سماءٌ لا تنظر إلينا الفاشر تُباد في صمت، والذهب يُخزَّن في خزائن أوروبا كتبه محمد بدوي مصطفى

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 08-27-2025, 05:22 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
08-02-2025, 02:21 PM

محمد بدوي مصطفى
<aمحمد بدوي مصطفى
تاريخ التسجيل: 10-26-2013
مجموع المشاركات: 265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سماءٌ لا تنظر إلينا الفاشر تُباد في صمت، والذهب يُخزَّن في خزائن أوروبا كتبه محمد بدوي مصطفى

    02:21 PM August, 02 2025

    سودانيز اون لاين
    محمد بدوي مصطفى -Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر






    "أسوأ ما في الأمر ليس ظلم الأشرار، بل صمت الأخيار."
    ــ مارتن لوثر كينغ الابن



    لم أكن هناك. لم أكن في تلك الليلة التي احترقت فيها البيوت كما تُحترق صفحاتٌ من كتاب قديم لم يُقرأ يومًا. لم أكن مع الجثث الملقاة في الطرقات تحت الشمس الحارقة، ولا مع الأمهات اللواتي قُطعت أرحامهنّ بنصل القصف، وهنّ يلدن في الظلام، دون قابلات، دون ماء، دون آذان تسمع الصرخة. لم أكن هناك، لكنني أحمل رائحة الفاشر في أنفاسي، ووجعها في قفصي الصدري. المدينة تعيش فيّ، في كل نظرة، في كل حرف، في كل رجفة حزن، وكأنني كنتُ هناك يوم بدأ الخراب.

    الفاشر تُقصف يوميًا، تُباد بلا مقدمات، بلا بيانات تنديد، بلا دمعة على شاشة. تُفرغ من سكانها كما تُفرغ قنينة ماء في صحراء نسيها الزمان. الفاشر تختنق. لا قوافل إغاثة، لا دواء، لا قمح. وحده الموت لا يغيب. والمفارقة الكبرى أن البلاد التي تموت من الجوع، تطفو على بحيرات من الذهب واليورانيوم والمعادن التي لو قُدّر لها أن تُدار بعدل، لأطعمت أفريقيا كلها. ومع ذلك، تموت امرأةٌ كل لحظة وهي تبحث عن قطعة خبز لأطفالها في حيٍّ دُمِّر، وطفلٌ آخر يهمس لجثة أمه: "هل انتهت الحرب؟".

    وحين تصرخ الفاشر، يصمّ العالم أذنيه، ويُشيح بوجهه كما لو أن الموت شأن داخلي، أو صوت بعيد لا يستحق إزعاج المؤتمرات. العالم اليوم، أكثر قدرة من أي وقت مضى على الرؤية، لكنه أكثر اختيارًا للعمى. والمأساة، أننا في السودان لا نموت فقط بالقصف أو الجوع، بل نموت أيضًا بالخيانة، بالتجاهل، بالصمت.

    في غرب السودان، تُقام الآن حكومة موازية لا أحد يعرف لها حدودًا أو صلاحيات، تحكمها البنادق، ويسوسها من لا يجيدون إلا أوامر الاقتحام والنهب والتصفية. بينما تتصارع النخب في العاصمة على اختيار الجنرال المناسب للمنصب الوزاري الأنسب، كأنما الأمر لعبة شطرنج في مقهى مغلق، لا شأن له بما يحدث في الميدان. وكأن الوزارات حقول نخيل، يمكن حراستها بكتيبة، لا ببرنامج.

    هل يُعقل أن تمتلئ بنوك سويسرا بأموال السودان المسروقة، بالذهب المُهرّب، بملياراتٍ نُزعت من بطون الجوعى، في حين يموت السوداني في كل قريةٍ مئة مرة؟ هل يُعقل أن تُقصف مدينة كاملة كل يوم في صمت، في حين تُبرم عقود تصدير الموارد مع شركاتٍ عالمية لا ترفّ لها عين؟ كيف تُبنى ناطحات السحاب في الخارج من عظام الداخل؟ كيف يمكن لهذا العالم أن يكون بهذا القدر من الصقيع الأخلاقي؟

    في العام الماضي، كنت في مدينة زيورخ. وقفتُ في ساحة صغيرة، وسط مظاهرة صامتة ضد الحرب في السودان، أرفع لافتةً خطّها يدي: "أوقفوا الإبادة في دارفور". وهناك، التقيت بنائب برلماني سويسري، رجلٌ بدا مهذبًا، مهتمًا، لكن مترددًا. أخبرته بالحقيقة: أن حكومته تعلم. أن الأموال السودانية المهرّبة تُغسل هنا، تُخزّن هنا، وتُعاد استثمارها في صفقاتٍ لا تُسأل عن مصدرها. قال لي بصوت خافت: "نعلم... لكننا لا نملك شيئًا نفعله الآن". كانت جملته كسكين بارد في ظهري. لأننا لا نحتاج إلى شيء أكثر من أن يفعل العالم شيئًا.

    لم أعد أؤمن بأن الصور وحدها تكفي. أو أن الدموع تغسل ضميرًا. أو أن البيانات تغيّر مسار طائرة مقاتلة. لكنني أكتب، لأني لا أملك سلاحًا آخر. أكتب لأن في الفاشر الآن من يُدفن دون اسم، ومن لا يُعرف قبره، ومن تموت ذكراه قبل أن يُدفن. أكتب لأني ما زلت أؤمن بأن الكلمة، حتى لو لم توقف الرصاصة، فإنها تفضح من أطلقها.

    الفاشر ليست فقط مدينة تُباد، بل مرآة لما أصبح عليه العالم: لا يرى إلا ما يريده، ولا يسمع إلا صوته.



    --
    Dr. Mohamed Badawi























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de