إذا تعاطى الحاكم التجارة فسد الحكم وفسدت التجارة ابن خلدون يقطع الطاغية الشجرة ليحصل على الثمرة مثل فرنسي في الحكومة كما في الجسم البشري الأمراض الأكثر سوءا مصدرها الرأس مثل بلجيكي أشقى الولاة من شقيت به رعيته. عمر بن الخطاب إذا فسدت السياسة ذهب السلطان مثل تركي
بقلم: حسن أبو زينب عمر
مشاهد المواطن البائس الذي كان يخوض في عكر المياه حاملا متاعه متجها من اللامكان الى اللامكان بعد أن غمرت مياه فيضان سد النهضة بيته بحثا عن ملجأ جديد هو نفس المواطن الذي فقد بيته وممتلكاته وربما اغتصبت أمامه زوجته وأخواته من قبل أوباش الدعم السريع لإذلاله واهانته. أمس جاءته المحنة من من ادعى انقاذه من عذابات الهامش فلجأ الى منافي الضياع وتجرع الحرمان حتى الثمالة وعاد أدراجه الى وطن جريح ليجد بيته أشباحا غير قابلة للسكن بعد أن (شلع) اللصوص منه حتى كوابل الكهرباء بحثا عن نحاس وهو يواجه بصدر عار أمراضا تفتك بالبشر. اليوم قست عليه الطبيعية لتعيده مجددا الى مستنقع الجحيم .. جزر عائمة اختفت فيها ملامح الشوارع والساحات .. لا شيء يماثل الأقدار التي تخرجه من كبوة لتلقيه في كبوة أخرى الا أقدار الفرنسي (جان فالجان) بطل رواية البؤساء للروائي الفرنسي فيكتور هيجو الذي تكالبت عليه المحن فما ان ينجو من أحدها حتى يسقط في براثن أخرى .. الرواية رواية ملحمية تاريخية من أشهر روايات القرن 19 وكان من الممكن حصولها على جائزة نوبل في الأدب لولا أن الجائزة لم تكن موجودة وقتها. (2) لكن القضية التي بدأت الآن تزاحم بالأكتاف الحرب والسلام وسط الفيضانات غير المسبوقة هنا هي سد النهضة. قصة وتطورات هذا السد أغرب من الخيال فهو ليس السد الوحيد في العالم فهناك العشرات وربما المئات من السدود المشيدة للتحكم والاستفادة من مياه الأنهار في توليد الطاقة والزراعة والصناعة والسياحة من قبل دول بعضها في المنبع وبعضها في المصب وبعضها بين المنبع والمصب ولكن القاسم المشترك بين هذه الدول هي اتفاقيات وافق عليها الجميع لإدارة مثل هذه المواقع الحيوية الهامة وهنا يكمن مربط الفرس الذي يستدعي التوقف فكل الأمور مستتبة هادئة وتسير بسلاسة في إدارة أنهار العالم باتفاقيات تعتبر صكا قانونيا دوليا فريدا وملزما لكل الاطراف لكونه منصة حكومية دولية تهدف الى ضمان الاستخدام المستدام للموارد المائية العابرة للحدود من خلال تسهيل التعاون فهناك عدة بروتكولات أهمها على سبيل المثال بروتكول اللجنة الاقتصادية لأوروبا التابعة للأمم المتحدة UNECE. (3) في أمريكا الجنوبية تتقاسم تسع دول حوض نهر الأمازون وهي البرازيل و بيرو وبوليفيا و كولومبيا وفنزويلا والإكوادور وغيانا و سورينام وغيانا الفرنسية أما بالنسبة لاتفاقيات المياه فإن أهمها (معاهدة تعاون الأمازون) التي تم ابرامها عام 1978 والتي تعتبر (ACTO) الإطار الرسمي للتعاون المائي والاقتصادي والبيئي بين الدول الأعضاء. في أفريقيا تدير دول نهر السنغال وهي السنغال وغينيا ومالي وموريتانيا الحوض بشكل مشترك عبر منظمة استثمار نهر السنغال والتي تأسست عام 1972 بهدف تحقيق الأمن الغذائي وزيادة الدخل، وحماية البيئة من خلال الإدارة المشتركة للموارد المائية للنهر، بما في ذلك بناء السدود لتنظيم التدفق وتوليد الطاقة. (4) في أوروبا هناك دول نهر الراين الذي ينبع من جبال الألب وهي سويسرا وليختنشتاين والنمسا وألمانيا وفرنسا وهولندا ويتدفق النهر عبر هذه الدول الست ليصل إلى بحر الشمال في هولندا وهناك اتفاقيات متعددة لإدارة مياه النهر أبرزها اتفاقية حماية نهر الراين (1999) التي تديرها اللجنة الدولية لحماية نهر الراين وقبلها اتفاقية ماينر 1831 ومانهايم 1868 فضلا عن أخرى في مجالات البيئة والملاحة. (5) وحده يقف نهر النيل الذي تحتضنه 8 دول هي بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا والكونغو وأوغندا وأثيوبيا والسودان شذوذا من قاعدة التعاون والتنسيق وبالذات (أثيوبيا والسودان ومصر). ففي عام 1929 أبرمت الحكومة البريطانية بصفتها الاستعمارية نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغندا وتنزانيا وكينيا) اتفاقية مع الحكومة المصرية تقتسم فيهما الدولتان مصر والسودان المياه 48 مليار متر مكعب أي 75% لمصر مقابل 4 مليار للسودان بنسبة 25% وجاءت اتفاقية 1959 مكملة لاتفاقية 1929 وليست لاغية لها ..هنا اعترضت أثيوبيا على (القسمة الضيزي) التي أخرجتها خاوية الوفاض من المعادلة وقالت انها لا تعترف باتفاقيات أبرمت من قبل السلطة الاستعمارية فهي ليست هي جزءا منها وأنها ليست معنية بها وهي في امس الحاجة للمياه كدولة فقيرة لاستخراج الطاقة الكهربائية وكسب المنطق الأثيوبي الرهان فيما طاشت في الهواء سهام تهديدات مصر من شاكلة (قطع أي دراع تمتد للمياه) كما تبخرت علميا مزاعم أن أرضية السد تنام على براكين وزلازل ناشطة فيما تحولت محاذير الأزهر ان السد سيؤدي الى تصدع الحرم المكي الى نكتة سمجة . (6) في التاسع من سبتمبر 2025 وبعد 14 عاما من البناء أصبح السد البالغ طوله 1,8 كيلومتر وارتفاعه 145 مترا ب 74 مليار متر مكعب من المياه وبقدرة توليد كهرباء تصل الى 5150 ميجاواط واقعا ملموسا وان البكاء على اللبن المسكوب لم يعد مجديا فالسد بحسب تقديرات الخبراء يعتبر أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا ..السؤال المطروح هنا هل يشكل السد حلولا إيجابية لمعضلة العصر في السودان ينبغي التحلي بالعقلانية حيالها والعض عليها بالنواجذ أم مشروعا سلبيا سيدفع ثمنه السودان غاليا ؟ الإجابة كانت في ضربة البداية واعدة في ان السودان سيغطي عجوزاته الكهربائية بصورة نهائية وبتكلفة لا تذكر كما ان السد سيقلل من حجم الاطماءات على سدود الرصيرص ومروي وجبل أوليا كما أنه سيمكن السيطرة على الفيضانات المدمرة ولكن هذا الصوت بدأ يخفت مع هدير المدفعية وانقضاضات المسيرات مع مليشيات الدعم السريع وضرورة كسب دور مصر السياسي في الحرب اللعينة حتى على حساب مصالحنا المائية ؟ لا أدري ولكن الذي أدريه من الذي نعيشه ونشاهده الآن ان الحياء كسا وجوه الذين كانوا يعدون الناس بالمن والسلوى من إيجابيات السد وأصبح الأمل سرابا بقيعة يحسبه العطشان ماءا. مدخل للخروج أقولها بالفم المليان أن أحد أخطر أزماتنا المزمنة أن ملفاتنا في الحرب والسلم دائما في يد سياسيون جاءوا بهم من بيوت المحاصصات مهنيتهم وكفاءاتهم لا تتجاوز حوش المصالح الحزبية .. ومالم يتولى هذه الملفات اخصائيون ومالم نعطي الخبز لخبازيه ومالم تكن المصلحة الوطنية وليس الحزبية والعشائرية هي البوصلة التي تقود فسوف ندور حول الأهداف المرجوة معصوبي الأعين كجمل العصارة ويذهب الخير للآخرين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسن ابوزينب عمر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست