وطالما ذكرت أمس أيادي أستاذنا يوسف فضل حسن علينا فضربة لازب تذكر فضل بروف سيد حامد حريز الذي كان شريكه المستحق لمأثرة معهد الدراسات الأفريقية من عهد كان شعبة لأبحاث السودان بكلية الآداب بجامعة الخرطوم. فسيد من أهل التقى في الأكاديمية الذي أسعدنا وأهله بصحبة عمر بلا "غلت" كما كانت تقول الوالدة الأخرى الحاجة أمهاني رحمها الله والمعروفة لديه.
انعقد بالخرطوم تكريم للبروفسير سيد حامد حريز أستاذ علم الفلكلور ومدير معهد الدراسات الأفريقية والاسيوية بجامعة الخرطوم سابقاً. ورتب لهذا التكريم المستحق طلابه برعاية من شركة زين للهاتف السيار. سبقني سيد بعام إلى جامعة الخرطوم. ولم أتعرف عليه مع ذلك لغلبة السياسة عليّ وغلبة الأكاديمية عليه. ثم التقينا في رحاب شعبة أبحاث السودان بكلية الآداب التي كلفتها الجامعة بالبحث في المأثورات الوطنية والشعبية وجعلت عليها البروفسير يوسف فضل. ولولا يقظة يوسف وعينه اللاقطة لمن توسم فيهم عونه في هذه المهمة المبتكرة لما التقيت بسيد. فقد كان تعين بشعبة اللغة الإنجليزية بكلية الآداب وسافر لإنجلترا وعاد برسالة عن احتفالنا بالميلاد والختان والزواج مما يسمى ب “طقوس العبور”. وكنت أنا استدرك فوت الأكاديمية لي فجلست لامتحان شرف معادل في التاريخ. وعقد يوسف بينا في حلال المعرفة والزمالة. فألح على سيد أن يتحول من شعبة الإنجليزية إلى وحدة ابحاث السودان بقرينة رسالته المميزة في علم الفلكلور. ثم استدرجني يوسف للشعبة بعد أن سمعني أتحدث عن فلوكلور الهبانية في إذاعة أم درمان. وأقنع الجامعة بتعييني رغم أنني لم أحصل على درجة الشرف الثانية. لا أعرف مؤسستين أدين لهما بجامعاتي (في لغة مكسيم جوركي) مثل الحزب الشيوعي وشعبة أبحاث السودان التي صارت معهد الدراسات الأفريقية. فقد وطنني المعهد في الأكاديمية فرشحت على ممارستي السياسية. وكان كسبي من المعهد زمالة عمر مع سيد. كان أنيقاً مظهراً ومخبراً. لا أنسى أن أهداني كتاب جان فانسينا الشهير “التقاليد الشفوية” حال صدوره في 1966 فاسترشدت به خلال شغلي في كتابة تاريخ الكبابيش من رواياتهم الشفوية. أذكر أمسياتنا بالشعبة التي كانت في مكان مسجد الجامعة الآن. نطالع ونبحث ونكتب، أو نحضر سمنار الأربعاء، أو نسجل لراو حل بالخرطوم في صحبة الطيب محمد الطيب، أو نقف مع آدم والضي نصف أوراق مطبوع للشعبة بالرونيو صفاً. ولا أنسى سفرتنا إلى أبو فروع لنلقي مولانا القرشي ليحدثنا عن خدمته للإسلام بجبال النوبة. ودون ذلك عزيزنا احمد عبد الرحيم في كتاب له عن جبال النوبة. وأدين لسيد أنه جعل بري المحس “حلتي” بعيداً من داخلة عطبرة. فكنت لزيم دارهم لا يفوتني غداء. ثم صرت من “أجرية” بري بفضله. بل قل من زملائنا بالجامعة من لم يغره سيد بسكنى بري المحس. وطاب لي معشر أهلها: جخنون عامر، مصطبة سراج، ودكان عبد الملك، وآل حريز، وآل إسحاق، وآل بشرى، والرفيقة سكينة عالم ”وسيدة الجمالها فريد”، وآل هاشم، والسيسي ودكان ناس حمدين، وأبو زرقة، والباشمفتش خوجلي، ومولانا مجذوب كمال الدين. يا لأنسهم وظرفهم وخوتهم. لا بد أن ذكر مكرمو سيد يده الطولى في قيادته لعملية جمع مأثور السودان وتبويبه ونشره. فلما تحولت الشعبة إلى معهد الدراسات الأفريقية الحالي تولى سيد، إلى جانب النيابة عن المدير، رئاسة شعبة الفلكلور. وأدار التنوع الثقافي بما وددت لو وقف عنده المهرجون بالهوية الأفريقية. فمن بين 38 مطبوعاً من سلسلة “دراسات في التراث الشعبي” كان حظ السودانيين، من عُرفوا مؤخراً ب”الأفارقة”، 20%. ناهيك عن ما تجمع في أرشيف الفلكلور من مواد عن الموسيقي الشعبية الذي ركز على جبال النوبة والأنقسنا بصورة خاصة.
ولا أدري إن كانت الجامعة نفسها تعرف قيمة استثمارها في هذا المعهد العريق. فما تزال إدارة الجامعة تروعنا بخطة عشوائية تريد بها دمجه في معاهد أخرى ما عليك بها. فهذا المعهد لم يضف إلى الأكاديمية السودانية مادة غير مطروقة في الكليات، بل هو إضافة معمارية مشهودة من قاعة الشارقة، المتنفس الثقافي الترفيهي لسائر الخرطوم، إلى قاعة ودعة. وهي شهادات تميز المعهد عما سواه وتم أكثرها باستقلال عن الجامعة، بل ربما رغماً عنها. فآمل، ونحن نكرم الرعيل في شخص عزيزنا سيد، أن تكف الجامعة عن هرجها الإداري بحق المعهد. آمل أن يكون تكريم سيد مناسبة لتقف الجامعة على خطر فكرة وقعت لها قبل نحو قرن وسهر عليها رجال ونساء في نبل سيد حتى استوت على سوقها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة