط وبدأت المؤامرة تنسج خيوطها ولا يخفى على أحد العلاقة التي كانت تجمع بين بابكر عوض الله ومحمد أحمد المحجوب وأبناء الهاشماب بالجيش (أبو القاسم هاشم وأبو القاسم محمد إبراهيم). ووصلت خيوط المؤامرة إلى جمال عبد الناصر والذي يكن يساوره أدنى شك فيما يقوله بابكر عوض الله وفاروق أبو عيسى. أتصل عبد الناصر بأحمد عبد الحليم وشقيقه محمد عبد الحليم (ضباط في الجيش المصرى من أصول سودانية، كان والدهما يعمل جنايني في سرايا الخديو عباس والملك فاروق)
    وبدأ التخطيط على وجه السرعة، بدورها بدأًت المخابرات المصرية في العمل الحثيث على وجه السرعة. أرسلت المخابرات المصرية تسعة ضباط من أميز ضباط مخابراتها للسودان بالاتفاق مع محمد احمد المحجوب على أنها ستقدم خبرتها وتدريب الأشقاء من الجنود السودانيين على استعمال وقيادة الدبابات تي 51 التي قامت بإهدائها للجيش السوداني تحت غطاء مساعدة الأشقاء في السودان للنهوض بالجيش السوداني!! وبما أنه لا يوجد معهد تدريب للجيش السوداني فقد أفرق أحد مباني قيادة المدرعات ليكون فصلاً دراسياً، وأسكن ضباط المخابرات المصريين بميز داخل مباني القيادة العامة وبالطبع كان لهذه المجموعة اتصال مباشر وغير مباشر وسري مع تنظيم الضباط الأحرار (عملاء مصر بالسودان) وعلى رأسهم سعد بحر خريج الكلية الحربية المصرية ومعلمين بجامعة القاهرة فرع الخرطوم والسفارة المصرية.
    وجد مخططو الانقلاب أن محفزات الانقلاب السياسية والاجتماعية متوفرة وأن الوقت مناسب لاستلام السلطة. وفي السعي الحثيث للضباط الأحرار للاستيلاء على السلطة، قام الرائد خالد حسن عباس بعد إقرار التوقيت المناسب حسب ما تم الاتفاق عليه في اجتماع بري، بإخراج قوات اللواء الثاني مدرع تحت غطاء التدريب الخلوي بالتوقيت مع قوات المظلات التي كانت تحت قيادة أبو القاسم محمد إبراهيم وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر والتي غيرت طريقها بعد خروجها من إم درمان لتتجه مباشرة إلى منطقة خور عمر وتلتقي بقوات الرائد خالد حسن عباس. تعثرت القوات وقام الرائد خالد حسن عباس بتزويدها بصهاريج المياه وعربات النقل وبمزبد من الجنود وضباط الصف. عسكرة القوات بمعسكر خور عمر، وفي هذه الأثناء كان جعفر نميري وفاروق عثمان ينشطان داخل أم درمان ويكثفان من اللقاء بعبد الخالق محجوب عثمان لكسب تأييد الحزب الشيوعي السوداني وتأسيس علاقة بين نظام مايو والحزب الشيوعي السوداني، وعلى تأمين مصالح للطرفين. فمن جانب الحزب فإن برنامج مايو يمكن أن يحد من نفوذ الأحزاب الطائفية الدينية التي سعت من قبل لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. ومن جهة الضباط الأحرار، فقد كانوا في حاجة ماسة لتأييد الحزب الشيوعي لمجابهة القوى التقليدية المحافظة. كان للحزب الشيوعي وجود واسع داخل المؤسسات والدوائر الحكومية وفي النقابات وإتحاد عمال السودان وإتحاد مزارعي الجزيرة والاتحادات الطلابية وإتحاد المزارعين ونقابة عمال السكك الحديدية والنقل النهري والمهنيين مما سيكون له كبير الأثر في توفير الدعم للانقلاب في أيامه الأولى.
    قال الراوي: لم تروق الفكرة لعبد الخالق محجوب أولاً والذي كان يخشى المغامرة وكان تبريره بأن الثورة والشارع لم ينضجا بعد. وبإلحاح من بعض أعضاء اللجنة المركزية وافق عبد الخالق بامتعاض! ورد لفاروق وجعفر نميري قائلاً: أذهبوا !! إذا نجحت العملية فسنؤيدكم ونقف معكم!! وإن فشلت العملية!!! فسندافع عنكم في المحاكم!!! وليطمئن عبد الخالق محجوب أكثر قام بزيارة القوات المرابطة في خور عمر!! وقام الرائد معاش فاروق عثمان حمد الله بتنويره بالقوات!!! والتقى بأحد الضباط، الذين لم يتم تنويرهم حتى الآن بالعملية!!! فسأل هذا الضابط الرائد فاروق، يا سعادتك في شنو؟؟ نحن ما فاهمين!!! فأسترعى هذا السؤال انتباه عبد الخالق!!! الذي قال للرائد فاروق!! هو الأخ ما من الضباط الأحرار؟؟ فرد فاروق ليتفادى الإجابة! الأخ من الضباط الأحرار !! لكنه غير مواكب!!! بعد أن ألقى عبد الخالق نظرة على القوات! عاد أدراجه إلى مدينة ام درمان!!
    تحركت قوات الانقلاب!!! في تمام الساعة الثانية والنصف صباحاً !! ودخلت المدينة على حين غفلة من أهلها!! والشعب السوداني يغط في نوم عميق وهادي!! ولا تسمع إلا نبيح الكلاب!!! استولت قوات مايو على الكباري والطرق الرئيسية وتم تأمين الإذاعة وانطلقت المجموعة الرئيسية متجهه صوب القيادة العامة يقودها جعفر نميري وكامل عبد الحميد ومحجوب برير محمد نور، لتجد مجموعة ضباط المخابرات المصرية التي كانت تقيم داخل القيادة العامة في استقبالها وتسليمها أبواب القيادة العامة. (بعد نجاح الحركة، أصبح أحمد عبد الحليم قائداً لسلاح المدرعات وشقيقه محمد عبد الحليم مديراً لبنك مصر بالسودان). ووضح بعد إعلان الحكومة أن توجه الانقلابيين السياسي يساري صارخ، فالغالبية العظمى من الوزراء الاثنين والعشرين الذين أعلنت أسمائهم في صبيحة يوم الانقلاب إما شيوعيون أو رفقاؤهم، أو قوميون عرب، أو اشتراكيين.
    أستيقظ الشعب السوداني على أصوات المارشات والموسيقى العسكرية وأناشيد أكتوبر، واحتشدت جميع الأسر السودانية حول أجهزة الراديو الترانزيستور وهي تتلهف لسماع البيان الأول ومعرفة قادة الانقلاب. وبعد طول انتظار!! بدأت البيانات تتوالى على المسامع!! تلي الرائد فاروق البيان الأول!! ذكر فيه بأن أبناء الشعب السوداني في قواته المسلحة قد استلمت السلطة لتنقذ البلاد من الوضع السياسي المتردي ومن الإفلاس السياسي والحزبية المتخلفة والرجعية. وسمى رئيس مجلس قيادة الثورة بأنه اللواء جعفر محمد نميري والذي لم يكن معروفاً للشعب! من المحتمل أن يكون معروفاً في أوساط الجيش السوداني فقط, وبدأت البيانات تتوالى!! وتم تشكيل مجلس قيادة الثورة!! الكثير، بل أغلبية الأسماء لم تكن معروفة بالنسبة للشعب السوداني نتيجة لصغر سنها ورتبتها!! ترقى أغلبهم وقبل أسبوع من الانقلاب من رتبة نقيب إلى رتبة رائد!! هناك من بارك التغيير وبالفعل وجد التغيير ارتياحا شعبياً وتأييد منقطع النظير, خاصةً بعد أن ملأت شعارات الاشتراكية والحرية والتغيير الطرق ومقرات النقابات. بدأ الشعب يشتم رائحة نفس اليسار في أضابير وشعارات الثورة الجديدة.
    كان هناك ارتياح في أوساط المجتمع،، وبدأت البلاد تشهد جواً من التغيير! وكان أعضاء مجلس قيادة الثورة منهمكون في تعيين أعضاء المجلس، والشعب يترقب!! لكنه لم يكن يدري بالفعل بما كان يدور داخل أروقة القيادة الجديدة. سيطر الحزب الشيوعي السوداني على معظم مناصب مجلس الوزراء! وقام عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق بتشكيل واختيار مجلس الوزراء الذي بدأ في شكله العام مجلس تكنوقراط أعلي يحمل أعضائه درجات علمية كبيرة ومؤهلات عليا من بينهم موريس سدرة الأخصائي الذي أوكلت إليه وزارة الصحة، محمد عبد الله نور ( عميد كلية الزراعة بجامعة الخرطوم آنذاك)، الذي أصبح وزيراً للزراعة والغابات، الأستاذ محجوب عثمان (نائب رئيس تحرير جريدة الأيام حينذاك) وزيراً للإرشاد القومي، المحامي أمين الشبلي وزيراً للعدل، المحامي فاروق أبو عيسى (نقيب المحامين العرب السابق) وزيراً لشئون الرئاسة وضمت فيما بعد الدكتور منصور خالد المنظر السياسي والأستاذ بجامعة كلورادو وزيرا للشباب ومرتضى أحمد إبراهيم وزيراً للري، ومحي الدين صابر وزيراً للتربية والتعليم. كما ضمت الحكومة أثنين من المثقفين الجنوبيين هما الدكتور جوزيف قرنق برلماني ورجل قانون وعين وزيراً للتموين والقاضي أبيل آلير الذي أصبح وزيراً للإسكان.
    معظم أعضاء مجلس رئاسة الوزراء تم تكوينهم من مجلسين هما (مجلس قيادة الثورة برئاسة جعفر نميري الذي ترقى في اليوم ذاته إلى رتبة لواء )ثم لاحقاً إلى رتبة مشير) مجلس الوزراء تحت رئاسة بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق الذي استقال من منصبه في عام 1964، احتجاجا على قرار حل الحزب الشيوعي السوداني. ومثل المجلسان سوياً السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. شمل مجلس قيادة الثورة تسعة ضباط كلهم تقريباً من رتبة رائد ( جعفر نميري، أبو القاسم محمد إبراهيم، زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، فاروق عثمان حمد الله، هاشم العطاء، بابكر النور عثمان، أبو القاسم هاشم، ومولانا بابكر عوض الله، وضمت الحكومة الجديدة (21) وزيرا برئاسة مجلس قيادة الثورة ووزير الدفاع.
    وجد النظام الجديد الدعم من قوى اليسار حيث خرجت مظاهرة تأييد للانقلاب في 2 يونيو في ميدان عبد المنعم ضمت قوى سياسية وإتحادات ونقابات يسارية. باشر النظام مهامه بالسعي لأحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية رئيسية، فأعلن تأميم عدد من الشركات والمصارف والمؤسسات الخاصة وأعترف بألمانيا الشرقية، وأصدر بياناً حول مشكلة الجنوب في 6 يونيو مؤيدا حق الجنوبيين في الحكم الذاتي. وعين جوزيف قرنق وزيراً لشئون الجنوب. كما صدر قانون الأراضي غير المسجلة الذي جعل كل الأراضي غير المسجلة ملكاً لحكومة السودان.
    أما على مستوى مجلس قيادة الثورة فقد دب الخلاف بين الانقلابيين في تقسيم كعكة الثورة! حيث أعترض المقدم عثمان الحاج حسين أبوشيبة، الشيوعي الوحيد الذي شارك في التحرك من العسكريين، ولحق بالانقلابيين في منطقة خور عمر بعد عودته من إجازته السنوية مباشرةً، بصفته من الضباط الوطنيين وليس بصفته التنظيمية! على تشكيل مجلس قيادة الثورة وعلى تجاوزه بصفته من قام بتأمين الكباري واعتقال إسماعيل الأزهري واللواء الخواض أحمد الحاج، وبأنه كان من قوات المدرعات التي قادها خالد حسن عباس صاحب القدح المعلى في الانقلاب والناصري المتعصب وصاحب أكبر قوة ضاربة في الانقلاب حيث أن جميع القوات والضباط المناصرين والذين تحركوا في الانقلاب كانوا يكنون له فائق الاحترام (أحرار مايو) والتقدير. وبدوره أعترض الرائد محجوب برير محمد نور لتجاوزه أيضاً.
    أعترض المقدم عثمان الحاج حسين أبو شيبة على تعيين أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر على أنهما لا يمثلان مجلس قيادة الثورة بل يسيئان لهذا المجلس لسمعتهما السيئة للغاية في أوساط الجيش السوداني وبين زملائهما الضباط والعسكر، وانحرافهما الأخلاقي، فالاثنان سمعتهما تزكم الأنوف. كما شمل الاحتجاج الشجب والرفض على تعيين بابكر النور عثمان الذي لم يكن له دوراً فاعلاً في الانقلاب ولكن لا أحد يعترض على وطنيته ونشاطه وسط الضباط الأحرار وكفائتة العسكرية، لكن للحقيقة أنه تم أشراكة بالفعل عربوناً لمشاركة الحزب الشيوعي السوداني ولا يخفى على أحد حتى في مجلس قيادة الثورة من أن الرائد بابكر النور أستقل هذا التعيين ليشرك صديق عمره ودفعته الرائد هاشم العطا الذي كان حينها ملحقاً عسكرياً في بون، عاصمة ألمانيا الشرقية حينها ليصبح عضواً في مجلس قيادة الثورة ووزيراً للثورة الحيوانية. (أليس ذلك يدعو للحقد والتحرك المضاد؟؟؟؟؟
    شهدت القوات التي شاركت في انقلاب مايو ترقيات أفقدت الجيش هيبته وسمة الضبط والربط التي كانت تسود مواقعه، حيث شملت الترقيات أحرار مايو من قيادة الظل وضباط الصف والأفراد. شملت الترقيات المقدم أبو شيبة نفسه، حيث تمت ترقيته من رتبة مقدم إلى عقيد ولثقة الانقلابيين في شجاعته وفراسته أوكلت إليه مسئولية قيادة الحرس الجمهوري. قبل أبو شيبة الترقية على مضض، لكنه أضمرها في قلبه, وبدأت تتحرك في داخله سمة المكر والدهاء التي يتمتع بها غالبية أبناء الدناقلة وبدأ يخطط لإحداث التغيير. بدأ أبو شيبة يتحرك, أتصل أولاً بالرائد محجوب برير محمد نور، وفاتحه في الأمر، لكن الرائد محجوب كان يخشى من نوايا أبو شيبة. كرر المحاولة مع اللواء مزمل سليمان غندور (أنا بسلمك البلد يا سعادتك)، لكن غندور كان متردداً ولا يثق في الشيوعيين كافة وحذر جعفر نميري من هذا التنظيم.
    أجتمع الضباط الناصريين (أحرار مايو) والتفوا حول الرائد خالد حسن عباس، الذي أصبح لواء ووزيراً للدفاع، وكونوا تنظيماً سمي بأحرار مايو، غالبيتهم من تنظيم الحزب الناصري الذي كان يقوده داخل الجيش الرائد خالد حسن عباس، وفكروا في إجلاء جعفر نميري وتعيين اللواء خالد حسن عباس رئيساً لمجلس قيادة الثورة، بحجة أن جعفر نميري لم يكن أصلاً قائداً فعلياً للتحرك، ولم تكن له قوة يقودها، بل أختاره اللواء خالد ليقود الانقلاب بصفته الأعلى رتبة. وبالفعل أجتمع أحرار مايو ليختاروا اللواء خالد، لكن فاجئهم جعفر نميري بحضور الاجتماع في مباني المدرعات.
    ووسط هذا الجو المشحون واصل العقيد أبو شيبة سعيه الحثيث لتصحيح مسار ثورة مايو التي انحرفت عن ما تم الاتفاق عليه، ورفضاً لسيطرة ووصايا رجال المخابرات المصرية على قرارات مجلس قيادة الثورة. أما موقف الحزب الشيوعي من الانقلاب فقد جاء في تقويم انقلاب 25 مايو 1969 في أول خطاب داخلي أصدره الحزب بعد الانقلاب، وورد فيه ما يلي: ما جرى صباح هذا اليوم انقلاب عسكري وليس عملاً شعبياً مسلحا قامت به قوى الجبهة الوطنية عن طريق قسمها المسلح. وأصبحت السلطة تتشكل من فئة البورجوازية الصغيرة . ويضيف: إذا استطاعت الطبقة الجديدة أن تقبض على زمام الأمور في القوات المسلحة وتبقى السلطة بين يديها، فإن ظروفاً جديدة تتهيأ بالنسبة لتطور الثورة الديمقراطية في إنجاز التطور الوطني الديمقراطي وفتح أفاق الاشتراكية، ذلك التطور لن يتم إلا بمبادرة الجماهير وقيادة الجماهير العاملة. ولكي ترتبط السلطة ارتباطا عميقا في الأهداف وفي النهج بالقوى الديمقراطية، لا بد للحزب الشيوعي أن يلعب دوراً بارزا في دعم وحماية هذه السلطة أمام خطر الثورة المضادة. وأن يحتفظ بقدراته الإيجابية في نقد وكشف مناهج البورجوازية وتطلعاتها غير المؤسسة لنقل القيادة من يد الطبقة العاملة إلى يدها- فالبورجوازية الصغيرة ليس في استطاعتها السير بحركة الثورة الديمقراطية بطريقة متصلة.
    في هذه الأثناء أنفجر خلاف واسع بين القوميين العرب الذين يعتبرون أنفسهم أصحاب الجلد والرأس في مايو وأن مايو أصلاً صنيعة عبد الناصر والمخابرات المصرية وأعضاء الحزب الشيوعي الاثنان بابكر النور وهاشم العطاء أضف إليهم الرائد فاروق عثمان حمد الله عضو حزب البعث العربي الاشتراكي القطر السوداني جناح العراق، ووسمهم بأنهم يقومون بتسريب مداولات اجتماعات مجلس قيادة الثورة للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني ولأمينه العام عبد الخالق محجوب. وأبعد الرواد الثلاثة من مجلس قيادة الثورة، ومن سخرية القدر، أن من قام باعتقالهم ووضعهم قيد الإقامة الجبرية هو العقيد عثمان الحاج حسين أبوشيبة.
    من هو المقدم عثمان الحاج حسين أبو شيبة:
    " كنت أسمع عنه وعن جسارته وشجاعته ودورة في مناطق العمليات في الجنوب وعن الدور المؤثر والرئيسي الذي قام بة في مايو. (ملازم مدني علي مدني"
    أعلى قيادي عسكري من الكادر السري للحزب الشيوعي المتواجد في الجيش السوداني، كان من طلائع الجناح العسكري لليسار إلى جانب رفيقة عبد المنعم الهاموش وهاشم العطاء التي قررت ان تأخذ السلطة عنوة بعد انحرفت مايو عن مبادئها. يحمل صفات عسكرية صارمة، قليل الكلام لا يحب الثرثرة، عملي لا يحب التنظير كعادة الرفاق لذا تمكن من إخفاء توجهاته السياسية بسرية كاملة في نشاط الحزب وهذه السرية شغلت تفكيره فكيف يصل الإنسان لتحقيق أهدافه إن لم يكن سرياً.
    قال الراوي عن أب شيبة:
    أرتكب في مدينة واو الفظائع بإطلاق النار على حفلة زواج بمنزل السلطان جاموس في 1968 ) ، بعد أن وصلته أنباء بأن حفلة الزواج والنقارة مفتعلة، وما هي إلا تمويه عقد على هامشه السلطان مع أبناء قبيلته اجتماع تم بموجبة وضع خطة لذبح كل التجار الشماليين بمدينة واو,,,, وأثر هذه المعلومات تحرك أب شيبة بقوة وأمطروا بيت الحفل بوابل من الرصاص ، راح ضحيته العديد من المواطنين الجنوبيين!!!!!!
    وبعد نجاح مايو وامتطاء سنام السلطة، طرح أب شيبة وبشدة للمقربين منه في مجلس قيادة الثورة تصفية الإمام الصادق المهدي اختصارا للزمن وأثناء أحداث ودنوباوي أوكلت له مهمة قيادة الوحدة العسكرية التي حاصرت الأنصار في قبة الإمام المهدي ومسجد ودنوباوي بعد أن قام الأنصار بمجزرة زقاق مسجد السيد عبد الرحمن ونحر 13 (ثلاثة عشر ضابطاً) مع قائدهم المقدم محمد الحسن جنكيز من سلاح المهندسين بما فيهم الملازم معاوية سبدرات" شقيق المحامي المعروف من أبناء جبل أولياء", حيث قامت هذه الوحدة بضرب الأنصار وقطع شأفتهم.
    قام العقيد عثمان الحاج حسين أبو شيبة، ابن الشمال، قرية دلقو المحس، ناحية دنقلا بشمال البلاد، بتنظيم وتوزيع قوة الحرس الجمهوري حيز زود الحرس بالدبابات ووضع الحراسات على أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومن المعروف أن كل عضو في مجلس قيادة الثورة كانت تحرسه مجموعة من القوات التي كانت ضمن كتيبته أو قواته قبل الانقلاب" فمثلاً حماد الإحيمر، من المدرعات كان في حراسة جعفر نميري رئيس مجلس قيادة الثورة، وأن أبو رأس دقماس، من سلاح المظلات كان في حراسة أبو القاسم محمد إبراهيم" وهكذا. أنفرد أب شيبة بقيادة الحرس الجمهوري انطلاقا من أرضية الثقة التي أولاها إياها قادة الانقلاب، " نظرتي في أبو شيبة لا تغيب أبداً" هكذا قالها اللواء خالد حسن عباس.
    فكر أبو شيبة مليئاً ثم هداه تفكيره أخيراً إلى أنه لا بد من سند داخل الجيش وأن خيوط اللعبة جميعها في يده ولا بد من من العمل مع الحزب الشيوعي السوداني، حزبه الأصلي, ووضع يده مع هاشم العطاء الساخط أصلاً على تصرفات جعفر نميري وانبطاحه للمصريين, وفرض الوحدة العربية (مصر – ليبيا- السودان) قصراً على الشعب السوداني والعمل معاً والتخطيط للتخلص من جعفر نميري وقلب الطاولة على رأس المجلس العسكري (المركب بتصل البر براها ولأ بوصله واحد".
    في هذه الأثناء، كان زعيم الحزب الشيوعي السوداني عبد الخالق محجوب الذي أختلف مع قادة الانقلاب ومع جناح الحزب الانتهازي الذي كان يقوده الدمل أحمد سليمان المحامي ومعاوية إبراهيم سورج وفاروق أبو عيسى ( بعد الصراع الفكري حول هل يظل الحزب الشيوعي مستقلاً سياسياً وفكرياً وتنظيمياً أم يظل جناحاً يسارياً في مايو والإتحاد الاشتراكي، وكان من نتائج هذا الصراع أن ساد اتجاه الوجود المستقل للحزب) لكنه تسبب أول انشقاق بالحزب بعد إنشاقاق عوض عبد الرازق الذي دعا إلى تحجيم دور الخط اليساري المتعجل ووصف التحول إلى حزب ماركسي ليني بـ" طفولة يسارية" بخروج سكرتيرة التنظيمي عبد الخالق محجوب. في أعقاب تصريح مولانا بابكر عوض الله في ألمانيا الشرقية الذي ذكر فيه ، بأنه لولا الحزب الشيوعي السوداني لما قامت لمايو قائمة وعلى أثرها أبعد من رئاسة الوزراء، وندوة بري التي قدم فيها عبد الخالق محجوب بعد جعفر نميري في أعقاب الندوة وكأن عبد الخالق محجوب هو رئيس مجلس الوزراء في سابقة أراد بها الشيوعيون الاستفزاز ولفت النظر إلى سيطرتهم على مجلس قيادة الثورة مما حسب على الحزب وقيادته حينها، قيد الاعتقال بمباني سلاح الأسلحة والذخيرة بالشجرة، وكجزء من العملية لا بد من تأمينه، وتهريبه لمكان آمن بعيداً عن موقع الأحداث والعمليات وعن المواقع العسكرية، والعمل حثيثاً مع اللجنة المركزية لتنفيذ ذلك.
    بدأ التخطيط لتهريب زعيم الحزب عبد الخالق محجوب، خاصةً وأن هناك شائعة انطلقت في أوساط الشيوعيين بأن زعيم الحزب مهدد بالتصفية الجسدية والتسميم على قرار عمليات التصفية التي كانت تقوم بها القيادة المصرية. كانت حلقة الوصل بين الجناح العسكري للحزب واللجنة المركزية هو السيد عبد المجيد شكاك وعثمان الكودة مسئول التنظيم بسلاح الذخيرة والعريف عثمان عبد القادر الذي تم اختياره بدقه لتنفيذ عملية الهروب.
    تم تهريب عبد الخالق محجوب من سلاح الذخيرة بطريقة دراماتيكية، حيث خرج من غرفته بسلاح الذخيرة، ليلاً متجهاً نحو النهر ومنها أمم وجهته ناحية الشرق ليجد عربتان تقفان في انتظاره. عربة كان يقودها هاشم العطاء وأخرى عربة لاندرو فر يقودها حسن قطان. صعد عبد الخالق العربة التي كان يقودها الرائد هاشم العطاء والتي اتجهت به نحو القصر الجمهوري مباشرةً ليستقر به المطاف ويصبح ضيفاً بمنزل العقيد أبو شيبة أما العربة الأخرى والتي كان يقودها حسن قطان فأقلت العريف عثمان عبد القادر واتجهت به نحو مدينة الدويم.
    بدأ التحرك، وقام العقيد أب شيبة بإجراء تغيير على حراسة الوزراء وأعضاء مجلس قيادة الثورة، واستبدالهم بقوات موالية للحزب الشيوعي أو من المستجدين على أسوأ الفروض. لاحظ جعفر نميري ذلك، وأشتبه في أحد الحراس، وأبت نفسه إلا أن يلقي عليه سؤالا، هل كنت أمس في حراس المنزل، فرد العسكري، بل من قبل أول أمس، وفي هذه الأثناء قطع عليهم أبو شيبة الحديث قائلاً. يا سعادتك دا ما شغلك، أنت أصبحت رئيس البلد، خلي هذه المسائل لنا, وخليك في مسئولياتك، وبما أن نميري كان منهمكاً في اللقاء بأعضاء إتحاد مزارعي الجزيرة, وبما أنه لا يساوره أدنى شك في أبو شيبة، واصل مسيرته ليلحق بالاجتماع ولم يعي الأمر أهمية.
    اكتملت جميع خيوط المؤامرة في يد أب شيبة، وبدأ يفكر في إضفاء اللمسات النهائية عليها. كان ذراعه الأيمن في هذه العملية العقيد عبد المنعم الهاموش، صديق الجميع والذي آتي به جعفر نميري من القيادة الجنوبية لثقته فيه ولم يكن ممن تحركوا مع قوات خور عمر والمتهم بتصفية وليم دينق وزميله النقيب معاوية عبد الحي في قوات الحرس الجمهور وبالطبع هاشم العطاء.
    في التاسع عشر من يوليو1971 وفي تمام الساعة الثانية والنصف ظهراً وفي هجير الظهيرة عندما كانت مدينة الخرطوم هادئة نسبياً بسبب تقاعد العديد من السودانيين من شمس الظهيرة الحارقة ليلتقطوا قيلولة مع هدوء ولاية الخرطوم نسبياً، نقل هاشم العطاء الدبابات إلى موقع حول المباني الحكومية واستولى على القصر الرئاسي.
    قال الراوي: كانت سماء الخرطوم مختنقة والعرق ينصب من جباه العمال وعربات نقل الموظفين تشق طريقها عبر العاصمة والكل يهرول قاصداً منزله. في هذه الأثناء وبينما كانت عربات نقل العسكر تستعد إلى نقلهم إلى مقر إقامتهم ومحركات السيارات تدور. صاح العقيد أبو شيبة، أمراً بإيقاف محركات السيارات. عسكري أجمع، وجمع العساكر واصطفوا واحد تلو الأخر، ووقف العقيد أبو شيبة منتصباً وسط الطابور. منادياً صفا !! إنتباه، يا زملاء قررنا تغيير النظام!! الجوا جوا والبرة برة!!! نحن سنتحرك ... المعانا معانا .... والماء معانا له الأمان. وتأكيداً لذلك أقدم لكم قائد التحرك،، الرائد هاشم العطاء وهو غني عن التعريف. هتف الجميع، بالإيجاب نحن معك!! والغريب في الأمر أن غالبيتهم كانوا من المستجدين.
    تحركت القوات وفي الجانب الآخر وفي الزمن المتفق عليه سقطت جميع القوات بسرعة مبالغ فيها، وأذهلت المفاجأة الجميع، حيث أن الضباط والعساكر في حالة استرخاء ببجامات الجيش والملابس الداخلية، يتناولون البطيخ وأكواب الشاي، شأن قوات المظلات التي ليس لها عمل أو شاغل سواء آكل الباسطة وتناول قطع البطيخ، وهذا دليل على الفراغ الذي يسيطر على أوقاتهم مما شجعهم على المشاركة في التحرك الذي قاده مدبري انقلاب مايو، ولا يفوت على أحد افتراء وسطوة هذه القوات التي قام أحد أبنائها" محمد إبراهيم الشايقي" باغتيال أحد المحاسبين وأمام أطفاله وزوجته لأنه رفض تسليمه مبلغ من المال كان تحت عهدته. وأثر هذه القضية طالب وزير الداخلية الرائد فاروق عثمان حمد الله بمحاكمة وكيل العريف الذي تمت ترقيته استثنائيا لرتبة ضابط صف محاكمة عادلة لينال جزاءه العادل، لكن الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم رفض تسليمه ومحاكمته لدوره البارز في انقلاب مايو. سقطت قوات المظلات بسرعة فائقة حيث كان قائد قوة الحراسة ينتمي لأفراد حركة هاشم العطاء وكوادر الحزب الشيوعي والذي فأجا قوات الحراسة التي حاولت المقاومة أمراً إياهم بوضع السلاح أرضاً!! عسكري ثابت، أرضاً سلاح! وسط دهشة الجميع!! وقاما باعتقالهم وتسليمهم لقادة الحركة، علماً بأن هذا السلاح كان له القدح المعلى في انقلاب مايو، فهو سلاح قوة مساندة كان يقوده ويشرف على تشكيله كل من الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، وبمباغتة غاية في الدقة قام الملازم أحمد جبارة باعتقال قائد وأعضاء مجلس قيادة الثورة ـ جعفر نميري في غرفة نومه وأبو القاسم محمد إبراهيم وأبو القاسم هاشم وزين العابدين محمد أحمد عبد القادر الذي حضر لتوه من اجتماع طبرق لدول الإتحاد العربي الذي كان يضم ليبيا ومصر ومأمون عوض ابوزيد اللذان كانا في انتظار تناول وجبة الغذاء التي دعاهم لها العقيد الهاموش، وجلب لهم لعبة الطاولة ليلهيا ويقطعا بها الوقت إلى حين تجهيز الغذاء وأستأذنهم خارجاً لأنه في مهمة لا تتحمل التأخير.
    أخذ نميري وعشرات من أتباعه سجيناً حيث قاد أحمد جبارة قادة مجلس قيادة الثورة، بملابس النوم. وقال لجعفر نميري!! نسيت الإساءة لحزبنا! خرج جعفر نميري بجلباب أبيض، حافي القدمين، " آخذتهم أمامي، إلى الأمام مارش، وأركبتهم عربة لوري تخشيبة بسطح ساخن"، نط !! ما عمرك كله عديدة نطيط!! سمنت وصفعته على رأسه عنقرتك بقت زي ماو تسي تونج!!! "أحمد جبارة مختار". وفي ساعات قليلة من الوقت!!! سيطر الإنقلابيون على كل المواقع!! وبدأت برقيات التهنئة والتأييد تصل لمكتب مجلس قيادة الثورة الجديد!.
    بعد أن هدأت الأوضاع وأمتلك ضباط الحركة زمام الأمور!! سافر الرائد أحمد الزين الذي لم تكن له أدنى علاقة بالحزب الشيوعي السوداني لمدينة الأبيض بغرب السودان موقع القيادة الوسطى وقوات الهجانة!! وخطب فيهم وكسب تأييدهم. وبدأت الاعتقالات تتوالى في صفوف الجيش لمؤيدي مايو وبالطبع أحرار مايو!! من إشلاجات المدرعات والمظلات ومن الأقاليم!! تم وضع مجموعة من الضباط المعتقلين في بيت الضيافة، النزل الكائن بشارع الجامعة والمجاور لمبنى الأمم المتحدة والتلمذة الصناعية " مقر الصداقة الشعبية سابقاً والنيابة العامة لمحاربة الفساد رقم 2 الآن" ونقلت المجموعة الثانية إلى مبنى قوات الأمن قريباً من القيادة العامة وبيت الشباب والعلاقات الثقافية سابقاً، بعد أن ضاق الموقع وأكتظ بالمعتقلين. كان معظم المعتقلين من الضباط الموالين لانقلاب مايو وأنصار جعفر نميري وعملاء المخابرات المصرية من الناصريين وممن شاركوا مع القوات التي قصفت وضربت البسطاء والمستلبين من أهلنا في الجزيرة آبا بقيادة المسعور أبو القاسم محمد إبراهيم وأحمد محمد أبو الذهب والرائد محجوب برير محمد نور والرائد عبد الصادق حسين عبد الصادق والرائد سيد أحمد حمودي قائد سلاح المظلات وعضو حركة هاشم العطاء عبد المنعم الهاموش الذي أقتحم سرايا الإمام الهادي، عليه رحمة الله وفعل الأفاعيل بالسرايا وممتلكات الإمام في أغسطس 1970 بالإضافة إلى العقيد سعد بحر، والعقيد أرتشي والرائد سيد المبارك، أما خيمة العمليات بمطار ربك فكان يجلس عليها بقايا المصريين من عملاء المخابرات " أحمد وشقيقة محمد عبد الحليم وجعفر نميري" حيث كانا يديران العمليات من هناك. وشاء أمر الله الذي لا يغفل عن شاردة أو واردة أن يلقى الكثير من هؤلاء حتفه داخل بيت الضيافة، في ما يعرف بمذبحة بيت الضيافة انتقاما لأرواح العزل والمساكين الذين انتهكت عروضهم وكرامتهم وترملت نسائهم وفقدوا أموالهم وأرواحهم في الجزيرة آبا والتي سيقوم الراوي بكشف خباياها فيما بعد!!!!
    بدأت المارشات العسكرية تدق طبول الحرب، ويصيح المذيع بأعلى صوته, منادياً بعد قليل ستستمعون لخطاب الرائد هاشم العطاء! وبدأ يكرر ثم يعيد المارشات العسكرية!! تأخر الخطاب كثيراً والكل متسمر أمام المذياع!! وفي تمام الساعة الثامنة ليلاً " بدأت موسيقى الانقلاب منذ الساعة الثالثة ظهراً" هدأت الأوضاع وجاء صوت الرائد هاشم العطاء ليس كما توقعه الناس، على مستوى صخب وحماسة وحرارة وشجاعة الشيوعيين!! كان صوته باهتاً تبدو عليه سمة الارتجال والخوف من المجهول!! كان يتحدث وكأنه يهرول! ليس بفصاحة وبلاغة وطلاقة لسان أهل اليسار! كان عبد الخالق محجوب حينما يتحدث في اللقاءات الجماهيرية والشبابية يهز المشاعر ويطرب المستمعين، كان يحرك كل الحواس بشجاعته وجراءته وتمكنه من ناصية الحديث.
    وبعد ساعات طويلة من الانتظار ظهر صوت الرائد هاشم العطاء على المذياع حيث أعلن نفسه وأعلن معه المقدم بابكر النور عثمان وفاروق عثمان حمد الله المسئولين عن الحكومة كما أعلن قيام مجلس ثوري جديد. وكان يشاع أن الرجال الثلاثة من الشيوعيين، بينما أنكروا ذلك، كان أول إجراء لحكومتهم الجديدة هو رفع الحظر الذي وضعه النميري للحزب الشيوعي السوداني ومختلف التنظيمات التابعة له. وخلال حديثه عبر الراديو أعلن هاشم العطاء أن الثورة ستعمل في تعاون مع الدول الشيوعية والاشتراكية، وذكر أن الشيوعيين السودانيين سوف يتم جلبهم إلى حكومة ائتلافية جديدة وفي بيان الانقلاب قال هاشم العطاء أن الانقلاب يمثل العودة إلى مبادئ ثورة مايو 1969م التي أوصلت نميري إلى السلطة، وأن نميري قد تخلى عن تلك المبادئ وقام بتأسيس جمهورية رئاسية دكتاتورية. وذكر أن مجلس قيادة الثورة الجديد سيكون ممثلاً للإرادة الشعبية وأنه سيتم إعطاء الحكم الذاتي لجنوب السودان.
    لذا كان الرد على الانقلاب محدوداً في بدايته حيث لم تلقى قوات هاشم العطاء أي معارضة من القوات المسلحة السودانية أو من عامة السكان. تكون مجلس قيادة الثورة برئاسة المقدم بابكر النور، والرائد هاشم العطاء نائباً للرئيس، وعضوية المقدم محمد أحمد الشيخ الريح، والرائد فاروق عثمان حمد الله, والرائد محمد محجوب عثمان، والرائد محمد أحمد الزين، والنقيب معاوية عبد الحي
    على كل حال نامت الخرطوم يومها الأول في ترغب وحذر! ولا أحد يدري بما يخفيه القدر والأيام من الآتي! بينما كانت سحب خريف الخرطوم تتلبد وترتدي السواد الذي لم يكن أحد يدري أنها كانت نذير شؤم في مقبل الأيام والشوارع ملأها العسكر والقوات الأمنية، ومجالس العاصمة والأقاليم والمدن الكبيرة تبعث ببرقيات التأييد! ,أصبحت شمس اليوم الثاني للحركة! خرج الجميع للطرقات يشاهدون كوادر الحزب الشيوعي السوداني في مظاهرات ومهرجانات ومواكب هادرة، يحملون المطارق والمناجل والمعاول، يهتفون باسم لينين، سايرين !! سايرين على طريق لينين،، الخرطوم ليست مكة،، شيوعيون مناضلون، يا نميري يا جبان!! كتائب يوليو في الميدان!! وأنطلق موكب التأييد والعمال، خرجت الورش واتحادات الطلاب والعمال والموظفين والمعلمين واتحادات الشباب والإتحاد النسائي. خرج موكب عمال السودان الذي خطابه الرائد هاشم العطاء بحدائق الشهداء وأمام بوابة القصر!! وهنا يظهر عبد الخالق محجوب لأول مرة ليحي الجماهير ويلتقي بمحرري ومراسلي الصحف العالمية والمحلية. الكل يبارك وبهنيء. بدأ عبد الخالق وكأنه رئيساً للجمهورية يلتقي بمقره الدائم بسفراء الدول العربية والأجنبية وعلى رأسها دول المعسكر الشرقي وأفردت صحفها صفحاتها الأولى لتغطية أحداث السودان! وبرؤساء المنظمات العالمية والإقليمية وبرؤساء تحرير الصحف العالمية والأجنبية!! جاءت هيئة الإذاعة البريطانية BBC وفريق عملها بطائرة خاصة لتغطية أحداث الانقلاب بالسودان! وبدأت الدول العربية التقدمية إرسال وفودها لتأييد الانقلاب.
    قال الراوي: كان لحزب البعث العربي الاشتراكي القطر العراقي وقيادته القومية حضور مشهود طيلة فترة الحركة، (فاروق عثمان حمد الله ومحمد أحمد الريح ومحمد سليمان الخليفة) كما لا يخفى على أحد بأن هذا الحزب كان مشاركاً فاعلاً ونشطا في حركة يوليو 1971، وعمري بأن هناك مجموعة من الطلاب البعثيون الذين كانوا يدرسون بالجامعات العراقية والمدربون على السلاح بمعسكر التاجي والحبانية وبيجي من شارك في تأمين الحركة التي سماها قادتها بالتصحيحية والقارئ جيداً للأحداث يعلم بأن من ضمن دوافع التوقيت المناسب لقيام الحركة هو تزامن وجود هؤلاء الطلاب بالسودان لقضاء إجازتهم السنوية إذ أن السنة الدراسية بالجامعات العراقية تنتهي في يونيو من كل عام بالإضافة إلى أن فاروق عثمان حمد الله ومحمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي وزير العدل في حكومة الحركة التصحيحية المرتقبة والمحامي المرموق بدر الدين مدثر والرائد الحاج سعيد الكسباوي، قائد طائرة والصديق الشخصي لفاروق عثمان حمد الله كانوا جميعاً ضمن تشكيلة الحركة التصحيحية, كما أن أول ما التقى عبد الخالق محجوب كان سفير العراق بالخرطوم! وأن كل المعلومات التي تأتي لقادة الحركة كانت عن طريق سفارة الجمهورية العراقية بالخرطوم. ومما يؤكد على ذلك! تشكك المصريين في الانقلاب! وتساؤلهم الدائم والمستمر!! حتى في محاكمة قادة الحركة!! هل لحزب البعث العراقي دور في هذا الانقلاب؟؟؟؟
    لماذا تأخر خطاب الحركة:
    قال الراوي: طلب الانقلابيين وقادة الحركة من الشهيد عبد الخالق محجوب الذي كان متواجداً في منزل أب شيبة، التأييد، فذكر أنه لا يقرر وحده، وهو كسكرتير للحزب، لا يعني ذلك أن يقرر وحدة. وطلب إتاحة الفرصة له لحين الاجتماع برفاقه حتى يآخذ رأيهم. لا صيما أن الانقلابيين قد ذكروا له أن التنظيم داخل الجيش قد قرر وبالأغلبية المطلقة مع الضباط الأحرار والحركة الديمقراطية داخل القوات المسلحة التغيير بالقوة سواء وافق الحزب أم لم يوافق. وهذا يعني أن حركة التصحيح لم تكن شيوعية صرفة بل تنظيم ضم كل ألوان الطيف اليساري والشيوعيين جزء منه بل هم أقلية، لكن تصدى الضباط الشيوعيين لتنفيذ العملية لأنهم في وضع أفضل وأكثر انضباطا ووجود قوات تحت قيادتهم مما يضمن نجاحهم .
    (طلب عبد الخالق الاجتماع بالرفاق، ووفر له الانقلابيين ذلك، ولما عاد أكد رفض تأييد الحزب لأي تحرك مسلح مهما كانت درجة ضمان نجاحه، وأتضح ذلك جلياً في عدم وجود كادر أو قيادي واحد من الحزب فور نجاح العملية حتى يسيق خطاب سياسي ليلقيه هاشم العطاء في بيانه الأول. حيث ظلت أجهزة الإعلام تردد أن هناك بياناً هاماً سيلقيه الرائد هاشم العطاء فترقبوه منذ الرابعة حتى السابعة مساء ولم يكن البيان جاهز ولم يتم تشكيل الحكومة ولم تكن الجماهير منظمة بطريقة مهنية.
    وفي هذه الأثناء وعند إطلاعهم على نجاح الانقلاب، أنهى الاثنان بابكر النور الذي تم تعيينه رئيساً لمجلس قيادة الثورة وفاروق عثمان شؤونهما واستعدا للعودة إلى الخرطوم من لندن. وفي سكرة الفرحة وقمة النشوة وفي عاصمة الضباب لندن عقد رئيس مجلس قيادة الحركة الرائد بابكر النور عثمان والرائد فاروق عثمان حمد الله الذي رافقه في رحلة العلاج بمستشفيات المملكة المتحدة مؤتمراً صحفياً حضرته وكالات الأنباء العالمية والصحف الأجنبية، صرح فيه وباللغتين العربية والإنجليزية الرائد بابكر النور بأن زملائه في الداخل سبقوهم وقاموا بتنفيذ الحركة وأنهم سيقومون بتطبيق الاشتراكية العلمية.
    كان بابكر النور سوار الذهب أحد أعضاء مجلس قيادة ثورة مايو على الرغم من أنه لم يشترك في التحرك من خور عمر, لكن الحزب الشيوعي السوداني دفع به كعربون ضمان لاشتراك الحزب الشيوعي..... كان بابكر النور كادراً شيوعياً ملتزماً منذ المرحلة المتوسطة وضابطاً متميزاً ووطنياً له سمعة طيبة ويتمتع باحترام واسع وسط زملائه الضباط والجنود، تم إقصاءه مع صديقه وزميله هاشم العطاء والرائد فاروق عثمان حمد الله من مجلس قيادة الثورة!! سافر بإذن من جعفر نميري شخصياً لتلقي العلاج بالمملكة المتحدة!!! وعلى ما أظن بأنه كان متابعاً بدقة لما يجري في الداخل!! التحق به فيما بعد الرائد فاروق عثمان الذي ذهب للعلاج أيضاً بالمملكة المتحدة!!
    قال الراوي: بعد أن أستقر الحال لقادة الحركة!! تم إغلاق المطار! وأعلن قادة الانقلاب أن لا يفتح المطار إلا لطائرتين استثنائيتين, الأولى هي الطائرة العراقية التي كانت تحمل وفداً من كبار الضباط وقادة الجيش العراقي وأسلحة خفيفة كان تدرب عليها الطلاب الدارسين بالجامعات العراقية المشاركين في الحركة!! بقيادة محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي وزير العدل في الحكومة الجديدة والصديق الشخصي لفاروق عثمان حمد الله لتقديم التهاني والتبريكات ودعم الرفاق بنجاحهم في إقصاء البرجوازية الصغيرة من الضباط، لكن هذه الطائرة لم يكتب لها الوصول وسقطت في الأجواء السعودية قريباً من مدينة جدة نتيجة لعواصف ترابية غطت سماء المملكة العربية السعودية في غيظ حرارة يوليو الشديدة لقي على أثرها محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي حتفه، حيث أنه كان تعباً ومستلقي على ممر الطائرة، "سقطت الطائرة وصعد جسد محمد سليمان الخليفة عبد الله التعايشي إلى أعلى وهبط الجسد المتعب على رأسه فكسرت عنقه في الحال نتيجة لارتطام الطائرة بالأرض" الحاج سعيد الكسباوي, في مقابلة لصديقة العراقي الذي كان يقود الطائرة، والذي ترك الطيرانFlying Phobia بعد هذه الحادثة وعمل بالتجارة,". والطائرة الأخرى المسموح لها بالهبوط في مطار الخرطوم كانت هي طائرة ركاب عادية تقل قادة مجلس قيادة الثورة التصحيحية بابكر النور عثمان وفاروق عثمان حمد الله والدكتور عز الدين على عامر والتي أجبرها العقيد معمر القذافي عضو دول الإتحاد العربي مصر ليبيا والسودان، وعضو ميثاق طرابلس على الهبوط بمطار بنينة ببنغازي شرق البلاد بمؤامرة مكشوفة مع المخابرات البريطانية والمصرية التي رفضت استقبال الطائرة البريطانية بحجة أن مطار القاهرة غير مهيأ لتزويد الطائرات بالوقود في هذه الأثناء وطلبت من قائد الطائرة التوجه لمطار بنينة ببنغازي للتزود بالوقود وطلبت من قوات القذافي إجبار الطائرة لأن مصر تخشى من أي تدخل من شأنه أن يدخلها في حرج مع الشعب المصري نتيجة لحساسية العلاقة مع الشعب السوداني وخوفاً من المد الشيوعي الذي يجتاح البلاد خاصة وأن الأمر آل للسادات الذي قام بطرد الخبراء الروس بعد وفاة جمال عبد الناصر بحجة أن الروس قدموا له الأسلحة المغشوشة بعد هزيمة 1967م . قام العقيد القذافي المتحمس للوحدة العربية مع مصر والسودان بإجبار الطائرة البريطانية على الهبوط، وإنزال الرائد فاروق عثمان حمد الله وبابكر النور من الطائرة، ونجا الدكتور عز الدين على عامر، بأعجوبة نسبةً إلى أن الليبيين لم يتعرفوا على شخصية الدكتور عز الدين على عامر نتيجة لبشرته البيضاء وسحنته التي لا تشبه السودانيين (حلبي).
    أساء الليبيين معاملة قادة مجلس الحركة التصحيحية، باستفزازهم! " بعد وصول الرائد بابكر النور عثمان والرائد فاروق عثمان لمطار الخرطوم قال الرائد فاروق للحرس الذي أعتقلهم بمطار الخرطوم: غريبة يا شباب: الليبيين كانوا أحقد منكم.علماً بأن الرائد فاروق عثمان حمد الله بصفته وزير للداخلية أول من أسس وزارة الداخلية الليبية كما أوفد مأمون عوض أبوزيد ليضع اللبنات الأولى لجهاز الاستخبارات والأمن الليبي نسبة لخبرة السودانيين في هذا المجال، وقضى مأمون عوض أبو زيد سنين في ليبيا، مساهماً في تأسيس هذا النظام.
    أنتشر خبر القرصنة الجوية الليبية للطائرة البريطانية كالنار في الهشيم، وبدأ الخبر يتصدر المحطات العالمية والصحف الأجنبية والعربية. حينها كان السودانيين يدمنون الاستماع إلى هيئة الإذاعة البريطانية، فترى التجمعات حول أجهزة الراديو، و أجهزة الالتقاط "الإريالات" مرفوعة لأقصى ارتفاع. وخرج الجمهور السوداني في مواكب هادرة تندد باختطاف الطائرة, وتشد من اذر الحزب الشيوعي وتنادي بحياة الانقلابيين، وبدأت إذاعة أم درمان تردد، هناك تدخل أجنبي غاشم ضد ثورتكم الآبية فهبوا لإنقاذ ثورتكم!! وكان لهذه العبارة وقع سيء في نفس الإنسان السوداني, بدأ الشارع يفهم بأجهزة استشعاره السياسية، ولم تفت عليه نبرات خطاب هاشم العطاء التي كان يشوبها نوع من الخوف وعدم تناول الخطاب للقضايا المهمة، وماذا تعني عبارة حركة تصحيحية بالنسبة له، كما أن مواكب الشيوعيين الأخيرة والتي خرجت للشارع بعد القرصنة الجوية الليبية كانت ضعيفة تحرسها قوات من الشرطة. ومما زاد الطين بله، أن خلايا الحركة الإسلامية النائمة نشطت في هذه الأثناء وبدأت تهتف وخرجت من مخبأها لتعمل في العلن، وأختلط الحابل بالنابل. وفي خضم هذا الجو المتلبد، دبت خلافات سادت أضابير الحزب الشيوعي، كما أرتكب قادة الحركة التصحيحية أخطاء قاتلة.
    قام العقيد عبد المنعم الهاموش بإعادة الضباط الذين تم تسريحهم قبل يومين من الانقلاب للخدمة! رفض هاشم العطاء تحريك سلاح الطيران خوفاً من إحداث خسائر وسط المدنيين!! وهذه قمة المثالية!! لم يقم قادة الحركة بحل مجلس قيادة الثورة الجديد وإبعاد كل من بابكر النور وفاروق عثمان من المجلس!! ففي الوقت الذي أقترح فيه المقدم عثمان الحاج حسين أبو شيبة بإقالتهما من مجلس الثورة، بل حتى من الجيش نفسة وبذلك تكون ليبيا قد إعتقلت مواطنين مدنيين بلل مبرر، إلا أن هاشم العطاء رفض ذلك ليضغط على السادات باتفاقية مياه الني!!!!. " الناس في شنو والحسانية في شنو؟؟؟؟؟. من المستغرب أن يصبح فاروق عثمان حمد الله الرجل الثاني في مايو والذي جمع الضباط وخلق مايو وكان الدينمو المحرك "الحاج بركة" وشغل وزير داخلية لها في المرتبة الرابعة!!! لم يفكر قادة الانقلاب بمنطق الأمر الواقع في تصفية جعفر نميري وأعضاء مجلس قيادة الثورة الذين كانوا بين أيديهم!! أو إبعادهم إلى خارج الخرطوم!!!!!! تدمير الدبابات باستخدام سلاح الطيران قبل وصولها إلى قلب الخرطوم والتحامها بجنود المشاة من المظلات. خاصة أن الانقلابيين لا يملكون دبابات تماثلها تي 51 الحديثة ولا مدافع مضادة لها ولو واجه الانقلابيين المشاة وحدهم لتغلبوا عليهم لأنهم من المحتمل أن يكونوا أفضل منهم تدريباً وجسارة بالإضافة أنهم أصحاب قضية وثورة يدافعون عنها.
    أين ذهبت شجاعة ودموية وجسارة العقيد عثمان الحاج حسين أبو شيبة في هذه اللحظة؟؟ "الداير عمره أقصر يلاقي أب شيبة". إنها مثالية الحزب الشيوعي السوداني التي يندم عليها طيلة عمره؟؟ مثالية أضاعت حركة اليسار في السودان وفي الوطن العربي وقصمت ظهر المد الثوري في دول العالم الثالث واخرصت صوت الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي وإفريقيا ومكنت اليمين الرجعي وأيقظت الهوس الديني من بياته في الساحة العربية والعالمية.
    الحزب الشيوعي السوداني وأزمة المنهج:
    واقع السودان في تلك الفترة لم تتشكل فيه طبقة عاملة بالمعنى المفهوم الذي يستند عليه حسب شيوعي. إذ واجه التنظيم الجديد الذي يحمل مبادئ اشتراكية وقائم على برنامج وأفكار ماركسية هذه مشكلة فلا بد من إيجاد والبحث عن طريقة يمكن بها النفاذ إلى المجتمع فاعتماد الحزب في تكوينه على قوى اجتماعية لم تحظ باهتمام الأحزاب الطائفية والقوى السياسية التقليدية فتوسيع نشاطهم وسط الطلاب والعمال والمزارعين، وهو ما يتسق، حسب رؤية الراوي- مع جوهر الفكر الاشتراكي الذي يعني بالنضال وسط هذه الطبقات، والمنهج الماركسي الذي يقرأ تطور المجتمعات ودراسة الأحوال فيها وقفاً للتركيبة الطبقية للمجتمع وعلاقات الإنتاج والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة.
    خروج حزب شيوعي يجاهر بأفكاره في مجتمع تسوده الثقافة الإسلامية في غالبيته وتقوده المؤسسة الدينية بتياراتها المختلفة.دفع الشارع السوداني للخروج يهتف هتافات معادية وقوية ضد الحزب الشيوعي، منادياً بعودة جعفر نميري، عائد،عائد يا نميري". وسادت البلاد الفوضى، وبالتأكيد كان هناك متربصون بالسلطة من داخل القوات المسلحة! كانت هناك مؤامرات, ولا أحد يدري بها! وفي خضم الفوضى كان هناك تحرك داخل سلاح المدرعات، اللواء 2 مدرع. قام النقيب صف، الذي تمت ترقيته لضابط صف بعد انقلاب مايو ومعه مجموعة من ضباط الصف وأبناء غرب السودان الذين ظهروا فيما بعد في انقلاب حسن حسين عثمان 1975، بإيهام قائد اللواء 2 مدرع بالإنابة والذي عينه العقيد عبد المنعم الهاموش، نيابة عنه، حيث طلبوا منه تسليمهم مفاتيح هناقر الدبابات التي عطلها هاشم العطاء وسحب منها الإبر!! والتي يعلمان تماماً بمكان الإبر وطريقة تشغيل الدبابات!! ورفض القائد!! وألحوا عليه وأوهموه بأنهم يريدون تأمين الثورة الجديدة!! " يا أخي نحن اشتغلنا مع سعادتك فترة طويلة معقول ما تسق فينا!!! وبعد إلحاح وإصرار أقتنع القائد وسلمهم مفاتيح الهناقر!! أنطلق حماد الإحيمر وجماعته وقاما بفتح الهناقر وتشغيل الدبابات. أمتطى حماد الإحيمر المشهور بحسن الرماية والكفاءة في قيادة الدبابات التي تلقى فيها دورة عسكرية بالإتحاد السوفيتي ومعه النقيب فتح الله صهوة الدبابة. انطلقت بهم الدبابة شاقة طريقها متجهة صوب القصر، وعند محطة أبو حمامة توقفت الدبابة وتزودت بالوقود!! وواصلت طريقها بشارع القصر. سمع المعتقلون ببيت الضيافة صوت الدبابة. أولاً(طلب منا العقيد سعد بحر قائد سلاح المدرعات الانبطاح أرضاً, قائلاً دى سلاحي وأنا بعرفه جيداً دي دبابات تي 55. أنبطحوا!!. وعند مواجهة القصر بدأت تطلق داناتها!! . تمكنت الدبابة من كسر بوابة القصر!! وهنا تجمعت الجماهير وهي تهتف بعودة مايو!! وافي، وافي يا قذافي!!! ودخلت ساحة القصر الجمهوري وهي تطلق نيرانها يمنة ويسرى!! ثم اتجهت ناحية الشرق! قاطعة طريق الجامعة!! ودخلت بيت الضيافة!! "الدبابة الكسرة الباب ودخلت دي!! نزل من فيها وقاموا بضربنا!!!! (عميد معاش عثمان محمد أحمد عمر (عثمان كنب)، قائد كتيبة جعفر) أحد الناجين من المذبحة والعميد سعد بحر) قائد سلاح المدرعات. الحرس لم يقم بضربنا!! ديل جروا!! لأن غالبيتهم من المستجدين!! أما الحاردلو فترك مقعده وهرب!! أما أحمد جبارة مختار لم نشاهده في ذلك اليوم. ذكر أحمد جبارة في المحكمة بأن أقدامه لم تطأ أرض القصر في ذلك اليوم!! كنت في الميز!! أستمع لخطاب الرائد هاشم العطاء، وأطلب شهادة العقيد أب شيبة" في المحكمة التي ردت عليه بأن أب شيبة أعدم!! فقال أحمد جبارة لممثلي الدفاع ورئيس المحكمة!! أنا قلت ليكم شاهدي الوحيد أب شيبة!! ما كان تأخذوا أقواله.
    ساد وسط الخرطوم فوضى عارمة ولا أحد يدري بما يجري وما هو الحاصل!! ووسط هذا الانفلات والهتافات العارمة كانت هناك مجموعة ثالثة من ضباط الصف تريد الانقضاض على السلطة، لكنها بعد أن سمعت بالهتافات التي تنادي بعودة مايو، آثرت على نفسها أن تندس وسط الجماهير وتدعي بأنها تحركت لإنقاذ نميري وإعادة الأحوال إلى نصابها!! قامت هذه الدبابة بنقل الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم والرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر والرائد أبو القاسم هاشم واتجهت صوب القيادة العامة. وفي هذه الأثناء كان هناك حراك من نوع أخر!! قام الحرس الشخصي لنميري المعتقل في غرفة داخل القصر النقيب محمد خاطر حمودة بفتح باب الغرفة طالباً منه الخروج، مطلقاً سراحه عند إنتهاء العملية!!بل وصحبه إلى أن قام بمساعدته بالقفز على حائط القصر والاتجاه إلى شارع النيل. وأنحشر نميري وسط الجموع الهادرة!! التي تعرفت عليه بعد فترة قليلة وحملته على أكتافها وبدأت تهتف عائد, عائد يا نميري!! لم تصدق عينا أب شيبة ما حدث ووسط ذهول الانقلابيين، اختفى الجميع. وأنفض السامر! ذهب هاشم العطاء والمقدم محجوب طلقة إلى منزل العقيد حينها الحاج سعيد الكسباوي, وقابلهما الحاج سعيد، فسألهما إلى أين أنتم ذاهبون الآن!! قال هاشم العطاء!! ماشين نبلغ الحزب واللجنة المركزية! فرد الحاج سعيد!! دا وقت حزب!! فأعطى الاثنان جلبابين وطلب منهما التخلص من ملابسهما العسكرية بدفنها في مقابر فاروق!! أوصى الرائد هاشم العطاء والمقدم محجوب طلقة الحاج سعيد كسباوي بالاهتمام بأحد الضباط الذي كان يرافقهم وأثبت شجاعة فائقة!! كلهم جروا إلا دا وقف وقاتل حتى النهاية!! ألقي القبض على هاشم العطاء بجوار مقابر فاروق وبصحبته المقدم محجوب طلقة وهم يرتديان الجلباب على الزى العسكري. كما تم اعتقال أب شيبة وبقية قادة الحركة.
    أحداث بيت الضيافة:
    مهما يكن فقد كانت أبشع الجرائم الإنسانية في تاريخ السودان الحديث. قال محمد إبراهيم نقد في لقاء تلفزيوني: بالتأكيد هؤلاء وضعهم كأسرى حرب تقع مسئوليتهم على الانقلابيين، "كان لا بد من حمايتهم أو إطلاق سراحهم، من قام بضربهم حاول أن يخفى معلومات".
    شهداء بيت الضيافة هم(1- هقيد مصطفى عثمان أورتشي،2)- عقيد سيد أحمد محمد حسين حمودي ،3- عقيد عقيد محمود عثمان كيلة، 4- مقدم سيد المبارك ،5- مقدم عبد العظيم محمد محجوب، 6-رائد عبد الصادق حسين عبد الصادق، 7- نقيب سيد أحمد عبد الرحيم 8- نقيب تاج السر حسن على، 9- نقيب كمال سلامة ، 10- نقيب صلاح خضر، 11- ملازم أول محمد يعقوب، 12- ملازم أول محمد صلاح محمد 13- ملازم أول الطاهر أحمد التوم، 14- ملازم محمد عمر، 15- ملازم محمد حسن عباس(شقيق اللواء خالد حسن عباس نائب رئيس الجمهورية والقائد العام لقوات الشعب المسلحة – وهؤلاء جميعهم من أنصاره "أحرار مايو") ، 16- ملازم محمد الحسن ساتي، 17، رقيب دليل أحمد، 18- عريف عثمان إدريس ملازم, 19- وكيل عريف الطيب النور.
    كون جعفر نميري لجنة للتحقيق في مجزرة بيت الضيافة وكانت النتيجة أن لا علاقة لعبد الخالق ومن معه بالمجزرة وكتب ذلك في وثيقة خطتها لجنة تحقيق عرفت "بتقرير علوب" كانت محفوظة في مكتب العميد عمر الحاج موسى وتحوي حقائق في غاية الأهمية أمر جعفر نميري بحل اللجنة وحرق الوثيقة وبذلك حرقت الوثيقة.
    قال الراوي: هناك مجموعة ثالثة كانت تسعى للقضاء على أنصار نميري وأنصار هشم العطاء معاً والاستيلاء على السلطة من قام بتلك المجزرة هم صغار الضباط وضباط الصف من أبناء غرب السودان، منهم عبد الرحمن شامبي وحماد الإحيمر وأحمد إبراهيم من كتيبة الهجانة الذي كان متواجداً في الخرطوم " كان يضرب ويقول ود الكب") أي هي نفس المجموعة التي ظهرت في انقلاب حسن حسين عثمان في صباح الجمعة الموافق 5 ديسمبر 1975. وهي حركة عنصرية معزولة محسوبة على الإسلاميين والجبهة الوطنية لأن أو جل أفرادها من كردفان كان عبد الرحمن شامبي طموحاً ومعتد بنفسه وله شخصية كارزمتية وكان يظن أن الدنيا لم تعطه ما يستحق، كما كان من النوع الذي يؤثر في محيطه. أما حماد الإحيمر وكثيراً من الجنود يكرهون الضباط ويعتبرون أنفسهم أكثر رجولة منهم وهم من أعادوا النميري إلى السلطة. (كان حماد الإحيمر يكره أبو القاسم محمد إبراهيم ودائماً ما يقول: أبو القاسم البجوعر دا أنا بسكتو ليكم.)
    بدأت التحركات المعاكسة ووجد ضباط الصف الفرصة للتخلص من كل ما كان يمثل لهم التسلط من دون وجه حق(الضباط) وبعدها صار ضباط الصف يرفضون أعطاء التحية لكبار الضباط وطالبوا بإعطاء العلامات الحمراء على أكتافهم كأعضاء مجلس قيادة الثورة وكانوا يقولون لنميري "نحن الرجعناك، ما الكانوا مندسين" وبدئوا في ملازمة النميري في كل مكان. بصراحة الذين قاموا بمذبحة بيت الضيافة هم ضباط الصف ووقتها أختلط الحابل بالنابل ولم يعرف الصديق من العدو.
    مجموعة ص.ع. م.
    بعد نجاح انقلاب مايو ـ قام جعفر نميري بحل تنظيم الضباط الأحرار خوفاً من أن ينقلب عليه، وتشكلت حركة أحرار مايو وقيادة سرية للحركة كانت تخطط للتخلص من جعفر نميري الذي لم يكن أصلاً رئيساً لحركة الانقلاب، مع العلم بان الضباط الأحرار وقبل التحرك كانوا قد طرحوا ثلاث أسماء كرتب علياء وضباط عظام لقيادة الحركة هم اللواء أحمد الشريف الحبيب، قائد القيادة الجنوبية وقائد القوات السودانية التي أرسلتها جامعة الدول العربية للكويت للدفاع عنها ضد تحركات عبد الكريم قاسم زعيم العراق لضم الكويت بحسبها أنها قضاء تابع للبصرة، والعميد عمر الحاج موسى، قائد القيادة الشمالية واللواء مزمل عثمان غندور، قائد مدرسة المشاة جبيت) لكن وفي آخر اجتماع لقادة التحرك، قطع الرائد كامل عبد الحميد قول كل خطيب!!! يا أجوانا نحنا القائمين بهذه الحركة !!! فلماذا نأتي بواحد من خارج الحركة؟؟؟؟ يقودنا جعفر نمير دا!!! أعلانا رتبة وأقدمنا في التنظيم !!! فأيده الرائد الرشيد نور الدين وفاروق عثمان حمد الله. ظل تنظيم الضباط يعمل تحت قيادة ص. ع. م. وتكونت قوة من 300 شخص، وبعد نجاح الحركة كان ص.ع. م. ضمن ثلاثة ضباط تواجدوا بالقصر طيلة فترة الثلاثة أيام. وعلى علم بمكان تواجد قيادة الظل المعتقلة ببيت الضيافة.
    محاكمة الشجرة:
    لم يقتصر أثرها على تاريخ السودان السياسي والاجتماعي، إذ أمتد الأثر الأقوى للأدب السوداني. كانت محاكمات الشجرة عملاً خسيساً، دنيئاً، وجريمة نكراء بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني وإهانة بالغة وتجاوز لكل معايير العدالة ونقطة سوداء في تاريخ القضاء العسكري السوداني. صاحبت تنفيذ الأحكام عصبية وانفعال كبير ترتب عليه ضياع العدالة المطلوبة التي كفلها القانون للمجرمين والمتهمين وقد يكون في هذا الجو ضياع للحقوق وضياع الأبرياء.
    أجتهد سدنة مايو والمخابرات المصرية في إلصاق التهمة بالشيوعيين أرسلت القيادة المصرية الصحفية مريم روبين لتغطية تلك المحاكمات لصحيفة الأخبار كما أنها كانت حريصة على الاتصال بجعفر نميري في كل دقيقة ولحظة طالبت منه التخلص من قادة الانقلاب. أقتل الحية وأقطع الرأس والذنب. "محمد أنور السادات" رئيس جمهورية مصر العربية التي هزمت ثلاث مرات وصاحبت النصر المزعوم وعضو المخابرات الأميركية في الشرق الأوسط.
    على كل حال أن نميري وبعد أن كون لجنة القاضي علوب جمع كل النسخ التي كانت لدى علوب، وفي فرع الإدارة بالقيادة العامة، وتلك التي أرسلت لدار الوثائق المركزية بالإضافة إلى نسخته هو وقام بحرقها، فيا ترى ما السبب في ذلك؟؟؟؟؟؟؟.
    قال الراوي: وبالعودة لموضوع حديثنا، عن الرجل النبيل عبد الخالق محجوب عثمان، الذي ظهر يوم موكب العمال. بعد فشل الحركة، تسلل عبد الخالق خلسة وأستقل عربة تاكسي حملته إلى أم درمان. نزل عبد الخالق من العربة التاكسي بشارع العرضة وشق طريقه قاطعاً المسافة من حي العرب متجهاً إلى منزل أحد الرفاق والذي لم يعد اليوم رفيقاً ملتزماً، فهذا يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. طرق عبد الخالق الباب، وحضر صاحب المنزل، وبعد أن تبادل التحية مع عبد الخالق وهنأه بالسلامة والنجاة طلب منه عبد الخالق أن يسمح له بالدخول!! فأعتذر الرفيق، صاحب المنزل مدعياً بأن المنزل مراقب من قبل رجال الأمن ومن الصعب جداً استضافته!!! شكره عبد الخالق وأنصرف! مواصلاً طريقه شاقاً أزقة وحواري أم درمان متجهاً صوب الشهداء طارقاً باب أحد الأصدقاء والرفاق في الحزب، فأعتذر هو الأخر عن استضافته!! وضع عبد الخالق عمامته على وجهه وتوكل على الله، متجهاً نحو أبي روف!! لعل الرجل قد أستوعب الآن بأنه لا مناص ولا بد من الإيواء إلى ذوي القربى، وأن صلة الرحم مربوطة بالعرش، من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله!! أتجه عبد الخالق إلى منزل أهله من آل الكد!! وطرق الباب!! جاءته إحدى حسناوات العائلة ودعته للدخول، وبأدب طلب منها عبد الخالق أن تخبر أحد أبناء الأسرة. حضر أحد رجالات العائلة، ورحب به، أوه أستاذ عبد الخالق!! مرحب بيك! أتفضل!! جيء له بكوب من الماء وطعام وكان الوقت متأخراً من الليل. أرتاح عبد الخالق وأشعل سيجارة!! وراح في نوم عميق.وفي الصباح أجتمع أفراد الأسرة وقرروا أنه لا بد من تأمين عبد الخالق ونقله لمكان آمن نسبة إلى أن البيت مشبوه، خاصةً وأن أحد أبنائه "خالد الكد" كان مشاركاً في الحركة التصحيحية وقام باحتلال المطار، عليه لا بد من أن يقوم رجال مايو بالحضور للمنزل.
    من وشى بعبد الخالق:
    كان هناك نقاش وجدل حاد بين الناس طغى على أي مواضيع أخرى سواء كانت سياسية أو وطنية. كان الهم الأكبر معرفة من وشى بعبد الخالق وبلغ السلطات الأمنية عن مكانه وسلمه نميري؟؟؟ بالطبع لم يكن أحد المنشقين عن الحزب الشيوعي وانضموا لزمرة جعفر نميري" أحمد سليمان، أم هو فاروق أبو عيسى عدو عبد الخالق اللدود ولا هو معاوية إبراهيم سورج رصيف الشفيع أحمد الشيخ وعبد الخالق محجوب؟" فهؤلاء لم يكونوا أصلاً على علم بمكان عبد الخالق. على أية حال كان الرجل النبيل ضحية وشاية وسيظل هناك سؤالاً لم يراوح مكانه،،،، ولا مجيب.
    قال الراوي: أن صاحب الوشاية كان من خارج المجموعة السياسية، وهناك رواية افتراضية في غاية الحساسية يرويها أهل أم درمان وبالتحديد في حي أبي روف مفادها الآتي: لم يقم الحزب الشيوعي بالشيء الكافي في تأمين وحماية سكرتيره العام، حيث لم تكن معه حراسة وترك وحده ليواجه قدره ومصيره. تم اختيار أحد المنازل الشاغرة التي تعود لأبناء الكد بحي أبي روف ود اللدر لينتقل إليه، ليقيم فيه عبد الخالق. وافق عبد الخالق على الخطة، وأنتقل للمنزل المحدد والذي لم يكن يبعد كثيراً عن نادي أبو روف. دخل عبد الخالق المنزل الشاغر خلسةً وكان المنزل مواجه لمنزل أحد المشاهير من أبناء الحي ومن أفراد فرقة الممثل القدير والمرموق الفاضل سعيد المسرحية وكان هذا الممثل يقوم بدور يتناسب تماماً مع شخصيته وسحنته حيث كان يؤدي دور امرأة سليطة اللسان فاجرة وفاحشة لا يعرف الحياء طريقاً لها " كبنت مجذوب في رواية الطيب صالح" موسم الهجرة إلى الشمال".. كانت نوافذ منزل الممثل تفتح على الشارع الذي يفصل بين المنزل الذي يختبئ فيه عبد الخالق " الزميل كرار" مباشرةً حيث يمكن للشخص رؤية المارة من داخل المنزل دون أن يراه أحد. تم تكليف أحد كوادر الحزب بإحضار الصحف اليومية والطعام " في شكل سندوتشات". على أن يحضر هذا الكادر في الساعة الحادية عشر والكل في مواقع العمل حيث تخلو الشوارع من المارة. وبعد أن يتأكد الكادر من خلو الشارع تماماً يقوم بقذف العهدة إلى داخل المنزل!! ثم ينصرف!! . كان الراوي يزور عبد الخالق كل ما سنحت الفرصة، ويأتي له بالأخبار.
    قال الراوي: حين وصلت أخبار الإعدامات لمسمع عبد الخالق محجوب بإعدام هاشم العطاء ألتفت نحو الحائط قائلاً!! الله!!!!!!! وعندما سمع بتسليم بابكر النور وفاروق عثمان حمد الله زرفت دموعه!! رفض عبد الخالق الهرب من البلاد وقدم اقتراح بأن يلجأ لسفارة ألمانيا الشرقية وبعد أن سمع بمذبحة بيت الضيافة والإعدامات، فكر في تسليم نفسه لوقف هذا الوحش الكاسر والمجازر التي كانت ترتكب في صفوف الشيوعيين.. حيث كان من الممكن أن تهدأ الأمور ولتوفرت محكمة عادلة وفي ظروف أفضل وبالتالي ربما يكون الحكم ... أقل من الإعدام.
    كان عبد الخالق يرغب في عبور النهر إلى الضفة الشرقية والتوجه للخليفة النور خليفة الختمية بحلة خوجلي ووالد زوجة الرائد فاروق حمد الله لما يعلمه من فضائل هذه الأسرة ونشؤها على أعظم أحوال الاستقامة والتقية والعلم وقيامها بالدعاية إلى الله والهدي فأرشدت ما لا يحصى من الخلق ناشرة الهدى ومحاربة للضلال. وبالفعل طلب مني أن اتفق مع أحد المراكبية ليقوم بنقله للضفة الشرقية من النيل. لعل الحنين عاد بعبد الخالق إلى جذوره بمنطقة الرباطاب وجبل البركل وعاوده حب الختمية والمراغنة الذين تمدحهم جدته لأبيه.
    لا أحد يدري أن القدر كان ينسج خيوطه, إذ أنه وفي أحد النوبات صادف أن رأي وبالصدفة هذا الممثل من الداخل الكادر وهو يقوم بقذف الكيس الذي يحمل السندوتشات والصحف. فقام بإبلاغ رجال نقطة شرطة الهجرة التي تم نصبها عقب أحداث ود نوباوي والجزيرة آبا ظناً منه أن هناك عصابة لصوص داخل المنزل الشاغر. جاء رجال الشرطة ودخلوا منزل الممثل، وآخذوا ينتظرون إلى أن يأتي موعد الشاب المكلف! جاء الشاب!! وبعد أن تلفت يمنى ويسرى، قذف الكيس. وأنصرف، وما هي إلا دقائق حتى قفز رجال الشرطة إلى داخل المنزل ليجدوا عبد الخالق يفترش صفحات الصحيفة التي قرأها ليتناول عليها طعامه. تم القاء القبض على عبد الخالق في تمام الساعة الثانية من ظهر 26/07/1971
    اقتيد عبد الخالق لمركز الشرطة وفي الطريق تعرف عليه أحد المارة، داء الزول المطلوب القبض عليه والتي تملاً صوره شاشات التلفزيون وصفحات الصحف. وحينها علم رجال الشرطة بأن المعتقل هو من تبحث عنه القيادة. سلم عبد الخالق إلى أحد الضباط، والذي أقتاده بدوره وقام بتسليمه للرائد مأمون عوض أبو زيد. جاء الرائد مأمون عوض أبو زيد بعبد الخالق إلى مكتب عمر الحاج موسى، وحينها كان يجلس بالمكتب كل من عمر الحاج موسى والدكتور منصور خالد وأبو القاسم هاشم. " فجأة سمعنا صوت وجلبة، صوت يصيح ألقينا القبض عليه ". جيء بزعيم الحزب الشيوعي السوداني، أكبر حزب شيوعي خارج موسكو وأشهر شخصية سياسية في الوطن العربي ودول العالم الثالث, يرتدي جلباباً متسخاً ومقيد بعمامته. في حادثة آسيفة هي الوحيدة من نوعها. طلب مني عبد الخالق كوب من الماء فأعطيته، وطلب الكأس الثاني وأعطيته. وفجأة دخل علينا جعفر نميري يرافقه أبو القاسم محمد إبراهيم وقام بآخذ الكأس ودلق الماء على وجهة. طلب مني عبد الخالق إشعال سيجارة، فأشعلت له سيجارة ، وعلى غرار سيده قام الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم بنزع السيجارة وقذفها بعيداً عنه، وسأله جعفر نميري هربت عشان تعمل عمليتك دي. وبأدب جم سأله الرائد أبو القاسم هاشم، مشكلتك شنو يا عبد الخالق مع القوميين العرب؟؟؟ وهنا انتصب عمر الحاج موسى قائلاً بالله عليكم الله ياجماعة سوقوه إلى أي مكان بعيداً من هنا. اقتيد عبد الخالق وحمل على ظهر عربة مكشوفة طافت به شوارع الخرطوم والسوق العربي ليتفرج عليه الرعاع وجمهور القطيع herds والرجرجة والدهماء من المتخلفين وعصابة التجار والمرابين ورجال الهوس الديني وقاموا بتوجيه الإساءات والهتاف ضده، عبد الخالق الذي لا يعرف الخالق!!! بل وصل بهم الحال أن قاموا بقذفه بالطماطم والبصل والحجارة والبيض والحجارة!!! أقيمت محاكمة صورية غير عادلة وغير محايدة لعبد الخالق محجوب، حولها عبد الخالق لمحاكمة للنظام مما أضطر القضاة لتحويلها لجلسة سرية أفحم فيها هيئة المحكمة وممثلي الاتهام، انتهت بالحكم عليه شنقاً حتى الموت!!!
    بالنسبة لمحاكمة وإعدام المدنيين من قادة الحزب الثلاثة عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق فلم تكن هناك مصداقية في المحاكمات التي أخضع إليها القادة الثلاثة وقضت بإعدامهم . قامت الصحف البريطانية في سياق حملة إعلامية في مقدمتها الأوبزرفر والتايمز المهتمة بالشأن السوداني : قال الكاتب أن محاكمة عبد الخلاق بنيت منذ البداية على خطأ قانوني عن عمد قصد منه أن يفضي مسار المحكمة إلى حكم بالإعدام كان مقررا مسبقاً حتى قبل أن يتم تشكيل الهيئة العسكرية للمحاكمة . جرت المحاكمة بموجب قانون القوات المسلحة. ولكن بدلاً من أن توجه لعبد الخالق ورفيقه الشفيع تهمة تأييد الانقلاب بعد وقوعه وجهت إليهم تهمة المشاركة في الانقلاب لأن من أمر بتشكيل المحاكمة يعلم علم اليقين أن التهمة الأولى لا تفي بغرضه ولا تنطوي على عقوبة الإعدام بينما تتضمن الثانية عقوبة الإعدام وأستخلص الكاتب أن الإعدام الذي نفذ كان هو عملية اغتيال لأن الانقلاب كان عسكرياً صرفاً.
    انتهت حياة عبد الخالق محجوب على حبل مشنقة سجن كوبر في الساعات الأولى من صباح الأربعاء 28 يوليو1971، رثاه عدد كبير من الشعراء العرب والسودانيين وشكل إعدامه صدمة كبيرة للحركة الماركسية العربية والسودانية ولم يعد الحزب الشيوعي السوداني لسابق عهده أبدأ بعد إعدامه مع أغلب قيادات الحزب. وبموته انتهى فصل من الفكر في الحياة السياسية والاجتماعية في السودان. أستطاع فيه اليسار السوداني الإسهام بفاعلية في تشكيل الوعي الفكري والسياسي الحديث والمعاصر ......
    بعد أن كان النظام يعتبر في بداياته صنيعة لليسار، تحرر من قبضة اليساريين بعد هذه العملية ليضم إلى معسكرة قيادات حزبية تقليدية بارزة، ثم أتجه نحو الإسلاميين الذين منحهم السانحة لتصفية حساباتهم مع اليسار. وفي غضون ذلك ازدهرت الحركة الفكرية الإسلامية في السودان واكتظت الساحة السياسية بالأفكار والأنشطة والجماعات الإسلامية. كل يبشر بأفكاره بدءاً بالإخوان المسلمين وجماعة أنصار السنة، مروراً بالطرق الصوفية المختلفة وانتهاء بالأحزاب التي دخلت الحلبة عن طريق طوائفها الدينية كالختمية والأنصار. وكانت هذه القوى كلها تدعو إلى تطبيق مبادئ إسلامية عامة.
    لقد قابل ذلك من الناحية الاقتصادية تدهور خطير في الإنتاج الزراعي والصناعي وتدني في عائدات الصادرات وعجز كبير في ميزان المدفوعات جعل البلاد تعيش في حالة أزمة اقتصادية حقيقية، أدت إلى موجة من الإضرابات العامة هددت بانهيار الدولة.
    وأخيراً أتقدم بحار اعتذاري لأسر الشهداء وإن رحت مجدداً لافتتاح الجراحات القديمة التي آمل أن تكون اندملت إلى حد ما .
    وأود أن شكر أولئك الذين جعلوا من الممكن إخراج هذا التقرير، وخاصة جيفري كريسب وستيفاني جاكيمت العاملين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين
    التجاني فضل المولى أب شاخورة
    مدينة كوستي- السودان
    [email protected]





























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de