* اعلنت الحكومة الاثيوبية عن موعد الافتتاح الرسمي لسد النهضة في سبتمبر القادم، بعد أكثر من عشر سنوات من التخطيط الطموح والعمل الشاق، وهو من أكبر المشاريع التنموية في القارة، بطاقة إنتاجية كهربائية تبلغ حوالي 5000 ميغاواط وسعة تخزينية هائلة تبلغ 74 مليار متر مكعب من المياه، بينما لم تتجاوز التكلفة الاجمالية (خمسة مليار دولار) رغم مواصفاته الفنية العالية والتقلبات العالمية في الاسعار والتوترات الإقليمية!
* تدعونا هذه المناسبة للحديث عن سد مروي الذي أطلق عليه إعلام النظام البائد عند افتتاحه في عام 2009 "معجزة القرن الحادي والعشرين"، وبلغت تكلفة تشييده أكثر من (ستة مليارات دولار) معظمها من قروض ربوية لم يُسدد معظمها حتى اليوم، رغم أن البلاد كانت في تلك الفترة تسبح في بحر من عائدات النفط التي بلغت في عام 2008 وحده اكثر من 8 مليار وستمائة مليون دولار امريكي ً!
* المفارقة المحزنة ان السد الذي شيِّد بوعود كبيرة وآمال عريضة، لم تتجاوز طاقته الإنتاجية الفعلية من الكهرباء في أفضل الأحوال 1000ميغاواط فقط، أي أقل من رُبع انتاج سد النهضة، ولا تزيد سعته التخزينية عن 12 مليار متر مكعب، أي أقل من السُّبع مِن السعة التخزينية لسد النهضة، بينما زادت تكلفة تشييده عن سد النهضة بمليار دولار!
* هل يمكن ان لانسان عاقل او بنصف عقل ان يُصدِّق هذا الفارق الضخم بين السدين من حيث التكلفة والطاقة الانتاجية والسعة التخزينية رغم ان تشييد سد مروي سبق تشييد سد النهضة باكثر من خمسة عشر عاما عندما كانت الاسعار اقل بكثير من الوقت الذي تم فيه تشييد سد النهضة !
* ولكن فيمَّ الاستغراب، فالذي شيَّد سد مروي هو النظام الكيزاني الفاسد الذي لم يَعرف من السدود (وغيرها) إلا ما يُسهِّل له نهب الموارد، وتكريس المحسوبيات، ومضاربة العُملة، وتوزيع العقود على أهل الولاء. نظام كان يحتفل بـ"الإنجازات الورقية" بينما يُغرق الشعب في الظلام والفقر والمرض، ويرقص على أنغام الكذب الإعلامي الذي كان يصور كل سرقة على أنها نصر، وكل فضيحة على أنها إنجاز، وكل كارثة على أنها فتح مبين!
* يعرف كل من تابع تقارير المؤسسات المالية الدولية في تلك الفترة حجم التجاوزات التي اُرتكبت في مشروع سد مروي، بدءاً من التعاقدات المشبوهة والقروض الربوية والفوائد الفلكية، مروراً بالأرقام المضروبة، وانتهاءً بالفساد في صيانة التوربينات ومحطات التوزيع، مما جعل المشروع يعيش على جهاز التنفس الصناعي منذ ولادته وحتى اليوم، ولم يقدم للسودان سوى المزيد من الديون والانهيار الاقتصادي.
* أما إثيوبيا، الدولة الفقيرة التي ليس لها آبار بترول أو مناجم ذهب او ملايين الافدنة الخصبة، والتي كانت مضرباً للأمثال في المجاعة والحروب، فقد استطاعت رغم المؤامرات والمشاكل الداخلية أن تُنجز مشروعاً قومياً حقيقياً يعكس إرادة سياسية وطنية، وتخطيطاً محكماً، وأولوية للتنمية لا للتمكين.
* الفرق واضح وفاضج بيننا وبينهم: نحن شيدنا سد النهب، وهم شيدوا سد النهضة. نحن جعلنا السد أداة للفساد، وهم جعلوه سبيلاً للنهوض، فهنيئا لهم .. والخزى والعار للكيزان والذين يُطبلون لهم ويركعون تحت اقدامهم!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة