قصة الكاتب النيجيري الكبير وول سوينكا مع كاتب السنغال الشهير ورئيسها السابق المرحوم ليوبولد سنغور الذي لا يشق له غبار في كتاباته الفرنسية وإيجادته لهذه اللغة حتى بلوغه أن وضع بعض المفردات اللغوية في قاموسها التي تدرس في الجامعات الفرنسية بل في العالم قاطبة إلا أن هذه المكانه الرفيعة والدور الرائد في مجال اللغة الفرنسية والأدب لم تسعفه هذه أن يتباهى بهويته العريقة وكيف أنه تخطى قارته الكبيرة بعقله وإخترق لغة مستعمريه وهو الأفريقي فكتب في إحدى كتاباته بأنه تمنى لو كان فرنسياُ ! فكانت هذه المقولة إحدى إسقاطاته المهزومة في تاريخه الطويل وصادفت تلك الفترة أن الأفارقة كانوا في مرحلة التحرر وإثبات الذات والهوية فخرج لهم ليوبولد سنغور بهذه الطامة الكبرى وهم الذين كانوا في أشد الحوجة للكتاب الأفارقة من أبنائها والشعراء لإبراز أفريقيا وشعوبها فلم يهدئ من روع الأفارقة إلا مقولة وول سوينكا الكاتب الإفريقي العريق الذي أطلق مقولته الشهيرة (( النمر ليس في حاجة للمباهاة بنمورته )) . إشكالية سنغور العميقة في هويته هي نفسها التي وقع فيها عالم اللغة العربية المرحوم عبدالله الطيب في السودان فهذا القصور الذاتي أو السقوط جعل منهما أن يتزوجا من مستعمريهم لإشباع رغباتهم المهزومة والمتناقضة حين يواجه السودانيين أنفسهم ويتعلمون كيف يتعاملون فيما بينهم ويكتشفون هويتهم القومية الموحدة يصبحون آنذاك قادرين على التعامل بشكل متسق وفعال مع بعضهم البعض من دون حجر لأحد ومع العالم الخارجي في إطار المصلحة لكل السودانيين من دون النظر الي اللونية الثقافية ,الدينية أو الاثنية ومع وجودنا في إلاطار والتمازج الإفريقي والجيران العرب والديانات الإفريقية, المسيحية , والإسلامية التي شكلت السودان . فمشكلات السودان داخلية وهي في إطار دوله قامت على أسس هشة وكيان سياسي مستلب عديم الهوية يعاني ككل من الضياع أن مشكلتنا الرئيسية هي أن السودان كان ولا يزال يبحث عن ذاتيته وهويته الحقيقية، وحين فشل السودانيين في التوصل إلى ذلك وجدوا ملجأ لهم في العروبة, وحين فشل هذا الملجأ لجئوا للإسلام كعامل موحد ولم يكن هذا الملجأ إلا إطار للقهر والبطش وانتهاك الحقوق الأساسية للإنسانية التي تتواضع عليها كافة الشرائع الأرضية والسماوية فأصيب البعض بإحباط لأنهم لم يدركوا كيف يمكنهم أن يكونوا عرباً ومسلمين بينما خالقهم لم يرد لهم ذلك اللغة الرنانة والسمجة التي لا تشبع ولا تغني من يقتنع بها اوحتي قائلها . فالحروب الدائرة هي نفس الحروب التي أدت إلى إنفصال جزء عزيز من هذا السودان والشخوص القابضين على مركز السلطة هم نفس السلالة والعشيرة تتوارث الأدوار وتزرع الفتن وتعيد إنتاج الأزمات وتخلق المبارزات الطاحنة حول لا شئ . الشئ الوحيد الذي لا تتحدث فيه وإعتباره من ثوابت المنظومة أو تعطي من له الحق في إبداء رأيه هو السلطة التي تدور رحاها فيما بينهم وزادت عليه الأن الثروة التي استغلوها أبشع استغلال لتمكين سلطانهم وضرب كل من تسول له نفسه من الاقتراب منهم حتى وصلت مرحلة الإبادة فأصبح كل السودان قديماُ وحديثا يدور حولهم وهم النقطة المركزية لإدارة الأزمة وعند إنفصال الجنوب ما زالت هذه المركزية مواصلة في غيها وتحكمها وتهكمها في إدارة السودان المتبقي بكل عنجهية وإستكبار وتطاول لم تعطي لنفسها مساحة لفهم ما جري من قبل وما يجري الأن تمارس نفس الأدوار القديمة المتجددة وهي لم تعي بأن الأرض تهتز من تحتها وأن التغيير قادم لا محالة وليس سلمياُ بل بقوة السلاح إذا لم يرتضوا بالحل السلمي الذين يعرفون تبعاته عليهم وأن هذا التغيير لا يذر رماداُ ولا يناطح سحاباُ لنزول غيث المصالحة والمسامحة والعفو الذي أوصل هذا السودان إلى هذا الدرك السحيق من العذاب والإنهيار المتلازم لأوضاعه الفاشلة منذ قيامه لأن الذي لم يرحم لا يرحم لقد جذر هؤلاء كل ماهو مشين وكل ما هو منتهك لحق الإنسان في أبسط معانيه وهو حق الحياة فقط من دون الخوض في بقية الحقوق المسلوبة من دون رحمة أو خوف من العقاب وكأنهم يعرفون بأنهم سوف يفلتوا من العقاب لأنها ثقافتهم التي حكموا بها هذا السودان بالتكرار من الفترات العسكرية وما يعرف بالديمقراطية لقد إنتهت ثقافتهم هذه المرة بظهور العدالة الدولية التي سوف تلاحقهم حتى مماتهم لا مفر منها . لقد جعل هؤلاء الحقوق في السودان عبارة عن منح وعطايا تعطي من تريد أن تعطيه وتمنح من تريده أن ينفذ لها برنامجاُ وهذه الحقوق لا تعطى إلا للذين يسبحون ويحمدون ويكبرون بهذه الفئة التي أعطت لنفسها هذا الحق الذي أنزله الله لها من دون غيرها وعلى الذين يتيهون حولها عدم تخطي الخطوط الحمراء التي سمعناها من قبل وما زلنا نسمعها وهذه الخطوط هي التي تتقاطع حولها السلطة والثروة والهوية المزورة بكل إبعادها الوهمية والعصبية التسلطية المتجذرة في مخيلتهم القاصرة أما الذين تربوا وسط هذه الذلة والإنحطاط وسلب الإرادة لم يتبقى لهم إلا الحياة الرخيصة والمهينة والمسلوبة لإرادتهم وكرامتهم وإنسانيتهم المضروبة إن كل يوم يأتي ويذهب بقدر ما تتساقط القلوب المرتجفة والضعيفة كلما يزرع هذا اليوم شيئاُ جديداُ في النفوس وتزداد العزيمة والإرادة القوية والحرة لكي تسقط كل المشاريع الوهمية والنظريات المستجلبة والمبادرات المسكنة التي لا تخدم إلا تلك المنظومة لأنها تحدد شكلها وتفصلها على مقاسها القصير الذي ابرز كل عوراتها التي إجتهدت في إخفائها في كل السنوات العجاف الماضية لكن من دون جدوى لان سر اللعبة قد إنكشف وسقطت كل أوراق الدعارة الفكرية التي كانوا يتدثرون بها ولم يكن لهم ما يقدمونه لإستمرارهم إلا القتل والتصفية والإبادة . وعندما نقول بأن التغيير لا يأتي بلغة وعقلية الدين خط احمر او غالبية السودانيين مسلمين وان هوية السودان عربية هذه لغة بائدة وانتهي مفعولها وهي من شكل المعطيات الواقعية الحادثة الأن لا يمكن أن نفهم بأن الذين يقاتلون بإسم هذه الشعوب عليهم الجلوس والتفاوض تحت إرادة تلك المجموعة الباغية وأن يقبلوا بما تمليها لهم هذه الفئة الغاشمة وعليهم الركون لوضع السودان القديم المتبقي التي تدور حوله الشعوب المضطهدة والمظلومة التي لم تتذوق طعم الحياة ولو مرة واحدة منذ اغتصاب هؤلاء للسلطة والاستئثار بالثروة وإلصاق أو تزييف حقائق الله في الأرض التي وضعها في خلقه على هذه الشعوب أن تقنع بوضعها القديم الذي فصلته لها هذه الجماعة الفاسدة وان سيادتها على أرضها هي شكل من أشكال الصورة المعنسة لوضع ما يعرف بالسودان قديماُ والمتبقي الأن وأن هذا الوضع لا يمكن ولن يستمر ما دامت الأسلحة مشرعة ومرفوعة والعزيمة والإرادة التي تنطلق من الأرض ولا شئ غير الأرض هي التي تمنح القوة والثبات على القضية وأن هذا السودان قد إنهار بما فيه ولم يتبقى منه إلا الكلاب الضالة والذئاب الجائعة والفئران الهاربة وعلى هذه الشعوب أن تستعد لمرحلتها. The Brilliant of the moon can only be experienced through the darkness of the night.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة