في بلادنا، لا جديد يُذكر ولا قديم يُترك، فالأحداث تُعاد تدويرها كما تُعاد الخطب، مع تغيير العنوان فقط. خذ مثلًا قصة عبدالفتاح؛ ليست شخصًا بقدر ما هي ماركة سياسية: نسخة أولى نجحت، ونسخة ثانية قيد التجربة… مع أعطال متوقعة. عبدالفتاح2 بدأ المشوار كما ينبغي لأي طامح في الحكم السريع: رحلة إلى القاهرة، تحية عسكرية كاملة الدسم، ثم عودة عاجلة بانقلاب جاهز للاستخدام. لا تعليمات معقدة: أوقف الانتقال السلمي، افتح أبواب الحرب، واترك للشعب مهمة الصبر والدعاء. الحركة الإجرامية فرحت. أخيرًا رجل “يفهمهم ويفهمونه”. صفّقوا، باركوا، ونصبوه متحدثًا باسم الشعب، رغم أن الشعب كان مشغولًا بالبحث عن الخبز والنجاة. تحالف مثالي: رجل يريد السلطة، وحركة تريد كل شيء آخر. لكن المفاجأة جاءت من حيث لا يتوقعون. عاد عبدالفتاح2 من القاهرة مرة أخرى، وهذه المرة بلا حماس. التعليمات الجديدة لا تحتمل اللبس: غيّر الواجهة، خفّف الحمولة، وفك الارتباط مع الحركة الإجرامية… على الأقل في الصورة. وهنا تحولت الحركة إلى نشرة نواح. فالسلطة بالنسبة لهم ليست وسيلة، بل غاية مقدسة. لا دستور، لا قيم، لا وطن؛ فقط بقاء أطول ممكن، ونهب أنظف ما تسمح به الظروف. التشابه بين عبدالفتاح1 وعبدالفتاح2 يظل لافتًا: نجاة فردية وسط موت جماعي(حادثةطائرة البوينج،انقلاب رمضان)، خطاب دائم باسم الشعب، وقدرة عجيبة على الحلف ثم التراجع. لكن الفارق الجوهري أن النسخة الثانية لا تملك “الدولة العميقة” التي كانت تحمي النسخة الأولى. فالدولة العميقة هذه المرة في يد الحركة الإجرامية نفسها… وهنا بيت القصيد. اليوم، عبدالفتاح في ورطة حقيقية: إن أرضى الحركة خسر الخارج، وإن أرضى الخارج خسر الحركة، وإن حاول إرضاء الاثنين خسر نفسه. أما الحركة الإجرامية، فما زالت تعتقد أن المشكلة في الأشخاص، لا في الفكرة. لا تدرك أن التصفيق الأعمى هو الذي يصنع الطغاة، ثم يشتكي منهم لاحقًا. والسؤال الذي يبقى بلا إجابة: كم عبدالفتاح نحتاج بعد، قبل أن نفهم أن المشكلة ليست في النسخة… بل في النظام الذي يطلب دائمًا نسخة جديدة؟
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة